|
في المعرفة – العالم كما يراه
الحكماء
الشبكة المتفاعلة
أن الطبقات التي تُغلف الوعي ليست ثابتة جامدة
.. بل هي متغيرة متحركة .
تتغير نتيجة لتفاعل الفرد مع محيطه ومجتمعه ..
عندما يتفاعل الفرد مع محيطة فهو يؤثر ويتأثر
به .. يُعلمه ويتعلم منه ..
تتغير الآراء والأفكار والأذواق لدي الفرد
نتيجة لهذا التفاعل وهذا التعلم ..
ما كان يؤمن به اليوم يتغير في يوم آخر .
الأفكار والمشاعر والأذواق والميول التي تكوّن
هذه الطبقات تتغير وتتفاعل بشكل حركي متواصل نتيجة لتفاعل المرء مع
محيطة ونتيجة لتأثره وتأثيره فيه .
يحدث ذلك لكل واعي داخل الشبكة .
تصبح الشبكة هنا مجموع هذه التغيرات
والتفاعلات .. مجموعة معقدة من العلاقات التي تربط كل فرد فيها .
وهي علاقات تتغير وتتفاعل بتغير كل جزء منها .
هناك ما لا يعد ولا يحصى من الشبكات داخل هذه
الشبكة .
فمثلاً عندما يتفاعل شخصان مع بعضهما البعض كل
منهما من خلال الطبقات التي تُغلف وعيه تتشكل بينهما مجموعة من
العلاقات تمثل شبكة صغيرة داخل الشبكة الأكبر .
العلاقات .. الأهداف .. الأفكار ..الروابط
التي تظهر نتيجة لتفاعل أفراد من أسرة واحدة هي شبكة أخرى داخل
الشبكة الكبرى .
هناك شبكة للأسرة الكبيرة .. للقرية ..
للمدينة .. للدولة .. لأتباع ديانة ما .. ثقافة ما .. عصر ما ..
كلها شبكات ضمن الشبكة الكبرى التي تجمع
وتتكون من مجموع البشر على الأرض .
مجموعة بالغة التعقيد من العلاقات المتشابكة
والمتفاعلة والمتغيرة بشكل متواصل .
يعلق الجميع داخل الشبكة ويعاني كل فرد من
آثارها عليه .
كلها مدركات موجودة في وعي الواعي ..
أفكار في عقولهم .
ولأن الشبكة تتكون من مكان وزمان وأشياء
وأفراد داخلهما يظن كل من فيها إنها هي الحياة وإنه لا يوجد شيء
خارجها .
يظن الجميع إنها هي الواقع ..
تصبح الشبكة كالسجن الذي يقبع الجميع داخله.
هي أفكار ومدركات موجودة في عقل المسجون .
تماماً كمن هو ضمن خبرة الواقع الافتراضي حيث
كل شيء يبدو حقيقياً وملموساً .. وهذا الواقع الافتراضي يمنع من
رؤية الواقع الحقيقي خارجه ..
إن من يختبره لا يعلم حتى إنه ضمن واقع
افتراضي .. ولا يعلم إن هناك شيء وراءه .
يهمنا أن يتذكر القارئ هنا إن الشبكة التي
نقبع بها الآن وفي هذه اللحظة هي واقع افتراضي موجود في عقولنا ..
الأفكار والمدركات التي نختبرها داخل هذه
الشبكة تحجب رؤية ما وراءها .
نكرر ذلك دائماً لأننا نعلم إن هذه الحقيقة
ليست صعبة الفهم .. بل صعبة التصديق !
يتجاهلها العقل ليس لأنها تافهة بل لأنها أعظم
مما يمكن استيعابه ..
إن ما يُفرّق الحكماء والسالكين عن بقية البشر
هي هذه النقطة بالذات
فالحكماء والسالكون يصدقون هذه الحقيقة
ويأخذونها على أعلى درجات الجدية ..
الحكماء والسالكين يعلمون أن الشبكة والشبكات
التي نعيش فيها وندركها ليست حقيقية.. هي حلم .. واقع افتراضي .
ولهذا فإنهم يسعون للخروج منها ..
أما الآخرون فإنهم يتجاهلون هذه الحقيقة
ويظلون قابعين في هذا السجن ويعانون آثاره ..
فالأفكار والمدركات التي تأتي من الشبكة
الكبرى راسخة فيهم للدرجة الذي يصل بهم الأمر لأن يقاموا كل من
يحاول إخراجهم منها .
الشبكة كما ذكرنا تتكون من مجموع الأفكار
والمفاهيم والقيم والعلاقات لكل جزء منها وهي متغيرة متحركة
ومتفاعلة .
عندما تتغير الأفكار والقيم لدى أغلب الواعين
الذين يكونون الشبكة تتغير الشبكة تبعاً لذلك .
الشبكة هنا أشبه باللعبة بين مجموعة كبيرة من
اللاعبين .
عندما يتحرك اللاعبون بسرعة أكبر تتحرك اللعبة
بسرعة أكبر ..
يتحرك اللاعبون بسرعة أكبر من ذلك .. تتحرك
الشبكة بسرعة أكبر و أكبر ..
تصبح سرعة الحركة للشبكة عبئاً على جميع من
فيها ..
الجميع مرهق .. الجميع متعب .. ولا أحد يستطيع
أن يتوقف ..
من يتوقف سيسحقه الآخرون ..وستسحقه الشبكة
التي يظن أنها حقيقية .
عندما ينظر الواعي لنفسه كشيء مستقل ومنفصل عن
الآخرين .. وإنه لن يتأثر هو بما يفعله بالآخرين سيعمل بمقتضى ذلك
.
الأفكار والقيم التي تعزز الانفصال تصبح
مستحكمة في وعي كل من بالشبكة .
يتفاعل كل من بالشبكة بمقتضى ذلك وتتحول
الشبكة إلى ساحة قتال ..
الجميع يحارب الجميع ..
هي أفكار تنعكس على السلوك .
التفاعل بين الجميع يزداد سرعة .. الشبكة تدور
بسرعة هائلة الآن ..
الأمر الذي يستدعي المزيد من الجري والقتال
مما يؤدي للمزيد من دوران الشبكة
ثم مزيد من الجري والقتال ومزيد من الدوران وهكذا ..
سيصل الأمر إلى انهيار كل من بالشبكة وانهيار
الشبكة تبعاً لذلك .
وهكذا يساهم كل جزء من الشبكة في حركتها
ويتأثر بها ويعاني منها ..
يزداد الألم وتشتد المعاناة ..
ولا يعلم أحد كيفية الخلاص من كل ذلك ..
طريق الحكمة هي الطريق للخلاص من هذا الألم
وهذه المعاناة .
من خلال محور المعرفة يتمكن السالك من فهم سبب
المعاناة و الطريق المؤدي للخلاص من المعاناة . |
الرئيسية | المكتبة | اتصل بنا |