" أكبر من أي كبير نتصور ..
وأصغر حتى من ذرة الهبَاب ..
فابحث عنه في أعماق ذاتك ..
ليكن الأوبانيشاد قوسك .. والعقل سهمك
..
والأحاسيس وتراً لك ..
شد وترك .. وصوّب نحو براهمان ..
هدفك الوحيد . أوبانيشاد |
التقنيات الحرّة .
مدخل
كما قلنا في الموضوع السابق فإن السالك يمارس التقنيات المقيّدة بجلسة ويأخذ
الالتزام بها على أقصى درجات الجدية والانضباط ..
جلسة الممارسة كما قلنا قد تكون في حدود الساعة
.. ساعة يمضيها السالك
يومياً للانتباه إلى داخل ذاته محاولاً اختراق طبقات الوعي التي
تغلف وعيه وبقصد اختراق الشبكة الوهمية ومشاهدة الواقع الفعلي
المخفي وراءها ..
ينتهي السالك من الجلسة ثم بعدها يعود السالك لحياته المعتادة ..
يستيقظ في الصباح ويذهب للعمل .. يواجه الكثير من الناس .. والكثير من
الأحداث .. مشاكل .. متطلبات .. مسؤوليات ..ضغوطات .. رتابة .. ملل
.. الخ
يحاول هذا السالك أن يخفف من كل ذلك بأوقات للترفيه .. زيارات .. قراءات ..
رياضة .. تجوال .. أسواق .. تلفاز .. الخ
كل ذلك هو جزء من الشبكة ..
وكل شيء في الشبكة يعمل دائماً من اجل الحفاظ على بقاء كل من فيها بداخلها
.. بل ويعمل على منع مجرد التفكير أن هناك شيء خارجها ..
إن هذا شيء لا يأتي بقصد أو نية ممن في الشبكة .. بل هي
طبيعة الشبكة نفسها ..
الشبكة هي أشبه بالأرض التي لها جاذبية قوية تمنع كل من
عليها من الانفلات منها ..
وكما ذكرنا في رسالة الخروج إلى الداخل فأنه وبالإضافة لطبيعة الشبكة هذه
فهناك أيضاً من هو بوعي ونية مسبقة يسعى
لإبقاء من فيها مسجونون بها .. وهي كائنات واعية وعاقلة من
خارج هذا العالم .. وهذه حقيقة مؤكدة سيختبرها السالك في مراحل
متقدمة ..
هذه الكائنات هي التي تسمى في أغلب الثقافات بالشياطين ..
وهم حرّاس الشبكة .. سنتحدث عن ذلك لاحقاً
ما يهمنا أن يفهمه القارئ هنا أن الشبكة .. الحياة .. الدنيا .. تعمل بشكل
أو بآخر على منع السالك من الخروج منها واكتشاف الواقع الأكبر
الموجود وراءها .. والذي هو موجود معنا هنا والآن ..
فالسالك الساعي لاختراق الشبكة و اختبار الواقع الفعلي معرض دائماً للنسيان
.. وللإلهاء .. وللتململ .. وللابتعاد عن كل فكرة أو ممارسة تهدف
لتحقيق هذا الهدف العظيم والذي سيحرره من المعاناة التي توجد داخل
الشبكة والحدود والقيود التي تتولد منها ومن طبيعتها ..
عشرات الأفكار والأشخاص والدوافع والمتطلبات التي تتلاحق على السالك وتأثر
عليه لنسيان وإهمال هدفه ..
ولقد تحدثنا عن ذلك بالتفصيل في رسالة الخروج إلى الداخل ..
والسالك نفسه سيكتشف ذلك بعد فترة وجيزة من بداية ممارسته لجلسات التمارين
..
سيجد انه وبعد الانتهاء منها ثم العودة للحياة المعتادة
وما بها وما فيها سيعود بسرعة ليغرق مرة أخرى في أمواج هذه الشبكة
الرهيبة ..
وحتى لو اعتاد الممارسة واعتاد هذه الجلسات .. ستتحول هذه الجلسات تدريجياً
لمهمة باهتة .. مملة .. وستصبح عبئاً ثقيلاً عليه سيعمل على تخفيفه
تدريجياً .. ثم التوقف عنه نهائياً ..
لن يعود السالك سالكاً على طريق الحكمة .. سيعود للشبكة وسيغرق فيها مرة
أخرى ..
وهذا كما ذكرنا أمر سيكتشفه السالك بنفسه مع بداية الممارسة ..
وهو الخطر الأكبر الذي يحذر الحكماء منه السالكين ..
حتى لو قمتم بهذه الجلسات وبهذه الممارسات واكتفيتم بها فأنتم في عرضة تامة
للعودة والوقوع في حبائل الشبكة التي نعرفها جيداً .. الخطر المحيق
بكم عظيم .. هكذا يقول الحكماء للسالكين ..
فما الحل ؟
الحل يكون في الممارسة المتواصلة .. وهي التقنيات العامة
التي يوصي بها الحكماء السالكين لممارستها طوال الوقت .
وهنا تأتي أهمية التقنيات التي لا تتطلب جلسات .
الحكمة ومحور الحياة ..
نريد أن نؤكد للقارئ الذي وصل معنا حتى هذه المرحلة على حقيقة لا يمكن
إخفاءها ..
ونريد أن نؤكد لمن يسعى من هؤلاء القراء بصدق لأن يسير فعلاً على طريق
الحكمة بعد أن فهمه وبعد أن علم أهميته له ..
وهي حقيقة لا مجال لإخفائها .. ولا مجال للتخفيف منها ..
نقول ونوجّه بصدق وبحزم للسالك الساعي لاختراق الشبكة واكتشاف الواقع الكلي
الذي يوجد معنا هنا والآن الآتي ..
لا يمكن أن يتحقق هذا الهدف دون أن يتحول هذا الهدف إلى
أساس ومحور لحياة السالك .
الهدف الذي يسعى له السالك هو الهدف الأعظم .. وهذا الهدف لا يتحقق إلا بعد
أن يكون محور لحياة السالك .
فماذا نقصد بمحور حياة السالك ؟
أي أن يكون هذا الهدف هو أساس ومعيار كل شيء يفعله السالك
.
فما هو محور الحياة عند بقية البشر ؟
أغلب البشر في عالمنا الحالي محور الحياة لديهم يدور حول الرزق .. الثراء
وجمع المقتنيات ..
كل شيء في حياتهم يفعلونه من أجل هذا الهدف .. وكل شيء في حياتهم يتأثر بسبب
هذا الهدف ..
عندما يجد أحدهم عملاً أفضل يجني منه مالاً أكبر في مكان آخر وبلد آخر ..
ينتقل لهذا البلد ويغير من حياته ومن كل من يحيط به ..
عندما يجد أن علاقته بإنسان ما ستقف عائقاً أمام هدفه
.. تتغير علاقته بهذا
الإنسان وتتحول من الحب إلى الكراهية .. ثم القطيعة ..
وهكذا ..
كل شيء يفعله وكل شيء في حياته يتأثر بهدف الثراء .. فالثراء هو محور
حياته ..
وكذلك الأمر لمن يكون محور حياته هي السلطة .. أو الشهرة .. الخ
سيصبح هذا الهدف هو الأساس الذي تدور حياته حوله .
وكما تحدثنا في الرسالة عند الحديث عن المعاناة فإن كل هذه الأهداف لا يمكن
أن تدوم .. ومن هنا تأتي الحكمة وطريقها ..
ما نريد أن نقوله للسالك الساعي بصدق للوصول إلى هدف
اختراق الشبكة واكتشاف الواقع الفعلي أنه لابد أن يصبح هذا الهدف
هو محور حياة هذا السالك وأساس ومعيار كل شيء يفعله .
نعم .. الإلتزام بجلسات الممارسة هو أمر ضروري ومفيد كل الفائدة ..
ولكن هذه الجلسات نفسها ستبهت .. وستتحول إلى مجرد أداء آلي ومبرمج .. ومهمة
ثقيلة على النفس عندما لا يكون اختراق الشبكة هو الهدف الأعلى لهذا
السالك ..
فعندما يقول الحكماء للسالكين أن الحكمة وطريقها لابد أن
تكون هي محور حياتهم فهم لا يطالبوننا بما لا نطيق .. إن هذه طبيعة
الأشياء !
من يريد تحقيق هدف كبير وعظيم .. فعليه ببذل كل الجهد والوقت لتحقيق هدفه ..
وعليه أن يجعله أمام عينيه دائماُ .. وألا لا ينساه أو يفتر عنه ..
وإلا لن يتحقق شيء بكل بساطة ..
فالمرء يدرس ويجتهد لسنوات طويلة للحصول على شهادة ما .. ثم يمارس في مهنته
سنوات عديدة أخرى .. كل ذلك للوصول لمستوى ما من النجاح يريده
ويسعى له ..
وهو يجعل هذا الهدف أمام عينيه طوال الوقت ..
يبذل الجهد من أجله .. يضحي من أجله .. يفكر من أجله ..
يقلق من أجله .. يحزن عندما يبتعد عنه .. يفرح عندما يقترب منه ..
ولهذا يصل إليه .
فما الحال عندما يكون الهدف الذي يسعى له السالك هو الهدف
الأعظم الذي لا يعلوه هدف كائناً ما كان ؟!!
لهذا السبب ولطبيعة الشبكة التي تتسبب في جذب السالكين نحوها .. وحرف من
يريد الانفلات منها عن طريقه يحث الحكماء السالكين للقيام بممارسة
تقنيات طوال الوقت .. وهي التقنيات الحرة التي لا تتطلب جلسة .
الغرض منها إبقاء شعلة الرغبة مشتعلة في نفس السالك ..
التذكير .. الحث .. شحذ الحماس .. إيقاد العزم .. والبقاء على
الطريق الصحيح .
التقنيات الحرة
هي مجموعة من السلوكيات والممارسات التي على السالك أن
يداوم عليها ويحافظ عليها لتحقيق الهدف من الممارسات .. وهي تقنيات
ليس لها جلسة أو وقت محدد .
قد يغري كون هذه التقنيات حرة وليس لها وقت محدد التراخي
فيها .. أو تأجيلها ثم نسيانها ..
التقنيات الحرة لها أهمية تفوق أهمية التقنيات المقيّدة
..
لذا من الضروري أن يراقب السالك ويتأكد أنه حريص على
ممارسة هذه التقنيات .
من حسن الحظ فإن هذه التقنيات هي قريبة من نفس السالك المبتدئ وهو بالمجمل
معتاد عليها بحكم الضرورة .
السبب في ذلك انه لا يسعى أحد لأن يلتفت للحكمة ومعناها فضلاً على أن يقرر
السير على طريقها إلا بعد أن يكون قد وصل لسن نضج النفس ..
فقد ذكرنا في الرسالة أن طريق الحكمة لا يمكن ان يكون إلا لمن وصل عمر النفس
لديه إلى مستوى النضج أو قريب منه ..
وعمر النضج بحكم طبيعته الخاصة معتاد على هذه السلوكيات
والممارسات بشكل عام ..
الفارق بين الناضج الذي يمارس هذه التقنيات بحكم طبيعته وبين السالك الذي
يمارسها بحكم هدفه هو فارق في الدرجة والوعي ..
فالناضج يمارس هذه التقنيات دون أن يعلم هو بنفسه لما هو منجذب لها .. وكما
قلنا هناك فكثيراً ما يعاني بسبب ذلك ..
أما السالك الذي تعلم طريق الحكمة فهو يمارسها بوعي ومعرفة .. هو يعلم ما
يفعل .. ولماذا يفعله .. وهذا ما سيؤدي به إلى الفوز بمنافع هذه
الممارسات وقوتها ..
الناضج يمارس التقنيات ولكنه مشتت وضائع .. السالك يمارس
التقنيات وهو واثق وواعي ..
فما هي هذه التقنيات ؟
هناك الكثير والكثير من النصائح والإرشادات التي توجهها مدارس الحكمة
للسالكين وتختلف في درجاتها من الشدة والمرونة ..
ننصح نحن بالممارسات التالية :
التذكر الدائم .. للشبكة وللهدف من اختراقها والسبب
للقيام بذلك .
التعلم الدائم .. ومحاولة الفهم في كتب الحكمة .. وفي كل
مناحي المعرفة .
مراقبة النفس وتصفيتها من العوائق التي تحجب الواقع .
التفكر الدائم .. التفكر المتواصل في الحياة وفي الأسئلة
الكبرى .
التفريغ والتنفيس النفسي .
مصاحبة المهتمين بطريق الحكمة والابتعاد عن الجهلاء .
هذه الممارسات تتداخل فيما بينها .. تكمل بعضها البعض ..
وتقوّي بعضها البعض ..
سنتحدث بشيء من التفصيل عن هذه التقنيات حتى يتبين للسالك
ماهيتها .. ودورها في إحداث التغيير على كيانه كله .. وعلى إحداث
التحويل الكامل لشخصيته ..
وليأخذ السالك فكرة عن كيفية القيام بها ..
لنبدأ الآن بالتذكر الدائم .. |
الرئيسية | المكتبة | اتصل بنا |