أمة الوجبات السريعة ، فيلم سينمائي يعطي صورة عن الطريقة المقززة لكيفية إنتاج الوجبات السريعة من قبل الشركات الكبرى وطريقة تعاملها مع العاملين لديها وآثار ذلك على حياة البشر وعلى المجتمع والبيئة التي تتواجد بها هذه الشركات ،وهو مجرد نموذج لنوع واحد من الصناعات التي تهيمن عليها الشركات الكبرى |
النظام يعمل بالفعل – المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية
لقد تحدثنا في موضوع سابق عن آلية عمل النظام بشكل عام مجرد عن
الواقع التاريخي حتى نركّز ذهن القارئ لفهم الأساس الذي يقوم عليها
نظامنا الاجتماعي بمنأى عن التشويش الذي قد تسببه متابعة
الأحداث التاريخية والسياسية والفكرية ..
هذا التشويش هو الذي يؤدي إلى إخفاء الأهمية المحورية لنظامنا
الاجتماعي .. وهو الذي يُخفي السبب الحقيقي الذي يسبب كل هذه
الأحداث التاريخية .
لهذا كان من الضروري فهم آليات النظام بشكل مجرد عن الواقع
التاريخي .
ثم بعد توضيح هذه الآلية كما تعمل في جوهرها كان من الضروري أن
نوضح كيف نشأ نظامنا الاجتماعي كما حدث فعلاً في التاريخ ..
لذلك ركزّنا في موضوع سابق على تاريخ النظام وتوصلنا أن مجمل
الأحداث التاريخية خلال القرون الثلاث الماضية كان مؤداها هو
انتشار النظام الاجتماعي من منطقة محدودة في العالم ليشمل العالم
بأسره ..
ثم بيّنا بإيجاز كيف أن كل ذلك حدث ويحدث نتيجة لطبيعة
النظام نفسه والقواعد التي يفرضها على الجميع ..
فقواعد النظام القائم على الربح هي اللعبة الكبرى التي تفرض تحركات
جميع اللاعبين .. أفراد ومجتمعات .. مواطنين ودول ..
كل التحركات التي تحدث بسبب قواعد النظام هي تحدث ببطء و بتعقيد
عوامل أخرى سياسية وثقافية تخفي آثاره تجعل من الصعب على
الإنسان العادي من فهمها ورصدها
ولكن هذه القواعد تعمل ..
وهي تؤثر على كل فرد وكل أمة ..
يهمنا هنا أن يفهم القارئ كيف تعمل هذه الآليات في العالم
بالفعل
وكيف يمكنه من رصد آثارها على العالم وعليه شخصياً ..
يمكن فهم كيف تعمل هذه الآليات بالفعل من خلال رصد الآثار
الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تسببها ..
قد لا يستطيع الإنسان العادي غير المتخصص في الاقتصاد أن يتابع
بدقة البيانات الكثيرة والمعقدة التي تثبت وتبين آثار النظام .
ولكن كلٌ منا يستطيع أن يدرك ما يجري في العالم من خلال ما
يستشعره بنفسه من مصاعب اقتصادية والناتجة عن آليات النظام .. ومن
خلال الاضطرابات السياسية والاجتماعية التي تسود كل دول العالم
بسبب هذه المصاعب الاقتصادية .
يمكن للمرء أن يفهم كيف تعمل آليات النظام الاجتماعي في العالم
الآن دون أن يكون متخصصاً في الاقتصاد من خلال عدة مؤشرات هي واضحة
تماماً للعيان :
من خلال الغلاء الفاحش والمصاعب الاقتصادية
والهجوم الذي تتعرض له
الطبقة الوسطى .
ومن خلال معدلات النمو الاقتصادي المنخفضة في أغلب اقتصاديات
العالم .
ومن خلال الاندماج والاستحواذ للشركات الكبرى وسيطرتها على النسبة
الأكبر من الإنتاج .
ومن خلال عولمة إنتاج السلع والخدمات .
ومن خلال تخبط السياسات الحكومية وعجز إجراءات الحد من الفقر
والبطالة .
ومن خلال تزايد الهوة بين الفقراء والأغنياء .
الهجوم على الطبقة الوسطى والغلاء المتزايد لمتطلبات الحياة
تتعرض الطبقات الوسطى حالياً وفي كل أنحاء العالم لهجوم عنيف ..
وذلك من خلال الظروف الاقتصادية الصعبة التي تواجهها .
فالطبقات الوسطى الآن تعاني بشدة من أوضاع اقتصادية صعبة .. شح فرص
العمل .. انخفاض مستوى الدخل في الأعمال المتاحة.. إفلاس الكثير من
الأعمال الصغيرة الفردية أو مواجهتها لصعوبات شديدة .. صعوبة
الحفاظ على مستوى المعيشة المعتاد .. عدم القدرة على تلبية
المتطلبات الأساسية .. الخ .
وكثيراً ما تفشل فئات كثيرة من أفراد الطبقة الوسطى وتهبط
اقتصادياً لمستوى أقل تحت ضغط الغلاء المتواصل .. مما يؤدي لهبوط
واضح في مستواها المعيشي .
يفسر الاقتصاديون هذا الغلاء وهذه الظروف الصعبة بطرق عديدة
تبدو متخصصة وغير واضحة .
وكثيراً ما يحرص المستفيدون من النظام السائد على تمويه الأسباب
وجعلها متخصصة ودقيقة وغير مفهومة !
بكل بساطة ..
الغلاء وصعوبة متطلبات الحياة هو نفسه الإفقار الذي يحدث ويصل
لفئات أكثر من السكان ..
فالغلاء في النهاية هو نفسه عدم توفر القدرات الشرائية ..
وعدم توفر القدرات الشرائية سببه الإفقار الذي يحدث نتيجة لآليات
النظام التي شرحناها .
والهجوم الذي تتعرض له الطبقة الوسطى في كل أنحاء العالم سببه أن
الإفقار يمتد وينتشر لفئات تتزايد من أفراد المجتمع .
الطبقة التي كانت في أسفل الهرم تم إفقارها حتى لم يعد هناك ما
يمكن أخذه منها أكثر من ذلك !
لقد تم إفقارها بدرجات تتفاوت من دولة لأخرى بفعل آليات النظام
الاجتماعي القائم على الربح .
في عالمنا الذي نعيش فيه الآن هناك أكثر من مليار إنسان جائع .
وهناك ملياران من البشر يعيشون على الفتات وفي حالة من الفقر
المدقع على الرغم من كل الجهود التي يبذلونها طوال اليوم للبحث عن
لقمة العيش .
لقد تم إفقار هذه الفئات الواسعة من البشر ..
الدور الآن على الفئة التي تعلوهم .. الطبقة الوسطى !
وما يشعر به أفراد الطبقة الوسطى هو آثار هذا الإفقار ..
وهذا الإفقار يمتد ويتزايد ليشمل فئات أوسع من البشر في كل أنحاء
العالم بدرجات تتفاوت على حسب ظروف كل دولة..
ولكنها تشمل كل دولة الآن .
من خلال استشعار الطبقة الوسطى للمصاعب الاقتصادية الطاحنة التي
تواجهها ينكشف كيف أن آليات النظام تعمل بالفعل حيث إن
الإفقار الآن ينتشر ليشمل فئات أوسع من سكان العالم وهم من يمثلون
أفراد الطبقة الوسطى .
معدلات النمو الاقتصادي المنخفضة
إنتاج السلع والخدمات في الدولة يحدد مستوى نموها الاقتصادي .
إذا زاد هذا الإنتاج في السنة التالية عن السنة التي قبلها
يعنى ذلك إن اقتصاد الدولة ينمو وإذا انخفض يعني أن الاقتصاد يتقلص
.
وكذلك الأمر بالنسبة للعالم أجمع .
فإذا زاد إنتاج العالم ككل للسلع والخدمات يعني ذلك نمو للاقتصاد
العالمي ككل .
وبطبيعة الحال معدلات النمو تتراوح من دولة إلى أخرى .. ولكن
على مستوى العالم فالمعدل يقارب ثلاثة ونصف بالمائة خلال العقد
السابق .
أي أن إنتاج السلع والخدمات على مستوى العالم يزيد بمعدل ثلاثة
ونصف بالمائة كل سنة ..
بمعنى أن مجمل نمو الثروة في العالم كله كانت تزداد بهذه النسبة
السنوية خلال العقد السابق .
وهي نسبة نمو فاشلة .. ومثيرة للرثاء !
فلماذا ثلاث ونصف بالمائة ؟
لماذا لا يكون النمو 20 أو 30 أو حتى 100 بالمائة كل سنة ؟
هناك المليارات من البشر في حاجة للغذاء والسكن والدواء والثياب
وكل شيء آخر فلماذا لا يتم إنتاج كل ذلك طالما أن وسائل الإنتاج
الحالية قادرة فعلياً على توفير كل ذلك الآن ؟
السبب كما أوضحنا أن الإنتاج لهؤلاء لا يحقق الربح .. لذا لا إنتاج
.
إن معدل النمو الاقتصادي البائس هذا هو نتيجة مباشرة
لآليات النظام الذي شرحناها حيث أن الإنتاج لا يتم إلا على قدر ما
يمكن بيعه والتربح منه .
لو لم يكن الربح شرطاً في الإنتاج لكان من الممكن أن يكون النمو
الاقتصادي بدرجات تتجاوز المائة بالمائة .. لا مشكلة في ذلك .
ولكن لأننا نخضع لآليات النظام القائم على الربح فمعدل الإنتاج
ينخفض ليتناسب مع تحقيق الأرباح وهو في بعض السنوات يتوقف تماماً
بل ويتراجع إلى أقل من السنة التي قبلها أي يصبح معدلاً سلبياً في
سنوات أخرى .
نسبة النمو المنخفضة هذه سواء على مستوى العالم أو داخل
كل دولة على حدة لا يستفيد منها أغلبية البشر .. بل تستحوذ عليها
فئة محدودة من البشر ..
فقد يعلن في دولة ما عن نسبة نمو تصل إلى 5% ومع ذلك فإن
أغلب السكان في هذه الدولة يدخلون في خانة الإفقار ولا يستفيدون من
هذه النسبة على ضئالتها وبؤسها !
وهو ما يحدث في عالمنا الذي نعيش فيه الآن .
من خلال معدلات النمو العالمي المنخفضة يتم كشف كيف أن آلية
النظام القائم على الربح تعمل بالفعل .. فالإنتاج يُحدد ويتم
على أساس الربح .
الاستحواذ والاندماج بين الشركات الكبرى وسيطرتها على النسبة
الأكبر من الإنتاج
بأدنى متابعة للأحداث الاقتصادية يمكن ملاحظة أن الشركات الكبرى في
أي مجال إنتاجي تقوم طوال الوقت باتفاقات اندماج فيما بينها
وتستحوذ بعضها على بعض .
عندما يتم اندماج شركتين معنى ذلك إنه يتم توحيدهما ليصبحا شركة
واحدة عملاقة .
وعندما تستحوذ شركة على أخرى فمعنى ذلك إنه يتم شراء شركة كبرى
لأخرى أصغر منها وبذلك تستحوذ عليها .. تبتلعها .
يحدث ذلك دائماً في عالمنا الحالي .
ما الذي يترتب على هذا الاندماج والاستحواذ ؟
يترتب عليه انحسار القوة الاقتصادية في يد عدد محدود من المراكز
الإنتاجية الكبرى ..
وهو نفسه الذي عنيناه عند الحديث عن أن آليات النظام تفرض عاجلاً
أم آجلاً سيطرة الاحتكارات نتيجة للمنافسة بين المنتجين .
فالشركات التي تُهزم بالمنافسة يتم الاستحواذ عليها من قِبل
الشركات المنتصرة .
والشركات التي تجد أنها غير قادرة على المنافسة قد تختار أن تندمج
فيما بينها لتتحول لشركة أقوى يمكنها الصمود والمنافسة .
نتيجة لذلك يصبح مجمل الإنتاج العالمي من السلع والخدمات يتم من
خلال مراكز إنتاجية محدودة العدد وهي تقل عدداً في كل مرة .
يحدث ذلك في كل المجالات الإنتاجية للسلع والخدمات . فمثلاً ..
النسبة الكبرى من إنتاج الغذاء العالمي من المحاصيل ومن المنتجات
الغذائية المصُنّعة ينحصر بعدد يقارب عشر شركات كبرى .
النسبة الكبرى من إنتاج الطاقة .. النفط والغاز ينحصر بعدد لا يزيد
عن ثمان شركات عملاقة .
النسبة الكبرى من النشاط في القطاع البنكي والمالي ينحصر بعدد لا
يزيد عن عشر أو خمسة عشر بنكاً دولياً عملاقاً ..
والنشاط البنكي هو الذي يوّفر الأموال والقروض الذي تدعم الاقتصاد
.. أي أنه هو الذي يتحكم في الدماء التي تسرى في عروق الاقتصاد
العالمي !
النسبة الكبرى من خدمات الاتصالات يسيطر عليها عدد محدود من
الشركات العملاقة .. وكذلك في خدمات التأمين .. والشحن البحري
والجوي .
وهكذا لكل السلع والخدمات الأخرى
فالشركات والمراكز الإنتاجية العملاقة تستحوذ على نسبة كبيرة من
مجمل الإنتاج العالمي للسلع والخدمات ..
وهي نسبة ترتفع في كل بضعة سنوات .
من المهم ألا ينخدع القارئ بالتنوع الكبير والهائل
للعلامات التجارية للسلع والخدمات والتي
توحيّ أنه تم إنتاجها من
قبل عدد هائل من الشركات ..
ليس الأمر كذلك !
فالعلامات التجارية هائلة العدد هذه تعود
جميعها لعدد محدود من الشركات العملاقة .. يتم الاستحواذ
على العلامات التجارية عندما يتم الاستحواذ على الشركات المنتجة
لها .
إن كل ذلك يحدث في عالمنا الآن ومن السهل التثبت منه .
وهو يبيّن ويكشف كيف أن آليات النظام تعمل بالفعل وكيف أنها
ستفرض عاجلاً أم آجلاً سيطرة عدد محدود من المراكز الكبرى على
النسبة الكبرى من الإنتاج الاقتصادي .
عولمة إنتاج السلع والخدمات .
عندما كان النظام الاجتماعي في مرحلة انتشاره وعنفوانه كان مجمل
الإنتاج يتم داخل الدول التي نشأ النظام فيها ..
كانت الشركات والمراكز الإنتاجية تعمل في الأساس داخل دول أوروبا
الغربية .. الولايات المتحدة .. واليابان .
لهذا فقد كانت السلع والخدمات التي تنتجها هذه الشركات تُعرّف
وتحدّد على أنها صناعة هذه الدولة أو تلك .
فمثلاً سلعة لها علامة تجارية ما كانت تُعرف إنها من صنع ألمانيا
أو الولايات المتحدة أو فرنسا ..
لم يعد الأمر كذلك الآن ..
فهذه العلامة التجارية نفسها والتي كانت تُعرف إنها ألمانية مثلاً
لم تعد تُصنع في ألمانيا .. بل في الصين أو ماليزيا أو دولة أخرى !
وهناك علامة تجارية تُعرف إنها أمريكية الصنع .. ولكنها تُصنع الآن
في البرازيل أو المكسيك ..
بل إن هنالك سلع أصبح من الصعب معرفة في أي الدول تم صنعها !
فهناك سلع كل جزء منها يُصنع في دولة مختلفة .. ثم يتم تركيب هذه
الأجزاء في دولة أخرى !
فمثلاً هناك أجهزة تلفاز تُصنع شاشاتها في دولة .. وتصنع الدوائر
الإليكترونية في دولة أخرى .. ويصنع الهيكل الخارجي بدولة ثالثة ..
ويتم تركيب كل ذلك في دولة رابعة .
ما سبب ذلك ؟
سبب ذلك هو انتشار النظام الاجتماعي في كل دول العالم ..
لقد أصبح العالم كله مفتوحاً أمام الشركات الكبرى وهي بذلك أصبحت
تنقل مراكز إنتاجها من دولة لأخرى بالشكل الذي يمكنّها من تحقيق
أكبر قدر ممكن من الأرباح .. بالاستفادة من كفاءة وقلة الأجور في
بعض الدول .. ومن انخفاض الضرائب في دول أخرى .. ومن أي ظروف
تمكّنها من تحقيق أكبر قدر من الأرباح .
انتقال هذه المراكز الإنتاجية العملاقة من الدول الغربية إلى الدول
الأخرى هو سبب الأزمات الاقتصادية الكبرى التي تواجهها الدول
الغربية والتي لم تعد الآن بمنأى عن التأثر بآليات النظام .
وهذا يكشف كيف أن آليات النظام تعمل بالفعل بعد أن تم
انتشار النظام الاجتماعي القائم على الربح في كل دول العالم .
تخبط السياسات الحكومية وعجز إجراءات الحد من البطالة والفقر
في عصرنا الحالي الحكومات تأتي وتذهب ولا يتغير شيء !
تغيّر الحكومات وتغير الوجوه التي تظهر على الساحة السياسية لا
يغير من الواقع الاقتصادي لأغلبية المواطنين في هذه الدول ..
الظروف الاقتصادية الصعبة لمجمل المواطنين وما يترتب عليها من
اضطرابات اجتماعية و جريمة وتوتر شديد بين مكوّنات المجتمع ..
كثيراً ما يتم استغلال كل ذلك من قبل قادة سياسيين يعدون بإصلاحات
وتحسينات تثير الأمل في نفوس المواطنين ولكن لا يحدث أي تغيير جذري
في الواقع الاقتصادي أو الاجتماعي عندما يتقلدون السلطة ..
كل الإجراءات الحكومية التي يتم اتخاذها وكل الوعود التي يتم قطعها
لا تفلح في الحد من البطالة والفقر و لا تنجح في إحداث انفراج
حقيقي في حياة المواطنين .
هناك إجراءات يتم اتخاذها ثم يتم التراجع عنها لاحقاً ..
الحكومات تتخبط في تعاملها مع المشاكل العميقة التي تواجه
المجتمعات ..
وفي كثير من الأحيان لا يكون أمامها إلا العنف والقمع للحد من
تفاقم الأمور!
حتى المبادرات التي تقوم بها أفراد أو مؤسسات مدنية للحد من الفقر
.. مساعدة المعدمين .. إنقاذ المشردين .. وعلى الرغم من الإخلاص
والنوايا الصادقة تعجز عن تحقيق أهدافها إلا بالقدر اليسير ..
فما الذي يمكن أن تغيره مساعدة بضع مئات من المحتاجين في الوقت
الذي يضاف عشرات الآلاف منهم نتيجة لعمليات الإفقار التي تسببها
آليات النظام ؟!
الحكومات تضطر لسحب الدعم عن السلع الأساسية .. لرفع الضرائب
والرسوم .. للتخلي عن الكثير من الخدمات التي تقدمها ..
كل الوعود والإجراءات والسياسات وكل التغيرات الحكومية لا تجدي نفعاً ..
تأتي حكومة جديدة تعد بإحداث تغييرات جذرية .. تمر سنوات ولا يحدث أي تغيير
يذكر ..
تشتد المعارضة ضد هذه الحكومة وضد ضعفها وعجزها في تحقيق ما وعدت به ..
يرتفع صوتها بالاحتجاج والصراخ !
تستلم المعارضة الحكم .. وتصبح الحكومة القديمة هي المعارضة الآن ..
يتكرر نفس الشيء !
السلطة يتم تبادلها من اتجاه سياسي لاتجاه آخر ..
من حزب سياسي لحزب آخر ..
من اليمين إلى اليسار .. ثم من اليسار إلى اليمين .. ثم العكس مرة أخرى ..
لا يحدث شيء ولا يحدث تغيير ..
يحدث هذا في الدول التي بها نظام انتخابي حقيقي ..
أما في الدول التي لا يوجد بها نظام انتخابي حقيقي فإن القصة نفسها تتكرر
ولكن بضجيج أقل !
تتغير الوجوه السياسية والطاقم الحكومي الشكلي في هذه الدول .. ونفس الشيء
لا يحدث أي تغيير ..
في الدول التي بها نظام انتخابي والدول التي لا يوجد بها نظام
انتخابي تحدث نفس القصة .. لا تغيير ..
بل بالعكس فإن الأوضاع تزداد سوءاً .. وهي ستزداد سوءاً
لا محالة ..
تكثُر النقاشات والمجادلات عن أسباب كل ذلك ويضيع الكثيرون في
التفاصيل !
ويفقد الكثيرون الأمل بالتغيير .
لا يبدو أن هناك شيء ينجح .. ولا يبدو أن هناك حلول في الأفق ..
وفعلاً لا شيء ينجح ولا توجد حلول في الأفق .. لماذا ؟
لأن الجميع أفراد وحكومات هم خاضعين لنفس قواعد اللعبة التي يحددها
النظام الاجتماعي القائم على الربح .
ولذلك فإن كل الحلول لا تنجح .. ولن تنجح .
الأمر أشبه بتغيير اللاعبين لألوان ثيابهم أثناء اللعب !
تغيير الألوان لن يحدث أي فرق طالما أن الجميع يلعبون على
أساس نفس القواعد ..
لهذا فكافة الإجراءات والسياسات التي يتم اتخاذها ستكون
إجراءات عقيمة لا تشير إلا إلى تخبط يزيد الأوضاع سوءاً
و الشركات الكبرى والمستفيدين الأساسيين من هذا النظام
ومن قواعده يستغلون كل هذا التخبط في فرض المزيد من السيطرة على
القرار السياسي والاقتصادي للدولة من خلال طرق لا تعد ولا تُحصى ..
بينما أغلبية أفراد المجتمع ونتيجة للجهل بآليات النظام تتخبط فيما
بينها في محاولة للخلاص من هذه المشاكل ..
لا يوجد اتفاق على شيء ..
لكل أحد نظرية ولكل أحد رأي .. ولا يوجد مشروع أو هدف يتفق عليه
الجميع !
كل ذلك سببه عدم معرفة الأسباب الحقيقية التي توّلد كل ذلك ..
أما الشركات الكبرى فهي تعلم مصالحها تماماً !
لذا هي تنجح دائماً في فرض القرارات التي تكون لصالحها والتصدي
للقرارات التي تضر بها .
والشركات الكبرى كما ذكرنا من قبل مجُبرة على ذلك .. فهي نفسها
خاضعة لقواعد النظام ..
الفارق هو إن الشركات الكبرى ومالكيها هم المستفيدون الأكبر من هذا
النظام لذا فهم الأكثر حرصاً بل هم الوحيدون الحريصون على الحفاظ
على هذا النظام وليس لهم أي مصلحة في تغييره .
لا يمكن لأحد إحداث تغيير حقيقي .. لا فرد ولا مجموعة أفراد ولا
حتى الحكومات ..
طالما أن الجميع خاضع لآليات النظام لن يكون هناك حلول حقيقة طويلة
الأمد تشمل الفئات الأكبر من أفراد المجتمع .. لأن النظام نفسه
يقوم على الإفقار المتزايد وهو ما سنوضحه بالتفصيل لاحقاً .
إن تخبط الحكومات وعجز الإجراءات الحكومية وفقدان الأمل بالتغيير
والافتقاد لهدف ومشروع حضاري يتفق عليه الجميع تكشف كيف أن
آليات النظام تعمل بالفعل وإن قواعد اللعبة التي تحددها تفرض
نفسها على الجميع
اتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء
لعلها أكثر المؤشرات التي يمكن ملاحظتها بسهولة في كل مجتمع !
ففي كل مجتمع وكل دولة ومع مرور السنوات يلاحظ الجميع الفارق
بين ثروات ومستوى معيشة الأغنياء وبين مستوى معيشة الفقراء
وهو فارق يتزايد بشكل متسارع وفاضح .
وهذه الملاحظة صحيحة ومدعمة بالبيانات الرسمية التي تظهر أن
نسبة عدد الأغنياء تتقلّص على مستوى العالم ونسبة الفقراء تتزايد
.. وأن الفارق بينهما يتسع في كل سنة .
وهذا هو ما ينتج عن آليات النظام الاجتماعي والذي تؤدي حتماً إلى
استقطاب الثروة في عدد يتقلص بعد كل أزمة اقتصادية
وهو ما يحدث في عالمنا الذي نعيش فيه الآن .
حيث يتواجد فقر مدقع من جهة وثراء فاحش من جهة أخرى ..
وأحياناً كثيرة لا يفصل بين الاثنين سوى شارع واحد !
في عالمنا الآن يعيش عشرات الملايين في أحياء ومساكن لا تصلح للعيش
الآدمي .. يقابلهم في شارع آخر قصور ومساكن بالغة الترف والفخامة .
لا يمكن أن يُفسر اجتماع الفقر المدقع مع الثراء الفاحش في نفس
المكان والزمان إلا بأن النظام الاجتماعي الذي يقوم عليه هكذا
مجتمع يوّلد بحكم طبيعته بالذات الإفقار المتزايد لأغلبية أفراد
المجتمع ونقل الثروة وانحسارها بيد فئة قليلة ..
لا يمكن أن يوجد تفسير آخر يجمع بين هاتين الظاهرتين المتناقضتين
إلا وجود شرط الربح ..
إن وجود هذه الظواهر المتناقضة في كل المجتمعات الإنسانية في عصرنا
الراهن يكشف أن آليات النظام تعمل بالفعل وإن قواعد اللعبة
التي تحددها النظام تفرض نفسها على الجميع .
إن كل هذا لا يمكن أن يكون بلا ثمن !
استمرار النظام وتعمقه في كل دول العالم سيؤدي إلى آثار خطيرة
تنعكس على الإنسان .
وهذا ما سنتحدث عنه في الموضوع التالي .. |
الرئيسية | المكتبة | اتصل بنا |