العالم  كما يراه  الحكماء النظرة العلمية للعالم من السماء إلى الأرض

  نظامنا الاجتماعي الحالي هو النظام القائم على الربح .

  نظامنا الاجتماعي ورثناه عبر آلاف السنين من التاريخ .

  نظامنا الاجتماعي الحالي وصل الآن إلى تخوم حدوده القصوى .

  استمرار هذا النظام سيؤدي حتماً لدمار الحضارة وانقراض البشرية .

  تغيير نظامنا الاجتماعي هي مهمة تقتضيها الضرورة العملية .

  كل ما نحتاجه لبناء مجتمع وفرة وثراء وسلام لكل البشر متوفر لدينا الآن ولا ينقصنا منه شيء .

  نحن الآن على مفترق طرق إما مجتمع رخاء لكل الإنسانية وإما الموت .

 النظام الاجتماعي هو تفاعل البشر فيما بينهم وهو نفسه الشبكة الذهنية .. الماتريكس .

 

 

مقدمة المجتمع الممكن الآن ماهي الثروة مشكلة الجهل العالم كما هو الآن بنية النظام تاريخ النظام سلطان النظام النظام يعمل بالفعل
آثار النظام استحالة إصلاح النظام جوهر النظام آلية الاستغلال نشأة النظم الاجتماعية عصر مفترق الطرق العصر الجديد أساس النظام خاتمة

في نشأة النظم الاجتماعية – بداية التاريخ وظهور الاستغلال .

 

بداية التاريخ – ما قبل الاستغلال

لقد بدأ التاريخ الإنساني كما نعرفه بسيطاً خالياً من التعقيد .

مجموعات متفرقة من البشر هنا وهناك في الشرق والغرب تعتمد في حياتها على الصيد البدائي والالتقاط وتربطها صلات القرابة والدم .

التنظيم الاجتماعي هنا بسيط بساطة الحياة نفسها ..

كل تجمع هو أشبه بأسرة كبيرة لها زعيم أشبه برب الأسرة الذي يدير شؤون أسرته ويتعاون معه الجميع .

مع ازدياد عدد البشر تتزايد الحاجة للغذاء و الماء والمتطلبات الأساسية .

هذه الحاجة تدفع للسعي المتواصل للبحث عن سبل لسدها ..

نتيجة لذلك تتطور أساليب الحياة ولا يعد الصيد والالتقاط كافيين لسد هذه الحاجات .

بسبب هذه الحاجات ومن أجل السعي لسدها يتغير الإنسان تدريجياً ..يكتشف الإنسان عدة اكتشافات بالغة الأهمية .

اكتشاف النار ..ومعرفة أولية محدودة عن قوى الطبيعة من خلال مراقبة النجوم ورصد التغيرات الدورية للمناخ أعطت الإنسان ميزة أكبر ساعدته في المحافظة على بقاءه .

ومن خلال صنع أدوات خشبية وحجرية بدائية كالسكين .. العصا ..الفأس .. الرمح .. الخ

افترق الإنسان عن بقية الحيوانات في طريقة عيشه من خلال هذه الاكتشافات وهذه الأدوات .. فلم يعد الإنسان يعتمد في بقاءه فقط على الالتقاط والصيد مما يجده جاهزاً في الطبيعة ..

لقد أصبح للإنسان طريقة أخرى في العيش .. لقد أصبح الإنسان كائناً عاملاً .

التجمعات البشرية كما ذكرنا تقوم على أساس أسر تربطها صلات الدم ..مهمة زعيم الأسرة تقوم على تنظيم العمل  وحل الخلافات التي قد تنشأ بين أفرادها .

شيئاً فشيئاً تتكون أعراف وتقاليد ونظم تحكم العلاقات بين أفراد هذه الأسرة.

لقد كان المجتمع الإنساني في تلك الأزمنة يقوم في الأساس على التعاون ..هذا التعاون هو الذي مكّن الإنسان في تلك العصور من التغلب على الصعوبات على الرغم من ضعف قدراته التقنية و المعرفية .

مع تزايد أعداد البشر تتفرع الأسر وتنتشر على مساحات واسعة من الأرض .

الأسر تصبح أفخاذ .. الأفخاذ تصبح عشائر ..

لكل عشيرة زعيم يدير شؤونها .. وهو يدير شؤونها بطريقة تشبه إدارة رب الأسرة لأفرادها .

وبحكم الضرورة العملية يتكون تدريجياً نظام للسلطة .

يقف زعيم العشيرة على رأس السلطة ويليه زعماء الأسر وبعض من يحيط بهم .

هذه المرحلة من التاريخ البشري  يقوم نظامها الاجتماعي في الأساس على سد وتلبية الحاجات الأساسية  لأفراد المجتمع  الصغير الذين هم في الأساس أعضاء في أسرة واحدة .

لم يكن لدى الإنسان الأدوات الإنتاجية والمعرفة التقنية التي تمكنه من إنتاج ما يفيض عن الحاجة .

فما الذي يمكن أن تفعله بضعة أدوات حجرية ومعرفة محدودة عن قوى الطبيعة ؟!

لقد كانت هذه الأدوات تكفي فقط لسد الاحتياجات الأساسية من مأكل ومشرب ومأوى ..

وقد كان أفراد المجتمع  في هذا العصر في حاجة للتعاون فيما بينهم لمواجهة قوى الطبيعة .

هذا النظام الاجتماعي الذي يقوم على تلبية الحاجات الأساسية لم يتم التوصل له من خلال الاتفاق أو التفاهم ..هو نظام تقتضيه الضرورة العملية .

هناك الكثير الأدلة التاريخية والأثرية الذي تثبت طبيعة النظام الاجتماعي لهذه العصور ..

ولكن ليس من الصعب فهم أن هذا التصور هو تصور صحيح !

 فيكفي أن يتصور المرء نفسه وقد انتقل مع مجموعة محدودة من البشر لسبب ما إلى مكان معزول لا يعلمون عنه شيء ودون أي أدوات .. ما الذي ستفعله هذه المجموعة ؟

سيكون البقاء على قيد الحياة هو الشغل الشاغل لهم .. ستقتضي الضرورة العملية التعاون فيما بينهم للحفاظ على بقاءهم أحياء .

هذا النظام هو الأطول في تاريخ البشرية وهو يمتد لآلاف السنين وهذا العصر هو عصر ما قبل التاريخ المكتوب .

ولكنها فترة تنتهي تدريجياً ويظهر داخلها شكل آخر من النظام الاجتماعي .

النظام الاجتماعي الجديد يظهر بشكل تدريجي وتلقائي من داخل النظام القديم .

 

نظام العبودية وظهور الاستغلال .

يظهر النظام الاجتماعي الجديد تدريجياً من داخل النظام القديم عندما تتوفر الشروط اللازمة لظهوره

أهم هذه الشروط هو توسع المعرفة التقنية وأدوات الإنتاج التي تحسنت مع مرور القرون وأصبحت أكثر فعالية .. وتعمق المعرفة لقوى الطبيعة من خلال الرصد والتجربة والخطأ وهي معرفة أصبحت تتراكم و تتناقلها الأجيال .

أعطى ذلك الإنسان قدرة أكبر على السيطرة على مصيره .. ومكنه من التوصل لاكتشافات وقدرات بالغة الأهمية ..

اكتشاف الزراعة .. والقدرة على تدجين وترويض عدد كبير من الحيوانات .

لم يعد الإنسان الآن في حاجة للتنقل المتواصل للبحث عن الطعام والشراب .. فقد أصبح قادراً على أن ينتج طعامه بنفسه .

هنا أصبح السائد في المجتمعات البشرية هو الاستيطان والاستقرار والعيش في مناطق ثابتة .

ظهرت في هذا العصر القرى الصغيرة في المواقع التي تلاءم ذلك قرب البحار وحول الأنهار .. وقد بدأت هذه القرى في الظهور في عدة مناطق متناثرة من العالم عندما تتوافر الشروط لذلك .

أصبح الإنسان قادر على إنتاج طعامه بنفسه وإنتاج أشياء أخرى لم تكن موجودة من قبل وبذلك توفر فائض في السلع ..

وقد كانت هذه البذرة التي أنبتت المجتمع الجديد ..

هناك فائض فإذاً هناك معنى للتصارع عليه !

الازدهار الذي حدث بسبب إنتاج الطعام ومرور عصور طويلة أدت لتزايد وتوزع البشر في مناطق أكثر اتساعاً .

تتجمع العشائر لتكوّن قبائل .. وتفترق هذه القبائل لتتحول كل منها  لشعب يهتم في الحفاظ على ذاته .

تكاثر البشر و الكوارث البيئية .. من أعاصير .. جفاف .. براكين .. فيضانات وغيرها تدفع البشر للسعي للبحث عن أماكن استيطان جديدة ..

الأمر الذي يؤدي إلى تقاتل وتصارع بين التجمعات البشرية ..هذه الصراعات تتحول لحروب وغزوات تشنها التجمعات البشرية على بعضها البعض .

لا أحد على استعداد لإطعام الذين يقعون في الأسر .. يتحول هؤلاء إلى عبيد .

يظهر بذلك المجتمع العبودي حيث يفقد العبيد صفتهم البشرية ويتحولون لمجرد أدوات إنتاجية .

وبذلك يتبين لنا أن استقرار واستيطان التجمعات البشرية .. وتوفر فائض في الغذاء .. وتحسن المعرفة العلمية والتقنية .. والكوارث البيئية وتزايد البشر كلها عوامل توفر الشروط لظهور نظام اجتماعي جديد يقوم على الاستغلال .

حيث تقوم قبيلة باستغلال مقدرات قبيلة أخرى .. وأفراد باستغلال أفراد آخرين .

 

نشوء الدولة

أثناء ذلك ونتيجة لكل هذه العوامل ونتيجة لتعقد العلاقات الاجتماعية تتحول إدارة التجمعات البشرية تدريجياً إلى مهنة بحد ذاتها .

يتوقف جزء من المجتمع عن العمل ليتفرغ لإدارة وتنظيم المجتمع .

يتولى هذا الدور زعماء القبائل والعشائر الذين يصبحون مسئولون ومتفرغون لوضع النظم والقوانين التي تحكم العلاقات بين أعضاء القبيلة والسهر على تطبيقها.

ويتكون نوع من البناء الهرمي للسلطة .. وبذلك تظهر الدولة

يقف الزعيم على رأس هذا الهرم ويليه زعماء العشائر يليهم طبقة ممن تصبح مهمتهم فرض القوانين والنظم بالقوة .

تتحول العلاقات بين القبيلة وقبيلة أخرى أو تجمع بشري آخر.. قرية  .. أو مدينة  لشكل من أشكال السياسة التي تحكمها علاقات تتشكل تدريجياً .

إدارة المجتمع كما ذكرنا تتحول إلى مهنة وهذه المهنة تتحول تدريجياً إلى سلطة مُلزمة .

من أرباب أسر إلى مُحكّمين .. ومن مُحكّمين إلى حكام وملوك .

وبذلك يبدأ كل مجتمع إنساني في الانقسام الداخلي لطبقات .

طبقة من الشعب تمتلك السلطة وتبتعد عن العمل الإنتاجي لتتفرغ لإدارة المجتمع .

طبقة أخرى أكبر تتخصص في الإنتاج و الزراعة والتجارة باستخدام الطبقة السفلى .

والطبقة السفلى الأكبر من ذلك تتكفل بالقيام بكل الأعمال لصالح الطبقتين الأعلى منها وهي طبقة العبيد .

العمل التي كانت تقوم به الطبقة الحاكمة كان يتمثل بإدارة المجتمع والحفاظ على تماسكه من أجل صالح المجتمع ككل ..وقد حصلت هذه الفئة على سلطة من بقية أفراد المجتمع من أجل هذا الغرض تماماً كما يمنح أفراد الأسرة السلطة لرب الأسرة لإدارة شؤونها .

عندما تفصل هذه الطبقة نفسها عن باقي المجتمع تستخدم هذه السلطة تدريجياً لصالحها هي في المقام الأول ويتم استخدام هذه السلطة تدريجياً للاستحواذ على ثروة المجتمع .

تصبح الحيوانات والمراعي .. سفن ومناطق الصيد .. الأراضي الخصبة .. أدوات الإنتاج التي كانت ملكاً للجميع ملكاً للسلطة و للفئة التي تملك هذه السلطة .

الطريقة التي تحافظ فيها الطبقة المسيطرة على مكانتها تقوم على تراكم طويل من القيم والعادات والأفكار التي تكوّنت تدريجياً على مر مئات من السنين والتي تفرض الاحترام والطاعة لهذه الفئة والتي بالإضافة إلى صفة الإلزام تُعطى الآن صفة القداسة .

يعاقب كل من يخالفها أو يشكك بها بالعنف المباشر .. الإهانة ..التهجير .. السجن .. التعذيب والقتل.

هذه الطبقات تتعامل فيما بينها على أساس مبدأ الاستغلال ..

الطبقات العليا تستغل ما دونها وتستحوذ على الحصة الأكبر من الثروة بالقوة القسرية وبالقوة غير القسرية ..

تحت تأثير هذا الاستغلال تضطر الطبقة التي دون العليا لاستغلال الطبقة السفلى ..

الطبقة السفلى المكونة من العبيد تتحمل كامل الضغط مما يعلوها .. بالقهر وبالقوة يتم تحميلها كامل الواجبات وحرمانها من أي حقوق .

على الرغم من اختلاف التسميات واختلاف بعض المظاهر إلا أن التنظيم الاجتماعي يتشابه في جوهره لدى كل التجمعات البشرية حيث تفرض هذا التنظيم تعقد الحياة والضرورات العملية .

يصبح للعبيد في هذا النظام أهمية كبرى .. فهم أهم أدوات الإنتاج فيه .

تعمق المعرفة العلمية عن العالم وقواه الطبيعية .. وتطور وسائل الإنتاج والأدوات التي تصبح أكثر كفاءة .. وتوفر كم كبير من العبيد ..

كل هذه الشروط توفر للمجتمعات قدرة أكبر على إنتاج المزيد من السلع والخدمات وعلى تحقيق فائض كبير فيها يذهب أغلب هذا الفائض لمصلحة الطبقة العليا ويتوزع الباقي على الطبقة التي تليها ولا تحصل طبقة العبيد إلا ما يكفي لسد حاجتها للبقاء والاستمرار في العمل .

 

النظام الإقطاعي

لقد كانت السلطة المطلقة منذ بداية عصر الاستغلال وعلى مدى آلاف السنين بيد السلطة الحاكمة .. الملوك .. والأمراء .. والقادة الكبار .

وقد كانوا بفعل هذه السلطة يستحوذون على أغلب ثروات المجتمع .

شيئاً فشيئاً بدأت السلطة الحقيقية تنتقل من الطبقة العليا إلى الطبقة التي تدنوها .. طبقة الفلاحين و الحرفيين والتجار .

فبسبب تطور وسائل الإنتاج بشكل أكبر .. اختراع أدوات جديدة .. تحسن كبير في تقنيات الزراعة والري والنقل والملاحة .. الخ

وبفضل تراكم المعرفة العلمية عن قوى الطبيعة ..

أصبح في مقدور الإنسان إنتاج المزيد من السلع الذي تفيض عن الحاجة والتي أصبحت تنتج ليس أساساً من أجل الاستهلاك بل من أجل التبادل .. من أجل البيع والشراء .

تحسن وسائل الإنتاج .. وتزايد زخم النمو الاقتصادي .. والتشابك والتواصل بين الأمم من خلال التجارة والحروب .. تراكم المعرفة العلمية .. ارتفاع مستوى التعليم والوعي   والكثير من العوامل الأخر ساهمت في نقل  القوة الاقتصادية من يد السلطات الحاكمة القديمة إلى يد طبقة الحرفيين والفلاحين والتجار .

وعندما تصبح القوة الاقتصادية بيد .. فالقوة السياسية ستتبعها في اليد الأخرى !

لم يعد للعبيد الأهمية التي كانت لهم .. فوسائل الإنتاج المتقدمة أصبحت تغني عن عمل الكثير منهم .

ووجد أن الإنتاج الذي يتم باستخدام الوسائل الحديثة أكثر غزارة .. وجودة .. وجدوى من الإنتاج الذي كان يتم من خلال قهر العبيد .

كما أدت الخلافات والصراعات على السلطة بين أفراد الطبقة العليا إلى تفتيت دول مركزية كبرى انتقلت فيها السلطة ليد قادة عسكريين يسيطر كل منهم على منطقة كبيرة يصبح هو السيد فيها والذي يكون له حصة الأسد من ثروة منطقته ..

بهذا ظهر النظام الإقطاعي

استعان هؤلاء القادة الإقطاعيين بالقدرات الإنتاجية والقوة الاقتصادية للطبقة الجديدة في معاركهم وصراعاتهم مع القادة الآخرين ومع السلطات المركزية .

مما أعطى للطبقة الجديدة مزيد من .. القوة .. والثقة .. والزخم .

لقد حدث هذا الانتقال بشكل بطيء وتدريجي على مدى يزيد عن الألف عام .. انتقل فيها النظام من النظام العبودي إلى النظام الإقطاعي والذي تكاثرت في داخله مدن صغيرة يقوم نشاطها على الحرف و الصناعات البسيطة .

بمعنى آخر .. في النظام السابق استنفذ الملوك والأمراء والقادة الطبقة السفلى .. طبقة العبيد  مما أعطى الطبقة الوسطى في ذلك العصر فرصة للبروز والنماء يدعمها تطور وسائل الإنتاج وتراكم المعرفة العلمية .

كل مناطق العالم كانت تتشابه في نظامها الاجتماعي على الرغم من الاختلاف في الثقافات .. وجميعها كان يحدث فيها تغيرات جوهرية يترتب عليها ظهور نظام اجتماعي جديد .

هو نظام جديد لأن النشاط الاقتصادي فيه لا يرتكز على إنتاج العبيد بل على القوة الإنتاجية للفلاحين والحرفيين .

وهو نظام يقوم على الاستغلال أيضاً ..

فالسيد الإقطاعي يجد من المفيد له أكثر استغلال القوة الإنتاجية للفلاحين .. لأن تطور طرق الإنتاج الجديدة التي يستخدمها الفلاحون الآن تعطي نتائج أفضل وأغزر وأكثر جودة من الطرق القديمة التي كانت تستخدم العبيد كأداة أساسية للإنتاج .

وهذا أعطى للفلاحين والحرفيين حقوق أكبر فقد أصبح من المجدي أن يكون لهذه الفئة حقوق شخصية في الإنتاج لأنفسهم ثم حصول السيد الإقطاعي على حصة كبيرة من هذا الإنتاج عن طريق الإتاوة .. والمتبقي يظل للفلاح القن و الحرفي مما يحفزه لإنتاج المزيد .

طبقة العبيد وبعد أن فقدت أهميتها بدأت بالانحلال والتحول لتصبح هي نفسها طبقة فلاحية أو تعمل بالأجر عند الفلاحين والحرفيين .

السيد يستغل الفلاحين والحرفيين الأقنان في إقطاعيته ..

الفلاحون والحرفيون يستغلون العاملين لديهم بالأجر ..

وتماماً كما أن الماء عندما يتسرب من وعاء فهو سيتسرب أولاً من أضعف النقاط فيه .. كذلك الأمر في النظام الجديد ..

فقد ظهر النظام الجديد في أضعف نقاط النظام القديم .. أي في المناطق التي لم تكن الظروف التاريخية فيها قادرة على المحافظة على القديم .

وقد كانت أضعف النقاط في النظام القديم تقع في غرب أوروبا واليابان .

وهي المناطق التي كانت أول من ظهر فيها نظامنا الاجتماعي القائم على الربح .

 

بدايات ولادة نظامنا الاجتماعي الحالي .

مع تطور وسائل الإنتاج وتحسن تقنيات الصناعة والزراعة .. ومع مزيد من تراكم المعرفة العلمية والتقنية .. ومزيد من انتشار التعليم .. وارتفاع مستوى الوعي بفضل حركات النهضة والثورات الفكرية التي أصبحت تعيد النظر في أسس المجتمع الثقافية ..

ومع تراكم الثروات في يد التجار والحرفيين بدأت بذرة نظامنا الاجتماعي الحالي في النمو .. بشكل أسرع وأبرز في غرب أوروبا .

بدأت القوة الإنتاجية الأساسية تنتقل من الإقطاعيات الزراعية إلى المدن الصغيرة ..

يقوم النشاط الاقتصادي في هذه المدن على التصنيع البدائي وعلى التجارة بمنتجات هذه المدن و المنتجات الزراعية .

تدريجياً انتقلت القوة الاقتصادية من الريف إلى المدينة.. من الزراعة إلى الصناعة .

وبذلك استحوذت طبقة الحرفيين والتجار على القوة الاقتصادية الكبرى في المجتمع ..

ترك الكثير من الفلاحين مزارعهم وأراضيهم وانتقلوا للعمل كأجراء في هذه المدن ..

وأصبحت نسبة السكان في المدن  تتزايد تدريجيا ونسبة السكان في الأرياف تنخفض بنفس المعدل .

كل ذلك ومع مرور الوقت وتعمق الأسلوب الجديد أدى لإعطاء طبقة التجار والحرفيين مزيد من القوة ومزيد من الاستحواذ على الحصة الكبرى من النشاط الاقتصادي .

ارتفع صوت هذه الطبقة في المطالبة في مزيد من الحرية في الإنتاج والمتاجرة والحقوق الشخصية وقد تمكنت من الحصول على هذه الحقوق من خلال الثورات التي حدثت في أوروبا والتي تحدثنا عنها.

وكما ذكرنا سابقاً فقد ساهمت الثورة الصناعية مساهمة كبرى في تدعيم وتقوية هذه الطبقة حتى آلت الأمور لانتشار النظام الجديد القائم على الإنتاج على أساس الربح في العالم كله كما هو حادث الآن .

ما يهمنا معرفته من كل هذا العرض الموجز هو أن نظامنا الحالي القائم على الربح هو نظام ورثناه من تراكم الأحداث التاريخية التي حدثت في العالم أجمعه .

المجتمع القائم على سد الحاجات الأساسية والحفاظ على البقاء كان يخلو من الاستغلال ..

لم يكن هناك استغلال لأن الجميع كان خاضع لاستغلال وسلطان قوى الطبيعة التي تفرض هذا النمط من الحياة لضعف القدرات الإنتاجية والمعرفية .

عندما تطورت وسائل الإنتاج وتراكمت المعرفة العلمية تمكن الإنسان من التخلص جزئياً من سلطان قوى الطبيعة ومن السيطرة على مصيره بإنتاج طعامه بنفسه من خلال الاستيطان والزراعة ..

هنا أصبح الإنسان يستغل الإنسان ..

وقد توارثت الأنظمة الاجتماعية هذا الاستغلال كلٌ بطريقته الخاصة وبما تقتضيه الضرورات العملية وتغيرات الأحداث التاريخية .

يتم الانتقال من نظام اجتماعي إلى آخر بشكل تدريجي بطيء لا يُلاحظ إلا عندما يُنظر إليه على مدى فترات زمنية طويلة ..

كل نظام يظهر كمولود صغير يخرج من أحشاء النظام الذي سبقه .. يستمر النظامان القديم والجديد في التواجد في نفس المكان والزمان ..

ثم يشيخ القديم ويذوي ثم يموت وينمو الجديد ويكبُر ويشتد ساعده .

من المجتمع العبودي الذي يقوم على استغلال إنتاج العبيد .. إلى المجتمع الإقطاعي الذي يقوم على استغلال الفلاحين والأقنان .. إلى المجتمع الحرفي والصناعي الذي يقوم على استغلال العمال والأجراء ..

كل نظام خرج من أحشاء ما قبله تماماً كما يخرج الإنسان الوليد من أحشاء أمه .. يعيش كل منهما معاً ثم تشيخ الأم وتموت وينمو الوليد ليصبح شاباً بالغاً .

وكما أن عملية الولادة يصاحبها الكثير من الألم الذي يقع على الأم وعلى الوليد .. كذلك الأمر في الأنظمة الاجتماعية كانت تتوالد من بعضها البعض من خلال الحروب والثورات والصراعات والمؤامرات التي ينتج عنها مآسي لا تعد ولا تحصى تطال الملايين من البشر .

تختلف كل الأنظمة الاجتماعية في طرق الإنتاج وفي يد من تكون السلطة الاقتصادية والسياسية في كل منها ..

تفرض هذه التغيرات على جميع أفراد المجتمع دون استثناء قواعد جديدة للعبة .. على الجميع أن يتحرك بمقتضى هذه القواعد ..

من ينجح في التكيف مع التغيرات التي تطرأ على قواعد اللعبة يتمكن من البقاء .. من يعاند أو لا يتمكن من التكيف يموت .

تختلف الأنظمة الاجتماعية في ما بينها في الكثير من السمات .. طرق الإنتاج .. السلطة الاقتصادية والسياسية .. الثقافة العامة التي تسود في عصر كل نظام .. الأفكار .. العادات والتقاليد .. القيم .. المفاهيم الفلسفية والدينية .. الخ

الفارق بين الحضارة الإنسانية منذ بدايات الاستغلال عند استيطان الإنسان في القرى البدائية منذ ما يزيد عن عشرة آلاف سنة وبين الحضارة الإنسانية في عصرنا الحالي هو فارق هائل في كافة مناحي الحياة .. الاقتصادية والسياسية والثقافية والتقنية .. الخ

ولكنها كلها تتشابه في سمة واحدة أساسية .. الاستغلال .

في كل من هذه الأنظمة هناك دائماً فئة من البشر تستغل فئة أخرى ..

إنسان يستغل إنسان .. لا يخلو أي نظام اجتماعي من هذه السمة .

وهي سمة يتم توارثها وانتقالها من نظام إلى آخر ..

كل ما يفعله النظام الجديد الذي يخرج من القديم هو تغيير طريقة الاستغلال وتغيير الفئة التي يتم استغلالها ..

ولكن الاستغلال نفسه دائماً موجود في كل منها ..

بل إن الاستغلال يكون هو ركيزة كل منها .

كل الأنظمة الاجتماعية السابقة تقوم في الأساس في بنيتها ونمائها واستمرارها على الاستغلال .

ونظامنا الحالي القائم على الإنتاج على أساس الربح يقوم كما بيّنا على الاستغلال .

الربح نفسه هو استغلال .. ولا يمكن أن يتحقق إلا من خلال الاستغلال .

والاستغلال هو الظلم .

والظلم لا يمكن أن يقوم إلا على العنف والقهر والغلبة ..

لهذا فتاريخ البشرية في مجمله يقوم على الحروب والصراعات لأنه يقوم على الظلم .

الآن ..

وبعد كل الأحداث التاريخية التي حدثت في العالم كله وصلنا إلى تخوم الحدود القصوى في نظامنا الاجتماعي ..

لقد تمكنا من إحداث ثورة هائلة في تطوير وسائل الإنتاج .. وثورة هائلة في المعرفة التقنية والعلمية .

لا حاجة بعد الآن للمزيد من الاستغلال ..

يمكن للجميع أن يعيش حياة على أعلى مستوى .. يمكن سد كل الحاجات والرغبات ..كل ما نحتاجه موجود لدينا الآن ..

لم يعد هناك من حاجة للاستغلال ..

لم يعد هناك من حاجة لأن يُظلم إنسان ..

وكما ذكرنا كثيراً في هذه الرسالة فنحن لا نكترث هنا للبعد الأخلاقي عند الحديث عن ضرورة تغيير نظامنا الاجتماعي .. يهمنا هنا التركيز على البعد العملي لهذا التغيير .

فعندما نقول إن نظامنا الاجتماعي لابد أن يتغير ..

وعندما نقول أن الاستغلال لابد أن ينتهي ..

فنحن لا نقول ذلك لأن إنهاء الاستغلال هو ضرورة أخلاقية .. بل لأنها ضرورة عملية .

وصول نظامنا الحالي القائم على الربح لحدوده القصوى يفرض التغيير على الجميع ..

فإما أن نتكيف مع هذا التغيير .. وإما أن نموت .             >>

 

     
مقدمة

الحياة كما تجب أن تكون - المجتمع الممكن الآن

ماهي الثروة ؟
                        المعادل العام
                        السلع    
                        الخدمات
                        مما تتكون السلع
                        مما تتكون الخدمات
                        النتيجة الهامة لحقيقة الثروة
                        الموارد الطبيعية
                        عمل الإنسان    
مشكلة الجهل في حقيقة النظام الاجتماعي

العالم كما هو الآن - الإنتاج على أساس الربح
                         منافع النظام الاجتماعي الحالي

 بنية النظام الحالي  - آلية عمل النظام وحتمية انهياره                     
                           آلية عمل النظام
                           تخفيض تكاليف الإنتاج
                           تطوير وسائل الإنتاج
                           المنافسة 
                           استقطاب الثروة - الإحتكار والإفقار المتزايد
                           السيطرة على المجتمع
                           حتمية سيطرة الإحتكارات على كافة مناحي الحياة
                            آثار سيطرة الاحتكارات على المجتمع
                           حتمية شلل النظام وانهياره
                            الأزمات الاقتصادية
                            ملخص لآلية عمل النظام والنتائج المترتبة عن ذلك   

تاريخ النظام الحالي - النظام القائم على الربح في عالمنا الموجود بالفعل
                          نشوء النظام وانتشاره
                         حركة النهضة
                         حركة الاستكشاف
                         الثورات الأوروبية
                         الثورة الصناعية
                         الاستعمار
                         محاولات الأمم المتضررة وحركات التحرر
                         تقدم الدول الغربية والتبعية
                         انتشار النظام والعولمة
                        وصول النظام لتخوم حدوده القصوى  

سلطان النظام - هيمنة النظام الاجتماعي وقواعد اللعبة
                         هيمنة النظام على أفراد المجتمع
                        النظام يفرض بنية المجتمع - هرمية المجتمع
                        هيمنة النظام على سياسات الدول
                         هيمنة النظام على السياسة والاقتصاد الدوليين
                        هيمنة النظام على مجمل حركة الأحداث - هيمنة النظام على التاريخ
                         ملخص هيمنة النظام الاجتماعي وقواعد اللعبة

النظام يعمل بالفعل - المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية
                       الهجوم على الطبقة الوسطى
                        معدلات النمو الاقتصادي المنخفضة
                       الاستحواذ والاندماج بين الشركات الكبرى
                       عولمة إنتاج السلع والخدمات
                       تخبط السياسات الحكومية وعجز إجراءات الحد من البطالة والفقر
                       اتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء

آثار النظام - انهيار الحضارة
                         استعباد الإنسان
                         انقراض البشر
                                          الحروب
                                          انهيار القيم
                                         الكوارث الطبيعية
                        النظام و الدوامة الجهنمية ونقطة اللاعودة

 إستحالة إصلاح النظام وضرورة هدمه

 جوهر النظام - الاستغلال
                    ماهية الاستغلال - الظلم
                    الظلم والاستغلال في نظامنا الحالي - حقيقة الربح

 آلية الاستغلال - كيف يُنفذ الظلم والاستغلال في نظامنا الحالي       
                     دور العمل
                     القيمة
                      القيمة المضافة
                      تبادل السلع والخدمات
                      السوق
                      النقود ووظيفتها في حفظ القيمة والتبادل
                                          الذهب والفضة
                                          دور النقود في حفظ القيمة
                                          دور النقود في تبادل السلع      
                                          النقود كوسيط في التبادل - المعادل العام
                                          النقود الورقية
                                          النقود الإليكترونية 

                  التكافؤ في القيم عند التبادل
                 تحقق الربح في العملية الإنتاجية - كيف يحدث الاستغلال 
                 تقاسم الربح
                 السعر - الفارق بين السعر والقيمة
                 دفاع عن الربح والنظام القائم على الربح
                 استغلال وليس شراكة
                 الإنتاج في المجتمع الممكن

 في نشأة النظم الاجتماعية - بداية التاريخ وظهور الاستغلال
                                         بداية التاريخ - ما قبل الاستغلال 
                                         نظام العبودية وظهور الاستغلال
                                         نشوء الدولة
                                        النظام الإقطاعي
                                        بدايات ولادة نظامنا الاجتماعي الحالي

 عصر مفترق الطرق - النظام يصل لتخوم حدوده القصوى   
                                         مرحلة الانتشار
                                         مرحلة العولمة 
                                         طريق الدمار والفناء
                                         طريق التطور والنماء
                                         حقيقة واقعة وليست مثالية
                                         حتمية المواجهة             

 أعمار الأنفس وعصور التاريخ - العصر الجديد
                                        عصر الطفولة
                                        عصر الشباب
                                        عصر النضج أو عصر الانقراض

 أساس النظام وأداته - حق التملّك

 خاتمة  

 تنزيل رسالة من السماء إلى الأرض