|
التقنيات الحرة . التذكر الدائم ..
التذكر الدائم للشبكة وللهدف من اختراقها
والسبب للقيام بذلك .
النسيان هو أساس كل المشكلة !
كما تحدثنا كثيراً من قبل فالإنسان يدخل هذا العالم من خلال طبقات الوعي
التي تكوّنه ثم يظن أنه هو هذه الطبقات .. تماماً كالمشاهد الذي
ينسى أنه مجرد مشاهد فيغرق في أحداث الفيلم الذي يتابعه ويظن أنه
أحد شخوصه ..
لولا النسيان ولولا أن المشاهد لم ينس من الأصل أنه مشاهد لما حدث الاستغراق
ولما حدثت هذه المعاناة ..
وكما ذكرنا فإن طبيعة الشبكة نفسها تجذب من فيها إلى
داخلها وتمنعهم من الإفلات منها .. تماماً كجاذبية الأرض ..
يحدث هذا الانجذاب من خلال السهو والإلتهاء بالأحداث ..
المتطلبات .. المسؤوليات .. المخاوف .. الآمال والرغبات .. التي
تتولد من خلال التفاعل مع الشبكة ومن فيها وما يحدث بينهم من
علاقات شديدة التشابك ..
يتوجه الفكر بالكلية في هذا الاتجاه .. فيغرق الإنسان ..
ويغرق السالك ..
حتى في الممارسة المحدودة التي تقوم على الجلسات يتعرض السالك لنفس الخطأ ..
يحدث ذلك دائماً ..
من هنا على السالك أن يجد طريقة ما تساعده دوماً على
التذكر ..
بعض مدارس الحكمة تفرض على أتباعها جلسات مخصصة للذكر والتذكر .. بعضها
جلسات أسبوعية وبعضها يومية .. وفي مناسبات كثيرة محدده بتواريخ
مخصوصة ..
ما نريد أن نقوله هنا للسالك هو إن التذكر المتواصل
للشبكة وما فيها ضرورة لا بد منها .. وعادة لابد من اكتسابها
والتمسك بها ..
عند ذلك فللسالك اختيار الطريقة الأنسب التي يعيد فيها تذكر كل شيء ..
الشبكة .. المعاناة .. الواقع الفعلي المحجوب والواسع بلا حدود ..
القيود والحدود في هذا العالم .. الخ
يمكن أن يفعل ذلك بأي شكل ..
بعض أشكال ممارسة هذه التقنية :
مثلاً جلسات يومية ولو لدقائق للتذكر والتفكر ..
جولات منفردة للمشي ..
كتابة وتأكيد يومي وإلزامي يوقع عليه السالك يومياً في
وقت ما في دفتر المتابعة التي تحدثنا عنه والذي تظهر أهميته هنا ..
أشياء توضع أمام عين السالك في أماكن مختلفة ..
الإلتزام بسماع شيء ما أو قراءه شيء ما في أوقات محددة لا
يخالفها السالك ..الخ
هناك عدد لا يحصر من الأعمال التي يمكن أن يقوم به السالك بشكل متواصل
ومتكرر وملزِم يذكّره بالهدف الذي يسعى له .. على السالك تحديد فعل
ما للتذكير ويلتزم به دون أدنى مخالفة وعليه أن يعاقب نفسه عقاباً
شديداً إذا حدثت المخالفة .
على السالك أن يختار إحدى الطرق التي ذكرناها .. أو يبتكر طريقة أقرب لنفسه
..في كلتا الحالتين .. فلابد أن يلتزم التزاما متواصلاً في
الطريقة التي اختارها لممارسة هذه التقنية .
سيد الواعظين ..
يقولون إن أفضل طرق التذكر وأقواها وأشدها تأثيراً هو ..
الموت .
فكثيرون هم من يدعون الموت بسيد الواعظين !
وهو كذلك ..
فنظرة على صورة لأحد الأعزاء المتوفين والتساؤل عن معنى هذا الغياب .. تفكر
لدقائق بالموت .. نظرة لصورة قبر ما .. كفيلة بإعادة السالك
لصوابه إذا فكر الانحراف عن هدفه !
وبطبيعة الحال فالسالك يفهم هنا إن التفكر بالموت وتذكّره ليس دعوة
للكآبة أو الحزن أو اليأس كما يظن ممن لا يعلم .. بالطبع لا .
فمن لا يعلمون وبمجرد أن يرد اسم الموت أو معناه أمامهم يسارعون إلى التهرب
وصرف أذهانهم عنه خوفاً من الكآبة التي تتولد عن ذلك ..
ليس الحكماء .. وليس السالكين ..
فالحكماء والسالكون لا يخافون شيئاً ولا يهربون من شيء ..
هم يواجهون كل شيء بفضول وتحدي .. حتى الموت !
الموت في نظر الحكماء والسالكين هو حقيقة من حقائق الحياة وأمر واقع لا يمكن
الهروب منه .. وما هكذا حالة فلا يجب نحوه إلا المواجهة ..
الحكماء ينظرون للموت نظرة فضول ورغبة في الاستكشاف ..
هم لا يخافون منه ولهذا هم لا يحزنون عند تذكره .. تماماً كما ينظر احدنا
للنوم .
الحكماء يتخطون ظاهرة الموت كما نتخطى نحن ظاهرة النوم !
وهنا تظهر عظمة علم الحكمة والذي به يتمكن السالك على طريقة من سحق كل ما
كان يخيفه أو يحزنه .
والسالكون يسعون للوصول إلى هذه المرحلة جهدهم ويكون طريقهم في ذلك السير
على طريق الحكمة وتذكر الموت لكي لا ينسوا الهدف ..
ولأن السالك ليس كالحكيم .. فسيظل في نفسه شيء من المهابة
التي يولّدها الموت في النفوس .. وهو المطلوب والمقصود !
هذه المهابة التي مازالت في النفس من الموت هي ما يستخدمها السالك لإعادة
نفسه لجادة الصواب ولصحيح الطريق إذا فكر أن ينحرف أو وجد نفسه قد
انحرف بعض الشيء .
الصلاة ..
بطبيعة الحال تتبين للسالك الآن الأهمية القصوى لمفهوم الصلاة .
من المعروف أن هناك شكل ما من أشكال الصلاة ملازم لكل دين ومعتقد كائناً ما
كان ..
جميع الأديان تحُث أتباعها بشدة للتمسك بالصلاة والذي يكون لها أوقات محددة
في اليوم .. ويكون هناك أيام معلومة يطالب فيها التابع لدين ما
بالالتزام بالصلاة وممارستها بشكل أشد في هذه الأيام ..
بالنسبة للسالكين على طريق الحكمة مفهوم الصلاة يقوم في
أساسه على التذكر ..
الصلاة هي المحافظة على الاتصال بالهدف الذي يسعى السالك
للوصول إليه ..
فالواقع في شبكتنا المتفاعلة شديد التعقيد .. والتفاعل بين الإنسان وبين
العالم وما فيه ومن فيه يستنزف الكم الأعظم من قدرات الإنسان
الذهنية والنفسية .. من انتباهه .. من تذكره .. من
تفكره .. من تركيزه .. ومن التفات قلبه ..
الشبكة لديها القدرة على أن تجعل الإنسان في حالة
انشغال دائم ومتواصل بكل ما يحدث فيها ..
الشبكة لديها القدرة على أن تبقي اهتمام الإنسان
متصلاً طوال الوقت بما يحدث فيها ..
تتمكن الشبكة دائماً من إبقاء التركيز على الأفعال
والأقوال والتفاعل الذي يحدث بين الناس طوال الوقت ..
طوال اليوم .. طوال
الأسبوع .. طوال الشهور والسنين ..
وحتى في حالات انفراد الإنسان بنفسه .. وابتعاده الظاهري
عن التواصل مع غيره .. تظل الشبكة تعمل في عقله ونفسه ووجدانه ..
الذكريات البعيدة .. الهموم .. المخططات المستقبلية ..
الآمال .. الأحزان التي تتولد نتيجة للتفاعل مع الشبكة .. الطمع ..
الخوف .. القلق .. كلها أفكار ومشاعر تظل تلاحق الإنسان حتى في
لحظات استرخاءه وابتعاده عن العالم المحيط به ..
الشبكة تعمل دائماً .. لا تتوقف أبدأ ..
حتى في النوم !
تلاحق الشبكة الإنسان حتى في نومه وأحلامه التي تعكس كل
هذه الأفكار والهواجس ..
ضغط وإلحاح متواصلين لا ينقطعان أبداً ..
والسالك مثله مثل أي إنسان آخر .. يتعرض لنفس الضغط ونفس الإلحاح ..
وهنا تأتي أهميه الصلاة للسالك ..
الصلاة تقطع تأثير هذا الضغط والإلحاح المتواصل .. وتعيد
توجيه انتباه السالك إلى الهدف الأساسي ..
الصلاة هي صلة الوصل بين السالك وبين الهدف الأكبر .. هي
الحبل الذي يتمسك به السالك لكي يتجنب الغرق الكامل في بحر الشبكة
المتلاطم ..
الصلاة تعيد تذكير السالك بشكل متواصل لأنه ينسى بشكل
متواصل
.. وهي تعيد توجيه انتباه قلبه للهدف الذي يسعى له ..
فالصلاة تتشابه هنا في وظائفها مع النوم ..
النوم له دور جوهري في الحفاظ على حياة الإنسان وعلى توازنه الذهني والنفسي
..
بإعادة شحن الجسد بالطاقة التي تُستنزف طوال النهار .. وإحداث تفريغ نفسي
لتراكمات الهموم والآمال التي تتولد نتيجة للتفاعل مع الشبكة من
خلال الأحلام ..
النوم هو ضرورة أساسية وجوهرية لحياة الإنسان .. ضرورة
يجب إشباعها يومياً ..
من يُحرم من النوم خلال بضعة أيام سيُصاب كما هو معروف لضعف ووهن .. ثم خلل
في الإدراك والتوازن النفسي .. ثم إذا زادت فترة الحرمان ستظهر
أعراض تشابه أعراض الجنون ..
هلاوس بصرية وسمعية .. فقدان كامل للتركيز .. انفصال عن الواقع .. خلل شديد
في الإدراك .. ثم بعد ذلك الموت .
كل هذا لأن الإنسان المحروم من النوم هو محروم من وظيفة إعادة التنشيط
الجسدي والذهني والنفسي والتي هي حاجة ضرورية وأساسية من حاجات
الحياة .
بالنسبة للسالك فالصلاة تقوم بنفس هذه المهمة ولكن في
اتجاه الهدف الأكبر ..
الصلاة تعيد تنشيط الاهتمام والانتباه باتجاه الهدف وبعيداً عن الشبكة وما
فيها ..
لذا فهي ضرورية ضرورة النوم بالنسبة للسالك ..
وكما قلنا فإن الأديان جميعها .. تحث بشدة على الالتزام بضرب من ضروب الصلاة
يُلتزم بها في أوقات محددة ..
ولكن بطبيعة الحال ونتيجة للجهل تتحول ممارسة هذا
الالتزام لضرب من العمل الآلي الأخرق ..
مهمة يقوم بها أتباع الأديان بشكل مبرمج .. تُفرّغ الصلاة من محتواها
الحقيقي وتمنعها من أداء دورها الضروري ..
بالنسبة لأغلب الناس الذين يلتزمون بأداء الصلاة التي تخص
دياناتهم فهي مجرد عادة !
مجرد أداء آلي .. وظيفة من وظائف الاندماج الاجتماعي ..
شكل من أشكال المداهنة والنفاق .. شكل من أشكال الرياء في المظهر
الخارجي .. الخ
تأدية الصلاة بهذا الشكل لن تنفع .. وجودها كعدمها تماماً
!
هو الخلط والتشويه الذي يقوم به الجهلاء لأي شيء يضعون أيديهم عليه !
كل عمل بأيديهم
يتم تفريغه من معناه .. وتحويله إلى عرض سخيف لمجموعة من
المهرجين الفاشلين !
بالنسبة لمدراس الحكمة ولأنها النسخة الأعمق للأديان التي خرجت منها والتي
هي موجهة للخواص فإن الهدف الرئيسي للصلاة يقوم على التذكير ..
إعادة تنشيط الانتباه نحو الهدف ..
إبقاء الصلة والاتصال قائماً مع ما يتجاوز الشبكة ..
هذا هو الهدف الرئيس من الصلاة .. أما شكل الصلاة
وطريقتها فهو أمر ثانوي وفرعي ومتغير ..
لهذا فإن مدارس الحكمة تحث التابعين للالتزام بضرب ما من الصلاة وبشكل دوري
وثابت ..
وهي تحث السالكين بشكل أشد على ممارسة الصلاة بما يحافظ لها على معناها ..
الانتباه .. وتوجيه القلب ..
دون انتباه واستحضار لمعنى الصلاة .. فالصلاة هي مضيعة
للوقت والجهد ..
ونحن أيضاً نحث السالك أن يلتزم بضرب من ضروب الصلاة ..
وبالنسبة لنا فأي شكل من أشكال الصلاة هو كافٍ طالما إن
السالك يحافظ فيه على السمات الأساسية لأي صلاة :
الانتباه
وتوجيه القلب أثناء الصلاة ..
التذكر .. وإعادة تنشيط التذكر للهدف ..
المداومة والالتزام الدوري اليومي ..
بالنسبة لنا فأي شكل يحافظ على هذه السمات الأساسية فهو
شكل من أشكال الصلاة ..
بضع دقائق من الاختلاء مع النفس ..
بضع دقائق من المشي الدوري في وقت محدد ..
بضع دقائق لقراءة شيء محدد بشكل دوري ..
أو أداء الصلاة بالطريقة التي يحددها الدين الذي يتبعه السالك إذا كان تابعاً لدين
ما ..
كلها أشكال من الصلاة بالنسبة لنا .. نحث السالك على الالتزام بها ونترك له
حرية اختيار الشكل الذي يرتضيه قلبه والذي يقتنع به عقله ..
نظرة إلى السماء ..
كذلك فإن واحدة من أبسط وأجمل الطرق التي تساعد على التذكر
والتفكر هو النظر للنجوم ..
فالنظر إلى السماء في الليل .. والتطلع إلى النجوم له تأثير كبير
على نفس السالك وعلى نفس كل من له حس ..
إنه منظر ذو جمال .. وجلال ..
وللنفس ودون وعي من السالك لها تعلق
بهذا
المنظر .. وحنين ..
فحقيقة الذات هي أعلى من هذه الشبكة وأعلى من الواقع الكلي كما
ذكرنا .. حقيقتها أكبر من ذلك كله ..
وذات السالك .. وكل إنسان آخر تعلم ذلك ..
فلهذا فلها حنين لمكانها
الحقيقي .. واختناق وغربه من مكانها هنا ..
والنظر للنجوم يذكرها بمكانها وحقيقتها ..
ولهذا السبب يحدث هذا التأثير العميق في النفس عند النظر إلى
النجوم لطالما ألهم المفكرون والفنانون والشعراء..
لهذا نحن ننصح السالك بشدة للالتفات للنجوم إن لم يكن معتاد على
ذلك .. ولتعزيز ذلك بنفسه ..
فالنفس والفكر يتوقان للعلو عند رفع الرأس والنظر لما هو عالي
وجليل ..
على الرغم أن تقنيات التذكّر في كثير من المدارس يكون لها جلسات وأوقات
محددة وملزمة ..
بالنسبة لنا ننصح بأن تكون هذه الممارسة هي من ضمن الممارسات الدائمة والحرة
والتي ليس لها وقت محدد يمارسها السالك طوال الوقت ويلزم نفسه بها
بطريقة من الطرق التي يراها مناسبة ومؤثرة وتدفعه للالتزام
والانضباط كما ذكرنا ..
ننتقل الآن إلى التعلم ..
|
الرئيسية | المكتبة | اتصل بنا |