|
العالم كما هو عليه الآن - الإنتاج على أساس الربح
الأغلبية الغالبة من البشر لا ترى أي مشكلة في الربح ..
حيث ينظر للربح على أنه حق ..
وأنه حافز للعمل .. وثمرة للجد والاجتهاد والإنتاج .
فلماذا يقوم الإنسان بإنشاء أي مشروع زراعي أو صناعي أو تجاري إذا
لم يحقق من وراءه الربح ؟
وإذا لم يتمكن صاحب العمل من الحصول على الربح فكيف سيعيش ؟ وما
الذي سيدفعه لإنشاء مشروع أصلاً ؟
وإذا لم يكن هناك مشاريع فكيف سيكون هناك اقتصاد ؟
يبدو كل ذلك كحقائق بديهية في نظامنا الاجتماعي ..
وهي حقائق بديهية فعلاً في نظامنا الاجتماعي ..
فنظامنا الاقتصادي هو فعلاً قائم على الربح .
فعندما نقول أن نظامنا الاقتصادي يقوم على أساس الربح ..
فماذا نعني بذلك ؟
نعني بذلك إنه لا يمكن أن يتم إنتاج شيء مهما كان إلا إذا كانت
عمليه إنتاجه تحقق ربحاً ..
فلو كان هناك مشروع الدخل لديه من بيع منتجاته مثلاً 10 ملايين
والتكاليف عليه هي أيضاً 10 ملايين .. فلا فائدة من امتلاك هذا
المشروع !
لأنه لا يحقق ربحاً .
سيُعتبر أن هذا المشروع غير مجدي .. فاشل .
فالشخص الذي يمتلك مشروع كهذا وفي كل سنة تكون التكاليف تعادل
الدخل .. سيقوم بإغلاق هذا المشروع لأنه لا يستفيد منه شيئاً ..
فعلى الرغم من أن هذا المشروع يعمل وينتج سلعة مفيدة وهامة
وهناك المئات من الأجراء يعتاشون من العمل فيه .. على الرغم
من ذلك سيتم إغلاقه .
لأن الدافع الأساسي لعملية الإنتاج هو تحقيق الربح ..
وطالما أن هذا المشروع لا يحقق ربحاً فلا يوجد ما يدفع للاستمرار
به .. سيتم إغلاقه .
ما الذي يترتب على هذا الإغلاق ؟
سيفقد الناس سلعة مفيدة وهامة كانت تنتج من قِبل هذا المشروع ..
وسيفقد الموظفون والعمال والأجراء وكل من يعمل في هذا المشروع
عملهم .. وسيفقدون الأجر الذي يحصلوا عليه نتيجة لهذا العمل ..
وستفقد الحكومة الضرائب والرسوم التي كانت تحصل عليها من هذا
المشروع .. وبذلك سيقل الدخل الحكومي من جراء هذا الإغلاق .
هناك ضرر كبير سيترتب على هذا الإغلاق سيتأثر به عدد كبير من الناس
.
وعلى الرغم من هذا الضرر فإن إغلاق المشروع يبدو هو الحل الوحيد
الممكن ..
وفي الحقيقة فإن هناك الكثير من المشاريع تغلق يومياً لأنها لا
تحقق ربحاً ..
لا مشكلة حتى الآن ..
فالمشروع الذي تم إغلاقه سيقوم مكانه مشروع آخر سينتج نفس السلعة
..
وسيعود الموظفون والعمال للعمل في هذا المشروع الجديد ..
وستسترد الحكومة ما خسرته من ضرائب ورسوم بتحصيلها من المشروع
الجديد .
ولكن ..
المشروع الجديد هو أيضاً لا بد له من تحقيق الأرباح .. لأنه إن لم
يحقق أرباحاً سيُغلق كسابقه !
إذاً لا بد من تحقيق الربح للاستمرار في الإنتاج ..
فكيف سيتمكن هذا المشروع من تحقيق أرباح ؟
لا يوجد حل إلا بتخفيض التكاليف .
ولكي تُخفض التكاليف سيقوم أصحاب المشروع بالتخلص من نسبة من
العمال و الموظفين أو بتحسين طُرق الإنتاج كاستخدام آلات ومعدات
جديدة لا تحتاج للكثير من الطاقة أو لا تحتاج للكثير من العمال
والموظفين لتشغيلها والكثير من الإجراءات الأخرى .
عندما يتمكن المشروع من تخفيض التكاليف سيتحقق الربح وسيستمر
المشروع .
فمثلاً ستصبح تكاليف المشروع نتيجة للإجراءات الجديدة 9 ملايين
والدخل الناجم من بيع إنتاجه هو 10 ملايين وبذلك يتحقق ربح يعادل
مليون .
بهذه الطريقة وعلى هذا الأساس يعمل نظامنا الاقتصادي حتى الآن .
وكل الدول في عصرنا الحالي يقوم نظامها على هذا الأساس ..
وفي الحقيقة فإن الحكومات في كل دول العالم حالياً تتنافس على جلب
المستثمرين لإنشاء مشاريع لديها وتتسابق في توفير البيئة والظروف
المناسبة لتكون المشاريع التي ستنشأ فيها قابلة لتحقيق أكبر قدر
ممكن من الأرباح ..
حضارتنا الحالية و كل ما فيها من سلع وخدمات لا حصر لها تقوم على
أساس هذا النمط .
الربح يدفع أصحاب المشاريع لإنشاء مشاريع ..
وهو يدفعهم للعمل والسعي المستمر في التطوير والابتكار والاختراع
لتوفير سلع وخدمات جديدة أو تحسين القديمة منها وتطويرها .
نتيجة لهذا النمط في الإنتاج يحقق أصحاب الأعمال الكثير من الأرباح
ويتمكن الملايين من البشر العثور على فرص عمل وتتمكن الحكومات من
تحصيل الكثير من المداخيل على شكل ضرائب وجمارك ورسوم وغيرها وهي
تستخدم هذه المداخيل للقيام بمهامها وإنجاز خدماتها ودفع رواتب
وأجور موظفيها .
نظامنا الحالي هو هكذا ..
نظامنا الحالي القائم على الربح هو النظام الرأسمالي وقد بدأ هذا
النظام بالنشوء منذ ثلاث قرون تقريباً
وقد كانت منافعه تفوق مساوءه .. وهو مقبول من قبل الجميع .
لقد كان لهذا النظام دور وأهمية كبيرة في حضارتنا الإنسانية ..
لقد ساهم هذا النظام في تطوير حضارتنا وتقدمها بخطوات جبارة نحو
الأمام ..
يكفي أن نقارن حضارتنا الآن بما كانت عليه قبل ثلاث قرون لنعلم
الدور الذي قام به هذا النظام في تقدمنا
منافع النظام الحالي
الكهرباء .. المحركات وكل ما يقوم على أساسها من أجهزة وآليات لا
تعد ولا تحصى كالطائرات والسيارات والمعدات الثقيلة .. ووسائل
النقل والاتصال .. الأجهزة الاليكترونية .. التلفزيون .. الراديو
.. الهاتف .. الكمبيوتر والإنترنت الخ
كلها اكتشافات واختراعات بالغة الأهمية وكل منها له دور محوري في
حياة جميع سكان الأرض وعلى مختلف المستويات الثقافية والاقتصادية
والاجتماعية ..
كل هذا التحول الباهر حدث نتيجة لطريقة النظام في العمل وحافز
الربح الذي كان دافعاً أساسياً في التطور والتقدم والإبداع
والابتكار ..
المدن الحديثة .. الطرق التي تربط قارات بأكملها .. سكك القطارات
.. خطوط الملاحة ..
التطور الصناعي .. التطور الزراعي .. انتشار التعليم .. تطور
العلاج ..
التقدم العلمي الباهر في فهم الكون وقوانين العالم المحيط بنا وما
يترتب على ذلك من مزيد من الاختراع والابتكار وحل الكثير من
المشاكل والمصاعب التي تواجه حياة الإنسان ..
مستوى الحياة المرتفع المتاح
..
نحن نأكل الآن ما كان لا يأكله إلا الملوك والأمراء .. ونسكن
بمنازل يتوفر بها كل أسباب الراحة والرفاه ..
الكثير من الأعمال الشاقة بل والمستحيلة أصبحت الآن ممكنة بفضل
الآليات الثقيلة التي تشق الجبال وتحفر الأرض وتبني الأنفاق ..
انتشار التعليم .. والانفجار الثقافي .. والتخلص من كل آثار
المعتقدات الخاطئة السابقة ..
انتشار قيم الحرية والعدالة .. والمشاركة في السلطة .. وحقوق
الإنسان ..
نعم .. لقد نشأ هذا النظام منذ ثلاث قرون وقد بدأت آثاره وثماره
بالنمو تدريجياً ..
وخلال المائة عام الماضية أعطت هذه الثمار أُكلها على أكمل وجه
وحدث ما يشبه الانفجار في كافة مناحي الحياة ..
وعلى كافة المستويات .. الاقتصادية والسياسية والثقافية
والاجتماعية ..
الحرية في العمل .. الربح .. المنافسة في الإنتاج .. كلها أسس
نظامنا الاقتصادي الحالي فكيف يمكن الحديث عن مساوئ هذا النظام ؟
إذا كان خلال مجرد قرنين من الزمان تمكنّا من إنجاز كل ذلك .. فما
الذي يمكن إنجازه خلال قرنين آخرين وأكثر ؟
كيف يمكن مجرد الحديث عن خلل النظام فضلاً عن حتمية انهياره ؟
السبب في ذلك أن هذا النظام وصل لحدوده القصوى ..
لقد أعطى هذا النظام كل ما لديه ..
لقد استُنزف وانتهت صلاحيته !
نعم ..
لهذا النظام دور بالغ الأهمية في كل ما ذكرنا .. ولقد أدى دوره
فعلاً .
كل ما لدينا الآن هو نتيجة لهذا النظام .. لا يمكن إنكار ذلك .
ولكن ..
كون أن هناك شيء يعمل بشكل جيد خلال فترة من الوقت لا يعني إنه
سيستمر في العمل إلى ما لا نهاية !
عندما تعمل مركبة ما بشكل جيد علينا بالاستمرار في استخدامها حتى
لو كان بها بعض العيوب .. ولكن عندما تُستنزف هذه المركبة وتكُثر
عيوبها وأعطالها فلابد من التخلص منها واستبدالها بغيرها .
هذا النظام لا يمكن أن يستمر ..
لأن استمراره بعد أن وصل لحدوده القصوى لن يؤدي إلا إلى المزيد من
الخراب والدمار .. وهو ما سنوضحه لاحقاً ..
واستمراره بعد أن وصل لحدوده القصوى سيؤدي إلى إفقار المزيد
والمزيد من البشر حتى ينتهي الأمر بأن الأغلبية الغالبة من البشر
يتحولون إلى فقراء معدمين غير قادرين على توفير أدنى متطلبات
الحياة ..
لن ينجو أحد .. الجميع سيتم إفقاره شيئاً فشيئاً ..
وهو ما يحدث الآن فعلياً ..
وحتى لو قبلنا بهذا الخراب والدمار فإن هذا النظام سيتوقف حتماً ..
لن يتمكن من الاستمرار ..
لماذا؟
لأنه قائم على أساس خاطئ ..
ولا يمكن استمرار شيء قائم على أساس خاطئ .
فالبناية القائمة على أساس ضعيف و خاطئ .. ستنهار حتماً .
قد تستمر هذه البناية في أداء وظيفتها لبضعة أشهر وحتى لبضعة سنين
.. ولكنها حتماً ستنهار لأن أساسها ضعيف وخاطئ .
وكذلك الأمر في هذا النظام الاقتصادي .. سينهار حتماً ..
لماذا ؟
لأن أساسه قائم على التنافس في الاستغلال .. وهذا أساس خاطئ .
نعم لقد كان لهذا النظام منافعه وفوائده ولكن تاريخه لم يكن ناصع
البياض !
ولم يخلو من العيوب الفادحة ..
هناك أمم أبيدت .. وأمم نُهبت .. وشعوب استعبدت ..
في هذا النظام تم شن أكبر وأشرس الحروب وأكثرها دموية ودماراً ..
هناك شعوب بأسرها كُتب عليها الفقر والضياع والتخلف والحرمان بفعل
هذا النظام ..
هناك ثروات سُرقت .. وآمال لشعوب حُطّمت ..
سينهار ليس فقط لأنه غير أخلاقي .. فلا أحد يكترث للأخلاق !
بل سينهار لأنه وصل إلى حدوده القصوى ولم يعد هناك من نفع يقدمه ..
فكل شيء ينبني على أساس خاطئ لا بد أن يصل لحد ويتوقف عنده .
سينهار هذا النظام لأنه
غير عملي ..
لأنه غير ناجح .. غير مجدي ..
لأنه ضار .. ولن يتوّلد منه إلا الضرر ..
سينهار هذا النظام لأنه وصل لحدوده القصوى .. ولن يتمكن بعدها من
الاستمرار .
إذا استمر هذا النظام ستتزايد الأزمات الاقتصادية وستتسارع ..
وكل أزمة اقتصادية ستكون أشد مما قبلها ..
مع كل أزمة اقتصادية سيفتقر الملايين من البشر .. وستصبح فرص العمل
مستحيلة ..
وسيستمر ذلك إلى أن يتوقف النشاط الاقتصادي بالكامل ..
سيصاب النشاط الاقتصادي بالشلل التام .. وسيتوقف الإنتاج ..
وسيتحول الأغلبية الغالبة من البشر لفقراء معدمين .
وسيترتب على ذلك الفقر و المرض والجريمة والحزن و الحسرة و الكآبة
..
ستنهار القيم وسيتفسخ المجتمع .. لأن الجميع سيقاتل الجميع من أجل
رغيف الخبز ..
وستنهار حضارتنا وستتحول مدننا إلى مدن أشباح ..
وسيصبح الأغلبية الغالبة من البشر أشبه بالأموات الأحياء .
سيحدث ذلك لا محالة إذا استمر هذا النظام.. لماذا؟
لأن النظام نفسه يوّلد الأسباب التي تؤدي لدماره .
فكيف سيحدث ذلك ؟ |
الرئيسية | المكتبة | اتصل بنا |