آلية عمل النظام بفقرة واحدة
النظام القائم على الربح يجبر المراكز
الإنتاجية للتخلص من عدد يتزايد دائماً من العمال والأجراء
لتحقيق الربح .
من خلال تطوير وسائل الإنتاج يمكن تحقيق هذا الهدف حيث يمكن
إنتاج نفس الكم من السلع بعدد أقل من العمال .
الآن وبعد أن تم التخلص من العدد الأكبر من العمال والموظفين
والأجراء تعرض المراكز الإنتاجية سلعها في السوق ..
لن تجد هذه المراكز من يشتري سلعها وخدماتها لأن المشترين هم
أنفسهم الذين تم الاستغناء عنهم وهم أغلبية أفراد المجتمع من
الموظفين والعمال والأجراء .
لهذا لن تتمكن هذه المراكز من تحقيق ربح كاف لأنها لا تبيع
منتجاتها .
سيتوقف الإنتاج بسبب عدم تحقق الربح أو سيقل بدرجة حادة
وبالقدر الذي يحقق الربح فقط .. فقط لا غير!
وفي نفس الوقت سينتشر الفقر والحاجة لدى أغلبية أفراد المجتمع
لأنه تم الاستغناء عنهم ولا يملكون ما يشترون به حاجاتهم .
وهكذا .. المراكز الإنتاجية لا تحقق الربح والأغلبية الغالبة
من أفراد المجتمع يعيشون بحالة من الفقر المتزايد الشدة على
الرغم من وجود كل الإمكانيات من موارد وقدرات إنتاجية . عندما يصل الأمر لهذه الدرجة يكون النظام القائم على الربح قد وصل لحدوده القصوى .. وهذا ما يحدث الآن في كل العالم . هكذا يعمل النظام القائم على الربح .. وبسبب هذه الآلية في العمل سينهار هذا النظام .بمعنى آخر النظام القائم على الربح يفترض أنه سيتمكن من بيع منتجاته للمجتمع بعد أن أفقر المجتمع! وهو أمر يستحيل تحقيقه
Inside Job Doucumentary 2010 عمل داخلي وثائقي بالغ الأهمية عن الأحداث التي أدت إلى الأزمة الاقتصادية التي بدأت في نهاية 2008 وهي واحدة من أحدث وأخطر الأزمات الاقتصادية والتي بدأت من القطاع المالي ومازالت آثارها قائمة حتى الآن الفيلم يوثق الأحداث لتلك الفترة الحرجة والخطيرة ويجري مقابلات مع صناع القرار الاقتصادي والسياسي في تلك الفترة حيث تظهر بوضوح العلاقات المتشابكة والمعقدة والغامضة بين مراكز صنع القرار السياسي وبين الشركات الاحتكارية والمالية ننصح بمشاهدة هذا الوثائقي ، الرابط اعلاه لنسخة مترجمه منه نداء الهامش فيلم سينمائي يحكي قصة الأربعة والعشرين ساعة الأخيرة التي تسبق إنهيار إحدى الشركات المالية العملاقة وكيفية تعامل المالكين وكبار المسؤولين فيها بأنانية وجشع للتخلص من آثار الإفلاس وتحميله للمجتمع من خلال التسبب بأزمة اقتصادية كبرى الفيلم يوضح الكيفية التي تتعامل بها الشركات المالية العملاقة وطبيعة العلاقات بين مالكيها ومديريها نداء الهامش هو اصطلاح يطلق عند وصول المضارب في البورصة لقرب نقطة الخسارة الكاملة |
بنية النظام – آلية عمل النظام وحتمية انهياره
عندما تتوقف الأعضاء الحيوية عن العمل .. فإن نفس هذا التوقف سيحتم موت هذا
الجسد .
ونظامنا الاجتماعي ونمط الإنتاج القائم على الربح هو أشبه بهذا الجسد ..
لذا فنظامنا الاجتماعي حتماً سينهار !
إننا لا نقول هنا رأياً خاصاً بنا ..
فالقارئ يعلم الآن إن منهجنا لا يكترث للآراء .. نحن لا
نهتم إلا بالحقائق .. إلا بالواقع الفعلي .
وحقيقة حتمية انهيار نظامنا الاجتماعي هي أمر واقع .
طبيعة النظام الاقتصادي نفسها تفرض انهياره ..
والانهيار يحدث الآن تدريجياً وفي هذه اللحظة .. وهذا الانهيار في تسارع
متزايد !
كما ذكرنا فإن انهيار هذا النظام لا تأتي من أسباب خارجية بل تأتي من طبيعة
النظام نفسه .
النظام نفسه سيحطم نفسه .
وحتى نتمكن من فهم ذلك ونوضح للقارئ لماذا إن النظام الاجتماعي القائم على
الربح سيحطم نفسه بنفسه فلابد أن نفهم آلية عمل هذا النظام ..
لابد أن نفهم كيف يعمل النظام وكيف سيؤدي استمراره إلى انهياره من الداخل .
فيما يلي سنركز على توضيح آلية عمل النظام وما سيترتب على استمراره
وسنوضح ذلك بشكل عام مجرد عن الواقع التاريخي الذي يحدث فعلاً ..
بعد أن نفهم الآلية التي يعمل بها النظام ولماذا سيؤدي استمراره إلى انهياره
سنعمل بعدها على توضيح كيف يحدث ذلك فعلياً في عالمنا الذي نعيش
فيه .
آلية عمل النظام .
حتى نتمكن من فهم آلية عمل النظام علينا أن نتخيل أن
عالمنا كله هو بلد واحد .. دولة واحدة فقط .
ولنتخيل أن هذه الدولة التي لا يوجد غيرها في عالمنا بها الكثير من المراكز
الإنتاجية..
شركات صناعية وزراعية وتجارية بمختلف الأحجام ومحلات تجارية وخدمات على
اختلاف أنواعها من نقل وتعليم وعلاج
.. الخ
في هذه الدولة يوجد أيضاً قطاع حكومي يعمل فيه جزء من سكان الدولة كموظفين
وعسكريين .. الخ
باختصار بها كافة أشكال النشاط الاقتصادي المعروفة .
لننظر الآن ما الذي سيحدث لاقتصاد هذه الدولة إن كان النظام الإنتاجي فيها
قائم على الربح ..
كما ذكرنا فإن هذا النمط الإنتاجي يعني أنه لا يمكن أن يستمر مشروع ما مهما
كان إلا إذا كان يحقق الربح ..
فإذا كانت تكاليف الإنتاج تساوي الدخل فإن المشروع سيُغلق .. لأنه لا يحقق
ربحاً .
فعلى أصحاب هذا المشروع تخفيض التكاليف حتى يتحقق الربح .. فإذا كان الدخل 10 ملايين فلابد أن تُخفض
التكاليف ليتحقق الربح بحيث تكون أقل من 10 ملايين .
هناك الكثير من الإجراءات المتبعة لتخفيض التكاليف ..
تخفيض تكاليف الإنتاج
من أهم إجراءات تخفيض الكلفة هي تسريح عدد من الموظفين والعمال في
المشروع مما يقلل من حجم الأجور المدفوعة ..وإذا لم يتم تسريح
الموظفين فسيتم خفض رواتبهم وزيادة ساعات عملهم لتخفيض حجم الرواتب
المدفوعة لهم .
والإجراء الأساسي الثاني يكون بتطوير وسائل الإنتاج .. أي استخدام آلات ومعدات حديثة ومتطورة
تستخدم كماً أقل من الطاقة وتقوم بعمل يقلل من الحاجة للموظفين
والعمال ..
فمثلاً قد يكون عدد العاملين في مصنع ما هو ألف موظف وعامل لإنتاج كمية من
السلع .. باستخدام وسائل إنتاج متطورة يمكن إنتاج نفس الكمية ولكن
بعدد 500 موظف .
وبذلك يتم الاستغناء عن 500
موظف وبالتالي تقل تكلفة الإنتاج ويزيد بذلك الربح .
تطوير وسائل الإنتاج
تحرص الشركات والمؤسسات الإنتاجية وأصحاب الأعمال أشد الحرص على العمل
المتواصل لتخفيض تكلفة الإنتاج بكل الطرق الممكنة للعمل على رفع
مستوى الربح ..
ويكون ذلك هو الدافع الرئيس الذي يشجع الشركات على تشجيع البحث العلمي
والتقني ..
لأنه من خلال البحث العلمي يمكن اختراع أنواع جديدة من الآلات تساهم في مزيد
من تخفيض التكلفة مما يعمل على رفع مستوى الربح ..
أو اختراع منتجات جديدة تحقق أرباحاً عند بيعها ..
وفي الحقيقة فإن هذا السبب بالذات هو الذي أدى إلى إحداث
ثورة صناعية وتطوير متواصل للأجهزة والمعدات وأساليب ووسائل
الإنتاج وقد ساهم ذلك مساهمة أساسية في تقدم حضارتنا وظهور المزيد
من الاكتشافات الهامة كالطائرة والسيارة والهاتف وإنتاج الكهرباء و
الكمبيوتر..الخ .
كل مستوى الحياة التي نعيشها وكل شيء نعتبره ضروري وأساسي في حياتنا هو
نتيجة للتطور المتواصل للبحث العلمي واكتشاف المزيد والمزيد من
الاختراعات الهامة ..
والدافع وراء هذا التقدم العلمي هو الربح .
صحيح أن العلماء يعملون بدافع المعرفة ولكن العالِم في حاجة لدعم يمكّنه من
مواصلة أبحاثة وهو يحصل على هذا الدعم من الشركات الإنتاجية
والحكومات التي تخصص جزء
من أرباحها لدعم البحث العلمي لأن البحث العلمي سيعود عليها لاحقاً
بالمزيد من الأرباح .
وهنا حتى البحث العلمي وتطوره يصبح مرتبطاً ومشروطاً
بتحقيق الأرباح .
تطور وسائل الإنتاج يؤدي إلى نتيجة هامة وهو تخفيض تكلفة الإنتاج
وبالتالي يؤدي إلى تخفيض قيمة السلعة المنتجة ..
لأن السلعة التي كانت تكلف الشركة 10
وتباع ب 12 ..
عندما تنخفض تكلفتها على الشركة إلى 8 يمكن بيعها بسعر 10 ..
أي بسعر أقل ولكن بنفس الربح .. في
كلا الحالتين الربح هو 2 .
صحيح إن الربح هو نفسه ولكن انخفاض قيمة السلعة سيؤدي إلى
رواجها بين المشترين مما يزيد الأرباح نتيجة لزيادة المبيعات .
فعندما تنخفض تكلفة السلعة المنتجة يمكن عرضها للبيع بسعر أرخص مما يساهم
مساهمة أساسية في ترويجها بين السكان .
إن تطوير وسائل الإنتاج يتسبب في رفع إنتاجية العمل وخفض
سعر السلعة ..
ولكنه يؤدي في نفس الوقت إلى التخلص من عدد من الموظفين والعمال لأن الآلات
الجديدة والمتطورة حلت محلهم الآن .
الموظفون والعمال الذين تم الاستغناء عنهم سيصبحون عاطلين عن العمل ولن يكون
لهم دخل مادي يمكنهم من العيش ...
ولهذا آثار مدمرة على النظام الاقتصادي كما سنوضح بعد قليل .
حتى الآن توصلنا إلى أن النظام الإنتاجي القائم على الربح
يفرض على كل مركز إنتاجي أن تكون تكلفة إنتاج السلع أو الخدمات فيه
أقل من الدخل الناجم عن بيعها ..
لأن الربح هو بكل بساطة الدخل الناجم ناقصاً تكلفة
الإنتاج .
وتبين لنا أنه لكي تخفض التكاليف فلابد من القيام بإجراءات كثيرة ستكون
محصلتها الاستغناء عن موظفين وعمال في مركز الإنتاج .
فسواء تم ذلك بالتسريح المباشر للموظفين والحسم من رواتبهم .. أو بطريق غير
مباشر بتطوير أساليب الإنتاج بحيث يتم إنتاج نفس الكم من السلع
بعدد أقل من الموظفين والعمال .
في كلا الحالتين يتم إخراج عدد من الموظفين والعمال من
العملية الإنتاجية لأنه تم الاستغناء عنهم .
المنافسة
فمثلاً هناك العشرات من مصانع السيارات كلها تتنافس في صناعة السيارات التي
تعرض في السوق .
وكذلك الخدمات .. فكل نوع من الخدمات يقدَم من قبل عشرات الشركات المتنافسة
.
فمثلا الخدمات الفندقية تقدم من قبل عشرات الفنادق التي تتنافس فيما بينها
على جلب الزبائن .
وهكذا هناك المئات من أنواع المنتجات الغذائية .. الثياب .. الأجهزة
الكهربائية والإليكترونية وكل أنواع المنتجات تتنافس في سوق هذه
الدولة وكل شركة تحرص أشد الحرص على إنتاج أفضل السلع وعرضها للبيع
بسعر أرخص من المنافسين للحصول على حصة أكبر من المشترين وبالتالي
زيادة الربح .
وكذلك الأمر بالنسبة للخدمات .
فالشركة التي تنتج أفضل السلع وتبيعها بأرخص من أسعار
منافسيها تتمكن من السيطرة على السوق وبالتالي تتزايد أرباحها .
إذاً المنافسة بين منتجي السلع والخدمات تدفعهم دفعاً حثيثاً لتطوير وسائل
الإنتاج بغرض تخفيض تكلفة الإنتاج وتخفيض سعر السلعة حتى تتمكن من
التغلب على السلع المنافسة .
لا مجال للاختيار هنا !
المنافسة نفسها تفرض فرضاً على صاحب العمل أن يسعى دوماً
لخفض تكاليف إنتاجه وتخفيض سعر السلعة .
إن من لا يسعى دائماً وبشكل متواصل في العمل على تخفيض
سعر التكلفة سينتهي به الأمر للدمار ..
لأنه إن لم يفعل ذلك سيقوم منافسيه بذلك وسيتمكنون من إنتاج سلع أرخص ..
وبالتالي لا يعد أحد يشتري سلعته وينتهي به الأمر للخسارة وإغلاق
المشروع والخروج كلياً من السوق .
فلابد إذاً من السعي الدائم لخفض تكاليف الإنتاج للفوز في هذه المنافسة التي
لا ترحم ..
ولكننا ذكرنا أن تخفيض تكاليف الإنتاج تعني في النهاية الاستغناء عن
الموظفين والعمال وبالتالي فقدانهم لأي دخل مما يؤدي لدخولهم دائرة
الفقر والحاجة وكل ما يترتب على ذلك من مآسي .
لا يهم .. فليذهبوا للجحيم !
وفي الحقيقة هذا ما يحدث !
بغرض تحقيق الربح والفوز على المنافسين يتم تطوير وسائل الإنتاج بشكل ضروري
لا مناص منه ..
وتطوير وسائل الإنتاج يؤدي إلى فقدان المزيد من الموظفين والعمال لعملهم أو
بتخفيض رواتبهم .
مما يؤدي لدخول المزيد من سكان هذه الدولة في دائرة الفقر ..
وكلما زادت المنافسة بين المنتجين .. زادت وتيرة تطوير وسائل الإنتاج ..
وكلما ازداد مستوى تطوير الإنتاج .. كلما دخل عدد أكبر من السكان في دائرة
الفقر .
استقطاب الثروة – الاحتكار والإفقار المتزايد
وعندما تكون المنافسة على الموت والحياة
فمعنى ذلك إن من ينتصر يحصل على كل شيء ومن ينهزم يخسر كل
شيء ..
وهذا ما يحدث فعلياً في مضمار المنافسة الاقتصادية بين مراكز الإنتاج ..
وهو ما يحدث فعلياً في عالمنا الآن .
كما ذكرنا فإن المنافسة بين المنتجين تفرض عليهم ضرورة السعي المتواصل
لتخفيض تكاليف الإنتاج وإنتاج سلع وخدمات أفضل وأكثر ابتكاراً وأقل
سعراً حتى يتمكن المنتج من الحصول على أكبر نسبة من السوق وأكبر
نسبة من المبيعات الأمر الذي يرفع مستوى الربح .
عند طرح سلعة جديدة من قبل منتجين متنافسين فهناك من ينتصر في الترويج
لسلعته ويحظى بالحصة الكبرى من المبيعات والأرباح ..
وبهذا يكبر هذا المنتصر ويتمكن من إزاحة بعض منافسيه الذين ولأسباب كثيرة لم
يتمكنوا من مضاهاته ..
عندما يكبر هذا المنتصر تصبح لديه إمكانية أكبر على المنافسة والتطوير ..
الشركة المنتصرة وبفضل إمكاناتها تتمكن من استقطاب أفضل العاملين والمهندسين
والأجراء .. ومن جلب أفضل الآليات و وسائل الإنتاج وأكثرها تطوراً
.. واختصار الكثير من الوسطاء التجاريين ..
وبهذا تتمكن من خفض النفقات أكثر وبالتالي تحقيق المزيد من الانتصار على
بقية المنافسين .
تؤدي هزيمة المنافسين من أصحاب الأعمال إلى إخراجهم من السوق وإغلاق
مشاريعهم وإفلاسهم .. وهذا سيؤدي إلى القضاء على المزيد من
المشاريع وفقدان الآلاف من الموظفين والعمال لعملهم و مصادر دخلهم
..
سيدخل أصحاب الأعمال المنهزمين و موظفيهم في دائرة الفقر .
وهكذا تتضخم الشركات المنتصرة في كل مرة أكثر وأكثر وتقوم بابتلاع المزيد من
حصص السوق لتتحول إلى شركات عملاقة تعمل في كل المجالات الاقتصادية
..
فالشركة التي بدأت بإنتاج الغذاء مثلاً وعند توسعها وثراءها نتيجة لانتصارها
في المنافسة تتوسع في العمل في مجالات أخرى .. بالصناعة والزراعة
والقطاع المالي وفي كل شيء آخر ..
إن هذه الشركات لا تتوقف عن النمو فهدفها دائماً هو الربح .. بأي ثمن .
وكلما نمت أكثر كلما تمكنت من القضاء على المزيد من
المنافسين .. مما يؤدي لمزيد من النمو !
ينتج عن ذلك انحصار القوة الاقتصادية ضمن فئة تقل يوماً
بعد يوم ..
النشاط الاقتصادي في هذه الدولة والذي كان يتم من خلال آلاف الشركات
والمؤسسات يصبح تدريجياً وبفعل المنافسة مداراً من قبل عدد محدود
من الشركات يتقلص دائماً .
أثناء المنافسة تسقط أولاً الشركات الصغيرة العائلية لأنها الأضعف والأقل
قدرة على المنافسة ..
حيث يدخل أصحاب هذه الشركات والعاملين فيها وأسرهم إلى دائرة الفقر .
ثم بعد ذلك يأتي الدور على الشركات المتوسطةً ..
ستُهزم في المنافسة و سيتم إخراجها من السوق وإدخال أصحابها والعاملين فيها
في دائرة الفقر ..
ثم بعد ذلك يأتي الدور على الشركات الأكبر من المتوسطة .
وستلاقي هي والعاملين فيها نفس المصير !
وهكذا يصبح النشاط الاقتصادي تحت سيطرة الشركات التي تبقت .
يؤدي ذلك دائماً لاستقطاب الثروة في أيدي عدد محدود من
الشركات العملاقة ومالكيها الرئيسين ..
وهذا ما يحدث في عالمنا الآن
السيطرة على المجتمع
وعندما يمتلك أحد القوة الاقتصادية فهو يمتلك السلطة
السياسية .
تسيطر هذه الشركات العملاقة على القرار السياسي بطرق لا تعد ولا تحصى .
وهي تفعل ذلك حتى تمنع الحكومات من اتخاذ أي إجراءات أو قوانين تؤدي إلى
عرقلة مشاريعها ..
ولهذا السبب فإن الشركات العملاقة تتغلغل بشدة وفي كافة
أروقة السياسة و مراكز صنع القرار وباستخدام كل الأساليب المتاحة
..
بدعم القادة السياسيين المؤيدين لها بكافة السبل..
بالتصدي للقادة المعارضين لها
بكافة السبل وبتشويه سمعتهم ..
بالرشاوى والابتزاز ..
وحتى بالاغتيال .
يتم ذلك من خلال شبكة معقدة من العلاقات بعضها علني وأكثرها سري .
وبفضل الإمكانات المادية الهائلة المتوفرة لها تتمكن دائماً من النجاح في
تحقيق أهدافها بالسيطرة على السلطة السياسية .
ومن يمتلك السلطة الاقتصادية والسلطة السياسية يمتلك أيضاً السلطة
الثقافية .. سلطة التأثير على عقول سكان هذه الدولة .
هذه الشركات العملاقة والتي يمتلكها عدد محدود من
الناس تتمكن من السيطرة على وسائل الإعلام والعديد من مراكز
الأبحاث والرموز الثقافية والدينية ..
وعن طريق دعم الرموز الثقافية والدينية التي تؤيدها وإظهارهم على الساحة
الإعلامية والثقافية..
وبصرف الأضواء عن الرموز الثقافية والدينية التي تعارضها وتكشف الحقائق ..
وبوسائل وطرق لا تعد ولا تحصى تسيطر هذه الشركات العملاقة على ثقافة وفكر
المجتمع .
تهدف بذلك إلى بث معتقدات وأفكار تصرف انتباه السكان عن
السبب الحقيقي للإفقار .
والتصدي بالتكذيب و التشكيك والتسخيف برأي كل من يحاول إظهار حقيقة الأمر .
وإلهاء السكان ببرامج ثقافية وترفيهية سخيفة وتافه .. تسطح العقول و تلهي
الألباب وتدمر الأخلاق ..
وهي تحقق من ذلك أرباحاً طائلة أيضاً !
ومن خلال السيطرة على وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث يتم
العبث في فكر وعقل ومشاعر المجتمع ..
وإلقاء أسباب الإفقار .. والمعاناة .. والمرض والمآسي
الاجتماعية على أسباب أخرى .
ومن خلال السيطرة على وسائل الإعلام والدعاية يتم الترويج
لمئات السلع التافهة والضارة والتي لا تُنتج إلا لأنها تحقق الربح
.
كل هذا التضليل يؤدي لانقسام المجتمع لآراء وأحزاب وفئات
فكرية وسياسية متعددة تتصارع فيما بينها وتلقي اللوم على بعضها
البعض .
بكل الوسائل والطرق تتمكن هذه الشركات من السيطرة على كل مناحي الحياة
والنشاط في هذه الدولة .. الاقتصادية والسياسية والثقافية .
بالإضافة لكل هذه الأساليب التي تقوم بها الشركات للسيطرة على كل مناحي
الحياة هناك سبب آخر أكبر وأهم وأقوى منها جميعاَ ..
وهي طبيعة النظام الاجتماعي نفسه ..
طبيعة النظام نفسه ستُمكن الشركات المسيطرة من خلال
ابتزاز المجتمع بأسره ..
فإما أن تنفذوا ما نريد وإلا لن نتمكن من تحقيق الأرباح
وبالتالي من الإنتاج .. وطالما أن المجتمع في هذه الدولة يعمل
من خلال قواعد هذا النظام فهو سيخضع شاء أم أبى صاغراً أمام هذا
الابتزاز !
فقواعد اللعبة هي التي تفرض هذه السيطرة وسنتحدث عن ذلك لاحقاً .
حتمية سيطرة الاحتكارات على كافة مناحي الحياة
وهي تستخدم إمكاناتها الهائلة لتحقيق ذلك ..
وهي ليست مختارة في ذلك .. بل هي مُجبرة عليه .
لا بد لها من السيطرة على كافة مناحي الحياة !
لأنها إن لم تفعل ستفقد كل ما تملكه ..ستفقد سيطرتها الاقتصادية وثراءها
الفاحش .
سينكشف أمرها وسيسهل على المفكرين والرموز الثقافية والدينية من كشف حقيقتها
وإنها السبب الحقيقي وراء هذا الإفقار المتزايد .
وسيتمكن القادة السياسيين والتشريعيين من فرض قوانين و إجراءات تحد من
سيطرتها ومن إفقارها للآخرين .
فالربح هو الذي يدفع هذه الشركات للتوسع وابتلاع المنافسين والسيطرة على
الاقتصاد .
والربح هو ما يدفع هذه الشركات للسيطرة على كافة مقدرات المجتمع السياسية
والثقافية .
الربح هو ما يفرض عليها ذلك ..
ومن أجل الربح هي تفعل ذلك .
آثار سيطرة الاحتكارات على المجتمع .
بفعل سيطرة الاحتكارات على القوة الاقتصادية وتسببها في إفلاس آلاف الشركات
الصغيرة والمتوسطة وإخراجها من السوق ..وبسبب تطور وسائل الإنتاج
والاستغناء عن خدمات ملايين الموظفين والعمال والأجراء ..
بسبب كل ذلك يتزايد أعداد السكان
الذين يدخلون دائرة الفقر .. وتتضخم نسبتهم ..
ويتحول المجتمع إلى أغلبية فقيرة معدمة يتزايد عددها
وأقلية قليلة فاحشة الثراء .
الأغلبية الفقيرة تتصارع فيما بينها على الفتات التي
تركته هذه الشركات .. وتتحارب من أجل رغيف الخبز .
وفي مثل هذه ظروف فمن الطبيعي أن تنشر الجريمة .. ويعم الفساد .... والغش ..
والدعارة .. والعنف وكل المآسي التي تترتب عليها .
ومن الطبيعي أن تنهار القيم والأخلاق لأن من يرفض ممارسة الجريمة والفساد لن
يتمكن من العيش في هذه الغابة !
ومع انهيار الأخلاق يسود النفاق .. والكذب .. و الخيانة .. والغدر ..
والكراهية في كل شيء .
الخوف من المستقبل ..والقلق .. والغضب .. والحسرة
.. والكآبة .. واليأس ..
والحزن مشاعر يعاني منها
كل أفراد المجتمع .
وأثناء ذلك يتساءل أفراد المجتمع بحيرة عن سبب كل هذه المعاناة ..
هل هي الدنيا ؟
هل هي الحياة ؟
هل هو القدر ؟
ولا أحد يفكر في النظام الاجتماعي !
حتمية
شلل النظام وانهياره
كما ذكرنا فإن هذا النظام غير قابل للاستمرار .. انهياره أمر حتمي .
انهيار النظام لن يأتي لسبب خارجي ..
طبيعة النظام هي التي ستفرض انهياره .. سينهار النظام من
الداخل وبفعل قوانينه .
كيف سيحدث ذلك ؟
عندما تصل الشركات العملاقة للدرجة العليا في قوتها وتنتصر على منافسيها
وتستحوذ على إنتاج الأغلبية الغالبة من السلع والخدمات يكون هذا
النظام القائم على الربح قد وصل لحدوده القصوى ..
وعندما يصل النظام لحدوده القصوى سيكون الانهيار وشيك .
وذلك لأن الشركات العملاقة في سعيها للربح قامت بإزاحة كل المنافسين
واستأثرت هي بالإنتاج .. وهي بذلك أصبحت هي الآن الوحيدة التي
تُنتج السلع والخدمات دون منافسة .. ستعود كل الأرباح لها وحدها .
ولكي تربح فلا بد أن تبيع السلع والخدمات التي أنتجتها ..
ولكن من المشتري ؟
المشترون هم سكان هذه الدولة ..
هنا تظهر حتمية الانهيار !
فسكان هذه الدولة والذين هم المشترون .. هم
الذين تم الاستغناء عنهم عند تطوير وسائل الإنتاج !
فإذا كان تطوير وسائل الإنتاج سيؤدي إلى الاستغناء عن المزيد من الموظفين
والعمال وفقدانهم لدخولهم ..
ومع كل تطوير تزداد نسبة السكان المستغنى عنهم ..
فكيف سيشتري سكان الدولة المستغنى عنهم منتجات الشركات
وهم فقراء لا يملكون دخلاً ؟!
طبعاً لن يتمكنوا من ذلك ..
وهكذا لا تجد الشركات العملاقة من يشتري سلعها التي سعت
بجد لتطوير طرق إنتاجها !
الشركات العملاقة الآن
بعد أن طوّرت وسائل إنتاجها على أتم الاستعداد لإنتاج السلع
السابقة بسعر أقل لكن المشكلة إنه لا يوجد مشترين .. لأن المشترين
فقراء !
وعندما لا تجد الشركة من يشتري سلعها لن يتحقق الربح
ويصبح مشروع الإنتاج غير مجدي وبالتالي سيتباطأ الإنتاج إلى أن
يتوقف نهائياً.
هذه هي مشكلة نظام الإنتاج القائم على الربح ..
وهي مشكلة لا حل لها إلا بتغيير جوهر النظام .
الأزمات الاقتصادية
نظامنا الاجتماعي قائم على الإنتاج بدافع الربح والمنافسة الحرة بين
المنتجين ..
أي بمعنى آخر هي معركة بين المنتجين لتحقيق أكبر قدر من
الربح ..
وللمعارك آثار تترتب عليها ..
والأزمات الاقتصادية هي آثار هذه المعارك التي تحدث بين
المنتجين لتحقيق الربح .
ما الذي يحدث أثناء الأزمات الاقتصادية ؟
النشاط الاقتصادي في الدولة يقوم على قطاعات متعدد كبرى ..
قطاع زراعي .. قطاع صناعي .. قطاع خدمي كالنقل والاتصال .. قطاع إنشائي ..
قطاع بنكي .. الخ
يتخصص كل قطاع في إنتاج سلع أو خدمات معينة يحتاجها المجتمع
وكل قطاع من هذه القطاعات يتفرع داخله إلى قطاعات أصغر ..
هذه القطاعات متشابكة في ما بينها تشابكاً شديداَ ومعتمدة
على بعضها البعض فإن حدثت مشكلة في أحد القطاعات ستتأثر القطاعات
الأخرى لأنها تعتمد عليها في البيع و التصريف ..
بسبب هذا التشابك فالأزمات الاقتصادية تتباين في أسبابها وشكلها ومدتها على
حسب الظروف ..
فبعض هذه الأزمات تبدأ بمشكلة في القطاع الصناعي ثم تمتد هذه المشكلة لكافة
القطاعات الأخرى ..
وبعضها الآخر يبدأ بمشكلة في القطاع الزراعي ثم تمتد هذه المشكلة لتشمل
الجميع ..
وحالياً في عصرنا الحالي الفعلي الذي نعيش فيه فإن أخطر الأزمات تبدأ في
القطاع المالي .. أي في قطاع البنوك وأسواق الأسهم .
أياً كان السبب فكل الأزمات الاقتصادية في جوهرها متشابهة
..
ففي الأزمة الاقتصادية يتباطأ النشاط الاقتصادي بشدة
وبشكل مفاجئ أحياناً .
لا يعد هناك بيع أو شراء كما كان قبل الأزمة ..
معنى ذلك لا يعد هناك إنتاج و استهلاك .. لا
يعد هناك أحد يشتري ولا أحد يبيع كما كان في السابق .
فالمصانع التي كانت تنتج وتبيع بالملايين لا تتمكن من تحقيق ربع ذلك أثناء
الأزمات الاقتصادية .. لأنها أثناء الأزمة الاقتصادية لا تتمكن من
تصريف منتجاتها .. لا يوجد طلب على ما تنتج .
ولهذا السبب فهي تتوقف عن الإنتاج .. فما فائدة إنتاج المزيد طالما أن
الإنتاج القديم لم يباع ؟
وبهذا تتأثر قطاعات الخدمات التي تعتمد على عمل هذا المصنع كقطاع النقل و
الطاقة ..
مراكز الإنتاج الزراعي التي كانت تنتج آلاف الأطنان من المزروعات لا تتمكن
من تحقيق ذلك .. لنفس السبب ..
وبهذا تتأثر قطاعات أخرى تعتمد في عملها على طلب هذه المراكز .
يؤدي ذلك لاضطرار هذه المصانع والمراكز الإنتاجية إلى تسريح أعداد كبيرة من
الموظفين والعمال لأنه لم يعد لهم حاجة الآن ..
ولن يعد هناك طلب على الموظفين والعمال .. فتشح فرص العمل بشدة و تنتشر
البطالة ..
بسبب ذلك تنعدم الدخول عند ملايين من البشر أو تقل بشدة ..
مما يؤدي إلى تعميق الأزمة لأنه بسبب قلة الدخول لدى أغلب الناس لا يعد هناك
طلب على المنتجات والخدمات مما يؤدي لمزيد من التباطؤ في النشاط
الاقتصادي .. فتتعمق الأزمة أكثر .
من كان لديه ديون لا يتمكن من سدادها وهذا يؤثر على الدائن الذي يؤثر بدوره
على أحد آخر يعتمد عليه ..
وهكذا سلسلة من التأثير والتأثر تتمدد لتشمل كافة قطاعات
الاقتصاد التي هي في النهاية تعتمد على بعضها البعض .
نتيجة لكل ذلك تتأثر بشدة عائدات الحكومة والتي تعتمد في تحصيلها على
الضرائب التي تُحصلها من مراكز الإنتاج والمواطنين ونتيجة لذلك تجد
الحكومة صعوبة في تنفيذ خدماتها وفي دفع رواتب موظفيها .
يؤدي ذلك كله إلى إفلاس الكثير من الشركات والمؤسسات والأفراد .. و انتشار
الفقر والبطالة .. وذيوع الاضطرابات والفوضى .. وشيوع الجريمة
والعنف في المجتمع .. الخ
فلماذا تحدث الأزمة الاقتصادية إذاً ؟
الأزمة الاقتصادية هي الأثر الناتج عن المنافسة
بين المنتجين في تحقيق الربح ..
هي أثر المعركة بينهم !
فقبل الأزمة يتنافس المنتجين في إنتاج وعرض السلع والخدمات بكميات هائلة
وبحماس شديد ..
ينتج عن ذلك أن السكان لا يتمكنون من استهلاك كل هذه المنتجات
المعروضة لأنه تم إفقار الكثير منهم في مرحلة سابقة ..
وبسبب قلة الاستهلاك والذي ينجم عنه انخفاض الأرباح يضطر المنتجون
إلى إبطاء الإنتاج وتسريح المزيد من الموظفين ..
فتبدأ بذلك الأزمة الاقتصادية .. حيث يتأثر كل قطاع بالآخر كما ذكرنا ..
وهنا يبدأ تحدي العض على الأصابع حيث ينتصر من سيصمد أكثر
!
في الأزمة الاقتصادية والتي قد تمتد إلى بضعة سنوات لا تتمكن الكثير من
الشركات الصغيرة من الصمود فيفلس الكثير منها .. وتخرج بذلك من
السوق .
وبذلك تستحوذ الشركات التي تبقت على حصتها .. تبتلعها .
عند انتهاء الأزمة الاقتصادية والعودة التدريجية يتبقى الآن بين المنتجين من
تمكن من الصمود في الأزمة السابقة
..
ثم تبدأ جولة أخرى بين المنتصرين تؤدي لأزمة اقتصادية
أخرى تالية يصمد فيها الأقوياء و يفلس الضعفاء ويدخلون دائرة الفقر
.
هذه هي أثار المعركة بين المنتجين التي تحدثنا عنها !
المعركة تبدأ بين المنتجين أثناء الازدهار
الاقتصادي وتُحسم نتائجها أثناء الأزمة الاقتصادية .
وبطبيعة الحال لن يتمكن من الصمود إلا الشركات الكبيرة والقوية والتي لديها
إمكانات هائلة وشبكة أكثر كفاءة من العلاقات .
فلا تنتهي الأزمة الاقتصادية إلا بعد أن يكون هناك عدد أكبر من السكان قد
دخل في دائرة الإفقار .
ثم تأتي الأزمة التي تليها فتدخل الدُفعة الثانية !
وهكذا ..
فالأزمة الاقتصادية هي الآلية والطريقة التي يتم بها
استقطاب الثروة بيد الفئات الأقل والأقوى بين المنتجين ..
وهي نتيجة طبيعية للتنافس بين المنتجين على الربح .
ولأن الأزمة الاقتصادية هي الطريقة التي يأكل فيها القوي الضعيف .. حيث يتم
سحب الثروات من الآخرين للفئة الأقوى فكثيراً ما تكون الأزمات
الاقتصادية مقصودة ومتعمدة من قبل هؤلاء الأقوياء .
بعض هذه الأزمات تحدث بشكل طبيعي كنتيجة للتنافس بين
المنتجين وبعضها تحدث بشكل متعمد ..
وذلك لشفط دفعة أكبر من الثروة من الآخرين بوتيرة أسرع !
يحدث ذلك عن طريق سيطرة الشركات العملاقة على اغلب مناحي المجتمع السياسية
والثقافية فضلاً عن الاقتصادية..
فيتم التعمد عن قصد ونية مسبقة بإحداث اضطرابات سياسية ..
أو هلع بين الناس بشكل أو آخر ..
أو ضخ هائل ومفاجئ للسلع والخدمات ..
أو رفع حاد وغير مبرر لأسعار الأسهم والسندات من قبل هذه الشركات العملاقة
..
كل ذلك من أجل تهيئة الشروط لإحداث أزمة اقتصادية جديدة تؤدي للقضاء على
المزيد من المنافسين .
وأثناء كل أزمة اقتصادية يحدث الكثير من الجدل والصراعات بين الآراء
والأفكار عن أسباب ما يحدث ..
وكثيراً ما تضيع الحقيقة أثناء هذه المجادلات .
حيث يتم التعمد من خلال السيطرة على أجهزة الإعلام ومراكز
الأبحاث بإبعاد الأضواء عن الأسباب الحقيقية وتسليط الأضواء على
أسباب أخرى لا علاقة لها بالمشكلة ..
يتم ذلك بطريقة مدروسة بعناية الهدف منها إيقاع الجميع في حالة من التفاصيل
الدقيقة و البلبلة والحيرة وعدم الفهم ..
وهي طرق على درجة عالية من الإبداع !
كل ذلك من أجل إخفاء وتمويه حقيقة ما يجري
وحتى لا تضيع الحقيقة فمن المهم جداً الانتباه إلى الآتي :
وهو أنه في الأزمة الاقتصادية لا تنعدم السلع والخدمات ..
بل بالعكس هي تفيض !
ولكنها لا تفيض عن حاجة الناس بل عن قدرتهم على الشراء ..
هي موجودة بكثرة .. ولكن من يستطيع الشراء غير موجود بنفس الكثرة ..
الفقراء الذين يجوعون ولا يجدون ما يأكلونه لا يجوعون لأن
الغذاء منعدم .. بل بالعكس
فالأسواق مليئة بكل أشكال الغذاء ..
ولكنهم يجوعون لأنهم لا يتمكنون من شراء الغذاء .
والذين يموتون لعدم توفر الدواء لديهم لا يموتون لأنه لا
يوجد علاج .. بل بالعكس فالمراكز العلاجية موجودة وجاهزة بكل
الاحتياجات .
ولكنهم يموتون لأنهم لا يتمكنون من شراء العلاج .
المشردون لا ينامون في الخلاء لأنه لا يوجد مساكن ..
بل بالعكس هناك أبراج لا تعد و لا تحصى خالية .
هم مشردون لأنهم لا يتمكنون من شراء مساكن أو استئجارها .
فنتائج وآثار الأزمات الاقتصادية ليست لعدم
توفر السلع والخدمات .. بل لأن الناس لا يتمكنون من الدفع مقابلها
..
وهم لا يتمكنون من الدفع لأنه تم إفقارهم أثناء عمليات
تطوير الإنتاج والمنافسة بين المنتجين .
وقد تم إفقارهم لأن مجمل الإنتاج قائم على تحقيق الربح
فمهما كانت المبررات التي يضعونها لأسباب الأزمات يمكن الكشف عن
الحقيقة بطرح الأسئلة الأكثر مباشرة والأشد وضوحاً ..
- لماذا لا يتمكن الناس من شراء ما يحتاجون ؟
- لأنه لا يوجد دخل لديهم .
- ولماذا لا يوجد دخل لديهم ؟
- لأنهم لا يجدون عملاً أو أن دخل عملهم لا يكفي لشراء احتياجاتهم .
- لماذا ؟
- لأن الشركات والمؤسسات ومراكز الإنتاج لا تطلب موظفين وعمال جدد وتحسم من
أجر من يعمل لديها ؟
- لماذا ذلك ؟
- لأنها إن لم تفعل لن تحقق الربح .. فهي مضطرة لذلك
- لماذا هي مضطرة لفعل ذلك ؟
- لأن نظام الإنتاج يقوم على أساس تحقيق الربح .
لا يوجد سبب آخر ..
ولا يمكن أن يوجد سبب يفسر الفقر و توفر السلع في نفس
الوقت إلا لأن السلع والخدمات لا تُعطى إلا لمن يدفع .
وإلا لأن من يستطيع أن يدفع يقل يوماً بعد يوم نتيجة لعمليات الإفقار التي
تحدث بسبب التنافس على تحقيق الربح .
في المجتمع الممكن الذي تحدثنا عنه لا يوجد شيء اسمه أزمات اقتصادية ..
هم لا يعرفونها ولا يفهمونها أصلاً ..
لأن النظام الاجتماعي لديهم يقوم على الإنتاج لتلبية
الرغبات والحاجات لجميع السكان .
طالما هناك من يرغب بسلعة أو خدمة سيتم إنتاجها .. ما المشكلة وما المانع ؟
لا مشكلة ولا مانع ..
فالموارد الطبيعية متوفرة وقدرات العمل متوفرة .
المشكلة تظهر عندما يكون الربح شرطاً من شروط الإنتاج ..
فالمشكلة و المانع والعائق الوحيد هو النظام القائم على
الربح .
عندها لن يتم الإنتاج إلا إذا تحقق الربح حتى لو كانت هناك حاجات
مطلوبة وحتى لو توفرت كل الإمكانيات لتلبية هذه الحاجات .
وهكذا تكون النتيجة أن لدينا شركات ومؤسسات إنتاجية لديها
وسائل إنتاج متطورة وقادرة على إنتاج أي شيء .. ولكن على الرغم من
ذلك لا يسمح لها بالإنتاج لأن الإنتاج لا يحقق ربحاً ..
وفي الطرف الآخر هناك الملايين من البشر هم في أمس الحاجة
للغذاء والدواء والمسكن لكنهم لا يحصلون عليها لأنهم غير قادرين
على شراءها بسبب عمليات الإفقار المتواصل .
فمن جهة الأسواق مليئة بالمنتجات على اختلاف
أنواعها وفي نفس الوقت الأغلبية فقراء !
كل شيء نحن في حاجة له متوفر وموجود ..
ولكن نظامنا الاقتصادي لا يسمح بالإنتاج لأنه نظام قائم على الربح .
هنا فقط تظهر الأزمات الاقتصادية ..
وهنا يعاني الجميع من آثارها .
ملخص لآلية عمل النظام والنتائج المترتبة عن
ذلك .
إن هدفنا في هذا الموضوع توضيح آلية عمل النظام القائم على الربح وما سيترتب
على استمراره لذا سنعيد هنا توضيح هذه الآلية ..
النظام القائم على المنافسة على الربح يفرض ألا يتم إنتاج شيء إلا إذا تحقق
الربح .
لتحقيق الربح لابد من أن تكون تكاليف إنتاج السلع والخدمات أقل من الدخل
الناجم عن بيعها ..
تقليل التكاليف سيؤدي حتماً إلى إفقار نسبة من السكان إما بشكل مباشر
بالتسريح أو بشكل غير مباشر بتطوير وسائل الإنتاج والاستغناء عن
عدد منهم .
تقليل التكاليف سيمكّن المركز الإنتاجي من تحقيق الربح .
المركز الإنتاجي لا يعمل لوحده بل هو ينافس مراكز إنتاجية أخرى تنتج نفس
السلعة .
لكي يتمكن هذا المركز الإنتاجي من المنافسة فلابد أن يطرح سلعته في السوق
بأرخص سعر ممكن .
لكي يتمكن المركز الإنتاجي من طرح سلع رخيصة وفي نفس الوقت يحقق ربحاً فلا
بد من المزيد من خفض التكاليف .. تفعل ذلك كل المراكز الإنتاجية .
يؤدي التنافس بين المنتجين على تخفيض التكاليف للفوز بحصص السوق إلى إفقار
نسبة أكبر من السكان وهي نسبة تتزايد باستمرار المنافسة .
نتيجة لإفقار السكان فهم لا يتمكنون من شراء كل السلع والخدمات التي تنتجها
المراكز الإنتاجية المتنافسة .. لا توجد قدرات شرائية لديهم .
سيؤدي ذلك إلى أن المراكز الإنتاجية لا تبيع كل ما أنتجته وبالتالي لا تحقق
الربح المطلوب مما يؤدي إلى إبطاء عملية الإنتاج بحدة .. فطالما لا
يتحقق ربح لن يتم إنتاج شيء .
تدخل الدولة نتيجة لذلك في أزمة اقتصادية حيث يقل الإنتاج والاستهلاك بشدة .
تُفلس الكثير من المراكز الإنتاجية أثناء الأزمة الاقتصادية وتتمكن المراكز
الإنتاجية الكبيرة من الصمود فيها ..
نتيجة لذلك تستحوذ المراكز الإنتاجية الكبيرة على حصة المراكز التي أفلست
والتي دخل أصحابها والعاملين فيها في دائرة الفقر .
يؤدي ذلك لاستقطاب الثروة والقدرات الاقتصادية بيد عدد أقل من المراكز
الإنتاجية .
عند انتهاء الأزمة الاقتصادية يستأنف النشاط الاقتصادي مرة أخرى ولكن هذه
المرة يتم التنافس بين المراكز الإنتاجية التي صمدت .
سيؤدي هذا التنافس إلى تكرار ما حدث قبل الأزمة وهو التنافس على تخفيض
تكاليف الإنتاج بين المنتجين مما يؤدي لإفقار نسبة أخرى من السكان
.
وهذا الأمر يؤدي إلى حدوث أزمة اقتصادية أخرى جديدة يتكرر بها ما حدث في
الأزمة السابقة .
وبعد انتهاء الأزمة الجديدة يتبقى عدد أقل من المراكز الإنتاجية التي تمكنت
من الصمود .
ثم تتكرر العملية مرة أخرى ..
وهكذا إلى أن يصل الأمر إلى احتكار عدد محدود من المراكز الإنتاجية على كل
مقدرات الدولة الاقتصادية .
هذه المراكز العملاقة والتي لديها وسائل إنتاج بالغة
التطور لن تتمكن من بيع كل ما يمكنها إنتاجه لأن نسبة كبيرة من
السكان الفقراء لا يتمكنون من الشراء .. ليس لديهم قدرة شرائية ..
لذا فهذه المراكز لن تنتج إلا بالقدر الذي يحقق لها الربح
.
سيقل هذا الإنتاج مع كل زيادة في الفقر حتى يتوقف تماماً أو يكاد .
يؤدي الفقر بين أغلب سكان المجتمع إلى انتشار الجريمة وانهيار القيم
والأخلاق وكل ما يترتب عن ذلك من مآسي .
المراكز العملاقة ستعمل على أخفاء سبب كل هذه المآسي من خلال سيطرتها على كل
جوانب المجتمع السياسية والثقافية فضلاً عن الاقتصادية .
هذه هي آلية عمل النظام وهذا ما سيترتب حتماً عنه .
وكما أوضحنا فإن هذه النتائج الحتمية تأتي بفعل آلية عمل
النظام نفسه .
نظامنا الاجتماعي الحالي في عالمنا الذي نعيش فيه الآن يعمل بهذه الآلية ..
وهي آلية تعمل ببطيء وهدوء وتنتشر تدريجياً لتشمل كل
عالمنا .. وهي سبب كل المآسي التي نعانيها . لقد بينّا هنا كيف يعمل النظام بشكل مجرد ..
علينا الآن أن نفهم كيف يعمل النظام في عالمنا الموجود بالفعل .
|
الرئيسية | المكتبة | اتصل بنا |