|
جوهر النظام الحالي – الاستغلال
في المجتمعات القديمة وفي عصر العبودية كان هناك أسياد وعبيد ..
الأسياد في هذه المجتمعات لهم كل الحقوق .. والعبيد عليهم كل
الواجبات .
لقد كان العبيد في ذلك الوقت مجرد أدوات .. تماماً كالفأس والسكين
والمحراث ..
مجرد أشياء تستخدم في الإنتاج والخدمة ..
ولأنهم أشياء فهم تماماً كالأشياء الأخرى مملوكون من قبل أسيادهم
يتصرفون بهم كيف شاءوا ..
يتم بيعهم .. ورهنهم .. وتأجيرهم .. ومبادلتهم .. ووهبهم للآخرين .
ويتم تكثيرهم وامتلاك أطفالهم أيضاً .
وقد كان ذلك يتم بالقوة القسرية وغير القسرية ..
بالقوة القسرية من خلال استخدام العنف المباشر لكل محاولة للتمرد
أو الهرب .. القتل .. التعذيب .. السجن .. الخ
وبالقوة غير القسرية من خلال المنظومة الثقافية لتلك المجتمعات
التي تؤكد وتبرر وتثبّت ذلك .. الأفكار .. العادات والتقاليد ..
المفاهيم الدينية ..القيم .. الخ
والأساليب غير القسرية أشد قوة وفتكاً من الأساليب القسرية ..
لأنها تؤثر على العقول و الأنفس .
وما يُبرز قوتها هو أن العبيد أنفسهم على الرغم من أنهم المتضررون
من ذلك كانوا يصدقون إنهم أشياء مملوكة للأسياد !
كل ذلك انتهى الآن .
عصر العبودية انتهى ونحن ننظر إليه الآن باشمئزاز واستغراب في نفس
الوقت .
الآن يبدو واضحاً لنا أن الأسياد كانوا يستغلون العبيد ..
لقد كانوا يستغلون قدراتهم الجسدية والذهنية والاستفادة منها
لإنتاج السلع والخدمات .
ولقد كان ذلك يتم من خلال امتلاك العبيد امتلاكاً كاملاً .
لقد كان الأسياد يمتلكون أجساد العبيد و قدراتهم الجسدية والذهنية
.. لقد كانوا يمتلكونهم امتلاكاً مطلقاً.
العبد كله بجسده وعقلة وقدراته هو ملك للسيد .
ولأنهم كانوا يمتلكونهم كلياً فقد كانوا يستغلون قدرات العبيد
الجسدية والذهنية لإنتاج السلع كالمحاصيل و الثياب و الأدوات
الأخرى .. ولإنتاج الخدمات أيضاً كالحراسة .. والبناء .. والنقل ..
والخدمة الشخصية والمنزلية.. الخ
إن كل ذلك يبدو لنا الآن غير مقبولاً بل وغير مفهوماً .
لأننا ننظر للعبيد كبشر .. هم بشر كالأسياد تماماً .
كل ما هنالك أن الأسياد كانوا يستغلون العبيد ..
لقد كان عصر العبودية هو عصر استغلال إنسان لإنسان آخر .
إن ما نريد أن نقوله هنا أن نظامنا الحالي وهو النظام القائم على
الربح هو أيضاً نظام استغلال إنسان لإنسان آخر .
الفارق بين نظامنا القائم على الربح والنظام القائم على الاستعباد
هو الآتي :
النظام القائم على الاستعباد كان يتم فيه استغلال القدرات الجسدية
والذهنية من خلال الامتلاك الشخصي الكامل .
فالاستغلال في النظام الاستعبادي كان يتم لأن المستغِل يمتلك
المستغَل وقدراته .. جسده وقدرات جسده .
أما في نظامنا القائم على الربح فهو يتم من خلال استغلال
القدرات الجسدية والذهنية فقط وليس من خلال الامتلاك الشخصي .
فالاستغلال في نظامنا القائم على الربح يتم لأن المستغِل يمتلك
القدرات الجسدية والذهنية للمستغَل .. ولكنه لا يمتلك جسده .
الفارق إذاً بين نظام العبودية ونظام الربح هو :
في النظام العبودي يمتلك إنسان جسد وقدرات إنسان آخر ..
ثم يستخدم ذلك في إنتاج سلع وخدمات لنفسه ولا يكون لصاحب الجسد أي
حق في هذه السلع والخدمات فهي تكون من حق المالك فقط .
في نظام الربح يمتلك إنسان قدرات إنسان آخر ..
ثم يستخدم ذلك في إنتاج سلع وخدمات لنفسه ولا يكون لصاحب هذه
القدرات أي حق في هذه السلع والخدمات فهي تكون من حق المالك فقط
.
هذا هو الفارق بين نظام العبودية وبين نظام الربح .
في نظام العبودية يمكننا بسهوله أن نلاحظ وجود الاستغلال .
أما في نظامنا الحالي لا يمكننا بسهوله أن نلاحظ وجود الاستغلال ..
لماذا ؟
السبب في ذلك هو الفارق بين النظامين .. وهو أن نظام العبودية
يُمتلك الجسد والقدرات وفي نظام الربح تُمتلك القدرات فقط لا الجسد
.
هذا الفارق يجعل من الاستغلال في نظامنا أكثر خفاء من نظام
العبودية .. لا يُكشف بسهوله .
ولكن كلا النظامين يقوم على استغلال إنسان لإنسان آخر .
وهنا لابد من التأكيد على النقطة التالية لأهميتها البالغة
:
حكم موضوعي وليس حكم أخلاقي .
عندما نقول أن نظامنا الحالي يقوم على الاستغلال فنحن لا نقول
رأياً أو نطلق حكماً ..
هي حقيقة موضوعية واقعه ..
هي حقيقة واقعه من حقائق العالم الذي نعيش فيه .
ما يهمنا أن يفهمه القارئ هو أننا عندما نقول أن النظام الحالي
يقوم على استغلال الإنسان لإنسان فنحن لا نقول ذلك لأننا نحب هذا
النظام أو نكرهه .. ولا نقول ذلك على أساس أخلاقي .
بل هي حقيقة واقعية و فعلية .
ونحن لا نكترث إلا للوقائع الفعلية .. ما يحدث في العالم فعلياَ.
فكما أن العالِم الذي يقول أن الأرض تدور حول الشمس لا يقول رأياً
خاصاً به بل هو يقول ما كشفه ووجده فعلياً في العالم ..
كذلك الأمر في نظامنا الاجتماعي الحالي ..
هو نظام قائم في جوهره على استغلال الإنسان لإنسان آخر .. وهي
حقيقة واقعية يهمنا أن نوضحها كما هي موجودة بالفعل دون أي
أحكام .
توصلنا الآن للكشف عن حقيقة بالغة الأهمية ..
وهي أن نظامنا الحالي يقوم على استغلال الإنسان لإنسان إلا إن هذا
الاستغلال لا يبدو واضحاً كما هو عليه الأمر في النظام العبودي .
ولكن كيف يتم هذا الاستغلال ؟
علينا أولاً أن نعلم ما هو الاستغلال ..
ماهية الاستغلال – الظُلم
متى نقول أن إنساناً استغل إنسان آخر؟
نقول ذلك عندما يحصل إنسان على شيء من إنسان آخر ولا يعطيه كامل
حقه .
وهو أمر لا يمكن أن يحدث إلا من خلال الإجبار والفرض بالقوة .
إذا حصل إنسان على سلعة من بائع ولم يدفع إلا نصف ثمنها فلن يقبل
البائع بذلك .. هو يريد كامل قيمة السلعة .
ولكن إذا فرض هذا الإنسان على البائع أن يقبل بنصف قيمة السلعة
بالقوة وتحت التهديد بالضرب أو القتل .. نقول إن هذا الإنسان قد
استغل البائع .
فالاستغلال يحدث عندما يتم ظلم إنسان من قبل إنسان آخر .
الاستغلال هو نفسه الظلم .
الشخص الذي دفع للبائع نصف قيمة سلعته بالقوة يكون قد ظلمه حقه .
هذا هو الاستغلال ..
الآن لننظر كيف يحدث الاستغلال ..
الاستغلال في النظام العبودي
لقد كان العبيد في النظام العبودي مظلومين .. مستغَلين .
فكيف كان يحدث ذلك ؟
لقد كان السيد بسبب امتلاكه الكامل للعبد يفرض عليه أن يعمل بإنتاج
سلعة أو خدمه ما .. ثم كان السيد يمتلك هذه السلعة أو الخدمة لنفسه
..
فماذا كان العبد يحصل مقابل عمله وجهده ؟
لا شيء ..
هو يحصل فقط على الطعام والشراب والمسكن والحاجات الأساسية ولكنه
لا يحصل عليها مقابل عمله الذي يقوم به .. بل حتى يستمر في هذا
العمل .
فلو لم يعط السيد عبده الطعام والشراب سيموت وبذلك سيفقد ثمار عمل
هذا العبد .
لذلك فقد كان السيد يوفر للعبد الحاجات الأساسية وبأقل درجة ممكنة
حتى يتمكن من العودة في اليوم التالي للعمل .
فلماذا كان العبد يقبل بذلك ؟
لأنه مُجبر ..
تحت تهديد الضرب أو التعذيب أو القتل كان يُفرض على العبد أن يعطي
كامل ثمار عمله للسيد ولا يحصل إلا على الحد الأدنى الذي يمكنه من
العيش للعمل .
لهذا السبب نقول أن نظام العبودية هو نظام يقوم على استغلال إنسان
لإنسان آخر .
فهو يقوم على ظلم إنسان لإنسان آخر .
لقد قلنا أن نظامنا الحالي أيضاً يقوم على الظلم والاستغلال ..
فكيف يحدث ذلك ؟
الظلم والاستغلال في نظامنا الحالي – حقيقة الربح
في نظامنا القائم على الربح لا يمتلك المستغِل جسد المستغَل بل
يمتلك قدراته الجسدية والذهنية فقط .. يمتلك عمله .
فكيف يحدث هذا الامتلاك ؟
يحدث ذلك من خلال الأجر
أي إنسان يعمل مقابل أجر فهو إنسان يبيع عمله لمن يدفع له هذا
الأجر ..العمال .. الموظفون .. الأجراء ..الفلاحون الذي يعملون
لغيرهم .. الخ
أي إنسان يعيش على أساس
أجر .. أو راتب هو إنسان يبيع قوة عمله .
والذي يدفع هذا الأجر هو الذي يمتلك هذا العمل وثماره مقابل ما
دفعه .
فمن خلال الأجر يمتلك المشتري عمل البائع الذي باع عمله .
فمثلاً
العامل في مصنع يبيع قوة عمله لصاحب المصنع مقابل أجر ..
وصاحب المصنع يستخدم هذا العمل في إنتاج سلعة أو خدمة تصبح ملكه هو
..
يبيع صاحب المصنع هذه السلعة في السوق فيحوّلها لنقود ..
يصبح هو مالك هذه النقود يفعل بها ما يشاء ..
كذلك الأمر في موظف في شركة ..
فالموظف يبيع قوة عمله لصاحب الشركة مقابل أجر ..
وصاحب الشركة يستخدم هذا العمل في إنتاج سلعة أو خدمة تصبح ملكه هو
..
يبيع هذه السلعة أو الخدمة في السوق ويحوّلها لنقود ويكون هو
المالك لهذه النقود .
فأين الاستغلال والظلم في ذلك ؟!
فالعملية هنا تبدو عادلة ومعقولة ..
ومن الطبيعي أن يمتلك صاحب المصنع السلعة لأنه دفع مقابلها الأجر
لمن صنعها .
الاستغلال يحدث لأن من اشترى العمل لا يدفع كامل قيمته للبائع ..
هو يدفع جزء بسيط من هذه القيمة فقط ويستولي هو على الباقي .
فالعامل أو الموظف الذي يعمل 10 ساعات في اليوم والذي باعها لصاحب
العمل لا يحصل على كامل قيمة هذه ال10 ساعات بل هو يحصل على قيمة
جزء منها والباقي يستولي عليه صاحب المصنع .
هذا الباقي هو الربح .. ولا يمكن أن يتحقق الربح إلا بهذه الطريقة
.
حقيقة الربح
عندما يحصل إنسان على سلعة من بائع ويدفع نصف قيمتها فلن يقبل
البائع بذلك .. سيطالب بكامل قيمة السلعة .
ولكن إن حصل هذا الإنسان على هذه السلعة مقابل نصف قيمتها تحت
التهديد يكون هذا الإنسان قد ظلم البائع واستغل ضعفه .
فلو فرضنا أن هذه السلعة قيمتها 100 ثم جاء هذا المستغِل ودفع
مقابلها 50 فقط واستولى عليها ..
ثم أخذ المستغِل السلعة التي استولى عليها إلى السوق وباعها
بقيمتها الحقيقة لشخص آخر سيحصل على 100 ..
فكم ربح هذا المستغِل ؟
ربح المستغِل هو 50 .
وهو الفارق بين قيمة ما باعه وما دفع مقابله .
وقد تمكن المستغِل من الحصول على هذا الربح لأنه استغل ضعف
البائع واشترى منه سلعته بنصف قيمتها .
فالربح حصل بسبب هذا الاستغلال وهذا الظلم الذي وقع على البائع .
ما نريد أن نقوله هنا وما يهمنا أن يفهمه القارئ كل الفهم هو الآتي
:
الربح الذي يتحقق في أي عملية مهما كانت هو شبيه تماماً بالمثال
الذي ذكرناه أعلاه .
فلا يوجد الربح .. ولا يمكن أن يوجد إلا إذا تم ظلم واستغلال طرف
ما بالاستيلاء على سلعته بدفع جزء من قيمتها
ثم بيع هذه السلعة من قبل من استولى عليها في السوق بكامل قيمتها .
الربح هو الفرق بين ما تم دفعه عند الشراء وما تم الحصول عليه عند
البيع .
فلا يتحقق الربح .. ولا يمكن أن يتحقق إلا من خلال استغلال ضعف
إنسان ما وظلمه .
الربح يتحقق بالاستغلال
هذه هي حقيقة الربح .. وهذا هو تعريفه .
أي ربح يحدث في العملية الإنتاجية لأي سلعة
أو خدمه مهما كانت وفي أي زمان أو مكان لا يمكن أن يتحقق
إلا من خلال الاستغلال .
هذا ليس رأياً أو حكماً ..
هذه حقيقة واقعه ..
هذه هي حقيقة الربح .
فأي نظام يقوم على الربح هو نظام يقوم على الاستغلال .
في عصرنا الحالي الذي نعيش فيه من خلال نظام اجتماعي يقوم على
الربح يبدو هذا القول صادماً .. بل غير معقول .
فالربح بالنسبة لنا هو حق مشروع ..
وهو نتيجة للجهد والعمل ..
وكل شيء في عالمنا يقوم على أساس وبدافع الربح .. لذا يصعب على
الكثيرين قبول أو تصديق ذلك .
السبب هو أن الاستغلال في نظامنا هو استغلال خفي لا يظهر بسهولة
وفي حاجة لتدقيق لكي يكشف .
ولكن هذا الاستغلال هو حقيقة واقعه وهو السبب في كل المآسي والفقر
والظلم والحروب التي تترتب على نظامنا الاجتماعي .
نظامنا الاجتماعي يقوم على الربح ..والربح لا يقوم إلا على
الاستغلال فكيف يتم ذلك ؟
بنفس الطريقة التي شرحناها أعلاه ..
يتم الاستيلاء على سلعة من بائع
بدفع جزء من قيمتها وليس كامل قيمتها .. يتم ذلك من خلال
التهديد .
ثم يتم أخذ هذه السلعة للسوق وبيعها بكامل قيمتها .
الربح هو الفارق بين ما تم دفعه وبين ما تم جنيه من البيع .
ما هي هذه السلعة ؟ ومن يبيعها ؟
هذه السلعة هي قوة العمل .. الجهد البدني والذهني الذي يبيعه
العامل لصاحب العمل مقابل الأجر.
هذا الجهد يقاس بعدد ساعات العمل ..
صاحب العمل يشتري عدد ساعات العمل هذه من العامل ولكنه لا يدفع له
كامل قيمة هذه الساعات بل يدفع جزء منها ..
أي أن العامل يبيع 10 ساعات من العمل في اليوم لصاحب العمل ..
صاحب العمل يشتري ال10 ساعات هذه ولكنه يدفع مقابلها أقل من قيمتها
الحقيقية .. مثلاً يدفع فقط ما يعادل 5 ساعات ..
لو طالب العامل بكامل قيمة ال10 ساعات سيتم طرده من العمل لذا
سيضطر للقبول بجزء من قيمة العمل ..
الفارق بين ما دفعه صاحب العمل للعامل وبين ما يحصل عليه عند بيع
المُنتج الذي تم إنتاجه خلال ال10 ساعات يكون هو الربح .
فالربح إذا لا يمكن أن يتحقق إلا إذا
تم شراء شيء ودفع جزء من قيمته .. ولا يكون ذلك إلا بالتهديد
والإجبار .
لذا لا يمكن أن يتحقق الربح إلا من خلال الاستغلال والظلم .
ولكي يتضح لنا ذلك بوضوح أكثر علينا أن نفهم وبشكل أعمق دور العمل
.. والقيمة .. والتبادل .. والنقود .. عند فهم كل ذلك سيكون من
السهل علينا أن نفهم ونكشف كيف أن الربح في جوهره هو ظلم واستغلال
.. وكيف ينفذ الاستغلال في نظامنا بالفعل .
|
الرئيسية | المكتبة | اتصل بنا |