|
رسالة من السماء إلى الأرض - في فهم النظام الاجتماعي والتحرر من قيوده
مقدمة
إن الهدف من موقعنا هذا هو توضيح وتبسيط الأفكار الأساسية التي
تهمنا كبشر نعيش في هذا العالم .
نحن نؤمن أن الحقائق الكبرى في جوهرها هي حقائق بسيطة شديدة
الوضوح تماماً كنور الشمس ولكنها تصبح غامضة و معقدة عندما يتم
البحث فيها ..
ما نهدف له دائماً في هذا الموقع هو كشف الحقائق كما هي في بساطتها
..
وقد قمنا بفعل ذلك عند الحديث عن معنى الحكمة و الغاية منها في
رسالة الخروج إلى الداخل ..
حيث بيّنا إن الواقع الذي ندركه هو شيء أشبه بالحلم أو الواقع
الافتراضي .. هذا الحلم وهذا الواقع الافتراضي هما سجن يحبس
الإنسان داخله ويحرمه من الانطلاق لحرية الواقع الفعلي والحقيقي
ويحرمه بالتالي من السعادة المطلقة التي يمكن أن يصل لها الإنسان
عند اختباره لهذا الواقع ..
وبيّنا أن الهدف والغاية
لحياة الإنسان على هذه الأرض هو كسر جدران هذا السجن والتحرر منه
.. وبيّنا أن الحكمة هي العلم الذي يبين لنا ما هي حدود هذا السجن
ويبين لنا الطريق للخروج
منه .
إن الواقع الذي نشاهده حولنا لا يمثل إلا شريحة بالغة الضيق من
الواقع الفعلي والحقيقي .
وهدف السالك هو الانطلاق لاختبار هذا الواقع الفعلي .
السالك يهدف إلى الانطلاق نحو سموات لا حدود لاتساعها ورحابتها ..
ولحرية لا قيود فيها ..
ولكن ..
السالك مقيد بسلاسل تربطه في هذا الواقع الضيق المحدود .
لن يتمكن السالك من الانطلاق نحو السماء طالما هو مقيد بسلاسل
تربطه بالأرض .
فلكي يتمكن السالك من الانطلاق نحو السماء فعليه الالتفات
للقيود التي تصده عن ذلك .. وعليه أن يتخلص منها ويفكها قيداً
قيدا .
في هذه الرسالة نوجه انتباهنا لهذه القيود لنفهم ما هي ؟ ومما
تتكون ؟ وكيف تعمل ؟ وكيف يمكن الخلاص منها ؟
وسيتبين معنا في هذه الرسالة إن هذه القيود هي الواقع الاجتماعي
الذي نعيشه والذي يفرض سلطانه على حياة البشر.
وكما أن القيود والسلاسل تًصنع من مادة ما .. كسلاسل الحديد التي
تُصنع من الحديد ..
فسيتبين معنا في هذه الرسالة أن القيود التي تشدنا نحو الأرض تُصنع
من طبيعة النظام الاجتماعي الذي يهيمن على حياتنا.. من بنيته
وأسسه الاقتصادية .
في رسالة من السماء إلى الأرض نوجه انتباهنا أكثر
لواقع المجتمع الذي نعيشه في عصرنا الحالي ونحاول أن نبيّن
ببساطة لماذا عصرنا الحالي هو هكذا ؟ وما الذي علينا فعله
لتغييره ؟ ولماذا علينا تغييره في المقام الأول ؟ وما الذي يدفعنا
لعملية التغيير ؟ وما الذي نستفيده من ذلك ؟
إن رسالة من السماء إلى الأرض تتحدث عن الواقع الاجتماعي
والاقتصادي والسياسي لعصرنا الحالي وتأثير هذا الواقع على حياتنا
..
على عقولنا و على أفكارنا وحالتنا النفسية ..
على سعادتنا وتعاستنا ..
على الشقاء والبؤس ..وعلى القلق و الخوف الذي يغلّفان صميم كياننا
.
إن السالك الصادق في سعيه للانطلاق نحو السماء والتخلص من قيود
الواقع المحدود الذي نعيش فيه .. السالك الصادق في ممارسته الروحية
سيعلم عاجلاً أم آجلاً إن الالتفات لهذه القيود وأن فهم
النظام الاجتماعي الذي يكوّنها هي ضرورة
حتمية وليست اختيار ..
ففي كل محاولة للسالك للانطلاق في ممارسته الروحية سيصطدم وجهاً
بوجه مع هذه القيود .. ستعيقه وستمنعه وستشده نحو الأسفل .
سيشعر بذلك بنفسه ..
سيعلم ذلك بخبرته الخاصة والمباشرة ..
فقد بينا في رسالة الخروج إلى الداخل إن الهدف والغاية الرئيسية
للممارسة الروحية هي الخروج من سجن الشبكة التي نعيش بها .. هذا هو
الهدف .
ولكن الوصول لهذا الهدف يتضمن في داخله القيام بالكثير من المهام
الفرعية التي لا يمكن للوصول للهدف إلا بها ..
فكما أوضحنا فطريق الحكمة هو طريق مترابط لا يمكن فصل المعرفة عن
الممارسة فيه ..
مهام الممارسة الروحية تتطلب منا أن نتذكر دائماً وأن نوجه القلب
باتجاه الهدف وأن نسيطر على الفكر والسيطرة على الفكر تتطلب
التركيز.. و التركيز
يتطلب الهدوء النفسي والسلام الداخلي .. ولا يمكن الوصول إلى
السلام الداخلي إلا بمواجهة النفس و التخلص من شوائبها وعقدها ..
ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بالسلوك القويم .. ولا يمكن تطبيق السلوك
القويم ولا تقييم النفس إلا بالانخراط في الحياة والمجتمع لأنه من
خلال هذا الانخراط يعرف الإنسان عيوبه ويصلحها ويقيم أداءه ويتحدى
نفسه ويصلح ذاته .. وعينه خلال ذلك تتجه دوماً نحو الهدف الأكبر
وهو الخروج من سجن الشبكة واختبار الواقع الحقيقي كما هو .
إذا فطريق الحكمة يقتضي انجاز الكثير من المهام .. وهي مهام
مترابطة متداخلة لا يمكن القيام ببعضها والتهرب من البعض الآخر ..
بل إن انجاز أحد هذه المهام يقتضي بالضرورة إنجاز مهمة أخرى ..
هنا تتضح أهمية فهم وتغيير الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي
للمجتمع الإنساني ..
فالسالك الذي يسعى للخروج من سجن الشبكة هو إنسان يعيش في هذا
المجتمع .. وهو شاء أم أبى متأثر فيه .
والسالك بحكم مستوى النضج العالي الذي وصل إليه لا يهدف إلى تحقيق
الثروات .. لا يهدف لاكتناز الذهب والفضة .. لا يهدف لبناء القصور
واقتناء اليخوت لأنه يعلم أن السعادة والحرية التي يصبو إليهما لا
تتحقق بذلك .
كل ما يريده السالك هو حد من الحياة الهادئة ليركز جهده النفسي
والذهني بعد ذلك لتحقيق الهدف الأكبر ..
ولكن ..
الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في عصرنا الحالي لا يدعه
وشأنه !
فالواقع الحالي لمجتمعنا يحرم السالك من تحقيق أدنى مستويات الحياة
الكريمة والهادئة ..
هو يطالبه دائما بان يركض ويركض في سبيل تحقيق أبسط متطلبات الحياة
..
الطعام والشراب والسكن والعلاج والتعليم وإنشاء أسرة صغيرة والعيش
بأمان وسلام وكرامه هي أدنى متطلبات الحياة والتي يفترض أن تكون
متوفرة ومتاحة لكل إنسان .. ولكن الواقع الحالي يقول غير ذلك !
الواقع الحالي للمجتمع يحرمه من أبسط هذه الحاجات .. ويطالبه
دائماً بالركض لاهثاً وراء لقمة العيش .
والواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي دائماً يضغط على السالك
وغير السالك ملحاً وآخذاً منه حتى القليل الذي يرضى به .
الغلاء المتواصل .. انعدام فرص العمل .. انسداد أبواب الرزق ..
في كل مرة يصبح الوصول لحد الحياة الكريمة أشد صعوبة نتيجة لذلك ..
الحياة تبدو أمام السالك وغير السالك ضيقة خانقة وهي تزداد ضيقاً
في كل عقد وكل جيل .
الأمر يظهر وكأن أرزاق البشر تقل يوماً بعد يوم ..
وهي فعلاً تقل يوماً بعد يوم !
كلما قلت الأرزاق كلما زاد الصراع على ما تبقى منها ..
وكلما زاد الصراع كلما قلت الأرزاق أكثر وأكثر الأمر الذي يؤدي إلى
اشتداد الصراع وهكذا دائرة جهنمية لا تنتهي !
ما نتيجة ذلك ؟
الفقر .. البطالة .. الحرمان
الجريمة .. الفساد.. والسرقة .. المرض .. التشرد وما يترتب
على ذلك من افتقاد للأمن والأمان ..انهيار القيم .. الصراعات
والحروب التي لا تنتهي بين مكونات المجتمع الواحد وبين الدول .
وماذا ينتج عن ذلك ؟
الخوف .. القلق .. الاضطراب النفسي .. الكآبة .. الحيرة والارتباك
والضياع الذي يعاني منها إنسان هذا العصر
إن الحياة نفسها تصبح خانقة .. قاسية ولا تطاق على جميع البشر ..
على كل إنسان .
فسواء كان يسعى هذا الإنسان لطريق الحكمة أم لا يكترث له
فإن واقع الحياة الحالي يضغط على الجميع ويؤثر على الجميع .
لا حاجة لنا لتفصيل ما يترتب على ذلك فالقارئ يعلمه تمام العلم
..ويعاني منه أشد العناء !
ما يهمنا هنا هو توضيح العلاقة بين الممارسة الروحية والعمل لإصلاح
الواقع الحالي البائس والذي يزداد بؤساً يوماً بعد يوم .
ففي خضم كل هذا الشقاء وكل هذا البؤس وتحت تأثير كل هذا الضغط فكيف
يمكن للسالك أن يلتفت لتحقيق هدفه ؟!
كيف يمكن لمن يريد الانطلاق نحو السماء أن يفعل ذلك وهو مقيد بهذه
السلاسل؟
إن النظام الاجتماعي الذي نعيش فيه يفرض على السالك فرضاً أن يلتفت
إليه .. ويلح على ذلك بشدة .
إن النظام الاجتماعي يشتت ذهن السالك .. يصرف انتباهه عن هدفه ..
ويشوش عقله و نفسه .
النظام الاجتماعي يصبح هو العائق الأكبر الذي يعيق السالك في تحقيق
هدفه .
هنا تظهر أمام السالك مهمة جديدة !
وهي الالتفات لهذا العائق والتخلص منه .
لا بد للسعي لفهم هذا النظام الاجتماعي ليمكن الخلاص من عوائقه ..
فلا يمكن الشفاء من المرض إلا عندما يُشخّص المرض .
فكما إن على السالك أن يواجه نفسه ويصلح عيوب ذاته للتخلص من
العوائق التي تمنعه من مشاهدة واختبار الواقع كما هو .. فعليه
أيضاً أن يعمل جهده في
الخلاص من هذا النظام الاجتماعي .
فالنظام الاجتماعي الحالي هو الذي يوّلد هذه العوائق .
إن الحياة مترابطة في كل جوانبها ولا يمكن فصل شيء عن شيء آخر .
لا يمكن للإنسان أن يصل للسلام والهدوء الداخلي دون أن يواجه ما
يمنعه من السلام الداخلي .
الحياة مترابطة في كل جوانبها لأن الواقع نفسه هو شيء واحد لا
ينفصل فيه شيء عن شيء أخر ..
وجهاد السالك للتخلص من عوائق نفسه والتحرر من قيود الشبكة
يتطلب انخراطاً كاملاً في الحياة والمجتمع كما أوضحنا في
رسالة الخروج إلى الداخل لأن المجتمع هو الميدان الذي يتدرب السالك
فيه والذي يقّيم نفسه من خلاله ..
والانخراط في المجتمع يتطلب إصلاحه وتغييره
لأن المجتمع نفسه هو
الذي يولّد هذه العوائق .
وإصلاح المجتمع لا يكون إلا بالالتفات للنظام الاجتماعي الذي يقوم
المجتمع على أساسه .
فطريق الحكمة إذاً هو كلٌ لا ينفصل ..
طريق الحكمة هو معرفة وطريقة حياة ..
هذا هو الرابط الذي يربط الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي
بالممارسة الروحية .
منهجنا لا يقوم على الأدلة والبراهين .. نحن لا نكترث إلا للخبرة
المباشرة .
كل إنسان يسعى لطريق الحكمة يستشعر بخبرته المباشرة صعوبة بل
استحالة الممارسة الروحية في ظل هذه الضغوط الهائلة والقاهرة
التي يفرضها النظام الاجتماعي في
عصرنا الراهن ..
وهو نتيجة لذلك يستشعر ضرورة المواجهة للتخلص من هذا العائق .
ولا نعني بذلك أن الممارسة الروحية لا يمكن أن تتم إلا بعد تغيير
النظام الاجتماعي ..
ما نعنيه هو أن فهم وتغيير النظام الاجتماعي هو جزء من الممارسة
الروحية ..
هو مهمة من المهام الذي يفرضه طريق الحكمة .
إن فساد وانحطاط الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الحالي
يفرض نفسه على الجميع .. على السالكين وعلى غير السالكين ..
على من يسعى لطريق الحكمة وعلى من لا يكترث له ..
على من يهدف لاختراق الشبكة وعلى من لا يكترث ولا يعلم إلا العيش
فيها .
الشقاء يفرض نفسه على الجميع!
وإصلاح المجتمع الإنساني ضرورة مفروضة على الجميع ..
المواجهة لابد منها ..
يفرض ذلك علينا الواقع نفسه شئنا أم أبينا .
إن الممارسة الروحية لا تأتي بعد تغيير النظام الاجتماعي .. بل إن
تغيير النظام الاجتماعي هو نفسه ممارسة روحية .
هدفنا في هذا الموقع الكشف عن الحقائق الواضحة و البيّنة والتي
تغيب عن الأعين نتيجة لتعقيدات الطرح وتفاصيله ..هدفنا أن نبين
الحقائق الاقتصادية والاجتماعية الأساسية التي تجعل المجتمع الحالي
كما هو عليه الآن ..
وفي هذه الرسالة كما هو منهجنا في هذا الموقع سنتحدث عن الواقع
الاجتماعي كما هو عليه ..
لن نتطرق لآراء ..
لن نتطرق لأحكام ..
لن نتطرق لمثاليات أخلاقية ..
في هذه الرسالة سنكشف فقط الحقائق .. سنكشف الواقع الاجتماعي كما
هو عليه بالفعل .
ففي هذه الرسالة نحن لا نكترث للآراء والاتجاهات الاجتماعية
والسياسية ..
ولن نكترث للدوافع الأخلاقية ..
نحن لن نتحدث إلا عن الواقع من الناحية الموضوعية والعملية ..
سنبين في هذه الرسالة أن تغيير النظام الاجتماعي هو ضرورة عملية ..
وليست أخلاقية ..
وسنبين في هذه الرسالة أن التغيير ضرورة لابد منها ..
فإما التغيير وإما الموت .. لا حل آخر .
ومن خلال كشفنا عن طبيعة نظامنا الاجتماعي .. وجوهرة .. وآليات
عمله .. وأدوات عمله سيتبين معنا أن التغيير هو ضرورة يتطلبها
بقاءنا نفسه .
وسيتبين معنا دون أي مبالغات أو تهويل كيف أن بقاء نوعنا
نفسه يتطلب تغييراً جذرياً يتمثل في هدم النظام الاجتماعي الحالي
وبناء نظام اجتماعي جديد .
وسيتبين معنا إن الحضارة الإنسانية في هذا العصر بالذات تمر في
مرحلة بالغة الخطورة والحساسية ..
الحضارة الإنسانية نفسها تقف على مفترق طرق .. وعلى عتبه انتقال
جذري من عصر لعصر آخر ..
سنبين كيف ذلك .. ولماذا .. ملتزمين بالحقائق كما هي دون آراء أو
أحكام .
وسنوضح كل ذلك بطريقة بيّنة .. مباشرة .. ومكثفة .. دون تعقيد ..
مبتعدين كل الابتعاد عن الطرح المتخصص والمُفصّل .
ولأن هذه الرسالة تتحدث وتوضح وتكشف طبيعة النظام الاجتماعي فهي
رسالة تهم الجميع ..
هي رسالة تهم الإنسان .. أي إنسان يعيش في هذا العالم ويتأثر في
أحداثه .
وكما هو منهجنا في هذا الواقع فنحن لا يهمنا أن نقول للقارئ ما
عليه فعله .. كل ما يهمنا هو توضيح الحقائق وعلى القارئ أن يختار
أن يفعل ما يشاء .
في هذه الرسالة سنعمل على توضح الآتي :
- إن الحياة على أعلى مستوياتها وفي أفضل حالاتها والتي يحلم بها
كل إنسان هي في متناولنا الآن .. وهي ممكنة لكل إنسان يعيش على
الأرض الآن.
- لا يمنعنا من التمتع بهذه الحياة إلا لوجود عوائق تعيق ذلك .
- إن الحياة التي نعيشها حالياً والتي تبدو لنا صعبة وشاقة وعسيرة
ليست كذلك إلا بسبب هذه العوائق .
- إن إزالة العوائق ضرورة حتمية لابد منها ..لأن الحياة التي
نعيشها الآن ستصبح أسوء ثم أسوء إذا لم نفعل ذلك.
|
الرئيسية | المكتبة | اتصل بنا |