|
أساس النظام وأداته – حق التملّك
بيّنا كيف أن الأنظمة الاجتماعية السابقة كانت تقوم على أساس الظلم
والاستغلال ..
وبيّنا أن نظامنا الاجتماعي الحالي القائم على الربح يقوم في جوهره
على الاستغلال .. فالربح نفسه لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال
الاستغلال .
فالنظام العبودي يقوم على استغلال العبيد ..
والنظام الإقطاعي يقوم على استغلال الأقنان و الحرفيين ..
ونظامنا الحالي يقوم على استغلال العمال والموظفين وكل من يعمل
بأجر ..
ولكل نظام طريقته في إحداث هذا الاستغلال ..
ففي النظام العبودي يتم الاستغلال بالفرض على العبيد للعمل بأقصى
جهدهم ثم الاستيلاء على ثمرة جهودهم والاستيلاء على ما ينتجونه من
سلع وخدمات تحت
الضرب بالسياط والتهديد بالتعذيب والقتل .. ولا يكون لهم أي حق
فيما ينتجونه .
وفي النظام الإقطاعي يتم الاستغلال بالاستيلاء على الحصة الأكبر من
نتاج جهد الفلاحين و الحرفيين الأقنان من خلال الإتاوات و الحصص
التي يكون للسيد الإقطاعي نصيب الأسد منها
.. يتم ذلك تحت التهديد بالسجن أو الاستعباد وبسحب الأرض
التي يعمل بها القن .
وفي نظامنا الحالي القائم على الربح يتم الاستغلال بالاستيلاء على
السلع والخدمات التي ينتجها
العمال والموظفون والأجراء بدفع جزء من قيمتها الحقيقية ثم ببيعها
بكامل قيمتها .. يتم ذلك تحت التهديد بالطرد من العمل وفقدان أي
دخل .. أي تحت التهديد بالتجويع .
كل نظام له طريقته وآليته في الاستغلال .. ولكن كل الأنظمة تشترك
بأنها تقوم على الاستغلال ..
وقد تحدثنا عن هذه الآلية وكشفنا حقيقتها في المواضيع السابقة .
والسؤال ..
كيف يمكن أن يحدث ذلك في المقام الأول ؟ كيف يحدث الاستغلال من حيث
المبدأ ؟
بحق التملك ..
الموارد الطبيعية هي موجودة على الأرض وهي مجانية .. لم يخلقها أحد
من البشر .
في لحظة ما يأتي إنسان ويضع حول قطعة كبيرة من الأرض سور..
ثم يقول هذه الأرض وكل ما فيها هي لي أنا .. وكل من يريد أن يستخدم
الموارد في هذه الأرض فلابد أن يعطيني الجزء الأكبر مما يعمل !
في كل الأنظمة الاجتماعية يحدث ذلك .
يتم تملك الموارد الطبيعية .. الأراضي .. الجبال .. الأنهار ..
البحار .. وكل ما فيها من
موارد ثم لا يسمح لأحد بالاستفادة منها إلا بالحصول على نسبة من
ثمرة العمل .. وتكون هي النسبة الأكبر .
في المجتمعات الإنسانية التي سبقت الاستغلال كانت الأرض وكل
الموارد التي فيها تعتبر حق لكل أفراد المجتمع ..
لم يفكر أحد أصلاً بتملكها .. كما إنه لا يوجد أحد يفكر الآن بتملك
الهواء ..
فقد كان الجميع يستفيد من هذه الموارد للبقاء .
وكما ذكرنا عندما توسعت المجتمعات البشرية وتحولت الأسر لعشائر بدأ
تدريجياً تقسيم الأرض لأقسام تتملك كل عشيرة منطقة من الأرض
تعتبرها موطنها وأرضها وبالتالي تتملك كل الموارد الطبيعية فيها ..
حتى الآن لا مشكلة .. فهو تملك يبدو طبيعياً بحكم واقع الحال .
ولكن من خلال هذا التملك يبدأ الاستغلال بالظهور ..
يستفيد جميع أفراد العشيرة من هذا الموطن وتعتبر الموارد التي فيها
ملك للجميع ..
ولكن عندما تطورت المجتمعات الإنسانية أكثر وبدأ يظهر بناء هرمي
للسلطة .. وعندما انفصلت السلطة عن بقية المجتمع أصبحت هذه
الأرض وهذه الموارد ملك للسلطة والتي يمثلها زعماء العشائر وقادتها
..
ومن هنا ظهر الملوك والحكام الوراثيين .. الذين كانوا يعتبرون أن
الأرض ومواردها ملك لهم هم وعلى كل من يريد الاستفادة من هذه
الموارد أن يعطيهم النصيب الأكبر من ثمرة عمله .
بل إنهم كانوا يتملّكون البشر أنفسهم ويحولونهم لعبيد وبذلك
يتملّكون ثمرة جهدهم البدني والذهني .
ثم يقوم الملوك بتقسيم هذه الأرض بين كبار القادة والزعماء على حسب
الظروف والأحداث الداخلية في كل مملكة .
ما نتيجة كل ذلك ؟
نتيجة ذلك أن الموارد الطبيعية التي كانت مجانية لم تعد كذلك ..
أصبحت ملكاً لإنسان ما وهو الذي يفرض الثمن الذي يريده للسماح
بالاستفادة منها .
من هنا يبدأ الاستغلال .. فالتملك هو الأداة التي توجِد
الاستغلال من الأصل .. التي تجعله ممكناً ..
التملك هو الأساس الذي يقوم عليه الاستغلال في أي نظام اجتماعي .
الآن وبعد أن تملّك إنسان قطعة الأرض هذه وكل ما فيها من موارد
يحدث الاستغلال ..
فعلى كل من يريد أن يعمل في موارد هذه الأرض أن يعطي مالك هذه
الأرض نسبة من ثمرة عمله يحددها المالك كما يشاء لأنه يملك هذه
الأرض .
فإذا تم العمل على الأشجار وتحويلها لأخشاب خلال 100 ساعة عمل
بقيمة 100 غرام فضة فعلى من قام بهذا العمل أن يدفع نصف هذه القيمة
لصاحب الأرض بسبب حق التملك وبهذا يحصل مالك الأرض على الربح .
وهو لم يحصل على الربح إلا لأنه أعطى لنفسه الحق لأن يتملك الأرض
وما بها من موارد .
من المهم التذكير هنا إننا لا نطرح رأينا في ذلك .. بل نحن فقط
نبيّن الطريقة التي من خلالها يحدث الاستغلال كما حدث فعلاً في
التاريخ .
حقوق التملك هذه حدثت نتيجة لتطورات أحداث التاريخ وقد ورثناها نحن
من الأنظمة السابقة .
بعد أن يتملك فئة من البشر الأرض وما فيها يتم تناقل هذه الملكية
عبر الأجيال بالوراثة .. والبيع .. والهبات .. والاستيلاء ..
والغزو .. الخ
وهذه الحقوق تنتقل من يد ليد عبر التاريخ .
في كل الحالات فإن حق التملك هو الذي يسمح للاستغلال أن يحدث .
وحق تملك الموارد الطبيعية
لا يسبب الاستغلال داخل المجتمع فقط بل وبين المجتمعات
البشرية ..
فكل الحروب التي حدثت عبر التاريخ بين الممالك والدول هو للاستيلاء
على الممتلكات ..
فالأمم تغزو بعضها البعض
للاستيلاء على أرضها ومواردها .. وبالتالي حرمان المهزوم من موارد
هذه الأرض .
وهو ما يحدث الآن أيضاً .
حيث تتملك الدول الأراضي ومواردها ثم تعطيها للمراكز الإنتاجية
لتبدأ دورة الاستغلال ..
وذلك لأن الدول وكل شيء آخر يعمل من خلال القواعد التي يفرضها
النظام الاجتماعي والتي يفرض على الجميع أن تحدث الأمور بهذا الشكل
.
فالدولة في عصرنا الحالي تتملك الأرض والموارد الطبيعية .. ثم تبيع
هذه الأراضي والموارد أو حقوق استخدامها لشركات ومراكز الاستخراج
..
وبسبب الفساد المستشري حتى النخاع في المجتمعات والذي ينتج عن
قواعد اللعبة فإن الدولة تبيع هذه الأراضي ومواردها لشركات
الاستخراج بأبخس الأثمان ..
وفي الغالب يعود مجمل هذا الريع للفئة الحاكمة والمسيطرة على
الدولة والتي تكون في أغلبها من ملاّك هذه الشركات أو على علاقات
متشابكة معهم !
وكل ذلك لأن قواعد اللعبة التي يفرضها النظام الاجتماعي تفرض ذلك
..
فالدولة التي لا تفعل ذلك يتم ابتزازها بالانتقال لدول أخرى تقبل
بذلك .
هذا ما يحدث في عالمنا الآن .
وكما بيّنا من قبل فقد تم تملك كل شيء .. حتى أكثر الموارد أساسية
في حياة البشر ..
تم تملك الأراضي الخصبة التي تنتج الغذاء ..
وتم تملك مصادر المياه ..
وآليات النظام ستؤدي حتماً لتملّك الهواء الذي نتنفسه عندما يصبح
ذلك ممكناً ..
وليس في ذلك أي مبالغة فالغذاء والماء هما أهم الموارد التي
يحتاجها البشر للبقاء وقد تم تملّكها .. وأصبح هذا التملك ينُظر له
كحق طبيعي ومشروع ..
فما الذي سيمنع من تملك الهواء للحصول على ربح من خلال عملية
التنفس ؟!
كما ذكرنا من قبل فإن النظام الاجتماعي هو الذي يفرض قواعد اللعبة
على الجميع .. أفراد ودول ..
وعندما يكون النظام الاجتماعي يقوم على الاستغلال فهو بذلك
يفرض حتماً تملك الأرض ومواردها لأن حق التملك هو الأساس
الذي يُبنى الاستغلال عليه
.
فإذاً ..
في أي نظام اجتماعي لكي يحدث الاستغلال فلابد من توفر شرطين أساسين
..
أن يتملك فرد أو مجموعة ما قطعة من الأرض ومواردها ..
وأن يمنع المالك الآخرين من الاستفادة من هذه الموارد إلا بدفع
مقابل .
في النظام العبودي يتم امتلاك الأرض ومواردها ويتم امتلاك البشر
أنفسهم .. لذا يكون كل شيء هو من حق المالك .
في النظام الإقطاعي يتم امتلاك الأرض ومواردها ويدفع كل من يعمل
بها الحصة الأكبر من الإنتاج لمالك الأرض .
في النظام القائم على الربح تتملك الشركات والمراكز الاستخراجية
الأرض ومواردها ثم تحصل على الربح من خلال دفع جزء من قيمة العمل
للعاملين لديها كما أوضحنا ثم بيع المنتجات الأساسية الخام كالحديد
والخشب والنفط والمعادن في الأسواق بقيمتها الكاملة ..
ثم تحدث بعدها سلسلة من الاستغلال في المراكز الإنتاجية التي تضيف
عملاً على هذه المواد الخام .
هكذا تعمل الأنظمة الاجتماعية القائمة على الاستغلال .
ولكن هذا لا يمكن أن يستمر .. لماذا ؟
لأن الاستغلال لابد أن ينتهي ..
فإن لم ينته الاستغلال .. سننتهي نحن .
فكما بيّنا فإننا نقف على مفترق طرق
وإنه لابد لنا من هدم هذا النظام الاجتماعي وبناء نظام اجتماعي
جديد لا يقوم على الاستغلال ..
لا خيار أمامنا .. إما التغيير أو الموت .
فإن كان لابد من القضاء على الاستغلال .. فلابد من القضاء على
الأساس الذي يقوم عليه الاستغلال .
لابد من العودة للأصل ..
وهي أن موارد الأرض الطبيعية هي موجودة ومتاحة .. لم يخلقها أحد
من البشر ولم يوجدها إنسان من عدم ..
لذا فليس من حق أحد أن يدعي امتلاكه لها ..
إن
هذا التملك هو في أصله وجذوره وبداياته غير شرعي ولا حق فيه ..
فعلى من يتملك شيء أن يتملّكه بفعل عمله وجهده
.. ولا يستطيع أحد
من البشر أن يدعيّ أنه هو من خلق الأرض ومواردها ..
لذا ليس من حق أحد أن يحرم الآخرين منها .
وإن القيام بما لا حق فيه هو جريمة .. فالمجرم هو مجرم لأنه يقوم بفعل لا يحق له فعله .. هذا هو تعريف الجريمة . والجرائم لا تسقط بالتقادم .
فالمبدأ الذي يقوم على قبول تملك موارد الأرض واعتباره تملكاً
شرعياً هو قبول بجريمة بسبب التقادم ..
الأمر أشبه بسارق قام بسرقة ما لا حق له وتملكه لنفسه ثم ورّث ما سرق
لأبنائه .. لا يعتبر هذا التوريث شرعياً لأن أصله غير شرعي .
ولكن هذا ما حدث ويحدث فعلياً منذ آلاف السنين !
وإن القبول بذلك هو الذي أدى لظهور الاستغلال وهو الذي أوصلنا لهذه
الحال .
نحن نعلم أن حقوق التملك هي من أهم الحقوق وأكثرها حساسية في عصرنا
الراهن ..
ومجرد الحديث عن عدم شرعية تملك جزء من الأرض يثير رعب الكثيرين
ويصرفهم عن مجرد التفكير ببديل !
وسبب ذلك هو تجذّر النظام الاجتماعي في العقول والأنفس وعدم تخيل
إمكانية وجود بديل .
وقد حدث ذلك في عصر الاستعباد أيضاً..
فقد كان يُنظر لتملك البشر كحق طبيعي لا غرابة فيه .. بل لم يكن
يفكر أحد في عصرهم بوجود بديل ..
لكننا ننظر الآن لهذا العصر باشمئزاز واستغراب .. فالبشر خلقوا
أحراراً وليس من حق أحد تملّكهم .
كذلك الأمر في عصرنا الحاضر يُنظر لتملك الأرض ومواردها كحق طبيعي
لا غرابة فيه ..
لكن الأرض هي في الأصل مجانية ليست ملك لأحد .. وليس لأحد الحق
بحرمان الآخرين منها .
وإن القبول بحق تملك الأرض ومواردها هو الذي أوجد الاستغلال ..
والاستغلال هو الذي يتسبب بالفقر .. والمرض .. والظلم .. والحروب
وكل المآسي التي يعانيها البشر ..
وآليات الاستغلال هي التي ستعمل حتماً بحكم طبيعتها إلى امتداد هذه
المآسي لتشمل شرائح أوسع من البشر بعد كل أزمة ..
وهي التي ستعمل على القضاء على الحضارة وعلى انقراض الإنسان .
فلا بديل إلا بالقضاء على الاستغلال .. ولا يُقضى على الاستغلال
إلا بالقضاء على أساسه وهو حق تملك الأرض ومواردها .
إن الجهل بطبيعة وأصل النظام الاجتماعي هو الذي يسبب سوء
الفهم .. وهذه هي مشكلة الجهل ..
فالجاهل بطبيعة النظام الاجتماعي بمجرد سماعه أن تملك
الموارد الطبيعية هو تملك غير شرعي وكل ما يترتب عليه يكون تملكاً
غير شرعي يصاب في العادة بالرعب عند سماع ذلك ..
فهو يملك منزل .. سيارة .. مزرعة الخ .. ويفهم مما ذكرنا
أن النظام الجديد سيحرمه ذلك .
ليس الأمر كذلك
إن المشكلة ليست في الملكية بحد ذاتها .. إن المشكلة في
طريقة الملكية .. في سبب الملكية .
ما نقوله هنا أن العمل والجهد هما فقط اللذان يعطيان الحق
في التملك ..
لا يحق لأحد أن يتملك شيء إلا بفضل عمله وجهده ..
الموارد الطبيعية هي ليست من عمل وجهد أحد .. لذا لا يحق لأحد أن يتملكها .
لذا فالموارد الطبيعية هي مجانية ملك للجميع دون أي استثناء ..
ولكن عندما يذهب أحدهم إلى الغابة ويحوّل بجهده وعمله الأشجار إلى
خشب .. يصبح هذا الخشب ملك له .
لأنه تملكه تم بفعل جهده وعمله ..
فإذا استخدم هذا الخشب في بناء منزل بعمله وجهده فله كل الحق بامتلاك هذا
المنزل .. لأن حق التملك يكون بالعمل والجهد .
المشكلة دائماً بالاستغلال ..المشكلة دائماً بالظلم ..
والاستغلال يقوم على أساس تملك ما لا حق فيه .. ولا يتم
تملك ما لاحق فيه إلا بالقوة والإجبار .
تملك البشر لا حق فيه .. لأنه لم يخلق أحد البشر ولم يوجدهم بفعل عمله وجهده
..
لهذا فإن تملك إنسان ما وتحويله لعبد بالقوة والإجبار ثم الاستيلاء على ثمرة
جهده وتملك السلع والخدمات التي تنتج عن هذا الجهد هو تملك غير
شرعي لأن أصله غير شرعي .
تملك الموارد الطبيعية .. لا حق فيه لأنه لم يخلقها أحد من البشر ولم يوجدها
أحد بفعل عمله وجهده .
لهذا فإن تملك إنسان لقطعة كبيرة من الأرض دون سبب إلا لسبب القوة ثم حرمان
الآخرين من موارد هذه الأرض وعدم السماح لهم بالاستفادة منها إلا
بتملك نسبة كبرى من ثمرة عملهم هو تملك غير شرعي لأن أصله غير شرعي
.
أما من تملك الخشب والمنزل والأثاث الذي فيه بفضل جهده
وعمله فتملكه شرعي لا مشكلة فيه ..
ولكن لا يمكن لأحد أن يقوم بعمل وصنع كل شيء يحتاجه ..
لابد من التبادل ..
فكيف سيتملك صاحب هذا المنزل الخشبي أشياء أخرى يصنعها
آخرين ؟
بأن يتبادل معهم ثمار جهده وعمله بثمار جهدهم وعملهم ..
فعندما يريد تملك مركبة مثلاً يمكنه أن يحصل عليها بأن يبني بجهده وعمله
منزل جديد لمن صنع بجهده وعمله هذه المركبة ..
وبهذا لا يظلم ولا يستغل أحدهم الآخر ..
وعلى صاحب المركبة أن يصنع بعمله مركبة أخرى ليتبادلها مع من يزرع المحاصيل
ليتمكن من تملك هذه المحاصيل والانتفاع بها .
وهكذا يتم تبادل ثمار العمل والجهد وتملك ما ينتج عن هذا العمل والجهد .
وهذا ما يحدث في المجتمع الممكن !
عمل وجهد ثم تبادل لثمار هذا العمل والجهد .
كل ما هنالك إنه في المجتمع الممكن لا يتم الإنتاج بشكل
فردي .. بل بشكل جماعي ضمن مراكز إنتاجية هائلة ..
يعمل كل منها في إنتاج شيء ما ثم يتم تبادل هذا الإنتاج بين أفراد المجتمع
كله بالعدل .. فالتملك كله لديهم يقوم على العمل والجهد .
المشكلة في عصرنا الحالي أن هناك المليارات من البشر هم على استعداد للعمل
وبذل الجهد البدني والذهني للبناء والإنتاج ..
هناك المليارات من البشر يريدون أن يعملوا ويبنوا المنازل .. ويزرعوا
الأراضي .. ويصنعوا المركبات والمكائن والأدوية وكل شيء آخر ولكن
لا أحد يسمح لهم بذلك ..
لأن هناك من يتملك دون حق كل موارد الأرض ولا يسمح لأحد بالانتفاع
بها إلا بعد أن يحصل على الربح ..
فإذا لم يكن هناك ربح فليذهبوا للجحيم !
هؤلاء هم المستفيدون الحقيقيون من النظام الاجتماعي الحالي وهم
الحريصون على بقاءه والحفاظ عليه ..
هؤلاء هم من يقف على رأس الهرم الاجتماعي
وهم الذين يفرضون على من دونهم الخضوع
لقواعد اللعبة ..
ولكن هذه اللعبة لا يمكن أن تستمر أكثر من ذلك .. وإلا
ستقضي على جميع اللاعبين وعلى الملعب !
لابد من تغيير اللعبة وقواعدها .. لابد من لعبة جديدة !
هي نفس اللعبة التي يلعبها أفراد المجتمع الممكن .. هي
نفس النظام الاجتماعي الذي يقوم عليه المجتمع الممكن .
في المجتمع الممكن الذي تحدثنا عنه لا يوجد شيء اسمه تملك للأرض
ومواردها ..
فالأرض و مواردها هي ملك لجميع البشر .. دون أي استثناء .
والأرض ومواردها بالنسبة لهم لا يمكن أن يكون لها ثمن .. لأنها لا
تقدر بثمن .
ولهذا السبب لا يقوم نظامهم الاجتماعي على الاستغلال بل على تعاون
المجتمع الإنساني لتلبية حاجات ورغبات كل فرد فيه .. نتيجة ذلك
يكون مجتمعهم مجتمع وفرة
وازدهار وسلام وغني وثراء لكل البشر .
فالمجتمع ككل يمتلك الأرض ومواردها وهم من خلال هذه الموارد ومن
خلال قوى العمل يبنون .. ويزرعون .. ويصنعون ثم يتبادلوا ما أنتجوه
بالعدل دون أن يكون هناك من يطالب بحق ليس له .
هم بذلك ينتفعون من المساكن التي يختارون شكلها وتصميها طوال
الحياة دون مقابل ..
ولأبنائهم حق الانتفاع بها أو اختيار غيرها إن شاءوا ذلك .. أيضاً دون مقابل
.
لأن العمل الذي تم بذله في بناءها هو عملهم هم .. والموارد التي
دخلت في تصنيعها هي مواردهم هم .
وهم يحصلون على شتى أنواع الطعام والشراب عند الرغبة دون مقابل ..
لأن العمل الذي تم بذله في إنتاج ذلك هو عملهم هم
.. والموارد التي استخدمت في إنتاجه هي موارد مجانية وهي
ملك لهم جميعاَ.
وكذلك الأمر في كل السلع والخدمات ..
فالسلع والخدمات كما ذكرنا هي كلها في الأصل موارد طبيعية وعمل
يقام عليها .
فلا يوجد لديهم من يتملّك الموارد الطبيعية ثم يستفيد وحده من ثمار
هذه الموارد بحق الملكية ثم يحرم الآخرين منها .
المجتمع الإنساني كله لديهم يتملّك الموارد .. لذا فالمجتمع
الإنساني كله يستفيد من ثمارها دون أن يحرم منها أحد .
وهم ينظرون لتملّك بعضنا للموارد الطبيعية المجانية باستغراب
واستنكار شديدين ..
تماماً كما قد ننظر نحن الآن باستغراب واستنكار لمن يدّعي أن نور
الشمس هو ملك له وحده !
كما أنه لا يحق لأحد أن يتملك نور الشمس .. كذلك لا يحق لأحد
امتلاك موارد الأرض .. كلاهما من نفس الدرجة !
ولا يبرر امتلاك بعضنا لموارد الأرض ويجعله يبدو في نظرنا كحق
مشروع إلا خضوعنا لنظام اجتماعي يقوم على الاستغلال .
عندما ينتهي الاستغلال ويُجتث من أساسه المبني على تملّك الأرض
ومواردها ..
سينتفع الجميع ولن يخسر أحد .
ولن يحدث ذلك ولا يمكن أن يحدث إلا إذا عدنا للأصل ..
باعتبار أن كل الأرض
ومواردها هي ملك لكل الإنسانية ولكل فرد فيها .
|
الرئيسية | المكتبة | اتصل بنا |