|
أخطار وأعراض أخرى ..
الارتباك الشديد بين الشبكة وما وراءها ..
وهو عرَض يظهر كثيراً للسالكين الصادقين في سنواتهم
الأولى على طريق الحكمة ..
وهو ناتج عن عدم التمكن والخبرة في التعامل مع الحياة من
خلال تقنيات الممارسة ..
فالسالك الذي فهم التقنيات وتعلمها .. والذي يعيش في داخل الشبكة ويواجه ما
فيها ومن فيها من خلال علاقات بالغة التشابك والتعقيد ..
والذي يحاول في نفس الوقت الالتزام بالتطبيق المتواصل لهذه التقنيات على ما
يواجهه من الشبكة ومن تأثير تفاعلها مع طبقات وعيه ..
فهو لا شك سيكون عرضه لارتباك شديد ..
بين ما يعلم ما عليه فعله .. وبين ما يعلم ما يجب فعله ..
الشبكة تولّد ضغوطاً شديداً على السالك وعلى الإنسان
العادي على حد سواء ..
وهي تضغط على كل من فيها بشدة وبشكل متواصل ..
متطلبات الحياة .. المسؤوليات .. العلاقات الاجتماعية .. الضغوط الاقتصادية
.. الرغبات .. المخاوف .. الأحداث .. الخ
هذا الضغط يشتد أكثر وأكثر في كل مرحلة تاريخية تمر بها الشبكة ..
والمرحلة التاريخية التي نمر بها الآن تجعل ضغوط الشبكة على الجميع هائلة ..
الشبكة نفسها تضيق وتضيق في كل مرة أكثر ..
وتخنق الجميع ..
وهذا بفعل النظام الاجتماعي وتغيراته والتي تحدثنا عنها
بالتفصيل في رسالة من السماء إلى الأرض ..
بمعنى آخر الضغط هائل على الجميع !
الضغط يقع على الجميع ..
على السالكين وعلى العوام من غير السالكين ..
العوام يتعاملون مع كل ذلك بالطريقة نفسها .. وهي الطريقة
التي تفرضها طبقات الوعي لديهم ..
ولهذا فهم يدورون و يدورون في دوائر مغلقة من المعاناة
والصراعات التي لا تنتهي ..
يكون نتيجة كل ذلك الكآبة .. الحزن .. القلق ..اليأس .. التطرف .. وغيرها
الكثير من أشكال المعاناة والتي تحدثنا عنها في رسالة الخروج إلى
الداخل ..
السالك يعلم ما هو أفضل من هؤلاء كثيراً ..
لقد اكتفى من كل ذلك .. ويود الخلاص من كل ذلك !
فيلتفت باهتمام لطرق الحكمة ويتعلم أسسه وتقنياته ..
المشكلة تحدث عند السالك عندما يحاول ان يطبق ما تعلمه من تقنيات الحكمة ..
مراقبة النفس .. التحري عن الدوافع .. التفكر .. تجاوز العوائق ..
الخ
سيجد أن ذلك مربكاً ومحيراً ..
لا يكاد يعرف من أين يبدأ وأين ينتهي !
تعرض
لهذا
الموقف .. ولذلك الحدث .. ولخيانة من هذا .. ولتحدي من ذاك
..
ولمطالبات من هؤلاء .. كيف سيتعامل مع كل ذلك بالطريقة التي يجب أن
يتعامل بها السالك ؟
إن الأمر يبدو مربكاً في التوفيق بين كل هذه الاتجاهات
المتضادة ..
هو أشبه بإنسان مقيد بسلاسل كثيرة .. يشده كل منها باتجاه مختلف ..
متطلبات الحياة وأحداثها .. ردود الفعل التي هو معتاد عليها .. وتقنيات
الحكمة وطرقها ..
كل منها له سلاسله وكل منها يشد باتجاه مختلف ..
وكلها تشد بقوة !
والسالك يبدو هنا وكأنه يتحطم أمام كل هذه الضغوط ..
لا يواجه هذا العرَض السالكون الذين حياتهم على العموم سلسله ومتناغمة
والذين هم راضون بشكل عام عن حياتهم .
ولكنة يظهر واضحاً على السالكين الذين حياتهم مليئة بالاضطرابات والتناقضات
.. والذين هم على العموم غير راضين عن حياتهم .
وهو يولد ضغوطاً ذهنيه ونفسية هائلة على السالك الحريص
على الالتزام بطريق الحكمة ..
تتسبب هذه الضغوط بالتوتر العصبي .. القلق .. الإحباط .. والغضب ..
ثم تتحول بعد ذلك إلى كآبة .. شعور بالعجز .. ثم يأس .. فانهيار ..
طبعاً الكثير من العوام يتعرضون
لهذه المشاعر تحت تأثير الشبكة كما ذكرنا..
ولكننا نقصد هنا السالك الذي يحرص على تقنيات الحكمة .. والتي تتسبب
تقنيات الممارسة بمزيد من الضغوط عليه ..
والارتباك في كيفية التوفيق بينها وبين الحياة ..
إن كل ذلك أمر طبيعي ..
على السالك أن يفهم أن هذه الضغوط التي تسببها تقنيات الممارسة هي علامة
مهمة ومفيدة ..
هذه الضغوط بحد ذاتها هي علامة على حرص السالك على الطريق وعلى السير فيه ..
لابد أن يفخر السالك بنفسه بسببها !
فلو لم يكن حريصاً على الطريق لما تعرض لهذه الضغوط ..
هذا الحرص أساسي وجوهري .. ولابد من الحفاظ عليه وتعزيزه على طول الطريق ..
إنه توجه القلب نحو الطريق .. والذي لا يمكن السير دونه ..
وعلى السالك أن يفهم أيضاً إن هذا الارتباك هو أيضاً
طبيعي ومفهوم ..
وهو أمر متوقع في بداية الطريق ..
وسببه هو أن السالك مازال جديداً على هذه الممارسة .. ولم
يتمكن منها .. ولم يتمرّس بها بعد.
وقد أشرنا لذلك في رسالة الخروج إلى الداخل ..
وقلنا أن الأمر أشبه بتعلم قيادة السيارة ..
فالمتعلم الجديد يكون في حالة شديدة من الارتباك في الأيام الأولى لقيادته
..
وبين التوفيق بين كل المتطلبات التي تفرضها القيادة ..
الانتباه للطريق .. النظر للمرائي .. الانتباه للسيارة .. للشارع .. للناس
الذين يمشون .. للسيارات الأخرى .. الخ
الأمر يبدو مربكاً جداً .. ويتطلب جهداً ذهنياً هائلاً ..
ولكن وبعد فترة من الممارسة سيتمكن المتعلم من التعامل مع كل ذلك بكل يسر
وسهولة .. عندما يتمكن من الأمر .
نفس الشيء هنا ..
السالك الذي يعيش حياة سلسة
هادئة
هو أشبه بمن يتعلم القيادة
في منطقة ريفية خالية من الناس والسيارات .. أو القليل منها ..
لذا يكون ارتباكه أقل ..
السالك الذي يعيش حياة مضطربة هو أشبه بمن يتعلم القيادة
في مركز المدينة وفي ساعة الازدحام !
لا شك أن ارتباكه سيكون أشد .. واضطرابه أعظم ..
في كلا الحالتين فهذا الارتباك ناجم عن عدم التمكن ..
وهو أمر سيسهل تدريجياً بالممارسة المتواصلة ..
دون ممارسة لن يزول هذا الارتباك ..
شيئاً فشيئاً سيتمكن السالك من التعامل مع الحياة ومتطلباتها .. ومن تقنيات
الممارسة التي يطبقها على الحياة بكل يسر وسهوله ..
ولن يتطلب الأمر أي جهد يذكر ..
تماماً كسائق السيارة المتمرّس والذي يقود بكل يسر .. ودون جهد ..
خلال فترة الارتباك تظهر أهمية التقنيات الحرة هنا مرة أخرى .. وخصوصاً
تقنية التفريغ ..
إن الأمر كله سهل ويسير بشيء من الممارسة والالتزام ..
المهم أن تتوفر الإرادة والعزيمة وتوجه القلب ..
بعد ذلك كل شيء يسير ..
|
الرئيسية | المكتبة | اتصل بنا |