|
خاتمة
لا شك أنه تبين لنا من خلال كل ما ذكرناه عن طريق الحكمة وممارسة تقنياتها
إن السير على طريق الحكمة هو عملية تغيير جذري وكامل في صميم
كيان السالك ..
في الفكر .. في النفس .. في الأخلاق .. وفي السلوك ..
في النظر إلى النفس والعالم .. وفي تغيير الأهداف والطموحات والتوجهات ..
هي عملية تحوّل كامل للسالك ..
لا يمكن للسالك الذي قطع شوطاً لبضعة سنوات على طريق
الحكمة أن يكون هو نفس الإنسان الذي بدأ الرحلة ..
يتوقف السالك بعد بضعة سنوات من الممارسة لينظر إلى نفسه
كيف كان قبل ذلك .. لن يعرف نفسه !
سينظر لذاك الإنسان وسيتعجب كيف كان .. وكيف أصبح ..
وكيف قفز قفزات هائلة خلال بضعة سنوات من الممارسة ..
تطور فكرة .. واتسعت مداركه .. وتغيرت أفكاره .. وتبدلت
أولوياته .. وتقوت شخصيته .. وزادت ثقته بنفسه وبالعالم ..
وتخطى الكثير من الحدود التي طالما قهرته وحبسته في قمقم
لا مخرج له ..
وتخلص من الكثير من الهموم التي طالما أثقلت صدره ..
والمخاوف التي طالما أقلقت منامه ..
والتي تبين له الآن إنها لم تكن سوى ظلال ..
وكل هذا بطبيعة الحال سينعكس على تغّير في حياة السالك العملية .. وعلى
حالته الذهنية والنفسية .. وعلى مهاراته الاجتماعية .. وعلى قدراته
العملية ..
وهو لا شك وكما ذكرنا سيفجر فيه طاقات .. وملَكات .. ومواهب .. وقدرات .. لم
يكن يعلم أنه يمتلكها .. ولم يكن يتخيل أنه يحظى بها ..
هذا كله بالإضافة للخبرات الجديدة .. واللمحات التي تأتي من عوالم مجهولة لا
يعلم عنها أحد ..
يتساءل الكثيرون
عن وجودها وعن عدم وجودها .. ويتناقشون ويتجادلون ويتصارعون ..
بينما هو يشاهد مشاهدة العين ويختبر خبرة مباشرة ..
فلا حاجه له بعد كل ذلك لرأي
أحد .. ولا لاعتقادات أحد ..
وبطبيعة الحال يتبين لنا
من كل ذلك
إن تقنيات الحكمة هي اقتحام مباشر وجبار لذهن
السالك ونفسه ..
وهي في صميمها تقنيات ذهنية ونفسية توجه السالك نحو داخل ذاته .. للكشف عن
الحواجز الخفية الكامنة في ثنايا عقله ونفسه والتي لم يعلم عنها
شيئاً من قبل ..
هي تقنيات يتأثر السالك بممارستها تأثراً شديداً .. يزلزل فيه كيانه كله ..
ويتعرض ذهنه ونفسه لصدمات هائلة تؤثر فيه بشدة وتحفر فيه عميقاً
..
فلا يمكن لتقنيات الحكمة أن تكون مجموعة من التمرينات
الجسدية .. والحركات البهلوانية من شد وإرخاء !
ولا هو ورعاً زائفاً .. وتعبداً أخرقاً .. وتمسكاً بقشور
تافهة .. وتشبثاً
بمظاهر كاذبة ..
كما يشتهر بين العوام عن طرق الحكمة .. وكما يتداولون بينهم ما يفهمونه من
مدراس الحكمة الشرقية منها والغربية ..
إن هذا كله هراء !
ليس هذا طريق الحكمة ..
باختصار..
طريق الحكمة هو تقنيات نفسية وذهنيه ينقلب فيها كيان
السالك كله رأساً على عقب !
ويتحول فيها الممارس تحوّلاً كاملاً ..
يخرج منها كالوليد الجديد الذي خرج من بطن أمه بعد عسر
وألم ..
وكل هذا بالطبع لا يحدث إلا للسالكين الصادقين الذين
يأخذون الأمر على أقصى درجات الجدية ..
ويبذلون جهداً وجهاداً في كشف أنفسهم .. والتغلب على مخاوفهم ..
ويطبقون ما يتعلمونه من تقنيات أثناء تفاعلهم مع العالم ومع الناس ..
ويراقبون أنفسهم مراقبة حثيثة لا تنقطع ..
يحاسبون أنفسهم .. يراجعون ويقيّمون ..
يحاسبونها حساباً شديداً إن قصرت .. ويجازونها جزاءاً
سخياً إن تطورت ..
يتعبون ويستريحون ..
ويأخذون أنفسهم بالشدة وباللين .. وبالصلابة وبالمرونة ..
ويربون عقولهم وأنفسهم كما يربون طفلاً صغيراً يوجهّونه
لمستقبل أفضل له ..
ولهذا فهم يغفرون لأنفسهم زلاتها .. ويتفهمون دوافعها
ورغباتها ..
ويتسامحون مع أنفسهم أحياناً .. ويقسون عليها أحياناً
أخرى ..
تماماً كمّن يتعامل مع طفلته الصغيرة .. أو ابنه المراهق
!
فكما ذكرنا الفكر والنفس ليسا هم السالك .. هما شيئان
تابعان له .
كل هذا خلال التفاعل في الحياة والتعامل مع الناس والتعرض للأحداث والمواقف
..
فالحياة هي ميدان التقييم والتدريب كما ذكرنا في رسالة الخروج إلى الداخل ..
هذا كله هو الذي يحدث الأثر الذي ذكرناه .. والتغير الجذري الذي تحدثنا عنه
..
وهو يتطلب التطبيق .. والجهد والجهاد ..
أما من يكتفي بفهم تقنيات الحكمة وتطبيق بعضها وترك البعض
.. والذي يرخي لنفسه حبل
التراخي .. فلن يحدث له أي تغيير ..
هو بكل بساطة يضيع وقته ..
ففهم التمارين الرياضية شيء وممارستها
شيء آخر تماماً !
فالفهم يتطلب اطلاع .. أما الممارسة فتطلب إصرار ومداومة
ومجاهدة ..
وكما يتضح لنا من كل ما ذكرناه عن تقنيات الحكمة وأخطارها وأعراضها .. فإن
ممارسة تقنيات الحكمة
لتجاوز الشبكة المدرَكة
إلى واقع أوسع يقع خلفها هو أشبه بالسير على جسر ضيق بين عالمنا
هذا وعالم آخر أوسع وأغرب موجود معنا هنا والآن
ولكننا لا ندركه ..
يسير السالك على هذا الجسر الضيق وتحته نيران تفور ..
وبحار متلاطمة ..
ووحوش تسبح تحته
وتفتح أفواهها منتظرة منه أن يقع لتلقفه بأفواهها المخيفة !
والجسر نفسه ضيق .. ومليء بالمزالق والثغرات .. والفخاخ
والعقبات ..
والسالك يسير على هذا الجسر خائفاً من السقوط والتعثر ..
مرة يمشي .. ومرة يحبو .. ومرة يزحف .. ومرات يتوقف ليستريح ولينظر
أين وصل ..
إنه الصِراط ..
بين عالم ندركه .. وعالم خفي عنا موجود معنا هنا والآن ..
لقد بيّنا في هذه الرسالة كما أوضحنا في المقدمة التقنيات التي ننصح بها من
مقيّدة وحرة والتي مارسناها نحن .. ومازلنا ..
وتحدثنا عن شيء من خبراتنا حتى يكون السالك على توقّع لما يمكن أن يحدث له
أو ليقيس عليه ما يحدث له وما لم يحدث لنا ..
وتحدثنا عن المخاطر التي قد يواجهها السالك في نفسه خلال سيره على هذا
الطريق ..
وهي المخاطر التي تعرضنا لها نحن في رحلتنا .. ليكون على بيّنة من أمره ..
وليفهم ما يمكن أن يحدث
معه ولا يخشى منه وليعلم كيف يواجهه ويتخطاه ..
وقد أوضحنا ذلك قدر استطاعتنا .. وعلى قدر معرفتنا وعلمنا
.. وبقدر خبرتنا التي حصلنا عليها ..
راجين أن يكون في ذلك فائدة لغيرنا من أخواننا السالكين ..
ولتكون هذه الرسالة مرشد ومساعد .. لا تقول للقارئ ما
عليه فعله بل تعينه وتنير له جانب من الطريق ..
فنحن سالكون ولم نصل بعد .. وأمامنا قطع مسافات لا نعلم
كم هي ..
ولكننا مستمتعون
بالرحلة على الرغم من كل المشاق .. سعداء ومبتهجين فيما نفعل ..
وفخورون بأنفسنا وبما نطمح له ..
فهي رحلة رائعة من أولها لآخرها ولا تزيدها المخاطر إلا
حماسة وإثارة !
وخلال كل ذلك نحن واثقون من النجاح .. فنحن نعلم إن من
يريد يصل ..
وهنا نترك القارئ الذي يسعى السير على طريق الحكمة .. والسالك الذي يرافقنا
الطريق ..
نتركهما دون وداع .. بل على أمل اللقاء .. قريباً نلتقي
.. وراء الشبكة ..
لنلتقي معاً هناك في
الواقع الحقيقي والفعلي .. والذي هو موجود معنا هنا.. والآن
..
هل يوجد أعجب من ذلك ؟
هل يوجد أروع من ذلك ؟
إلى اللقاء |
الرئيسية | المكتبة | اتصل بنا |