Masters Of Money - bbc اسياد المال
وثائقي مترجم من بي بي سي يتحدث عن أفكار مجموعة من
كبار الاقتصاديين |
آلية الاستغلال - كيف يحدث الاستغلال في نظامنا الحالي
دور العمل
العمل هو قدرة موجودة عند كل إنسان ..
وهي قدرة تأتي نتيجة لتميّز الإنسان في تركيبته الجسدية والذهنية
عن باقي المخلوقات .
فالعمل هو الذي يحوّل البذور والتربة والماء إلى خضار وفاكهة
ومحاصيل ..
والعمل هو الذي يحوّل الحديد والمعادن والمواد الأولية
إلى ملابس و أثاث ومباني ومكائن وسيارات وطائرات وأجهزة
الكترونية وكل شيء آخر ..
للعمل ميزة ليست موجودة في أي شيء آخر ..
هي ميزة أشبه بالميزة السحرية !
العمل هو الذي يعطي لأي شيء قيمة مادية .
كما ذكرنا من قبل فإن الموارد الطبيعية الموجودة على الأرض هي
في الأساس موجودة ومتاحة دون مقابل ..
الأشجار .. المياه .. التربة .. الحيوانات .. المعادن .. كل
الموارد الطبيعية وجدها الإنسان على الأرض ..
لم يخلق أحد من البشر هذه الموارد .. ولم يوجدها إنسان من العدم .
لهذا فهذه الموارد الطبيعية هي مجانية .. ليس لها قيمة مادية محددة
..
ليس لها ثمن لأنها لا تقدر بثمن
.
ولكننا نعلم أن كل شيء مستخرج من الموارد الطبيعية له ثمن وله قيمة
مادية .. فكيف يحدث ذلك ؟
في نظامنا الاجتماعي يحدث ذلك من خلال العمل .
الجهد البدني والذهني الذي يُبذل على استخراج الموارد الطبيعية هو
الذي يعطيها ثمن .. قيمة .
يقاس هذا الجهد بعدد ساعات العمل .
فألواح الخشب المستخرج من الأشجار لها قيمة تعادل قيمة الجهد
الذي تم بذله لتحويل الأشجار لألواح خشبية .. بالقطع والنشر
والتشذيب والنقل .. الخ
عدد ساعات العمل التي تم من خلالها تحويل شجرة إلى ألواح خشبية هي
القيمة المادية لهذه الأخشاب .
وكذلك الأمر في المعادن .. فعدد الساعات التي تم بذلها
لاستخراجها من الأرض وتحويلها
لمواد خام قابلة للتصنيع هي القيمة المادية لهذه المعادن .
وكذلك الأمر في المزروعات .. فعدد الساعات التي تمت في الزراعة
والري والحصاد والتي حولت البذور والتربة المجانية لمحاصيل هي قيمة
هذه المحاصيل .
وهكذا لكل شيء آخر .
الموارد الطبيعية المجانية تتحول إلى مواد خام من خلال العمل ..
القيمة
عن طريق عدد ساعات العمل يمكن معرفة قيم الأشياء وبالتالي معرفة
متى تتساوى قيم الأشياء ومتى تختلف .
تتساوى قيم الأشياء عندما تتساوى في عدد ساعات العمل التي تم بذلها
في تصنيعها .
فالطاولة التي تصنع خلال عدد 10 ساعات عمل لا يمكن أن تساوي في
قيمتها قيمة قلم رصاص .. لماذا ؟
لأن الجهد المبذول في صنع طاولة أكبر بكثير من الجهد المبذول لصنع
قلم رصاص ..
عدد ساعات العمل المبذولة في طاولة أكثر من عدد ساعات العمل
المبذولة في صنع قلم رصاص .
لهذا السبب فإن من يملك طاولة لا يقبل أن يبادلها إلا بعدد الأقلام
التي تُصنع خلال 10 ساعات .
فقط هنا تصبح القيمتان متساويتان ويصبح التبادل عادلاً .
هذه هي ميزة العمل .
فمن خلال عدد ساعات العمل يمكن تحديد قيمة وثمن أي سلعة أو أي خدمة
.
فالموارد الطبيعية والتي هي في الأصل مجانية يتم تملكّها من
قبل شخص أو دولة أو مراكز إنتاج المواد الأولية كالأخشاب الخام ..
المعادن الخامة .. مناطق الصيد البحري .. المناجم .. آبار النفط
..الخ .
ثم من خلال العمل المبذول في استخراج وتجهيز هذه المواد الأولية
لتصبح جاهزة للاستخدام الصناعي تصبح لهذا الموارد قيمة محدد من
خلال ساعات العمل التي تم بذلها عليها ..
عندما يصبح لها قيمة مادية محددة يمكن عندها بيعها في الأسواق .
القيمة المضافة
المواد الأولية لا يمكن الاستفادة منها مباشرة بل لا بد أن يتم بذل
عمل إضافي عليها .
فالخشب لا يمكن النوم عليه .. لكن السرير يمكن النوم علية ولا
يتحول الخشب إلى سرير أو أي شيء آخر إلا من خلال عمل إضافي يتم
في مراكز إنتاجية أخرى .
والحديد لا يمكن أن يتحول إلى مركبة أو طائرة أو آلة ما
إلا من خلال عمل إضافي يتم في مراكز إنتاجية أخرى .
وكذلك الأمر في كل المواد الأولية التي تستخرج مباشرة من الموارد
الطبيعية .
العمل الإضافي الذي يحول المواد الأولية لسلع قابلة للاستهلاك
والاستخدام يضيف عليها قيمة تفوق قيمتها الأصلية .
فمثلاً ..
قد يتطلب تحويل الخشب إلى سرير 10 ساعات من العمل .. تصبح هذه
ال10 ساعات قيمة تضاف على قيمة الخشب الذي يكوّن هذا السرير .
فلهذا .. فالسرير له قيمة أعلى من قيمة الأخشاب التي دخلت في
تصنيعه .
وقد يتطلب تحويل الحديد ومواد أخرى لسيارة لعمل 1000 ساعة ..
تصبح هذه الساعات قيمة تضاف على قيمة المواد الأولية التي دخلت
في صنعها .
لهذا فللسيارة قيمة أعلى من قيمة المواد التي دخلت في تصنيعها .
وكذلك الأمر في الخدمات .
فالتعليم لا يمكن أن يتم فقط بالأدراج والمباني والكتب والأقلام ..
العمل الذي يبذله الطاقم التعليمي يضاف على قيمة السلع التي
تدخل في إنجاز هذه الخدمة .
والعلاج لا يتم من خلال الأسّرة والأدوية والأجهزة الطبية ..
العمل الذي يبذله الطاقم الطبي يضاف على قيمة ما يدخل في إنجاز هذه
الخدمة .
يسمي الاقتصاديون هذه القيمة بالقيمة المضافة .
فالسلعة والخدمة القابلة للاستهلاك تكون قيمتها هي مجموع قيمة كل
العمل الذي تم بذله منذ أن كانت موارد طبيعية مجانية وحتى تحولت من
خلال عدة عمليات تصنيعية إلى سلعة أو خدمة قابلة للاستهلاك .
تبادل السلع والخدمات
لا يمكن لأحد أن ينتج كل ما يحتاجه ..
يمكن لإنسان أن يتخصص في إنتاج شيء ما أو عدد محدود من الأشياء ثم
يتبادل ما أنتجه مع غيره .
يمكن أن يمتهن إنسان زراعة أنواع معينة من الخضروات ثم يتبادل ما
أنتجه مع الآخرين للحصول على ملابس أو أدوية أو أي شيء آخر يحتاجه
.
ويمكن أن يمتهن أحدهم الحدادة لإنتاج أدوات عديدة كالسكاكين
والفؤوس وغيرها ثم يتبادل ما أنتجه مع الآخرين للحصول على ما
يحتاجه .
وهنا تأتي أهمية معرفة قيمة السلع والخدمات ..
لأنه حتى يبادل أحد شيء أنتجه بأشياء أخرى فلابد أن يعلم قيمة ما
أنتجه ولا يبادله إلا بشيء آخر يعادله في القيمة .
فالأشياء التي يحتاجها الإنسان كثيرة ومتنوعة جداً ..
وهي تتباين فيما بينها تبايناً شديداً من حيث القيمة والحجم والوزن
..
ولكي يتمكن الإنسان الذي ينتج سلعة أو خدمة ما من الحصول على بقية
احتياجاته فعليه أن يستبدل ما أنتجه بتلك الأشياء الأخرى .
فلو كنت أنت تمتهن النجارة وتصنع الأثاث فأنت في حاجة لأشياء أخرى
كثيرة .. أنت بحاجة لغذاء وثياب و دواء وأحذية وغيرها الكثير ..
فكيف ستحصل على احتياجاتك الأخرى ؟
أنت في حاجة لاستبدال ما صنعته مع الآخرين ..
أنت في حاجة للسوق ..
السوق
السوق هو المكان الذي يلتقي فيه المنتجون ويتبادلون فيما بينهم ما
أنتجوه للحصول على أشياء أخرى يحتاجونها .
فلو أردت أن تستبدل ما تصنعه من أثاث بما تحتاجه من غذاء فعليك
الذهاب للسوق ثم العثور على أحد منتجي الغذاء وتتبادل معه الغذاء
بالأثاث الذي صنعته .
قد لا يرغب منتج الغذاء بالحصول على أثاث لأنه لا يحتاج الأثاث بل
هو في حاجة لثياب لذا فهو لن يقبل بالتبادل معك .. فماذا ستفعل ؟
لا بد أن تعثر على أحد يرغب في مبادلة الأثاث بغذاء .. أو تستبدل
أثاثك بثياب ثم تستبدل هذه الثياب مع منتج الغذاء .
تسمى هذه الطريقة بالمقايضة .
أي أن يتم استبدال سلعة مباشرة بسلعة أخرى .
وهي طريقة في التبادل كانت تحدث فعلياً في السابق وهي تحدث بشكل
محدود حتى الآن .
وهي طريقة مرهقة وغير عملية .. وغير كفوءة ..
لماذا ؟
لسببين ..
السبب الأول
أن العثور على شخص يرغب مبادلة سلعتك بسلعته قد لا يكون أمراً
سهلاً بل قد يكون مستحيلاً أحياناً .
السبب الثاني
هو اختلاف السلع وتباينها من حيث القيمة و الحجم والوزن
والنوع مما يجعل تحديد قيمة السلع الأخرى صعباً جداً ..
فكيف ستعرف كم ساعة يتطلبه إنتاج سكين أو سجادة أو أي شيء آخر ؟
لهذا الأسباب كان لابد من النقود .
النقود – وظيفتها في حفظ القيمة والتبادل .
النقود هي أي شيء يقبل به الجميع ليكون حافظاً ومُعبراً عن قيمة كل
السلع والخدمات و وسيلة للتبادل .
النقود يمكن أن تأخذ أشكالاً عديدة
ففي الأزمنة السابقة كانت النقود على شكل ماشية .. أو ملح .. أو
حديد أو حتى أحجار .
لا يهم شكل النقود .. المهم أن تؤدي النقود وظيفتها .
ولكن لأسباب كثيرة أصبح الشكل الأكثر شهره للنقود يتمثل بالذهب
والفضة .
الذهب والفضة
الذهب والفضة أصبحا هما الممثلان المباشران عن النقود والتي يقبل
بها جميع البشر في أي مكان وزمان .
وخلال آلاف السنين أدى كل من الذهب والفضة بنجاح وكفاءة دورهما
كنقود .. ومازالا إلى حد ما حتى الآن .
فما هو دور النقود وأهميتها ؟
للنقود أهمية بالغة في أي نظام اقتصادي في الماضي والحاضر وتتمثل
أهميتها في أنها تقوم بمهمتين بالغتي الأهمية ..
النقود تحفظ القيمة .
النقود تسهل عملية التبادل .
دور النقود في حفظ القيمة :
كيف تحفظ النقود القيمة ؟
كما قلنا في الموضوع السابق فإن العمل هو الذي يحدد قيمة السلع
والخدمات .. فقيمة السلعة تتحدد بالجهد المبذول لإنتاجها ويقاس ذلك
بعدد ساعات العمل .
فالنقود لا تحدد قيمة السلعة بل تحفظ هذه القيمة بشكل ملموس
يكون مفهوماً للجميع .
كيف يحدث ذلك ؟
يحدث ذلك بربط ساعات العمل التي تحدد القيمة بكم معين من هذه
النقود .
فمثلاً..
يتم الاتفاق على أن ساعة العمل الواحدة تعادل غرام من
الفضة .
يحدث هذا التحديد والاتفاق من خلال آليات معقدة تقوم على
العرض والطلب .
ما يهمنا الآن معرفته أن ساعة العمل ترتبط بوحدة ما من النقود
..
مثلاً .. ساعة العمل تعادل غرام من الفضة .
وبذلك فإن أي سلعة أو خدمة يتطلب إنتاجها 10 ساعات فقيمتها تصبح 10
غرامات من الفضة .
والسلعة أو الخدمة التي يتطلب إنتاجها 1000 ساعة عمل تصبح قيمتها
1000 غرام فضة .
بهذا تصبح الفضة هي الممثل المادي والملموس للجهد الذهني والبدني
.. لقوة العمل .
فعندما يضع المرء في يده كيلو غرام من الفضة فهو يضع بيده 1000
ساعة عمل ..أي ألف ساعة من الجهد البدني والذهني .
لقد جعلت الفضة الجهد البدني والذهني هو أمراً ملموساً .. ومكثفاً
.. ومشاهداً !
بهذا تحفظ الفضة القيمة .. فهي تجعلها قابلة للتعبير عنها بشكل
مادي ملموس ومشاهد .
فإذا كان الذهب يعادل 10 أضعاف قيمة الفضة فمعنى ذلك أن كيلوغرام
من الفضة يعادل 100 غرام من الذهب
وبذلك تكون 1000 ساعة عمل تعادل 1000 غرام من الفضة وتعادل أيضاً
100 غرام من الذهب .
وفي الوقت الحالي فإن العامل أو الموظف الذي يحصل على أجر
في آخر كل شهر ترتبط ساعات عمله بعدد محدد من النقود .
فمثلاً ..
لو فرضنا أن عامل أو موظف يحصل على أجر 1000 آخر كل شهر
مقابل عمل 10 ساعات في اليوم ولديه 4 أيام إجازة أسبوعية فيمكن
بسهوله معرفة كم تساوي ساعة عمله .
بحساب بسيط تساوي ساعة عمله 3.8 وحدة من النقود ..
أي أن ساعة العمل لهذا الأجير تعادل 3.8 وحدة من عملة ما
.
إن كنت تحصل على أجر شهري يمكنك بسهولة معرفة كم تساوي
عدد ساعات عملك .. وذلك بقسمة الأجر الذي
تحصل عليه على عدد الساعات التي يُفرض عليك العمل بها .
فلو كنت تعمل ما مجموعه 200 ساعة في الشهر وتحصل على أجر
500 آخر الشهر فساعة العمل الواحدة لديك تساوي 2.5 وحدة من النقود
..
2.5 دولار
للساعة الواحدة من العمل .
لو كان هناك عدد كبير ممن يبحثون عن عمل فإنهم سيقبلون
بأي أجر وهذا معناه أن الأجر سيقل كلما كان هناك عدد أكبر ممن
يتنافسون على نفس العمل .. وبالعكس لو كان هناك عدد قليل ممن
يطلبون العمل سيضطر أصحاب العمل لرفع الأجر لإغراء الأجراء بالعمل
لديهم ..
وهذا ما نقصده عندما نقول إن تحديد قيمة ساعة العمل تقوم
على العرض والطلب .
ما يهمنا هنا التأكيد عليه هو أنه
في كل الحالات فأن ساعة العمل ترتبط بوحدة ما من النقود وبهذا تصبح
النقود مُعبرة عن عدد ساعات العمل .
هذه هي المهمة الأولى الرئيسية للنقود وهي حفظ القيمة في شيء مادي
ملموس يكون مقبولاً من قبل الجميع .
ما أهمية تحويل القيمة إلى نقود ؟
أهميتها تتحدد بتسهيل التبادل في السلع والخدمات .
دور النقود في تبادل السلع :
كما قلنا فإن السلع والخدمات تتحدد قيمتها بعدد ساعات العمل التي
تم بذلها لإنتاجها .
فعندما يذهب مالك الطاولة التي يتطلب صنعها 10 ساعات للسوق
فهو لن يبادلها إلا بشيء يعادلها في القيمة .. لن يقبل
بأقل من ذلك .
ولكن كيف يعرف قيمة الأشياء الأخرى ؟
كيف يعرف عدد الساعات التي بذلت لصنع آنية خزفية .. أو حذاء جلدي
.. أو كيلوغرام من الخضار ؟
يعرف ذلك من خلال النقود التي تحفظ قيمة كل السلع والخدمات فالنقود
هي التي ستكشف ذلك .
فإذا كان كيلو غرام من الخضار يعادل مثلا 1 غرام من الفضة
معنى ذلك أن مالك الطاولة لن يقبل بمبادلة طاولته إلا مقابل 10
كيلوغرامات من الخضار.. لأنهما بذلك يكونان قد تعادلا بالقيمة .
ولو كانت آنية الخزف تعادل 5 غرام من الفضة
معنى ذلك أن مالك الطاولة لن يقبل بمبادلة طاولته إلا بمقابل
آنيتين من الخزف .. لأنهما بذلك يتعادلان في القيمة .
وهكذا للخدمات أيضاً .
فالذي يعمل في خدمة ما كإصلاح شيء أو نقل شيء .. لن يقبل أن يعمل
لمدة 10 ساعات لأحد إلا مقابل 10 غرامات فضة .
فالنقود هنا تسهل معرفة قيم الأشياء وهي بذلك تسهل من عملية
التبادل .
وهي أيضاً تسهل من عملية التبادل بطريقة أخرى بأن تصبح النقود
معادل عام .
النقود كوسيط في التبادل – المعادل العام
عندما يذهب مالك الطاولة لشراء طعام فقد لا يرغب بائع الطعام
بالحصول على طاولته .
فليس من السهل أن
تستبدل سلعتك مباشرة بسلعة أخرى كما يحدث في المقايضة كما ذكرنا .
فالمقايضة هي طريقة غير كفوءة في التبادل مما يصعب من عملية
التبادل ..فما الحل ؟
النقود هي التي توفر الحل .
من خلال النقود لا يتبادل الناس سلعهم مباشرة بل يبادلونها أولاً
بنقود ثم بهذه النقود يشترون ما يشاءون من خدمات وسلع .
فصاحب الطاولة يبيع طاولته لمن يرغب ويحصل على كامل قيمتها منه وهو
10 غرامات فضة .. أو غرام ذهب .
ففي السابق لم يكن الأغلب يقبل بتبادل سلعته مقابل طاولة لأنهم لا
يحتاجونها .. أما الآن وبعد أن حصل صاحب الطاولة على النقود أصبح
الجميع مستعد لاعطاءه ما يريد لأن الجميع يقبل بالنقود .
فالنقود تصبح هي الوسيط في عملية التبادل وهي بذلك تصبح كالشحم أو
الزيت الذي يزيّت عملية التبادل ويجعلها أكثر سرعة وسلاسة وكفاءة .
هذه هي مهمة النقود
النقود الورقية :
للنقود تاريخ طويل ممتد على مدى آلاف السنين .
وكما ذكرنا فقد كانت النقود في الماضي تأخذ أشكالاً متعددة و
لأسباب كثيرة أصبح الذهب والفضة هما الممثلان المقبولان للنقود في
كل مكان وبين كل الأمم .
لهذا فامتلاك الذهب والفضة أصبح يمثل الثروة لأن من خلالهما يمكن
الحصول على أي سلعة أو خدمة .
وقد كان الناس في السابق يحملون الذهب أو الفضة معهم للقيام بأي
عملية تبادل .
وقد سهل ذلك من عملية التبادل بشكل كبير كما ذكرنا مما سارع في
تنشيط الحركة الاقتصادية العامة .. البيع والشراء .. الإنتاج
والاستهلاك .
ولكن هذا لم يكن كافياً ..
فعند اشتداد زخم الحركة الاقتصادية أصبح من الضروري إيجاد طريقة
أكثر سهولة وأماناً لنقل وتبادل الأموال .
وبهذا تم ابتكار شكل آخر من أشكال النقود .. النقود الورقية .
وقد حدث ذلك بالتدريج وفي عدة أماكن .
فبدلاً من حمل الذهب والفضة وما يترتب عن ذلك من صعوبة ومخاطرة..
يتم وضع هذا الذهب والفضة في مكان ما ثم أخذ صك ورقي يثبت ذلك .
الصك الورقي عبارة عن شهادة تثبت أن حاملها يملك كماً معيناً من
الذهب والفضة .
وهنا ظهرت البنوك .
فقد كان البنك هو المكان الذي يضع فيه صاحب الذهب أو الفضة ما
يملكانه ثم يحصل مقابل ذلك على صك يثبت هذه الكمية .
فمثلاً يضع إنسان في البنك 1000 غرام من الذهب في البنك ويحصل منه
على صك يثبت ملكيته لهذا الكم من الذهب .
في أي وقت يشاء يستطيع هذا الإنسان أن يعيد الصك للبنك واسترجاع
ذهبه منه بالكامل ..
وقد كانت البنوك تفعل ذلك مقابل رسم رمزي تحصل عليه من صاحب الصك .
هذه الطريقة أكثر سهولة وأماناً من حمل الذهب والفضة مباشرة ..
لقد أصبح الناس تدريجياً يتبادلون هذه الصكوك فيما بينهم بدلاً من
تبادل الذهب والفضة مباشرة ..
فمثلاً إذا رغب إنسان بشراء شيء يساوي 1000 غرام من الذهب يمكن
يحصل عليه دون الحاجة لإعطاء البائع هذا الكم من الذهب فعلياً ..
بل يكفي أن يعطيه الصك الذي يثبت امتلاكه لهذا الكم من الذهب ..
يحصل البائع على هذا الصك وله هنا الخيار في أن يذهب إلى البنك
ويستبدله بالذهب ..
وقد وجد الكثيرون أنه لا داعي لفعل ذلك بل عندما يريد هذا البائع
أن يشتري شيء لنفسه يكتفي بإعطاء هذا الصك لمن اشترى منه .
وهكذا عم تدريجياً تداول الصكوك الورقية والتي أصبحت هي النقود
الورقية .. ولم يعد هناك من حاجة لحمل وتبادل الذهب والفضة
واللذان أصبحا يقبعان في البنوك ويتم تبادل النقود الورقية التي
تمثلهما ..
فالنقود الورقية في الأساس هي وسيط لتداول الذهب والفضة .. هي
تمُثل الذهب والفضة .
أدي ذلك إلى مزيد من تسهيل عملية التبادل مما ساعد في تنشيط الحركة
الاقتصادية .
في عصرنا الحالي أصبحت الدول هي التي تصدر هذه النقود الورقية
والتي كانت في السابق مغطاة تماماً بما يعادلها من الذهب والفضة .
تدريجياً لم يعد الناس يتبادلون الذهب والفضة بل يتبادلون
فيما بينهم في عمليات البيع والشراء هذه النقود الورقية التي يثق
الجميع بها .
في كل الحالات فالنقود الورقية تؤدي نفس الدور الهام الذي تقوم به
النقود .. هي تحفظ القيمة وتسهّل التبادل
.
فعندما يضع المرء في يديه عملة ورقية من فئة 1000 وحدة
مثلاً فهي في النهاية تعني أيضاً أنها تعادل مثلاً 1000 ساعة عمل
تماماً كما كان يحدث مع الذهب والفضة .. فالعملة الورقية هي وسيط
للتبادل وحافظ للقيمة .
وبذلك أصبحت العملة الورقية في عصرنا الحالي هي الممثل عن
الثروة وهي المعادل العام الذي يمكن من خلاله شراء أي سلعة أو خدمة
.
النقود الإليكترونية
وفي وقتنا الحالي يتم استبدال العملة الورقية بنوع جديد من النقود
وهي النقود الإليكترونية ..
فما الحاجة لحمل العملة الورقية بيدك ؟ !
يمكن الاستعاضة عن ذلك برقم يوضع في بطاقة إليكترونية تثبت امتلاك
نفس الكم من العملة الورقية والتي تظل قابعة في البنك !
فكما حدث مع الذهب والفضة حيث أصبحت العملة الورقية هي التي
تمثلهما يحدث الآن نفس الشيء في النقود الإليكترونية التي أصبحت
بدورها تمثل النقود الورقية التي لم يعد هناك من حاجة لحملها
ونقلها .
وحالياً ولتطور التقنية الرقمية ووسائل الاتصال تتم الكثير
من عمليات البيع والشراء من خلال تبادل هذه النقود الإليكترونية من
خلال بطاقات الدفع الإليكتروني .
فعندما يتم شراء شيء بالبطاقة كل ما يحدث هو نقل الرقم
المعبّر عن العملة الورقية من حساب الشاري إلى حساب البائع .
وفي وقتنا الحالي لا داعي حتى لحمل بطاقة الكترونية !
يتم البيع والشراء من
خلال أجهزة الهاتف المحمول بما يعرف بالمحفظة الإليكترونية ..
سواء كان الدفع يتم ببطاقة أم بمحفظة إليكترونية فالنتيجة واحدة
.. عندما يتم شراء شيء ينتقل الرقم المعبّر عن العملة الورقية من
حساب الشاري إلى حساب البائع .
في كل الحالات سواء كانت النقود هي ذهب أو فضة أو عملة ورقية أو
اليكترونية فهي في النهاية لابد أن تؤدي وظيفتها وهي حفظ القيمة
وتسهيل التبادل .
نعود ونتذكر أن القيمة لا تحددها النقود .
النقود لا تحدد قيمة السلع والخدمات .. الذي يحدد قيمة السلع
والخدمات هو عدد ساعات العمل المبذول في إنتاجها .
النقود تعبّر عن هذه القيمة فقط .. تحفظها بشكل ملموس يسهل
التعرّف على القيمة ويسهل تبادلها .
فمثلاً السلعة التي تتطلب 100 ساعة عمل تعادل 100 غرام من الفضة
وتعادل 10 غرامات من الذهب وتعادل 100 وحدة من عملة ورقية ما
وتعادل رقم يكون في حساب العميل .
فكما بينّا عند الحديث عن الثروة .. الثروة ليست هي النقود .
النقود تعبّر عن الثروة .. تجعلها ملموسة ومكثفة وسهلة التداول .
الثروة الحقيقية هي السلع والخدمات وهي العمل الذي ينتج هذه السلع
والخدمات .
التكافؤ في القيم عند التبادل .
قلنا إن عملية تبادل السلع والخدمات تتم في السوق وهذه العملية تتم
دائماً بالتراضي بين البائع والشاري .. لماذا ؟
لأن التبادل الذي يتم بينهما هو تبادل عادل .. صفقة عادلة .
ماذا يعني ذلك ؟
يعني أن المرء لا يقبل أن يبادل سلعته بسلعة أخرى إلا إذا تساوت
القيم بين السلعتين ..
فلا يقبل مالك السيارة أن يبادلها بزوج من الأحذية !
السبب في ذلك أن قيمتهما متباينة فالجهد المبذول لصنع سيارة يفوق
بكثير الجهد المبذول لصنع زوج من الأحذية .
وهذا يعني أن أي بائع لا يقبل أن يبيع سلعته إلا إذا حصل مقابلها
على كامل قيمتها .. أي على ما يعادلها في القيمة .
فالسلعة التي تتطلب 1000 ساعة عمل لا تباع إلا ب 1000 غرام فضة أو
100 غرام ذهب أو ما يعادلهما من النقود الورقية .
ففي السوق يتم تبادل السلع بقيمها الكاملة ..
ولا يقبل البائع ببيع سلعته إلا إذا تم دفع كامل قيمتها ..
فأنت لا تقبل أن تبيع شيء قيمته ألف إلا بحصولك على كامل هذه
الألف من المشتري
.. ولهذا السبب التبادل في الأسواق يتم بالتراضي ودون إجبار .
وبسبب هذا التراضي لا نرى معارك واقتتال في الأسواق بين البائعين
والمشترين !
فكيف يحدث الربح إذاً ؟
فإذا باع المرء سلعة قيمتها 1000غرام فضة وحصل مقابلها على 1000
غرام فضة فكيف يتحقق الربح ؟
لا ربح .
لا يربح أحد شيء في عملية التبادل لأن ما تم الحصول عليه يعادل ما
تم دفعه .
ولكن الربح يتحقق .. فالبائع عندما يبيع سلعته يحقق ربح من ذلك
فكيف يحدث الربح إذاً ؟
يتحقق الربح في عملية الإنتاج .
فالبائع الذي يبيع سلعة قيمتها ألف وحصل مقابلها على ألف يحقق
الربح لأنه حصل عليها في الأصل دون أن يدفع قيمتها الكاملة .
تحقق الربح في العملية الإنتاجية – كيف يحدث الاستغلال .
يوفر صاحب المصنع المواد الأولية والأجهزة والمعدات الضرورية
لعملية الإنتاج .. يتم شراء هذه المواد والأجهزة من السوق ويدفع
صاحب المصنع قيمتها كاملة فكما ذكرنا في السوق يتم الشراء بدفع
كامل قيمة السلع .
ولكن لكي يحقق صاحب المصنع الربح فهو يستخدم قوة العمل التي
يشتريها من العاملين والموظفين لديه للقيام بعمل إضافي على هذه
المواد الأولية لإنتاج سلعة ما .. هذه السلعة تصبح ملكاً لصاحب
المصنع ويحق له بيعها .
العمل الإضافي الذي تم على هذه المواد الأولية
والذي أدى لإنتاج السلعة النهائية سيوّلد قيمة مضافة .
هذه القيمة المضافة هي التي يستفيد منها صاحب المصنع ويحولها لربح
.
فمثلاً
يشتري صاحب المصنع من السوق الأخشاب الخام الجاهزة للتصنيع والتي
قيمتها 100 غرام فضة لأنه تم بذل 100 ساعة عمل لتحويلها من شجرة
إلى أخشاب خام .
وهو يدفع قيمتها بالكامل .. 100 غرام فضة .
الآن هو يذهب بهذه الأخشاب لمصنعه ويقوم العمال والموظفون لديه
بعمل إضافي على هذه الأخشاب لتحويلها لقطعة من الأثاث .
يتطلب ذلك مثلاً 200 ساعة عمل ومعنى ذلك أن القيمة المضافة على
قيمة الخشب هي 200 غرام فضة .
فيصبح مجموع قيمة قطعة الأثاث النهائي
هو 300 ساعة عمل أي 300 غرام فضة ..
100 غرام قيمة الخشب الخام + 200 غرام القيمة المضافة والتي تحققت
بالعمل على هذا الخشب الخام .
هذه القيمة المضافة تحققت من خلال بيع العمال والموظفون قوة عملهم
لمدة 200 ساعة .
200 ساعة عمل تساوي 200
غرام فضة .
يتحقق الربح لصاحب المصنع لأنه لا يدفع كامل قيمة ال 200 ساعة
للعاملين لديه أي لا
يدفع 200 غرام فضة مقابلها بل يدفع جزء منها ..
لنقل يدفع نصف قيمتها
بدفع 100 غرام فضة فقط .
وبذلك يكون صاحب المصنع قد دفع 100 غرام قيمة الخشب الخام
و 100 غرام نصف قيمة
عمل العاملين لديه .
وبالتالي :
قطعة الأثاث قيمتها النهائية هي 300 غرام فضة .
ولكن صاحب المصنع دفع مقابلها 200 غرام فضة فقط .
يأخذ صاحب المصنع قطعة الأثاث التي أصبحت ملكه للسوق ولا يبيعها
إلا بالحصول على كامل قيمتها أي 300 غرام فضة .
وبهذا يكون ربح صاحب المصنع هو 100 غرام من الفضة ..
فقد دفع 200 غرام وباع ب 300 غرام .
لقد تحقق الربح الآن !
هذا الربح تحقق لأن صاحب المصنع لم يدفع للعاملين لديه
كامل قيمة عملهم بل دفع نصف قيمة عملهم
.. يحدث ذلك بالإجبار لأن العاملين لو طالبوا بكامل قيمة
عملهم سيتم طردهم من العمل .
فبذلك لم يتحقق الربح إلا من خلال استغلال ضعف العاملين .
فلا يتحقق الربح إلا من خلال الظلم والاستغلال .
إن من المهم أن يفهم القاري كل الفهم هو أن الربح الذي يتحقق في أي
عملية إنتاجية لسلعة أو خدمة مهما كانت يتحقق بهذه الطريقة ..
ولا يمكن أن يتحقق الربح إلا بهذه الطريقة .
هذا هو الربح .. وهكذا يتحقق !
فالربح لا يتحقق من خلال العملية التبادلية .. لا يتحقق من خلال
البيع والشراء .
الربح يتحقق في العملية الإنتاجية بدفع جزء من قيمة قوة العمل
بالإجبار وباستغلال .
من المهم التذكر أن الخشب الخام التي اشتراه صاحب المصنع ودفع
قيمته بالكامل قد تم
بيعه من قبل مراكز إنتاج المواد الأولية وقد وتحقق لها ربح من ذلك
..
أيضاً هذا الربح تحقق لها لأن هذه المراكز الإنتاجية
دفعت جزء من قيمة العمل للعاملين الذين قاموا بتحويل الشجرة
إلى خشب خام .. لم تدفعه بالكامل .
وكذلك الأمر للمعدات والأجهزة التي دخلت في صنع قطعة الأثاث
فقد بيعت بربح تحقق
بدفع جزء من قيمة العمل للعاملين الذين قاموا بصنعها .
فعلى الرغم من أن القيمة تدفع بالكامل عند التبادل .. عند البيع
والشراء في الأسواق .. ويحدث ذلك بالتراضي ..
إلا إنها لا تدفع بالكامل عند الإنتاج بل يدفع جزء منها فقط ..
ويحدث ذلك بالإجبار .
وهذا بالضبط ما نعنيه عندما نقول أن تكلفة الإنتاج لابد أن تكون
أقل من الدخل الناجم عن بيع الإنتاج .
فهذا الفارق لا يمكن أن يحدث إلا إذا كان ما يُدفع أقل مما
يباع .. ولا يمكن أن يكون ذلك إلا بدفع جزء من قيمة العمل لا كامل
القيمة .
تقاسم الربح
من المهم الإشارة إلى أن أي ربح آخر يحدث منذ خروج السلعة من
المركز الإنتاجي إلى أن تصل للمستهلك هو نفس الربح الذي تم الحصول
عليه من أخذ السلعة بأقل من قيمتها .. هذا الربح يتم تقاسمه بين
الجميع .
فمثلاً
قلنا أن الربح المتحصل لصاحب المصنع هو 100 غرام فضة .
هذا الربح يتم تقاسمه بين صاحب المصنع وبين بائع المفرّق الذي يبيع
سلعته مباشرة للمستهلكين .
فصاحب المصنع سيضطر أن يتنازل عن جزء من ربحه لصاحب
المفرّق مقابل أن يتكفل الأخير بعرض سلعته للمستهلك .. وبذلك يتم
تقاسم الربح بينهما .
حصة كل منهما تتحدد من خلال العرض والطلب .
سيحصل كل منهما مثلاً على 50 غرام من الفضة
ربحاً له .
ولو كان هناك وسيط بين صاحب المصنع وبين بائع المفرّق فهو
أيضاً سيحصل على نسبة من هذا الربح ..
فمثلاً المستورد الذي يستورد كميات كبيرة من إنتاج مصنع
من دولة أخرى ثم يقوم بتوزيع هذا الإنتاج على بائعي المفرّق من
أصحاب المحال في السوق سيحصل لنفسه على نسبة من نفس الربح ..
سيتقاسم الجميع نسبة من نفس الربح الذي تحقق في العملية
الإنتاجية .. وسيحرص كل منهم على أن تكون نسبته هي الأكبر .
وبهذا يتقاسم هؤلاء الربح الذي تم الحصول عليه من استغلال
العاملين والموظفين .
ما يهمنا التأكيد عليه مراراً وتكراراً هو الآتي ..
إن الربح .. أي ربح مهما كان وفي أي عملية
إنتاجية لأي سلعة أو خدمة في أي مكان أو زمان لا
يتحقق ولا يمكن أن يتحقق إلا إذا تم الحصول على هذا المنتج بدفع
جزء من قيمتها ثم بيعها في السوق بقيمتها الكاملة .
أي لا يمكن الحصول عليه إلا من خلال الاستغلال .
السعر – الفارق بين السعر والقيمة
من المفيد أن يفهم القارئ هنا أن السعر ليس هو القيمة .
قيمة السلعة كما ذكرنا تُحدد من خلال الجهد البدني والذهني في
إنتاجها .. عدد ساعات العمل لإنتاجها .
أما السعر فهو الثمن المطلوب دفعه في السوق للحصول على هذه السلعة
.. وهو خاضع للعرض والطلب .
فعندما تكون هناك حاجة ماسة لسلعة ما لشُحّها قد تباع بسعر أعلى
من قيمتها وبذلك يتحقق
ربح إضافي آخر من استغلال هذه الحاجة .
وقد تباع سلعة بسعر أقل من قيمتها لقلة الطلب عليها ..
وبذلك ينخفض الربح الناجم عن بيعها ..
فصاحب المصنع يأخذ السلعة لبيعها في السوق وكل هدفه أن يبيعها
بما يعادل قيمتها لأنه بذلك يحقق الربح بعد أن حصل عليها بأقل من
قيمتها ولكن إذا كان الطلب على السلعة في تلك الفترة كبير
سيتمكن من رفع سعرها فوق القيمة لكسب ربح أكبر مستغلاً هذا الطلب .
أما إن كان الطلب على السلعة في تلك الفترة أقل من المعتاد فقد
يعرضها بسعر أقل من قيمتها وبذلك يستغني عن بعض الربح في سبيل
بيعها .
فالسعر قد يزيد وقد يقل عن قيمة السلعة على حسب العرض والطلب في
ظروف السوق في وقت ما .
ولكن وفي كل الحالات فالسعر يظل يدور حول القيمة ..
أعلى منها أحياناً وأقل منها أحياناً أخرى .
فالسعر لا يحدد القيمة .
لو كان السعر الذي يطلبه البائع هو الذي يحدد القيمة لطلب أي بائع
1000 غرام من الفضة أو حتى 1000 غرام من الذهب
كثمن لقلم رصاص .
لن يكترث أحد لشراء هذا القلم !
لأن قيمة القلم يحددها عدد ساعات العمل المبذولة في صنعه وليس
السعر الذي يعرضه البائع .
السعر فقط قد يرتفع فوق القيمة قليلاً أو تحت القيمة قليلاً على
حسب حاجة المستهلكين .. على حسب العرض والطلب .
ولهذا السبب قد تتباين بعض السلع والخدمات في أسعارها مع تساوي
قيمتها .
فالقيمة لا تتحدد إلا من خلال العمل .. إلا من خلال عدد ساعات
العمل .
والربح لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال استغلال ضعف العاملين
الذين ينتجون السلعة بدفع جزء من قيمة عملهم لا كامل القيمة ثم
ببيعها بعد ذلك في السوق بكامل قيمتها .
من المهم أن نذكّر القارئ هنا إننا عندما نقول أن الربح لا يقوم
إلا بالاستغلال فنحن هنا لا ندين أو نحكم على أحد ..
هذا ليس رأي..
هذا ليس حكم ..
هذا هو ما يحدث فعلياً على أرض الواقع ..
لا يهمنا هنا إطلاق أحكام أو التعبير عن آراء .. يهمنا هو أن نكشف
كيف يتحقق الربح وما هي حقيقته فعلياً ..
الربح لا يمكن أن يقوم إلا على استغلال ضعف فئة والحصول منها على
شيء ودفع جزء من قيمته .
هذه هي حقيقة الربح ولا يمكن رياضياً أن يُفسر الربح إلا بهذا
الشكل .
نذكّر بذلك لأننا نعلم أن النظام الاجتماعي القائم على الربح
متجذّر بشدة في الأنفس والعقول .. ومفهوم الربح لدينا يبدو بديهياً
وطبيعياً ومشروعاَ..
لهذا سيكون من الصادم معرفة أن الربح لا يقوم إلا على الاستغلال ..
ولكن هذا هو الواقع !
الربح لا يقوم إلا على الاستغلال ..
دفاع عن الربح والنظام القائم على الربح
ولكن ..
صاحب المصنع والمراكز الإنتاجية كان لهما دور هام في عملية الإنتاج
لذا هما يستحقان هذا الهامش من الربح .
فلولا توفيرهما لكل الاحتياجات التي يتطلبه الإنتاج .. ولولا
حرصهما ومتابعتهما ومراقبتهما لما حدثت عملية الإنتاج من الأصل ..
كما أن صاحب المصنع و المراكز الإنتاجية يتحملون مخاطرة كبيرة
لا يتحملها العاملين والموظفين لديهم ..
فقد لا يتمكن صاحب المصنع أو المركز الإنتاجي من بيع بضائعة في
السوق أما العمال فهم يحصلون على أجورهم بكل الأحوال .. وهي مخاطرة
كبيرة يستحق بسببها صاحب المصنع والمركز الإنتاجي هذا الهامش من
الربح عليه .
لكل هذه الأسباب يمكن اعتبار أن العملية الإنتاجية هي شراكة بين
العاملين والموظفين وبين أصحاب العمل..
يستفيد العاملون من الأجر
ويستفيد أصحاب العمل من الربح .
لذا فالربح لا يقوم على الاستغلال بل يقوم على الشراكة .
لقد قيل ذلك من قبل .. وما يزال يقال حتى الآن !
وهذه المبررات بالذات هي التي تستخدم للدفاع عن النظام
الاجتماعي القائم على الربح باعتبار أن الربح لا يقوم على
الاستغلال بل على الشراكة بين العاملين وأصحاب العمل ..
استغلال وليس شراكة .
هذه الشراكة تبدو ناجحة ومفيدة للجميع كما حدث في أوروبا الغربية
في مرحلة انتشار النظام الاجتماعي ..
فقد تمكنت الشركات والمراكز الإنتاجية فيها من التوسع والحصول على
الأرباح وفي نفس الوقت كانت الأجور التي تعطى للعاملين و الموظفين
مرتفعه مما ساهم في رفع مستوى المعيشة العام لكامل أفراد المجتمع
الأوروبي والأمريكي والياباني .
لهذا كانت يبدو الربح فعلاً كشراكة بين العاملين وأصحاب العمل
فالجميع كان يستفيد من هذا النظام .. العمال وأصحاب العمل .
ولكن كما ذكرنا فإن هذا لم يحدث إلا في فترة انتشار وشباب هذا
النظام
.. فالإفقار لم يطال العاملين والموظفين في هذه المجتمعات
لأن الإفقار كان يتم على حساب الأمم الأخرى المستعَمرة والتي
تحملته صاغرة .
لقد كان الاستغلال و الظلم يحدث .. ولكنه كان يحدث لأمم أخرى وليس
للشعوب الغربية لهذا كان يبدو داخل الدول الغربية أنه لا يوجد
استغلال بل هي شراكة يستفيد منها الجميع ..
وقد كان يحدث ذلك كما أوضحنا في فترة شباب وانتشار هذا النظام ..
أما الآن وبعد انتشار النظام في كافة أرجاء العالم ووصوله لتخوم
حدوده القصوى فإن ذلك لن يستمر وسيشمل جميع المجتمعات .. لماذا ؟
لأن النظام هو نظام استغلال وليس نظام شراكة .. هذا هو جوهره .
آليات النظام نفسها لا تسمح أن تستمر هذه الفترة الإيجابية .. بسبب
التنافس .
التنافس على الربح بين المراكز الإنتاجية يفرض عليها جميعاً تقليل
كلف الإنتاج وفي نفس الوقت تحقيق الربح ..
وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا بمزيد من الضغط على العاملين والموظفين
في المراكز الإنتاجية ..
فإذا كانت هذه المراكز الإنتاجية تدفع فقط نصف قيمة ساعات العمل في
السابق فهي مجبرة الآن لدفع ثلث هذه القيمة .. ثم ربع هذه القيمة
.. ثم عُشر هذه القيمة ..الخ
فقد يكون دفع نصف قيمة ساعات العمل للعاملين والموظفين
كافياً لأن يوفر لهم عيشاً كريماً ولكن هذا
لا يمكن أن يستمر .. فالتنافس سيفرض على أصحاب العمل تخفيض
أسعار منتجاتهم وفي نفس الوقت الحفاظ على الربح ..
لذا فهم الآن سيدفعون ثلث قيمة العمل ..
من يفعل ذلك يستطيع أن يعرض سلعه في السوق بسعر أقل وبذلك
يكتسب المزيد من حصة السوق وينتصر في المنافسة .. لذا ستضطر جميع
مراكز الإنتاج لفعل نفس الشيء وتخفيض ما تدفعه للعاملين ..
وبفعل هذا التنافس سيضطر أصحاب العمل
بعد ذلك لدفع ربع قيمة ساعات العمل .. ثم
عّشر قيمة ساعات العمل ..
ودفع ربع أو عُشر قيمة العمل قد لا يكون كافياً ليتمكن
العاملون والموظفون من توفير الحاجات الأساسية لهم ولعائلاتهم ..
لا يهم ..
ما يهم هو تخفيض قيمة السلعة والحفاظ على الربح في نفس
الوقت وليذهب هؤلاء للجحيم !
وهكذا فالمنافسة ستجبر المراكز الإنتاجية على تخفيض ما
تدفعه للعاملين لديها أكثر وأكثر .
وعلى العاملين والموظفين القبول بذلك مرغمين .. من لا
يقبل يتم طرده لأن عمله لن يحقق الربح .
وهذا نفسه الذي نعنيه عندما نتحدث عن تخفيض كُلف الإنتاج
.. فتخفيض كلفة الإنتاج تعني دفع نسبة أقل من قيمة العمل وتزداد
انخفاضاً بشكل مستمر .
التنافس بين المنتجين هو الذي يفرض ذلك .
تكون النتيجة هي مزيد من الإفقار ..
فهذا النظام لا يمكن أن يعيش ويستمر إلا من خلال المزيد من
الإفقار والذي يطال بعد كل أزمة اقتصادية عدداً أكبر من أفراد
المجتمع .
كل الفقر والمرض والجوع والحروب في عالمنا وما يترتب عليها
من مآسي هي بسبب هذا النظام القائم على الربح .
في المرحلة التي نعيشها الآن فالجميع يشعر بآثار هذا الضغط من خلال
الظروف الاقتصادية الصعبة التي يواجهها المزيد و المزيد من فئات
المجتمع ..
من خلال البطالة .. الغلاء .. عدم القدرة على المحافظة على نفس
المستوى المعيشي .. الخ
فالغلاء يعني انخفاض القدرة الشرائية .. هذا هو معنى
الغلاء .
وانخفاض القدرة الشرائية لا يحدث إلا بسبب انخفاض الدخل
الذي يسببه دفع نسبة تقل دوماً من قيمة العمل .
لو لم تقل النسبة التي يدفعها أصحاب العمل والحكومات
للعاملين والموظفين لما شعر أحد بالغلاء !
فنظامنا الاجتماعي القائم على الربح والمنافسة في تحقيق الربح يفرض بحكم
آليات عمله .. يفرض بحكم طبيعته مزيد من الإفقار .
وهو أمر لا يمكن الخلاص منه إلا بالخلاص من شرط الربح .
فالشراكة الناجحة التي حدثت في الدول الأوروبية حدثت فقط في مرحلة
من مراحل انتشار النظام استفادت منها الشعوب الأوروبية .
هذه المرحلة انتهت الآن .. أو هي قريبة جداً من الانتهاء .
هنا فقط تظهر حقيقة النظام ويظهر جوهرة القائم على الاستغلال والذي
كان خفياً قبل ذلك .
ولهذا السبب لا يمكن إصلاح النظام ..
بل لابد من هدمه وبناء نظام جديد لا
يقوم على الربح .
والذي يظن إنه من خلال الإجراءات الحكومية قادر على الحفاظ على
النظام في مرحلة الشراكة المفيدة للجميع هو واهم .
فقد يعتقد البعض إنه يمكن من خلال الإجراءات الحكومية أن تُفرض
حدود دنيا للأجور تسمح بأن تحقق المراكز الإنتاجية الربح وفي نفس
الوقت يتمكن العاملون والموظفون من الحصول على دخل كاف لحياة كريمة
تكفل مستوى معيشي مقبول لهم .
إن هذا لا يمكن أن يحدث كما ذكرنا !
فالمراكز الإنتاجية والشركات العملاقة تهيمن على كل مقدرات المجتمع
.. السياسية والثقافية فضلاً عن الاقتصادية ..
وهي لا تسمح نهائياً بتمرير هذه الإجراءات .
فليتم إجبارها إذاً على القبول !
لا يمكن ذلك .
لأن الشركات العملاقة والمراكز الإنتاجية الكبرى الآن لديها العالم
كله للعمل فيه .. وهي بذلك تبتز الحكومات والمجتمع بأسره .
فلو تمكنت دولة ما فعلاً من فرض هذه الإجراءات فإن هذه المراكز
ستنقل نشاطها إلى دول أخرى .
"لا يمكننا أن نحقق الربح بوجود هذه الإجراءات لذا سننقل إنتاجنا
إلى الخارج "..
هكذا تبتز الشركات العملاقة والمراكز الإنتاجية العملاقة الحكومات
والدول وشعوبها .
وهو ما يحدث فعلياً الآن في أوروبا والولايات المتحدة واليابان كما
ذكرنا .. فلم تعد الشركات العملاقة مستعدة الآن لتمويل المستوى
المعيشي العالي الذي يعيشه أفراد هذه المجتمعات .
وهي تفعل ذلك مجبرة أيضاً لأن آليات النظام تفرض عليها ذلك .
فمن لا ينقل نشاطه إلى الخارج سيتم هزمه بالمنافسة من قبل من يقوم
بذلك .
ولأن المراكز الإنتاجية لديها العالم بأسره .. ولأن العالم كله
يعمل من خلال قواعد هذا النظام فنجد أن الحكومات جميعاً تتنافس
بل تتسول هذه الشركات من أجل القبول في العمل فيها .
الجميع يقع تحت تأثير هذا النظام ..
الجميع خاضع لقواعد اللعبة .. والجميع يتحركون على أساس هذه
القواعد .
لقد علم أفراد المجتمع الممكن كل ذلك منذ القدم .
لهذا فقد اختاروا نظاماً اجتماعياً لا يقوم على أساس الربح بل يقوم
على الإنتاج على أساس تلبية الرغبات والحاجات .
الإنتاج في المجتمع الممكن .
في المجتمع الممكن لا يوجد استغلال لأنه لا يوجد ربح .
فالعاملون في المراكز الإنتاجية لديهم والذين يعملون 1000 ساعة عمل
في إنتاج سلعة ما يحصلون مقابلها على سلعة أخرى تعادل قيمتها 1000
ساعة عمل .
ولتوضيح الفارق بين نظامنا الاجتماعي ونظامهم نعود للمثال السابق
لنرى كيف تحدث العملية الإنتاجية في المجتمع الممكن ..
يوفر المركز الإنتاجي لديهم المواد الأولية من الأخشاب الخام والتي
قيمتها تساوي 100 ساعة عمل أي ما يعادل 100 غرام فضة .
العاملون في هذه المراكز الإنتاجية يضيفون قيمة أعلى على هذه
الأخشاب من خلال العمل المبذول لتحويلها لقطعة من الأثاث ..
هذه القيمة المضافة هي 200 ساعة عمل لأنها عدد الساعات التي يتطلب
بذلها لتحويل الخشب الخام لقطعة من الأثاث ..
200 ساعة عمل تساوي 200 غرام فضة .
وبالتالي ..
فإن قيمة قطعة الأثاث النهائي هي 300 غرام فضة ..
100 غرام قيمة الخشب الخام + 200 غرام القيمة المضافة على هذا
الخشب .
تماماً نفس القيمة في نظامنا الاجتماعي .
الفرق الآن هو أن نظامهم لا يقوم على الربح .. لا يوجد لديهم من
يفرض الربح كشرط لعملية الإنتاج .
لهذا هم يبادلون قطعة الأثاث بسلعة أخرى لها نفس القيمة ..300
غرام فضة ليحصلوا مقابلها مثلاً على كم من الخضار يعادل نفس
القيمة .
فكما ذكرنا التبادل يتم دائماً بتكافؤ القيم .
بحصولهم على الخضار التي تعادل قيمتها 300 غرام فضة يكونون بذلك
قد حصلوا على كامل قيمة قطعة الأثاث التي أنتجوها .. وكذلك
بالنسبة لمنتجي الخضار حصلوا على حقهم بالكامل .
لقد كانت صفقة عادلة للطرفين ..
لم يتم استغلال أحد فيها فكل طرف حصل على حقه كاملاً ..
ما نتيجة ذلك ؟
نتيجته أن كل من منتجي قطعة الأثاث ومنتجي الخضار انتفعوا من عمل
بعضهم البعض وحصلوا على احتياجاتهم دون أن يتم إفقار أحد .
ففي هذه الصفقة الجميع مستفيد ولا يوجد خاسر .
يحدث ذلك في كل العمليات الإنتاجية لكافة السلع والخدمات مهما كانت
أساسية أو كمالية أو رفاهية .
المركز الإنتاجي ينتج سلعة ما ثم يبادل إنتاجه مع الآخرين ويأخذ
الجميع حقه ويستفيد الجميع من عمل بعضهم البعض .
كل ذلك لأن نظامهم لا يقوم على الربح .. لقد تخلصوا من شرط الربح .
فالمركز الإنتاجي الذي يتخصص بإنتاج الأثاث ينتج لجميع أفراد
المجتمع .. والمركز الإنتاجي الذي ينتج الخضار ينتج لجميع أفراد
المجتمع ثم يتبادلون فيما بينهم ما أنتجوه بالعدل .
وكذلك الأمر لكافة العمليات الإنتاجية لكافة السلع والخدمات .
ولأن عدد أفراد المجتمع لديهم معروف .. فهم ينتجون كل شيء
بتخطيط مسبق .
فمنتج الأثاث ينتج كم من الأثاث على حسب الرغبات والحاجات التي
يعلمها مسبقاً بالقدر الذي يكفي كل أفراد المجتمع .. فإذا كان هناك
عشرة ملايين فرد في المجتمع يتم إنتاج عشرة ملايين قطعة أثاث لهم
كل حسب الشكل والتصميم الذي يرغبه .
ومنتج الخضار ينتج كم من الخضار يكفي لحاجة عشرة ملايين فرد تكفي
لإشباع حاجة كل أفراد المجتمع ..
ثم يتم التبادل فيما بينهم ..
وهذا ينطبق على كافة السلع والخدمات الأخرى .
هذا الإنتاج المخطط
يؤدي لتحقيق الوفرة وسد كل الرغبات والحاجات وفي نفس الوقت دون أن
يتم إنتاج شيء لا يستهلكه أحد مما يؤدي إلى توفير حكيم ورشيد
للموارد الطبيعية .
أما في نظامنا الاجتماعي يتم إنتاج كم غزير من السلع والخدمات على
أمل تحقيق الربح .. فإذا لم يتم البيع ولم يتحقق الربح يتم
إلقاء هذه السلع في البحر على الرغم وجود من يحتاج لها .
يحدث ذلك فعلياً في عالمنا الآن !
فالسلع لدينا إذا لم تحقق الربح يتم إلقاءها في البحر مهما كان
هناك من يحتاج لها .. وهذا يؤدي لاستنزاف أخرق للموارد الطبيعية
يترتب عليه تأثير مباشر على النظام الحيوي للأرض وما يترتب عليه من
آثار مدمرة ..
فلا تم سد حاجة المحتاجين لها .. ولا تم توفير لهذه الموارد .
وفي المجتمع الممكن يتم التبادل بين المراكز الإنتاجية دون الحاجة
لنقود أو أسواق كما نفهمها .. بل إنتاج مخطط تخطيطاً مسبقاً يتم
فيه تلبية كافة الرغبات والحاجات الأساسية والكمالية والرفاهية وفي
نفس الوقت الحفاظ على الموارد الطبيعية .
يحصل التبادل في مراكز استهلاكية ضخمة يحصل كل فرد على ما يريده
دون مقابل .
لا يتم إفقار أحد .. ولا ظلم أحد .. ولا استغلال ضعف أحد .
لا بطالة .. ولا جوع .. ولا حرمان .
الكل يعمل لمدة ثلاث ساعات في اليوم لأن في نظامهم الكل يعمل ..
فيتوزع العمل على الجميع وتكون النتيجة انخفاض عدد ساعات العمل
المطلوبة من كل فرد لإنتاج نفس الكم من السلع .
أما في نظامنا فالبعض لا يجد عملاً وفي نفس الوقت العاملون منا
يعملون لمدة 12 ساعة في اليوم ولا يجدون وقتاً للعيش حياة طبيعية
..
كل ذلك لأن شرط الربح يستدعي الاستغناء عن أكبر قدر من العاملين
لتوفير تكاليف الإنتاج والضغط بشدة على من تبقى في العمل لإنتاج
نفس الكمية .
هذا هو الفرق بين نظامنا الإنتاجي ونظامهم الإنتاجي .
نظامنا لا يقوم ولا يستمر إلا من خلال الاستغلال و الإفقار لأنه
يقوم على الربح .
نظامهم لا استغلال ولا إفقار فيه لأنه لا يقوم على الربح .
والنتيجة تكون واضحة وبيّنة بين المجتمعين ..
فقر.. ومرض .. وجوع .. وحروب .. وجريمة .. وحسرة .. وقلق
.. وغضب .. وظلم .. ومجتمع يستخرج أسوأ ما
في الإنسان لدينا .
وفرة .. وصحة .. وإشباع .. وسلام .. وبهجة .. وأمان ..
وسكينة .. وعدل .. ومجتمع يستخرج أفضل ما في
الإنسان لديهم .
مجتمعهم هو مجتمع الشراكة الحقيقية ..
فالشراكة لا يمكن أن تتم إلا من خلال التراضي الكامل الناتج عن
العدل الكامل .
ومجتمعهم هو مجتمع التعاون الحقيقي ..
لأن التعاون لا يمكن أن يتم إلا من خلال استفادة الجميع من عمل
الجميع دون أن يُظلم أحد .
كل هذا الفارق الهائل الذي يمكن تخيل بعضه ولا يمكن تخيل بعضه
الآخر سببه فارق واحد ..
النظام الاجتماعي .
يُطرح هنا سؤال هام ..
لماذا ؟
لماذا إننا لم نختر أن يكون نظامنا الاجتماعي شبيه بنظامهم
الاجتماعي ؟
لماذا لم نختر أن نتخلى عن شرط الربح منذ البداية ؟ وبذلك كنا قد
جنبنا أنفسنا كل هذا الشقاء ؟
لأننا لم نختر نظامنا الاجتماعي ولم نتفق عليه عن قصد بل إننا
ورثناه عن أنظمة سابقة ..
فنظامنا الاجتماعي القائم على الربح هو امتداد لأنظمة اجتماعية
سبقته ..
في المواضيع السابقة تحدثنا عن كيفية نشوء نظامنا الحالي في غرب
أوروبا وكيف انتشر ..
في الموضوع التالي سنتحدث بإيجاز شديد عن كيفية وراثتنا هذا النظام
وكيف نشأت الأنظمة الاجتماعية الغابرة حتى وصلنا لنظامنا الحالي .
|
الرئيسية | المكتبة | اتصل بنا |