|
في المعرفة - العالم كما يراه الحكماء
الكل وأجزاءه
تقف أمام لوحة على مستوى نظرك ولا يفصلك عنها
سوى بضعة سنتيمترات .. اللوحة تغطي كامل مدى الرؤية لديك ..
تظن أنه لا يوجد سوى هذه اللوحة .
يدعوك أحدهم لأخذ بضعة خطوات للخلف ..
عندما تفعل ذلك يتسع مدى الرؤية لديك،
تفاجأ أنه يوجد على الجدار لوحة أخرى بجانب اللوحة التي
كنت تنظر إليها والتي كنت تظن أنه لا يوجد غيرها.
عدة خطوات للخلف مرة أخرى..
تظهر لوحة ثالثة ورابعة وخامسة وفي كل مرة
تخطو للخلف يتسع مدى الرؤية لديك ويظهر المزيد من اللوحات..
يدعوك أحدهم الآن لأخذ قفزة إلى الأعلى .
الآن أنت تنظر إلى الجدار من أعلى
كمن ينظر إلى مدينة من قمة جبل ..
تفاجأ أنه يوجد جدران أخرى كثيرة كل منها
يحتوي على عدد لا حصر له من اللوحات ..
تكرر ما قمت به .. خطوة للخلف ثم خطوة للأعلى
..ثم خطوة أخرى للخلف وخطوة أخرى للأعلى ..
أنت تصعد على درج !
وفي كل مرة تصعد تشاهد المزيد والمزيد وفي كل
مرة تجد أن ما تشاهده يبدو كأجزاء من كل أوسع..
يقول الحكماء أن الواقع الفعلي والحقيقي هو كل
واحد .. هو شيء واحد ..
وإن السالك على طريق الحكمة كمن يصعد على درج
، في كل مرة يصعد درجة سيختبر صورة أشمل وأوسع عن الواقع .
في العالم الذي نعيش فيه الآن يوجد أشجار
وجبال.. بحار وكواكب ..نجوم ومجرات ..
توجد فيه أنت ويوجد فيه أشخاص آخرون ..
أنت جزء من العالم الذي تعيش فيه الآن ..
عندما يتدرج المرء في طريق الحكمة
سيرى أن كل ما ظنه أنه العالم هو جزء من كل أكبر ، وبما أنك جزء من
العالم الذي تعيش فيه ، فإنك سترى أن ما ظننته أنه أنت هو جزء من
كل أكبر ..
ستعلم أنك شيء أكبر بكثير مما تظن ..
ستعلم أنك شيء أعظم بكثير مما تظن ..
في كل صعود على سلم الارتقاء الذهني
والنفسي سترى نفسك ككل واحد مع كل شيء آخر ، سترى العالم وكل ما
فيه يمثل وحدة واحدة ..شيء واحد لا انفصام فيه .
من المهم جدًا أن تعرفه هو أن ما
نقوله هنا هو ليس كلاماً شاعرياً ..
هو ليس تجريد ..
هو ليس مجاز ..
بل هو حقيقة فعليه.
عندما يقول لنا الحكماء أن الإنسان هو في
حقيقته يمثل وحدة واحدة مع كل شيء آخر يمكننا أن نفهم ذلك كنوع من
المجاز أو الرمز ويمكننا أن نتقبله كنوع من التعبير الشاعري ..
ولكن عندما يصر الحكماء على أن ما يقولونه عن
حقيقة الإنسان هو الواقع الفعلي كما يرونه وأن الإنسان فعلاً
وحقيقة هو العالم كله ، هنا يبدو لنا كلامهم أنه مبالغاً فيه !
السبب في ذلك هو الإدراك ..
ما يقوله الحكماء هو أن الإنسان عندما يكون في
مستوى إدراك متدني فهو تماماً كالشخص الذي وقف أمام اللوحة وكان
يظن إنه لا يوجد غيرها ولكن عندما يتسع مدى الإدراك لدى هذا
الإنسان سيرى بنفسه حقيقته الفعلية ..
ولكن ..
أن تفهم ذلك شيء وأن تراه فعلياً هو
شيء آخر تماماً !
إن الإدراك الفعلي لهذه الحقيقة والاختبار
المباشر لهذه الحالة ليس مما يمكن وصفه ..
هي خبرة إدراكية لا وجود لمثيل لها في خبراتنا
التقليدية ، لا يمكن لمن شاهدها مباشرة أن يصفها للآخرين كما أنه
لا يمكن للبصير أن يصف الألوان للأعمى ..
أنت تظن أنك هذا الجسد ؟
لا ..
"ليست هذه حقيقتك ..أنت شيء أعظم بما لا يقاس"
..
"لا يمكن أن نصف لك ذلك لابد أن ترى بنفسك حتى
تفهم ".
"ولكي ترى ذلك بنفسك لابد أن توسع مدى الرؤية
لديك ..لابد أن توسع مدى الإدراك لديك"
هذا ما يقوله الحكماء
نكرر
هنا أن ما يقوله الحكماء ليس هو رأيهم عن الإنسان والعالم ..
ليس هو اعتقادهم أو فلسفتهم ..
بل هم يقولون ما رأوه وما اختبروه
..هم يتحدثون عن حقيقة العالم الفعلي ..
هم يصفون الواقع كما هو ..
وكل إنسان قادر على مشاهدة ما شاهدوه والتثبت
مما ذكروه ..وكل ما هو مطلوب لتحقيق ذلك هو رفع مستوى الإدراك .
عندها سيتمكن المرء من مشاهدة واختبار هذه
الحقيقة التي يشاهدها الحكماء ويختبرها السالكون كلمحات تأتي وتذهب
.
وقد اختبر كاتب هذه السطور هذه
اللمحات وهذه التجربة الإدراكية وهي حقاً مما لا يمكن أن يوصف !
هذه الخبرة هي خبرة حقيقية وفعليه بالغة
الوضوح . سيصبح كل شيء ظننته أنه منفصل عنك هو في الحقيقة جزء منك .
وهي تجربة تصيب من يختبرها بالذهول !
أن تعلم إنك أنت كل هذا العالم .. وأن تراه
بنفسك بمشاهدة مباشرة ..وتعلم في نفس وقت المشاهدة أنها تجربة
حقيقة لا شك فيها كما أن خبرتك في هذا العالم هي خبرة لا شك فيها
..
هي تجربة لا مثيل لها ولا شبيه .
عندما تحدث هذه الخبرة للمرء بشكل شخصي حتى
وإن كانت لمحة واحدة سيعلم عندها أن هناك شيئاً عظيماً
ومهيباً لم يكن يدركه من قبل
سينظر إلى نفسه وإلى العالم بنظرة أخرى ..
تماماً كمّن يكتشف حقيقة ما كبرى ومفاجئة .
على الرغم من غرابة هذه الحقيقة فليس من الصعب
فهمها من خلال خبرة المرء لجسده
ولتوضيح ذلك :
أنت الآن لك جسد ..
جسدك مكون من عدة أعضاء ..رأس .. رقبة.. جذع..
ذراعين .. رجلين ..الخ
وكل عضو من هذه الأعضاء مكون من أنسجة وعظام
وملايين الخلايا ..
على الرغم من ملايين المكونات التي تكون جسدك
فأنت تعرّف نفسك كوحدة واحدة .. جسد واحد ..شيء واحد..
معرفتك بأنك وحدة واحدة هي خبرة فعليه حقيقية
لا تشك بها .
كذلك الأمر عند الصعود على طريق
الحكمة وفي مستوى أعلى للإدراك ستختبر بنفسك أن العالم الذي تعيش
فيه وكل ما يحتويه بما فيه "أنت" والأشخاص الآخرين يمثلون وحدة
واحدة ..هي أنت !
سيصبح كل شيء ظننته أنه منفصل عنك هو في
الحقيقة جزء منك ، تماماً كما تدرك الآن أن أعضاءك المختلفة هي
أجزاء منك وليست أشياء منفصلة عنك .
وبهذا تدرك أن ما تظن الآن انه أنت لا يمثل
إلا جزء من جزء مما عليه أنت في الحقيقة ، وإنك بظنك
الحالي عن ذاتك فإنك كمن يضع نفسه في سجن ضيق .
أنت في سجن !
هذا ما يقوله الحكماء
وهذا السجن سببه مستوى الإدراك الحالي الذي
أنت فيه الآن .
عندما ترفع مستوى الإدراك لديك ستخرج من هذا
السجن وستتمكن من إدراك ما لم تكن تدركه ومن فعل ما لم تكن تتخيل
أن تفعله .
وبهذا تتحرر من المعاناة
ولتوضيح هذه الفكرة :
تخيل أن هناك ملك لمملكة عظيمة ..
لديه كل ما يشاء وله الحرية للذهاب أينما شاء
وفعل ما يحلو له .. ولكنه أصيب بخبل في رأسه..لوثه في عقلة !
وبسبب هذه اللوثة أصبح يظن إنه أحد الخدم في
مطبخه ..وبسبب هذا الظن وهذا الإدراك يستيقظ منذ الفجر للذهاب
للعمل!
وهو يعاني أشد المعاناة من الأعمال الشاقة
والقذرة المكلف بها طوال اليوم ..وهو بطبيعة الحال مقيد في مكان
عمله ولا يملك حرية فعل أي شيء .
كل ذلك بسبب إدراكه الخاطئ لحقيقة ذاته ..
لو أدرك حقيقته الفعلية لعلم أنه ملك المملكة
، وانه غير مقيد بشيء وأن له الحرية لفعل أي شيء لانتهت
معاناته.
يقول الحكماء لنا أن حقيقتنا الفعلية
هي أكبر وأعظم بكثير مما نظن ..
وبسبب الإدراك الخاطئ نظن أننا شيء أقل بكثير
ولهذا نعاني !
عندما ندرك حقيقتنا الفعلية سنتحرر من
المعاناة .
هذا الإدراك يتطلب السير على طريق الحكمة
ويعترض المرء هنا الكثير من العوائق الأمر الذي سنتحدث عنه لاحقاً.
كل ما يهمنا أنت تعرفه الآن أن الواقع الفعلي
والحقيقي كما يراه الحكماء وكما يصفوه لنا في كتبهم هو وحدة واحدة
..كل واحد ..شيء واحد ..
وكما ذكرنا فإن اختبار الواقع ككل واحد هي
خبرة حقيقية وفعلية .
هي ليست مجرد فكرة عقلية .. بل هي شيء
يمكن مشاهدته وبشكل مباشر .
تحدث المشاهدة كخبرة إدراكية لا يمكن وصفها .
فليس ذنب الحكماء عندما يقولون لنا إنهم لا
يمكن أن يصفوا لنا كيف يكون عليه الأمر لمن تحدث له هذه المشاهدة
.. هم فعلا لا يستطيعوا أن يصفوا لنا هذه الخبرة لأنه لا يوجد مثيل
لها في عالمنا تماماً كما إنه لا يمكن وصف الألوان للعمي منذ
الولادة أو الأصوات للصم منذ الولادة .
فلا يمكن لهؤلاء أن يدركوا الألوان والأصوات
إلا عندما تتفتح لديهم المدركات البصرية والسمعية .. لا توجد طريقة
أخرى .
كذلك الأمر في مثل هذه الخبرة الإدراكية وكل
الخبرات الإدراكية الأخرى التي يتحدث عنها الحكماء فلا يمكن أن
يعلم المرء حقيقتها إلا عندما تحدث له .. ولا يمكن أن تحدث له إلا
عندما يتسع مستوى الوعي لدى الإنسان .. ولا يتسع مستوى الوعي إلا
بالممارسة الروحية . |
الرئيسية | المكتبة | اتصل بنا |