العالم  كما يراه  الحكماء النظرة العلمية للعالم من السماء إلى الأرض
 

 هناك تغير جذري في النظرة العلمية للعالم حدثت بفعل النظرية النسبية وميكانيك الكم .

 لم يعد المكان والزمان ولا الطاقة ولا المادة كما كنا نفهمها من قبل .

 ولم يعد هناك فارق محدد بيننا وبين ما ندركه .. بين الراصد والمرصود.

 العالم كما يصفه العلم يبدو في غاية الغرابة والاتساع .. لا ندرك منه سوى شريحة بالغة الضيق.

 العلم يشير إلى أن هناك أكوان وأبعاد أخرى موجودة معنا هنا والآن ..والأشياء التي تبدو كثيرة هي في الحقيقة شيء واحد .

 هناك نظريات بالغة العمق تشير إلى احتمال أن نكون نحن وكل ما ندركه مجرد صور داخل برنامج كمبيوتر.

 النظرة العلمية للعالم تتقارب بشدة مع ما يتحدث عنه الحكماء منذ الآف السنين .

 

مقدمة النظرية النسبية ميكانيك الكم مابعد النسبية و ميكانيك الكم الأكوان الأخرى
الأبعاد الأخرى المادة والطاقة المجهولين نظريات التوحيد المبدأ الهولوغرافي الواقع التمثيلي
 

نظرية ميكانيك الكم

 

نظرية ميكانيك الكم هي نظرية فيزيائية بواسطة مفاهيمها ومعادلاتها يمكننا معرفة القوانين التي تحكم الجسيمات دون الذرية.

كل من سمع عن نظرية ميكانيك الكم يعلم إنها نظرية غريبة ومربكة .

فلماذا تعتبر نظرية الكم غريبة؟

لأنها توحي لنا بصورة عن الكون الذي نعيش فيه مخالفه تماماً لنظرتنا التقليدية .. مخالفة للفهم البديهي.

فما هو الشيء الذي نعتبره أكثر الأشياء بداهة؟

هو أن الأشياء في الكون موجودة سواء كنا ننظر إليها أم لا.

عندما تنظر من النافذة وتشاهد شجرة بشكل وحجم ما فأنت تفترض أن هذه الشجرة موجودة فعلياً في الكون وأنت تراها كما هي موجودة ، وسواء أغلقت النافذة أم فتحتها ، سواء نظرت أم لم تنظر ، سواء كنت موجود أم غير موجود ستظل الشجرة كما هي .

ما تقوله لنا ميكانيك الكم هو عكس ذلك !

ما تقوله ميكانيك الكم أنك عندما تغلق النافذة ، لا تظل الشجرة كما هي شيء ثابت ومحدد بل تصبح في حالة متراكبة من عدة احتمالات ولا تعود كشجرة لها شكل وحجم محدد إلا عندما تنظر لها ..ثم عندما لا تنظر تعود الشجرة لتتحول إلى حالة متراكبة من عدة احتمالات مرة أخرى.

ما تقوله ميكانيك الكم أن كل شيء مادي في الكون ينطبق عليه مثال الشجرة.

أي شيء يتكون من ذرات لا يمكن أن يكون له وجود محدد إلا عند النظر إليه أو قياسه .

وكما نعلم فكل شيء إبتداءاً من أجسامنا وانتهاءًا بالنجوم والمجرات يتكون من ذرات ، وها هي ميكانيك الكم تقول لنا أن كل شيء يتكون من ذرات لا يمكن أن يكون له حال محدد إلا عند النظر إليه أو قياسه.

ما لذي جعل ميكانيك الكم تتوصل إلى هذه الحقيقة الغريبة؟

كان لا بد من هذه التفسير لأنه التفسير الوحيد الممكن لما يحدث في الكون فعلياً . 

لقد تبين من دراسة الجسيمات دون الذرية كالإليكترونات والبروتونات والنيوترونات إن لها خاصية غريبة ، وهي إنها موجه وجسيم في آن واحد .. هي تظهر أحياناً كموجه وأحياناً كجسيم.

الخاصية الموجية والجسمية

تخيل أن لديك علبتين من الدهان واحدة تحتوي على دهان باللون الأزرق و الأخرى تحتوي على دهان باللون الأصفر ..

وتخيل إنك وضعت العلبتين بجانب بعضهما البعض وأطلقت رصاصة واحدة فقط من بعيد باتجاه العلبتين ..

بالرجوع إلى الحائط الموجود خلف العلبتين يمكنك أن تعلم أي من العلبتين اخترقته الرصاصة.

فإذا كان الأثر على الحائط باللون الأزرق ستعلم أن الرصاصة اخترقت العلبة التي تحتوي على الدهان الأزرق ..

أما إذا كان الأثر على الحائط باللون الأصفر ستعلم أن الرصاصة اخترقت العلبة التي تحتوي على اللون الأصفر.

ولكنك تفاجأ عند الرجوع إلى الحائط بأن أثر الرصاصة ليس أزرق ولا أصفر .. بل أخضر.!

فما تفسير ذلك؟

الأخضر لون لا يأتي إلا من مزج اللونين  الأزرق والأصفر ، والأثر الأخضر على الحائط لا يمكن تفسيره إلا بأن الرصاصة اخترقت كلا العلبتين معاً وفي نفس الوقت!

ولكن الرصاصة هي شيء محدد فكيف يمكن أن يكون في مكانين اثنين في وقت واحد؟

لا يمكن تفسير ذلك إلا باستخدام مفهوم الموجات ..

 لأن الموجات يمكن أن تمتزج و تتداخل فيما بينها كما نرى في أمواج البحر ، أما الأشياء المادية الجامدة فلا تتداخل .

لذا لا يمكننا تفسير ما حدث إلا بأن الرصاصة عندما أطلقناها كانت كموجتين دخلتا في كلتا العلبتين معاً وفي نفس الوقت وامتزجتا معاً لتخرج كموجه خضراء ، مزيج من اللونين ، لذا عندما ضربت الحائط أعطت أثراً أخضر اللون.

لا بد أن نفسر التجربة التي قمنا بها أن الرصاصة هي جسيم محدد وهي موجه في نفس الوقت.

أي تفسير آخر لن يعطي إجابة صحيحة تفسر النتيجة التي حدثت .

لقد تبين من تجارب شبيه للتجربة التي ذكرناها أن الجسيمات دون الذرية جميعها لها هذه الخاصية الثنائية جسيم- موجه.

عندما استخدم الفيزيائيون مفهوم الموجات لدراسة الجسيمات دون الذرية تمكنوا من إعطاء إجابات وتنبؤات صحيحة ودقيقة للظواهر الطبيعية مما يثبت أن تفسيرهم صحيح.

ولكن النظرية تربك فهمنا للكون ، فعندما نقول أن كل جسيم له خاصية يظهر بها كجسيم أحياناً و كموجه أحياناً أخرى فالسؤال يأتي هنا :

موجة ماذا؟ ما هو الشيء الذي  يتموج هنا؟

فموجة البحر تحدث في الماء ، وموجة الصوت تحدث في الهواء ، فما هو الشيء الذي يتموج فيه الجسيم؟

تبين أن الموجه التي تعبر عن الجسيم ليست موجه مادية بل هي موجة احتمال ..

مجرد احتمال .. ليست شيئا ملموساً !

الجسيم دون الذري عندما يتحرك فهو يتحرك كمجموعه هائلة من موجات الاحتمال تتداخل وتمتزج فيما بينها.

فكما إن الرصاصة عند إطلاقها على العلبتين هناك احتمال لتخترق العلبة الزرقاء واحتمال آخر لتخترق العلبة الصفراء هذان الاحتمالان يظهران على شكل موجتي احتمال تتداخلان وتؤثران على بعضهما البعض ونتيجة هذا التداخل تظهر على الأثر الذي يظهر على الحائط.

لتوضيح ذلك :

يمكن لشركة تأمين أن تحسب احتمال الحوادث في مدينة ما خلال فترة زمنية ما .

يمكن أن تقول أن هناك ثلاث سيارات من كل مائة سيارة ستتعرض لحادث خلال سنة في هذه المدينة.

وعند انتهاء السنة سنجد أن عدد الحوادث مقارب جداً لتوقع الشركة.

فيمكن لشركة التأمين توقع احتمال عدد الحوادث لمجمل السيارات ولكن لا يمكنها أن تحدد أي السيارات هي التي ستتعرض لحادث ..

لا يمكن أن نعلم ذلك إلا بعد وقوع الحوادث وليس قبلها .. قبل وقوع الحوادث كل ما يمكن معرفته هو عدد احتمال وقوع الحوادث فقط.

نفس الشيء في ميكانيك الكم.

دالة الموجه هي داله رياضية تحدد احتمال وجود جسيم ما في أي نقطة خلال فترة زمنية معينة ولكنها لا يمكن أن تقول أين يمكن أن يوجد الجسيم بالضبط.

لا يمكن أن نعرف أين يقع الجسيم إلا بعد أن نراه فعلياً ..إلا بعد قياسه أو رصده .

وكما أن السيارة التي تسير في المدينة تظل معرضة لاحتمال وقوع حادث ، ويزداد هذا الاحتمال في أماكن الازدحام ويقل في أماكن أخرى ، ويظل احتمال وقوع الحادث مرافق للسيارة :

فإذا توقفت السيارة دون حادث يصبح احتمال الحادث لديها صفر%

أما إن حصل حادث سيصبح احتمال الحادث 100%

كذلك فإن الجسيم دون الذري عندما يتحرك لا يمكن إلا حساب احتمال تواجده في مكان ما

وعندما يرصد في مكان ما يصبح احتمال تواجده في مكان آخر = صفر%

عندما يُرى الجسيم تزول الاحتمالات لتواجده في أي مكان آخر .

الاحتمالات الأخرى تزول بعد أن يُرصد ..

تسمى هذه الحالة انهيار دالة الموجه ..

أي أن الموجه التي تعطي احتمال تواجده في أي مكان آخر تزول ، لا يتبقى إلا احتمال واحد هو الذي شاهدناه وهذا لا يحدث إلا بعد عملية الرصد أما قبل الرصد وطالما أنه لم يتم رصد يظل هناك احتمال لتواجده في أي مكان آخر .

والجسيم نفسه يعبر عنه كموجة احتمال ولا يمكن التعبير عنه بطريقة أخرى..لماذا؟

 لأن أي طريقة أخرى تعطي إجابات خاطئة.

وميكانيك الكم لا تعتبر إنها نظرية ناجحة وصحيحة إلا عندما فسرت حركة الجسيمات دون الذرية بطريقة موجات احتمال .

إذاً يظل الجسيم دون الذري في حالة تراكب احتمالات إلى أن يرصد أو يقاس.

هذا هو ما يجعل من نظرية ميكانيك الكم نظرية غريبة ، وذلك بأنها تفرض علاقة قوية بين الراصد والمرصود .. بين الذات و الموضوع .

قبل أن يرصد الجسيم يظل في حالة من عدة احتمالات متراكبة معاً .. بعد أن يرصد يصبح حقيقة واقعة .

فهل نرى الأشياء لأنها موجودة؟ أم هي موجودة لأننا نراها؟

لا تعطي ميكانيك الكم إجابة عن هذا السؤال..

هي تقول إن هذا سؤال فلسفي خارج إطار العلم ، ما يقوله العلم الفيزيائي إن أي شيء في الكون لا يمكن التعبير عنه قبل أن يرصد إلا كموجات احتمال متداخلة فقط.

بالاستناد لهذه الحقيقة العلمية يواصل العلم بحثه متجاهلاً هذا السؤال.

فهل نحن نؤثر في الواقع الخارجي عندما نرصده؟ كيف نقوم بذلك؟

إذا كنا نؤثر في الواقع الخارجي عند رصده فلماذا لا نرى في عالمنا إلا احتمال واحد من كل الاحتمالات الأخرى؟

إذا كان كل شيء فيزيائي لا يمكن إلا أن يكون كمجموع لموجات احتمال متراكبة فما هو هذا الشيء الذي يرصد الكون ويحوله من تراكب احتمالات إلى واقع مشاهد؟ ما هو هذا الشيء الذي يرصد؟

لا يمكن لهذا الشيء الذي يرصد إلا أن يكون خارج العالم الفيزيائي وإلا أصبح هو أيضاً مجموع من الاحتمالات المتراكبة التي تكون في حاجة لمن يرصدها ، فإذا كان هذا الراصد خارج العالم الفيزيائي فما هو؟ وأين يوجد؟ وما طبيعة العالم الذي يتواجد فيه؟

هذه بعض الأسئلة التي تثيرها النتائج التي تعطينا إياها نظرية ميكانيك الكم

ولكن أكثر الأسئلة إلحاحاً هو إننا عندما نرصد أو نقيس الجسيم الفيزيائي يتحول من تراكب احتمالات إلى واقع واحد فعلي ومشاهد ..كيف يحدث ذلك؟

هذه المشكلة هي ما تعرف بمشكلة القياس .

وفي الحقيقة لا توجد حالياً إجابة علمية عن هذا السؤال ، محاولات الإجابة عن هذا السؤال تخرج عن الإطار العلمي البحت .. هي أشبه بمحاولات الفهم الفلسفي لهذه المشكلة وهي تعرف بتفسيرات ميكانيك الكم .

أشهر تفسيرين لهذه المشكلة هما تفسير كوبنهاجن و تفسير الأكوان المتعددة .

وهناك تفسيرات أخرى كثيرة .

ولكن كل تفسير لميكانيك الكم يعطي صورة غريبة عن الكون الذي نعيش فيه .

 

مبدأ عدم التعيين

لا تقتصر غرابة ميكانيك الكم على الطابع الاحتمالي لطبيعة المادة بل على حدود الدقة في تحديد وتعيين معرفتنا لخصائص المادة ..

فإذا كنت تقف على حافة شارع وبيدك جهاز رادار لقياس سرعة السيارات المارة ..

عندما تمر سيارة أمام الرادار يمكنك أن تعرف موقعها وسرعتها في نفس الوقت ، ستقول أن موقع السيارة الآن هو على الخط أمام الرادار وسرعتها هي كذا كيلومتر في الساعة .

التحديد الدقيق لموقع وسرعة أي شيء في عالمنا هو أمر طبيعي.

ما تقوله ميكانيك الكم هو إن هذا الأمر لا ينطبق على الجسيمات دون الذرية .

لا يمكن معرفة موقع وسرعة جسيم مادي دون ذري بالضبط وفي نفس الوقت .. إذا حددت موقع جسيم دون ذري تصبح سرعته غير محددة بدقة ، وإذا حددت سرعته بدقة يصبح موقعه غير محدد.

كذلك الأمر بالنسبة للطاقة التي يتحرك بها الجسيم وبين الزمن الذي يحتفظ فيه هذا الجسيم بالطاقة .

هناك حد ما بعده لا يمكن أن نحدد بدقة موقع وسرعة جسيم ما ، بعد هذا الحد يصبح معرفة أحدهما غير محددة .

هناك حد ما بعده لا يمكن أن نحدد طاقة جسيم والزمن الذي يبقى فيه هذا الجسيم ، بعد هذا الحد تصبح معرفة أحدهما غير محددة.

يعرف هذا بمبدأ عدم التحديد أو عدم التعيين وهو أحد المبادئ الأساسية لميكانيك الكم .

لا يمكن معرفة موقع وسرعة جسيم بالضبط في نفس الوقت مهما كانت أجهزتنا دقيقة .. لا يمكن ذلك من حيث المبدأ .

ولا يمكن تحديد طاقة جسيم وزمن ظهوره معاً في نفس الوقت بدقه مهما كانت أجهزتنا دقيقة .. لا يمكن من حيث المبدأ .

ولكن لماذا؟

لماذا لا نتمكن من معرفة كل منهما بالدقة التي نريدها ؟

وذلك لأن مفهوم موقع الجسيم ومفهوم سرعته مفهومان يؤثر تحديد أحدهما بالآخر تأثيراً معاكساً

وكذلك مفهوم طاقة الجسيم ومفهوم زمن ظهوره هما مفهومان يؤثر تحديد أحدهما بالآخر تأثيراً معاكساً

ولتوضيح هذه النقطة :

لنفترض أن لديك مبلغ محدد من المال لا تملك غيره .. وتنوي الآن شراء منزل .

وأنت الآن تريد أن تقرر ما الذي ستشتريه وعليك الاختيار بين حجم المنزل وموقعه .

فإما أن تشتري منزلاً كبيراً في منطقة سكنية متواضعة .

أو تشتري منزلاً صغيراً ولكن في منطقة سكنية فاخرة .

عليك بالاختيار بين هذين الخيارين لأن المبلغ الذي لديك محدد وثابت .

فإذا اخترت شراء منزلاً كبيراً بأقصى ما يسمح به المبلغ الذي لديك .. فعليك عندها التنازل كلياً عن تحديد مستوى المنطقة التي ستسكن بها .

أما إذا اخترت أن يكون منزلك في منطقة  سكنية فاخرة .. فعليك التنازل عندها عن حجم المنزل .

لا يمكن الجمع بين الاثنين لأن تحديد أحدهما يؤثر في الآخر طالما أن المبلغ لديك محدد وثابت .

فكل ما يمكنك فعله هنا هو قرار يوازن بين الخيارين .

كذلك الأمر في مبدأ عدم التعيين .

سرعة جسيم وموقع الجسيم يقاس ويحدد كل منهما بعدد ثابت يسمى ثابت بلانك .

ولأن هذا العدد ثابت لا يتغير – وهو أحد ثوابت الكون – لذا لا يمكن تحديد الموقع والسرعة معاً تحديداً دقيقاً .

تحديد أحدهما بدقة سيؤثر على تحديد الآخر .

وكذلك الأمر في طاقة الجسيم وزمن ظهوره .

لهذا يسمى هذا المبدأ بمبدأ عدم التحديد .. وهو كما ذكرنا احد المبادئ الأساسية لميكانيك الكم .

وبطبيعة الحال لا يمكن نفي أو تجاهل هذا المبدأ .. لأنه إن تم تجاهله تصبح كل القياسات التي نحصل عليها غير صحيحة ولا تتطابق مع ما يحدث فعلياً في العالم الفيزيائي .

ماذا يترتب على مبدأ عدم التعيين ؟

يترتب على ذلك إن الجسيمات دون الذرية لا يمكن أن تكون في حالة سكون لأنه لو أصبحت في حالة سكون يصبح موقعها وسرعتها معروفان معاً وبدقة تامة حيث سيصبح كلاهما يساوي صفر أي يصبح كلاهما معروفان بدقة وهو ما يخالف مبدأ عدم التعيين .

ولأنه لايمكن أن تكون الجسيمات دون الذرية في حالة سكون فإن هذا يعني أن الجسيمات دون الذرية عند حد ما تصبح شديدة الاضطراب .

ضع في يدك قلم مثلاً ، هذا القلم هو جسم مادي وهو يبدو ثابتاً ومستقراً في يدك ..

عند النظر إليه بتقريب أكثر ستشاهد الجزيئات التي يتكون منها القلم ..

تقريب أكثر .. ستشاهد الذرات التي يتكون منها ..تقريب أكثر ستشاهد الجسيمات الذرية ..عند محاولة التقريب أكثر لمحاولة تحديد هذه الجسيمات الذرية سنشاهد جسيمات تتحرك باضطراب شديد لدرجة لا يمكن معها معرفة موقع وسرعة هذا الجسيم معاً بدقه .

هذا يعني إن في أعماق الأجسام المادية هناك اضطراب شديد .

إن في أعماق العالم المادي الذي تتكون منه أجسامنا وكل شيء حولنا هناك اضطراب حركي شديد.

يبدو كل شيء كأنه يطفو فوق سطح شديد الهيجان والاضطراب .

لا يمكن للجسيمات دون الذرية أن تكون في حالة سكون هذا ما يترتب على مبدأ عدم التعيين فيما يخص طاقة وسرعة جسيم ما .

أما فيما يخص عدم إمكانية تحديد طاقة وزمن جسيم ما معاً بدقة فيترتب عليه إن الجسيمات دون الذرية يمكنها أن تحصل على طاقة لفترة زمنية قصيرة من  الفراغ !

الفراغ كما نفهمه هو فراغ .. لا شيء .

ولكن بسبب مبدأ عدم التعيين بين الطاقة والزمن تقول ميكانيك الكم إنه يمكن للجسيمات دون الذرية أن تحصل على طاقة من هذا الفراغ ..من هذا اللاشيء.

وقد تبين فعلاً بالتجربة العلمية أن الفراغ يحتوي على جسيمات  دون ذرية تظهر وتختفي مليارات المرات في الثانية الواحدة ، تسمى هذه الجسيمات بالجسيمات الافتراضية وهذه الجسيمات الافتراضية عندما تظهر قد تحدث تأثير على جسيم آخر والذي بدوره يحدث تأثير على جسيم ثالث وهكذا سلسلة من الأحداث الفيزيائية تحدث من الفراغ !

هناك فوران واضطراب شديد ..جسيمات تظهر وتختفي مليارات المرات في الثانية من الفراغ ، في أعماق العالم المادي هناك عالم حركي شديد النشاط والتفاعل.

هذا ما يترتب على مبدأ عدم التعيين .

الارتباط الكمي

أي جسيم دون ذري لا يمكن وصفه إلا كمجموع متراكب من عدة احتمالات .

المعادلة التي تحسب هذه الاحتمالات تسمى دالة الموجة .

دالة الموجة لأي جسيم يتحرك تحدد احتمالات العثور على هذا الجسيم في هذا الموقع أو ذاك خلال فترة زمنية معينة .

دالة الموجة لا تقول لنا الموقع الذي سنجد فيه الجسيم بل نسبة الاحتمال الذي يمكن أن نجد فيه هذا الجسيم في هذا الموقع كأن تقول :

هناك 10% احتمال لإيجاده في موقع أ ، 51% احتمال لإيجاده في موقع ب ، 39% احتمال لإيجاده في موقع ج .

ولكن لا تقول أين سنجده بالضبط.

فقط عندما نشاهد هذا الجسيم ، عندما نرصده ونجده إنه في موقع أ ستزول كافة الاحتمالات الأخرى .

يعبر عن ذلك بانهيار دالة الموجة أي أن الاحتمالات الأخرى التي أعطتنا إياها دالة الموجة زالت وأصبحت صفراً ، والاحتمال الذي أعطتنا إياه دالة الموجة في الموقع أ وكان 10% أصبح بعد أن وجدناه في موقع أ يساوي 100%.

ولكن ما الذي أدى إلى زوال الاحتمالات الأخرى؟

هو إننا وجدنا الجسيم في موقع واحد ، عندما وجدناه في موقع واحد أصبح احتمال إيجاده في مواقع أخرى يساوي صفراً.. الرصد الذي قمنا به للجسيم هو الذي أزال الاحتمالات الأخرى ..هو الذي أدى إلى انهيار دالة الموجة .

ولكن كيف حدث ذلك ؟ كيف تمكننا من تحويل مجموعة من الاحتمالات إلى واقع واحد محدد؟

كما قلنا فلا أحد يعلم إجابة عن هذا السؤال .

دالة الموجة يمكن أن تعبر ليس فقط عن جسيم واحد بل عن جسيمين اثنين بحيث يصبحان كجسم واحد في المجموع ورصد أحدهما سيؤدي إلى التأثير على الآخر فورياً ..مهما كانت المسافة بينهما .

ولتوضيح ذلك

لنفترض إن أمامك علبتان صغيرتان يوجد فيهما كرات صغيرة ، مجموع عدد الكرات فيهما معاً هو عشر كرات ، ولكننا لا نعلم كم كرة في كل علبة ، نحن فقط نعلم مجموع عدد الكرات في كلا العلبتين وهذا المجموع يساوي 10 كرات.

الآن تأخذ أنت علبة وتتجه إلى زاوية الغرفة ، ويأخذ صديقك العلبة الثانية ويتجه إلى الزاوية المقابلة للغرفة .

أنت لا تعرف كم كرة في العلبة التي لديك ، كل ما تعرفه أن مجموع عدد الكرات في العلبتين التي لديك و لدى صديقك تساوي عشر كرات وكذلك صديقك لا يعلم كم كرة في علبته هو .

الآن أنت تسأل : يا ترى كم كرة توجد داخل علبتي؟

هناك احتمال أن علبتك فيها 3 كرات أو 4 كرات أو 9 كرات أو صفر كرة ، جميع الاحتمالات ممكنة ، وتظل هذه الاحتمالات قائمة إلى أن تفتح العلبة .

إذا فتحت العلبة ووجدت بها 4 كرات زالت الاحتمالات الأخرى .

عملية الرصد التي قمت بها أزالت كافة الاحتمالات عن عدد الكرات الممكن إيجادها في علبتك وحولتها إلى واقع واحد وهو 4 كرات.

وبذلك فإن عملية الرصد التي قمت بها أدت إلى انهيار دالة الموجة لعلبتك وحولتها إلى واقع.

ولكن ليس هذا فقط بل إن عملية الرصد التي قمت بها أدت إلى التأثير حتى على العلبة التي لدى صديقك والموجود في الطرف الآخر من الغرفة .

مجموع عدد الكرات في كلا العلبتين هو 10 كرات ، أي أن الاحتمالات لديك ولدى صديقك مترابطة معاً

لذا فإنك عندما فتحت علبتك ووجدت إنها تحتوي على 4 كرات فهذا سيجعل عدد الكرات في علبة صديقك تساوي 6 كرات ..لأننا نعرف أن مجموع ما في العلبتين عشر كرات

لنفترض إنك فتحت علبتك ووجدت فيها كرتان ، هذا سيجعل عدد الكرات في علبة صديقك ثماني كرات ، فإذا وجدت كرة واحدة في علبتك عند فتحها هذا سيجعل عدد الكرات لدى صديقك هو تسع كرات.

والتفسير الطبيعي الذي تميل إليه البداهة هو إن هناك  كرة واحدة كانت موجودة في علبتك من قبل وكل ما فعلته إنك شاهدتها عندما فتحت العلبة وبالتالي أنت لم تؤثر على شيء لا في علبتك ولا علبة صديقك ..

هذا هو التفسير البديهي ..

ولكن ميكانيك الكم تقول إن هذا التفسير غير صحيح فلا يمكن أن يكون هناك عدد محدد من الكرات في علبتك إلا بعد أن تفتحها وترصدها .. قبل الرصد لا توجد إلا احتمالات فقط .

لماذا تقول ميكانيك الكم ذلك ؟

لأنه لو لم يكن الأمر كذلك يستحيل تفسير الظاهرة التي شرحناها عند الحديث عن علبتي الدهان الأصفر والأزرق والتي لا يمكن تفسيرها إلا بأنه قبل الرصد لا تكون هناك إلا احتمالات ..وقد أثبتت التجربة صحة هذا التفسير.

لذا فأنت عندما فتحت علبتك ووجدت كرة واحدة فقد قمت فعلاً بالتأثير في تحديد عدد الكرات في علبتك وعلبة صديقك .

عندما قمت بالرصد فأنت أزلت كافة الاحتمالات لديك ولدى صديقك أيضاً لأن الاحتمالات لديكما مترابطة.

عندما يترابط جسيمان تصبح الاحتمالات لديهما مترابطة ، والرصد الذي سيؤثر على احدهما سيؤثر فورياً على الآخر حتى لو كان كل منهما في طرف من أطراف الكون .

ترابط دالة الموجة للجسيمين سيجعلانهما كأنهما جسم واحد ، المسافة بينهما مهما كانت واسعة ستصبح كأنها غير موجودة!

تسمى هذه الحالة بالارتباط الكمي .

كيف يمكن لجسيمين أن يتأثر أحدهما بالآخر فورياً حتى لو كانا في طرفين متقابلين من أطراف الكون؟

هذا السؤال كان يدور في أذهان الفيزيائيين الذين أدهشتهم هذه الظاهرة والتي أثبتت التجارب وجودها فعلياً.

وكما نعلم فإن الذرات والمادة الموجودة في كل الكون كانت قبل مليارات السنين متقاربة جداً في حيز ضيق مما يجعلها الآن مترابطة .

وهذا يعني أن كل شيء يؤثر على كل شيء آخر.

ما يحدث لذرة في مجرة ما سيؤثر فورياً في ذرة أخرى في مجرة أخرى ، الجسيمات الذرية موجودة في كل شيء .. في الكون ، الكواكب ، النجوم ، البشر ..كل شيء

مما يجعل الكون بأكمله و كأنه كل واحد ، شيء واحد يتفاعل كل جزء فيه مع بقية الأجزاء الأخرى .

يتأثر و يؤثر كل شيء بكل شيء آخر.     >>