العالم  كما يراه  الحكماء النظرة العلمية للعالم من السماء إلى الأرض

  معرفة الواقع كما هو ضرورة حتمية تفرضها المعاناة .

  الحكمة  هي العلم الذي من خلاله تُعرف ماهية الواقع كما هو موجود بالفعل ثم اختباره خبرة مباشرة .

  العالم الذي ندركه هو خيال ووهم  .. وهو يظهر نتيجة الطبقات التي تغلف الوعي .

   عالمنا الذي ندركه لا يمثل سوى شريحة ضيقة بالغة الضيق من الواقع الحقيقى الموجود بالفعل  والموجود هنا والآن .

  عالمنا يحجب الواقع الفعلي ويحبسنا داخل شبكة تفاعلية وهمية  موجودة بالفعل .. ماتريكس .

  نتيجة الجهل وتحت تأثير الشبكة يتقزم الإنسان ويبتعد عن حقيقته الفعلية التي لا حدود لعظمتها .

  يمكن اختراق هذه الشبكة واختبار الواقع الفعلي .. عندما يتحقق ذلك تنتهي المعاناة ويتحرر الإنسان من كل القيود .

  حياة الإنسان هي رحلة  هدفها اختبار الواقع الكلي والعودة للمصدر الأول .. حيث كل شيء .

مقدمة طرق ومدارس الحكمة مدخل التقنيات التقنيات المقيدة التقنيات الحرة التقييم والمتابعة العوالم الأخرى وخبرتنا معها المخاطر الأساسية مخاطر وأعراض أخرى خاتمة

 

طرق ومدارس الحكمة

 

كما ذكرنا في رسالة الخروج إلى الداخل فإن الحكمة هي علم معرفة الواقع كما هو بالفعل ..

هذا الواقع محجوب عن الإنسان لا يدرك منه شيئاً .. لا يُدرك منه سوى شريحة ضيقة نسميها الدنيا أو الحياة .

هذه الدنيا أو الحياة هي الشبكة المتفاعلة أو الماتريكس الذي يعيش داخلها البشر ويظن أغلبهم أنه لا يوجد غيرها .

مدارس وطرق الحكمة هي الاتجاهات التي تؤكد - دون أدنى شك - لكل إنسان وجود واقع خارج هذه الشبكة وتبين للراغبين في المعرفة الطريقة التي عليهم إتباعها ليتمكنوا من اختبار ما وراء الشبكة خبرة مباشرة .

في كل ثقافة من الثقافات الكبرى توجد طرق ومدارس للحكمة تختلف بينها في التفاصيل وتشترك بالهدف ..

هذا الهدف هو الخروج من الشبكة واختبار الواقع الفعلي الموجود وراءها والمحيط بها .

 

بين الأديان وطرق الحكمة

وهنا قد يطرح سؤال بالغ الأهمية ..

فليست الحكمة وطرقها فقط هي من يتحدث عن وجود عالم خارج الشبكة ..

بل إن الأديان كلها تنادي وتتحدث عن نفس الشيء .

فالأديان كلها تتحدث عن وجود خارج هذا العالم وتدعو البشر لإتباع تعاليم الدين ليتمكنوا من الوصول إلى الجانب الآمن من هذا العالم الغامض وتجنب الجانب المظلم منه ..

للدخول للجنة و النجاة من النار ..

وأغلبية البشر يؤمنون بالأديان على اختلافها .. وللأديان وجود قوي ومكين في عقول وقلوب وثقافة وسلوك أغلب البشر ..

فإذاً ما الذي يفرّق بين طرق الحكمة وبين هذه الأديان ؟ وهل الحكمة هي شيء آخر غير الدين أم ماذا ؟

كما ذكرنا في رسالة الخروج إلى الداخل فإن الحكمة ليست دين ..

هي علم ..

هي طريقة داخل كل دين وثقافة ..

هدف هذا العلم وهذه الطريقة هو الوصول المباشر والفوري لاختبار الواقع الكلي .

لقد ذكرنا في الرسالة أن الأديان كلها هي في النهاية تتحدث عن نفس الشيء وتدعو لنفس الهدف ..

ولا يمكن أن يكون الأمر إلا كذلك ..

ففي النهاية لا يوجد إلا واقع واحد ..  

فإذا كانت الأديان صادقة على اختلافاتها فلا يمكن إلا إنها تتحدث عن نفس الشيء وبذلك لا تكون  الاختلافات بينها إلا بسبب الاختلافات في الثقافة والعقليات بين البشر والعصور التي تفصل بين الأجيال .

إن هذا أمر يفرضه المنطق والعقل وواقع الحال !

وكون الحكمة هي معرفة الواقع كما هو.. وأنه لا يوجد موضوعياً وفعلياً إلا واقع واحد فلا يمكن أن تكون الاختلافات بين مدارس الحكمة إلا بسبب الاختلافات بين البشر .

الفارق هو أن الأديان تخاطب عموم البشر .. أما طرق الحكمة فهي تخاطب الخاصين منهم ..

الأديان تقوم على الاعتقاد والتصديق .. وطرق الحكمة تقوم على الخبرة المباشرة ..

الأديان تكتفي بأن تبين الحقيقة للبشر بتعميم دون تخصيص .. وتبين لهم أن الواقع الخفي عنهم سيظهر لهم بعد الموت وليس أثناء الحياة ..

السبب في ذلك أن المبشرين بالأديان يعلمون أنهم يخاطبون عموم الناس ..

بشر مازالوا غير مؤهلين بعد لطرق الحكمة ..

فتضع الأديان خطوط عامة لهؤلاء البشر عليهم التقيد بها حتى يتمكنوا من العيش بسلام وهم مفعمون بالأمل .. وحتى يتمكنوا من النجاة بعد الموت .

الأمر أشبه بالوالد عندما يخاطب ابنه الصغير عندما يسأله عن مسائل تفوق فهمه فيجيبه الأب بأجوبة عامة ويطالبه بفعل كذا وكذا والالتزام به حتى لا يتعرض للمخاطر في عمره الصغير..  وحتى لا يتأثر مستقبلة بفعل الوقوع في هذه المخاطر.. ثم يؤكد له أنه سيفهم أكثر عندما يكبر !

هذه هي الحقيقة ..

لا يمكن أن يفهم ويعي كل البشر بنفس الدرجة ..

هناك مستويات ومراحل متباينة تتحدد بعمر النفس .

الأنبياء والحكماء يعلمون هذه المعرفة علماً تاماً ويلتزمون بها .

الحكمة تأتي عندما يكبُر هذا الصغير ويبدأ بالاقتراب من سن النضوج حيث  يأتي دور الحكمة وطرقها ..

تعمل طرق الحكمة وأساليبها الآن وبعد أن أصبح الطفل رجلاً ناضجاً لتوجيهه لمعرفة الواقع الفعلي .

الأديان تتحدث عن العالم الخارج هذه الشبكة والتي لا ينكشف إلا بعد الموت ..

الحكمة تؤكد على أن العالم الأوسع سينكشف بعد الموت .. ولكنه يمكن أن يكشف أثناء الحياة أيضاً ..

فالواقع الفعلي والحقيقي موجود معنا هنا والآن ..

وهو محيط بعالمنا هذا ولا يمثل عالمنا منه إلا شريحة ضيقة فقط ..

لا يفهم عوام البشر ذلك أو أن بعضهم لا يريدون أن يفهموا .. فتكتفي الأديان بالحل الوحيد الممكن وهو الإحالة للزمن البعيد ..

أما الحكمة ولأنها لخواص البشر وللفئة الأقل عدداً التي وصلت لمرحلة النضج فهي تتحدث بشكل مباشر لهم عما هو موجود هنا والآن .

لذا يمكن فهم طرق الحكمة ومدارسها بأنها نسخة أكثر عمقاً للدين الذي تنتمي إليه .. هذه النسخة موجهه لخواص البشر المنتمين لهذا الدين .

فمدارس الحكمة الإسلامية هي النسخة الأكثر عمقاً ومباشرة للدين الإسلامي الموجه لغالبية المسلمين .

ومدارس الحكمة المسيحية هي النسخة الأكثر عمقاً ومباشرة للديانة المسيحية الموجه لغالبية المسيحيين .

وكذلك مدارس الحكمة في اليهودية أو البودية أو الهندوسية .. أو أي دين ومعتقد آخر ..

فكل شيء له ظاهر وباطن ..

حتى الجسد له ظاهر هو الأطراف الخارجية من رأس وأيدي وأرجل .. وباطن ممثل بالقلب والدماغ والرئتين ...الخ

وكما أن كل شيء مادي له ظاهر هو ما يتم إدراكه ومشاهدته بالحواس .. فهو له أيضاً باطن أعمق مكوّن من عناصر أولية ومركبات جزيئية وذرية وما هو أعمق من ذلك .

ويكون كل ظاهر مرتبط بباطنه ومتأثر به ..

كذلك الأديان والمعتقدات .

لها ظاهر موجه للعوام .. وباطن موجه للخواص .

فالكتب المقدسة للأديان الكبرى تحتوي على معاني وأسرار وعلوم بالغة العمق والغرابة والجلال ..

قراءة نص مقدس بطريقة سطحية شكلية .. بالاعتماد على ظاهر معاني اللغة سيؤدي  بالضرورة إلى فهم سطحي وظاهري وشكلي لهذا الدين ..

وهو الأمر الذي يحدث مع العوام .

لكي تُقرأ النصوص المقدسة بعمق ولكي تفهم الرسائل والأسرار الخفية التي تحتويها فهي تتطلب قراءة عميقة .. فك للرموز .. وربط للمعاني لا يمكن أن يتأتى إلا للخواص الذين وصولوا إلى درجة عالية من النضج وبذلوا الجهد الكافي لتوسيع مدى الوعي والإدراك لديهم .

النصوص المقدسة تحتوي على معاني ورسائل يفهمها العامة بطريقة ويفهمها الخاصة بطريقة أخرى تماماً ..

لها باطن كما لها ظاهر ..

وهو أمر يصرّح به الحكماء والسالكون دون حرج ..

وهو الأمر الذي يتسبب لهم بالكثير من الاتهامات والشكوك من قبل من لا يعلم أو من لا يريد أن يعلم .

ولكنه أمر بيّن بذاته .. وهو واقع الحال المشاهد لدى الجميع !

فأي نص كان .. كتاب .. رواية .. أو أي نص آخر ..

بل وأي حديث .. أو نصيحة ..  أو تعليق  يفهمه الصغار بطريقة ويفهمه الكبار بطريقة أخرى ..

بل إن المرء نفسه قد يقرأ نصاً في عمر مبكّر ويفهم منه شيء .. ثم يعيد قراءته بعد سنوات عدة فيفهم منه معاني أخرى كثيرة لم تكن ظاهرة له في ذلك الآن ..

إن هذا أمر واقع لا مجال لإنكاره !

 والسبب في هذا الفارق في الفهم إن القارئ نفسه كبُر .. نضُج .. مدى الخبرات لديه اتسع .. ومستوى الإدراك عنده إزداد عمقاً ..

وهو لهذا السبب يفهم نفس النص بطريقة مخالفة تماماً عن السابق .

وقد تحدثنا عن ذلك في الرسالة بشيء من التفصيل بقسم أسباب الخلاف .

مدارس الحكمة ومن خلال تعاليمها وتقنياتها تمكن السالك من توسيع مدى الوعي .. و تعميق مدى الفهم للحياة ومعناها .. وتصفية النفس من الشوائب والعُقد التي تحجب الفهم العميق .. الأمر  الذي يمكنه من فهم رسائل ستظهر له الآن بالغة الوضوح ولكنه مع ذلك لم يرها من قبل .

وكثيرون ممن لا يفهمون ذلك يتسببون بالكثير من الصراخ والعويل الفارغ والذي لا داعي له !

ولأن مدارس الحكمة هي نسخ أعمق للأديان التي خرجت منها فهي تتشابه أكثر فيما بينها فيما تصفه .. أكثر من ظواهر الأديان التي خرجت منها .

فمدارس الحكمة الإسلامية تتشابه كثيراً فيما تصفه مع مدارس الحكمة البودية أو الهندوسية ..

أكثر بكثير من التشابه بين ما تصفه النُسخ الظاهرية لهذه الأديان .

وكما ذكرنا في الرسالة فالأشياء على تنوعها و تباينها تبدو أكثر قرباً كلما تعمقنا أكثر في مكوناتها ..

فالأشجار والأحجار والبشر والكواكب هي أشياء متباينة تماماً في الظاهر .. ولكن في العمق كلها مكوّنة من عدد محدد من العناصر ..

أكسجين ..نيتروجين .. كربون .. الخ

ثم بعمق أكثر هي مكوّنة من عدد أقل من المكوّنات .. إليكترونات .. بروتونات .. الخ

وكلما تعمقنا أكثر كلما قلت المكونات حتى نصل لمكوّن واحد فقط .. الوتر الفائق .

كذلك الأمر في العلاقة بين الأديان وبين مدارس الحكمة ..

الأديان التي تبدو متباينة بشدة تظهر بشكل أكثر تشابهاً عند التعمق بها من خلال طرق ومدارس الحكمة ..

ومدارس الحكمة التي قد تبدو متباينة بدرجة أقل .. بمزيد من التعمق فيها وبأساليبها ستظهر وكأنها هي مدرسة واحدة .

هذه المدرسة الواحدة هي الحكمة نفسها والتي مصدرها هو مصدر واحد .. المصدر الأول .. الموجود الحق .

هذا ما أردنا الإشارة له في الفارق بين الأديان وبين مدارس الحكمة التي خرجت منها ..

لهذا لا تضارب بينها بل هي درجات تختلف لاختلاف الفئة الموجه لها .

ولأن الحكمة موجهة للفئة الأكثر نضجاً والأقل عدداً فهي غير مفهومة بالمرّة من قبل عوام البشر ..

ولهذا تكثر المعتقدات الخاطئة بين عوام الناس حول طرق ومدارس الحكمة وكثير ما تواجه بالشك والإدانة والريبة .. وحتى الاتهام .

ويدور الكثير من السباب والشتائم والاتهامات الباطلة من قبل العوام لهذه الطرق ولمتبعيها ..

وهي نتيجة طبيعية لأن هؤلاء لم يصلوا بعد للمستوى الذي يفهموا به طرق الحكمة ومدارسها ..

أما أتباع طرق الحكمة فهم يتفهّمون كل ذلك ويتحملونه بصبر .. ويميلون للانعزال عن بقية العوام في دراساتهم وحواراتهم وممارساتهم ..

وهو الأمر الذي يتسبب بإثارة المزيد من الريبة والغموض حولهم !  

بذلك نكون قد فهمنا الفارق بين الأديان وبين طرق ومدارس الحكمة التي تخرج منها .

 

السمات المشتركة بين مدارس الحكمة ..

 

لأن مدارس الحكمة وطرقها هي مدارس خرجت من ثقافات مختلفة ومتباينة من الشرق والغرب فهي ستكون - دون ريب - متأثرة بهذه الثقافات في تحديد تقنياتها وأساليبها ..

ولكن جميع مدارس الحكمة تشترك بسمات عامة لا تخرج عنها أي مدرسة :

 

- طرق الحكمة ومدارسها تشير للواقع الفعلي كواقع موجود هنا والآن وليس كواقع لا يوجد ولا ينكشف إلا في زمان آخر ..

 

طرق الحكمة تؤكد أنه يمكن أثناء الحياة اختبار الواقع الفعلي أو على الأقل أجزاء متناثرة منه وليس بالضرورة أن يحدث ذلك بعد الموت ..

فالواقع الفعلي موجود قبل وجود الإنسان وأثناء حياته وسيظل موجوداً بعد مماته ..

وهو في الحقيقة موجود في آن واحد .. لا قبل فيه ولا بعد ..

الواقع الفعلي هو وجود يتخطى مفاهيم المكان والزمان كما نفهمها ..

وممكن اختباره في أي مكان أو زمان عندما تتوفر الشروط المناسبة لذلك .. وتقنيات طرق الحكمة هي التي تساعد على توفير هذه الشروط .

 

- طرق الحكمة ومدارسها توجه انتباه التابع لها دائماً نحو داخل ذاته لا خارجها ..

 

لأن طرق الحكمة تعلم أن الواقع الفعلي هو موجود في أعماق الإنسان والعالم الذي يعيش فيه هو وجود سطحي ..

أشبه بوجود الأمواج على سطح البحر ..

لذا لكي يتمكن المرء من اختبار الواقع الفعلي فعليه أن يغوص في أعماق نفسه كما يغوص من يسبح على سطح المياه إلى الأعماق ليتمكن من معرفة ما هو موجود في الأعماق .

فكل طرق الحكمة تعلّم أنه لا خروج إلا بالدخول ..

وإن الغوص في أعماق الذات ممكن بمعرفة النفس ومكوّناتها ومركباتها وطبقات الوعي المكونة لها .. ثم بتجاوز هذه الطبقات .

وتقنيات الممارسة في طرق الحكمة هي التي تعلّم التابع كيفية الغوص في الذات .

 

- طرق الحكمة ومدارسها جميعاً تقوم على الخبرة المباشرة وليس على الاعتقاد والتصديق .

 

الاعتقاد والتصديق لدى مدارس الحكمة هو مجرد مقدمة لبداية الطريق فقط يتم تجاوزها بالضرورة بأن يسعى التابع لها بأن يختبر بنفسه ما تم الحديث عنه ..

يحدث الاختبار بشكل تدريجي وبسيط ولجوانب هنا وهناك من الواقع الكلي .. وتزداد هذه الاختبارات كلما تعمق السالك أكثر وزادت ثقته أكثر وكلما تمكن من تجاوز طبقات ذاته أكثر ..

طرق الحكمة تقوم على الخبرة والمشاهدة المباشرة ولا تقوم على الاعتقادات والتصديق ولهذا فهي علم ..

فالعلم لا يقوم ولا يأخذ  إلا بما يتم اختباره فعليا .

وكذلك الأمر بالنسبة للحكمة وغايتها .. كما أوضحنا ذلك في رسالة الخروج إلى الداخل في قسم الحكمة والعلم .

 

بعد أن فهمنا السمات المشتركة الأساسية لمدارس الحكمة سنتحدث الآن عن بعض هذه الطرق ومسمياتها في عدة ثقافات ..

من خلال معرفة هذه المسميات يمكن البحث عنها والتعمق أكثر بأنواعها ومدارسها وتفاصيلها .. وعند ما يُعرف ذلك سيسهل معرفة طرق وتقنيات كل منها أو بعضها  .

بطبيعة الحال نحن لن نتحدث عن تفاصيل هذه المدارس ..ولا تعريفها ولا فكرها ولا تاريخها ولا شخوصها البارزين .. لأن هذا أمر يتطلب بحث يتسع لمجدات لا تحصى .. ومدار نقاشات واختلافات لا تنتهي !

وكما يعلم القارئ الآن فنحن توجّهنا دائماً هو توجّه عملي ..مختصر .. ومركّز .

نحن نذكر هنا الأسماء ونترك للقارئ حرية البحث والوصول للحقائق التي تقنع عقله ويطمئن لها قلبه .. ولا نريد التدخل في ذلك .

تسمى مدارس الحكمة أحياناً .. بمدارس الإشراق .. التصوف .. العرفان ..الغنوصية .. المدارس الروحانية .. الباطنية ..الخ

 وباللغة الإنجليزية يطلق عليها :

Mysticism , Occult ; Gnostism ; Esoteric  etc..

 

تنوع لا نهاية له ..

 

من المهم أن يفهم القارئ بأننا عندما نتحدث عن مدارس الحكمة وأنواعها فلا يوجد هناك تعريف محدد لما يمكن اعتباره أنه مدرسة من مدارس الحكمة وما لا يمكن اعتباره ..

ولا يوجد اتفاق بين الباحثين والممارسين فيما كان  أياً منها يعتبر مدرسة من مدارس الحكمة وبين ما لا يمكن اعتباره كذلك ..

لا يوجد اتفاق  ولن يوجد اتفاق !

لهذا فالباحث في هذه المدارس سيجد أنواع لا تعد ولا تحصى من التوجهات التي تعتبر مدارس للحكمة عند البعض ولا تعتبر كذلك عند البعض الآخر والأمر كله يعود لفهم كل باحث وممارس لما يعنيه بالحكمة والممارسة الروحانية .

وحتى المدارس التي يتفق الأغلب على أنها من جملة مدارس الحكمة فهي تتفرع في داخلها لفروع وتوجّهات لا تكاد تُحصى أو تعرف .

ما السبب في ذلك ؟

 

السبب في ذلك هو تعقيد النفس الإنسانية نفسه ..

السبب في ذلك هو تنوع المشارب والمفاهيم والقدرات الذهنية والإمكانات النفسية عند البشر.. وتنوع الأسباب والظروف التاريخية التي دعت لظهور وانتشار هذا التوجه وهذه المدرسة وانقراض تلك .

وكل ذلك ناتج عن طبقات الوعي التي تحيط بالوعي !

لذا فنحن ننصح الأخ السائل ألا ينشغل في محاولة تحديد ما لا يحدد .. وحصر ما لا يمكن حصره .. والانغماس التام بمحاولة فهم كل أنواع وأشكال هذه المدارس في كل ثقافة وكل دين .. إلا إن كان راغباً في البحث  لذاته .

وبطبيعة الحال فإن مثل هذا البحث لا يخلو من الكثير من الفوائد بفهم الأسس الفكرية والأسباب التاريخية وفهم العلاقات التي تربط بين هذه المدارس وبين الثقافة والديانة التي خرجت منها وكذلك بين المدارس الكبرى وبين تفرعاتها ..

إن مثل هذا البحث يساهم في تعميق الفهم وتوضيح الكثير من المسائل المنغلقة .

ولكننا نحن نكتب هذه الرسالة ونوجّهها لمن لا يعنيه كل ذلك !

نحن نوجه هذه الرسالة الموجزة للراغبين بصدق للسير على طريق الحكمة ولا يعنيهم البحث النظري .. ولا يهمهم  المعاني والتعاريف والمسميات ..

نحن نوجه هذه الرسالة لمن يريد أن يحظى ولو بلمحات عن الواقع الذي يتجاوز هذه الشبكة المتفاعلة .. الراغب في الخوض في جوهر الأمر لا في فروعه ..

نحن نوجه هذه الرسالة للإنسان الذي يريد أن يعرف تقنيات محددة يمكنه ممارستها لكي يتمكن من مشاهدة لمحات عما يتجاوز الواقع المحدود المحيط به ..

ونحن سننصح بالممارسات التي نعرفها والتي مارسناها  واختبرناها بأنفسنا ..

دون أن ندّعي أنها هي التقنيات الوحيدة الصالحة .. بل على العكس فلكل مدرسة أسلوب يتناسب تماماً مع المنتمين له .

باختصار نحن نوجه هذه الرسالة للسالكين الفعليين ..

لمن يريد أن يسير على طريق الرحلة ولا يكتفي بدراسة الخارطة !

لهذا فكل ما نستطيع ذكره هنا بأن السمات التي حددناها أعلاه للفارق بين مدارس الحكمة وبين الأديان هي خصائص كافية تساعد القارئ على التفريق بين ما يمكن اعتباره مدرسة من مدارس الحكمة وما لا يمكن اعتباره .

ولكن حتى لا ندع القارئ حائراً ..

سنذكر بعض أشهر أسماء المدارس التي يُتفق على إنها من مدارس الحكمة مع ذكر أسماءها بالإنجليزية ونترك للقارئ حرية البحث عنها والتعمق فيها ..

ممن يشتهر ويتفق على أنه من مدارس الحكمة :

الطرق الصوفية .. العرفان .. الهرمسية .. القبالا ..  الغنوصية .. إيكاجارا ..الماهايانا .. الزن .. الفاجرايانا .. اليوغا .. التانترا .. الفيدانتا ..

وبالإنجليزية :

Sufism, Hermitism , Kabala , Gnostism , Ekagara , Zen , Vajryana , Mahayana , Yoga , Tantra , Vedanta

 

 

تداخل و اختلاط وسوء فهم

التشويه بسبب الانحراف ..

 

كما ذكرنا فلا يوجد اتفاق شامل ومحدد لما يمكن اعتباره مدرسة من مدارس الحكمة وما لا يمكن بين الباحثين والممارسين..  

وهو أمر يبدو مُحبطاً للبعض ..

ولا ينتهي الأمر عند ذلك !

ما يزيد الأمر إرباكاً هو أن هناك تداخل واختلاط في الفهم بين ممارسات مدارس الحكمة وبين ممارسات أخرى غامضة وغريبة .. وأحياناً مريبة ..!

هذا  التداخل بالذات هو الذي يشوّه صورة مدارس الحكمة في الأذهان ..

وهو أحد أهم الأسباب لنفور الكثيرين من توجّهات طرق الحكمة ..

وهو أحد أهم الأسباب التي تدعو البعض للنظر لمدارس الحكمة بنظرات يشوبها الشك والريبة والاتهام .

وسنذكر هنا بعض هذه الممارسات التي تتداخل مع طرق الحكمة وتسبب هذا الخلط وسوء الفهم :

- ممارسات تتركز حول معرفة المستقبل والأحداث التي ستقع لفرد أو جماعة أو حتى أمة :

وهي أنواع كثيرة منها التنجيم .. قراءة الكف .. قراءة الفنجان .. التارو .. علم الرمل وغيرها

- ممارسات تتركز حول معرفة المغيّب والخفي في المكان أو الزمان .. أو ما خفي من سمات الأنفس :

وهي أنواع منها الرؤية عن بعد .. السماع عن بعد .. الإحساس عن بعد .. كشف الكنوز..  قراءة الأفكار .. المندل ..  وغيرها .

- ممارسات تتركز حول العلاج والشفاء من الأمراض الجسدية والنفسية :

وهي أنواع منها العلاج الروحاني .. الرقيّة .. إخراج اللبس الشيطاني والروحاني  .. الريكاي .. الإيحاء .. التنويم المغناطيسي .. وغيرها .

- ممارسات تتركز حول التأثير على الأحداث :

وهي أنواع كثيرة ومتداخلة .. منها السحر .. الطلاسم .. السيمياء ..علم الأعداد .. وغيرها .

- ممارسات تتركز حول الاتصال مع عوالم خفيّة وكائنات أخرى :

وهي أنواع منها .. تحضير الأرواح .. تسخير الجان .. الاتصال بروحانيات الكواكب ..  الويجا .. وغيرها .

 

الصدق والضلال ..

يعلم القارئ كما يعلم الكثير من الناس أن كثير من هذه الممارسات هي مجرد هراء وتضليل ..

وأن الكثير من النصّابين والسارقين والمحتالين وذوي المصالح الذاتية يدّعون براعتهم في بعض من هذه الممارسات .. وكثيرون هم من ضُللوا تحت تأثير دعاوى هؤلاء الأفاّقين ..

ولعل بعض القراء اكتشفوا بأنفسهم سخافة وكذب وجهل كثير ممن ادعى القيام بهذه الممارسات .

ولكن مع ذلك ..

ومن منطلق معرفتنا وخبرتنا المباشرة .. فليس كل هذه الدعاوى هي هراء ..

وليس كلها احتيال ونصب ..

هناك حقائق وراء ذلك !

وهناك فعلاً من هم قادرون على تحقيق ما يدّعون من معرفة المستقبل أو التأثير على الأحداث أو الاتصال مع كائنات أخرى ..

فليس معنى أنه هناك من يدّعي العلاج الكاذب .. إنه لا يوجد أطباء حقيقيون .

وليس معنى أن هناك من يدّعي الفن..  إنه لا يوجد فنانون حقيقيون .

وليس معنى أنه هناك الكثير من الكاذبين ..أنه لا يوجد صادقون .

إنه أمر بالغ الحساسية والدقة بين الصواب والكذب .. بين الادعاء وبين الحقيقة ..

من خبرتنا المباشرة نعلم ونشهد بأن هناك خطوط رمادية بين الصواب الأبيض .. والضلال الأسود !

وهو أمر سيكتشفه السالك بنفسه – بعد المران الطويل - عند السير بصدق على طريق الحكمة .

نعم .. هناك فعلاً من لديه القدرة على القيام بهذه القدرات .

ولكنه نادر ..!

نعم ..

الأغلبية الغالبة  العظمى ممن يدّعون هذه الممارسات هم من المحتالين .. والكاذبين .. والمدّعين.. وبعض منهم هم مجرد بلهاء !

ولكن هناك قلة قليلة جداً قادرة فعلاً على تحقيق ذلك ..

وهي نادرة بحيث أنه من بين المئات بل الآلاف من ممن يدّعي هذه القدرات قد يوجد واحد أو اثنان ممن لديهم هذه القدرات فعلاً .

إن هذه حقيقة يعلمها كل ممارس للممارسات الروحية وبعض فترة طويلة من الممارسة سيتأكد منها بنفسه ..

لأنه هو بنفسه سيحظى ببعض المشاهدات التي ستؤكد له إن هذه الأمور موجودة وحقيقية وقد ذكرنا ذلك في رسالة الخروج إلى الداخل عند الحديث عن الأكوان الأخرى والقدرات الخارقة .

 

سبب هذا التداخل وأصله وعلاقته بالممارسة الروحية

 

كما ذكرنا في رسالة الخروج إلى الداخل فإن الواقع الفعلي والحقيقي الذي يتجاوز الشبكة هو واقع واسع بلا حدود .. وهو واقع يقوم على مستويات كثيرة ومتداخلة للوجود ..

وكما ذكرنا هناك فإنه وبعد حد ما لا يمكن حتى وصف هذا الواقع أو تخيّله .

السالك الساعي للسير على طريق الحكمة له هدف واحد لا يحيد عنه..  

وهو الخروج من الشبكة واختبار الواقع الفعلي ثم الرجوع إلى مصدر كل شيء والذي يحيط ويفوق ويعلو كل شيء .. المصدر الأول .. الموجود الحق .

حتى يتمكن السالك من تحقيق ذلك عليه أن يتجاوز طبقات الوعي التي تكوّنه ..

أثناء ذلك يبدأ السالك برؤية ما لم يكن يرى.. وسماع ما لم يكن يسمع ..

وذلك بسبب اتساع مدى الوعي لديه ..

ثم شيئاً فشيئاً يحظى السالك باختبار ما يتجاوز الشبكة ..

عوالم أخرى .. خبرات أخرى .. كائنات عاقلة أخرى ..

وكما ذكرنا هناك أيضاً ..

شيئاً فشيئاً وبعد ممارسة طويلة تبدأ القدرات الخارقة بالظهور على هذا السالك ..

الفارق بين السالكين على طريق الحكمة وبين من يحظون بهذه القدرات هو أن السالكين لا يكترثون لهذه القدرات..

بل يواصلون المسير نحو المصدر الأول الذي يعلو ويحيط ويتجاوز كل شيء ..

هم يعلمون أنها جوانب من المعرفة سيواجهونها بالضرورة في طريقهم وعليهم عدم الاكتراث لها ومواصلة المسير .. فلا طموح يفوق طموحهم ..

ولا هدف يعلو هدفهم .. أبداً .

هم يعلمون في أنفسهم ذلك يقين العلم ..

على عكس الضالين ممن يحظى بشيء من هذه القدرات !

فهؤلاء وبمجرد اتصالهم مع كائنات أخرى أو تملّكهم لبعض القدرات الخارقة للعادة .. ونتيجة للغرور أو الطمع أو لكليهما .. فهم يوجّهون كل اهتمامهم لهذه القدرات ولما يمكن أن تعطيهم إياه من مكانة أو سلطة .. الخ

وهذا نتيجة لمستوى نقص  تطورهم .. ولمستوى عمر النفس الخاص بهم ..

وكما ذكرنا في الرسالة فإن الحكماء يحذرون السالك أشد التحذير من الاكتراث لهذه القدرات لأنه طريق للضياع والضلال والخسران .. وسنتحدث عن ذلك لاحقاً .

وإن هؤلاء الذين يسعون وراء الاكتساب وراء هذه القدرات سيخسرونها لا محالة .. وسيضيعون بسببها .

من هذا يتبين لنا لماذا يحدث الخلط بين هذه الممارسات وبين طريق الحكمة .. وهو خلط وإن كان غير صائب ولكنه مفهوم على أي حال !

فكلا السالكين وذوي القدرات يمارسون ممارسات متشابهه تقول على التركيز على الداخل لا الخارج ..

وهم بذلك يتمكنون من اختراق الشبكة وكنتيجة طبيعية لذلك يتمكنون من الحصول على بعض القدرات ..

الضالون منهم سيؤخذون بهذه القدرات وسيلتفتون لها ..

وهؤلاء هم من سيضيعون بسبب هذا الالتفات وسيفقدون ما اكتسبوه لا محالة ..

السالكون يواصلون المسير نحو الهدف الأسمى .. المصدر الأول ..

أما الآخرون يضيعون ويضلون السبيل .

ولا يوجد هدف أعلى من المصدر الأول .. الموجود الحق ..

ولا توجد قدرة تفوق قدرته ولا علم يفوق علمه ..

فهو مصدر كل شيء وفوق كل شيء ومحيط بكل شيء ..

فلا يوجد كسب أعلى منه لأنه أعلى من كل شيء آخر .

ومن يصل له أو يقترب منه فلن يقدر عليه أحد .. ولن يعجزه شيء .. كائناً ما كان .

فمن ذاك الغبي الذي يترك الأصل ويتمسّك بالفرع ؟ !!

فمن المهم إذاً الفهم بأنه ليس كل من بدر منه شيء من خوارق العادات هو من الضالين .. بالطبع لا ..

فالقدرات الخارقة كما ذكرنا في الرسالة هي نتيجة طبيعة لارتفاع مستوى الوعي ..

الضلال هو بالالتفات لهذه القدرات والسعي من أجلها والتبجح بها والاكتساب منها بأي شكل ..

هذه القدرات عندما تبدر من الصالحين تسمى كرامات ..

وهي حدثت وتحدث للكثير من الأولياء والقديسين والناسكين وهي تحدث بدرجة أعلى للأنبياء ومؤسسي الديانات وتسمى عندها معجزات .

وهي تحدث بدرجة أقل بكثير للسالكين الصادقين كلمحات تأتي وتذهب بسرعة .

 

خلط وتشويه من نوع آخر ..

التشويه بسبب الجهل .

 

بالإضافة لكل ذلك هناك سبب آخر يدفع لتشويه طرق الحكمة ومدارسها ويؤدي إلى نفور حتى الباحثين الصادقين والساعين للمعرفة الصحيحة ..

هذا السبب هو التشويه الذي يسببه الأتباع الجهلة و غير المؤهلين للالتحاق بهذه المدارس وما ينتج عنه من انحراف ..

تقليد أعمى .. جهل وضلال .. وسخافات ..

تكون سبباً لنفور الساعين للمعرفة وصرفهم عن مجرد التفكير في إتباع منهج هذه المدارس .

فكما ذكرنا كثيراً فإن طريق الحكمة هو طريق خاص لمن وصل إلى درجه النضج الذهني والنفسي ..

المشكلة أنه ولأسباب تاريخية كثيرة فإن بعض مدارس الحكمة انتشرت وذاعت في مجتمعات عدة وفي فترات تاريخية معينة أدت لإتباعها من قبل من هم غير مؤهلين بعد من ذوي الأنفس الطفولية والشابة كشكل لممارسة الدين الذين ينتمون إليه ..

وكنتيجة طبيعية لمستوى هؤلاء الأتباع الذهني والنفسي والأخلاقي سيحدث تشويه وانحراف وجهالات.. مدارس الحكمة بريئة منها كل البراء .

فما الذي يمكن توقعه من مجموعة من الأطفال تتدارس فيما بينها دون فهم كتب فلسفية عالية المستوى ؟!

لن يكون هناك فهم ولا معرفة ..

بل مجموعة من الأفكار المشوهة والمنحرفة وغير الصحيحة ..

وكم هائل من الترّهات والسخافات التي لا تتطابق مع ما تنادي به هذه الكتب والتي كتبت من قبل مفكرين عالي المستوى لمفكرين عالي المستوى .

هذا ما حدث فعلاً في التاريخ وفي الكثير من الثقافات ..

حيث انتشرت صور مشوّهة وغير صحيحة لمدارس الحكمة بين عامة الناس وتم إتباعها بطريقة خرقاء وعمياء ..

فمثلاً ..

هناك تشويه عظيم ومريع حدث للكثير من الطرق الصوفية الإسلامية من قبل أتباع جهلة غير مؤهلين لها .. ومعروف قدر الجهالات والسخافات التي نتجت ومازالت تنتج عن ذلك ..

كذلك الأمر في علم وطريق اليوغا ..  والذي تحول على يد الأتباع غير المؤهلين لنوع من رياضات اللياقة البدنية وتخسيس الوزن !

وكذلك الأمر في علم وطريق التانترا .. التي تحول على يد الأتباع غير المؤهلين لطريقة لممارسة التدليك الجنسي !!

على القارئ أن يفهم إن هذه هي نتيجة طبيعية لعبث أخرق من قبل من هم غير مؤهلين في مدارس عظيمة وذات تاريخ موغل في القدم هدفها الأول هو الخروج من الشبكة المتفاعلة واختبار الواقع الفعلي والعودة للمصدر الأول .. حيث كل شيء .

إن هذا التشويه هو سبب أساس لنفور الكثير من الباحثين الصادقين والمؤهلين للمعرفة والابتعاد الكلي عن مجرد مشاركة هؤلاء الجهلة في ممارسة واحدة !

وحتى من يتمكن من هؤلاء الباحثين من التمييز بين الحقيقة الناصعة والهدف الأسمى لطرق الحكمة وبين الممارسات الشاذة والمنحرفة فإن هذا التشويه يدفع بعض الباحثين الصادقين لتجنب إتباع مدارس الحكمة التي هي أقرب لثقافتهم ولمنطلقاتهم الفكرية ..

فمثل هؤلاء الباحثين يختارون السير على طريق أخر وإتباع مدارس من ثقافات أخرى يجدونها أقرب إليهم لخلوها من أشكال التشويه الذي اعتادوا عليه .. وسئموا منه في المدارس التي تنتمي لثقافتهم الأصلية ..

فقد يتبع المسلم طريق اليوغا .. وقد يتبع الهندي طريق القبالا .. وقد يتبع الصيني التبتل المسيحي .. وقد يتبع المسيحي طريق الزن !

كل هذا لتجنب ما تراكم من تشويه في عقلية هذا الباحث لمدارس الحكمة الخاصة بثقافته والتي اعتاد على مشاهدة سخافاتها وجهالاتها منذ الصغر مما يولّد  نفوراً عميقاً تجاهها يكون عائقاً أمام تقدمه على الطريق .

ولا شك إن هذا اختياراً حكمياً وسليماً ننصح به ونشجع عليه ...

فالمهم ليس نوع ولا ثقافة مدرسة الحكمة ..

المهم هو ما يرتاح إليه العقل ويرتضيه القلب .

 

 

طريق الاختيار ..

 

وهنا يُطرح السؤال الهام عن طريقة الاختيار ..

فالباحث عن المعرفة والذي وصل لدرجة النضج التي تؤهله للسعي وراء الحقيقة الكبرى والساعي بصدق لمعرفة الطريق سيربكه المدى الواسع والتنوع الهائل والذي يصعب حصره لمدارس الحكمة ..

أيها أتبع ؟

ما هو الأفضل والأنسب لي ؟

ليست لدي مشكلة مع أساس معتقدي وديني فهل يجوز لي إتباع طرق يُعرف عنها إنها منبثقة من دين آخر ؟

هناك مسميات غريبة عني .. للإله .. للكائنات الروحية .. للمعلمين والمرشدين .. للشخوص التاريخية التي اعتدتها فهل يجوز لي إتباعها ؟

إن كل هذه الأسئلة وكل هذه الحيرة نتيجة لسوء الفهم وضعف التمييز .. والخلط بين الدين وطريق الحكمة .

كما أوضحنا كثيراً فإن طريق الحكمة ليس دين ولا اعتقاد ..

بل طريقة .. أسلوب .. تقنيات تعمل على تحقيق الهدف من كل دين ومعتقد ..

لا يوجد دين لطرق الحكمة .. كما إنه لا يوجد دين للرياضات البدنية !

فكل الرياضات البدنية .. السباحة .. ألعاب القوى .. ألعاب الكرة .. كلها رياضات مختلفة  لها هدف واحد وهو الحفاظ على اللياقة البدنية والصحة الجسمانية والاستمتاع ..

كل منها طريقة مختلفة لتحقيق نفس الهدف ..

وممارسة أياً منها سيؤدي لتحقيق نفس الهدف .

وكل منها تستهوي فئات مختلفة من البشر التي تفضل وتنجذب لبعضها أكثر من البعض الآخر .

كذلك الأمر لطرق الحكمة .

فكل طرق الحكمة ومدارسها لها نفس الهدف .. وهو الخروج من الشبكة واختبار الواقع الفعلي والعودة للمصدر الأول .

ولا يمكن أن يكون الأمر إلا كذلك .. فلا يوجد فعلياً وموضوعياً إلا واقع واحد .

لذا فإن معيار اختيار السالك هو السالك نفسه .

عليه ألا يختار ولا يتبع إلا ما يستقر في نفسه .. ويرتضيه ضميره .. ويقتنع به عقله .. ويتقبّله قلبه قبولاً حسناً.

نعيد هنا ونؤكد على السبيل الوحيد .. والآمن .. والسريع لاختيار طريق الحكمة ..

لا تختر ولا تتبع إلا إلى ما يرتاح إليه عقلك ويرتضيه قلبك وتستقر له نفسك .

وعلى السالك أن لا يخشى هذا التنوع .. ولا يرتبك بسببه بل على العكس فإن هذا التنوع عندما يُفهم حق فهمه فسيكون مصدر لمزيد من الغنى والثراء .. واليسر والاستمتاع .

وعلى السالك ألا يخشى ولو للحظة واحدة من خطر اختياره الطريق الأنسب .

لأنه من المؤكد واليقيني الذي لا شك فيه أن السالك الصادق والراغب بشدة للمعرفة ستأتيه المعرفة التي يحتاجها وسينفتح الطريق الأنسب له أمامه تماماً بطرق لا تعد ولا تحصى ..

لقد أكد الأنبياء والحكماء على ذلك ..

وشهد السالكون - ونحن منهم -  على صدق ذلك من خبراتهم الخاصة .

فهناك من سيختار الطريق الأقرب لثقافته نتيجة للوراثة من المحيط أو الاقتناع الشخصي ..  كأن يختار المسلم طريق التصوف أو العرفان متبعاً عائلته وأسرته  .. ويختار الهندي طريق اليوغا متبعاً قومه .. ويختار الصيني طريق الزن تابعاً لأهله ..

يأتي ذلك بشكل تلقائي لطيف يشعر به السالك في نفسه بأنه الأنسب له .

وقد يختار مسلم آخر طريقاً آخر غير التصوف بحيث تتشكل الظروف والأحداث لينفتح أمامه طريقاً آخر سيجده أمامه وسيكون هو الأنسب له .

إن اختيار الطريق هو أشبه بعلاقة الحب !

أنت تحب لأنك تحب .. ولا تعلم لماذا تحب ذلك الشخص أو الشيء..

ولكنك تستشعر هذا الحب في نفسك ..

أنت تعلم وحسب !

فالمهم هو الصدق والرغبة المستعرة التي لا تنطفئ ..

عندما يتحقق ذلك كل شيء سيأتي تلقائياً ..

ولهذا السبب بالذات كما ذكرنا فقد تعمدنا أن نتجنب ذكر طريق ما وتحديد تقنية ما  في رسالة الخروج إلى الداخل حيث أننا أردنا أن نتجنب إرباك القارئ والتدخل في الاختيار الخاص به .

ولعل السبب الذي أوصل لك هذه الرسالة .. وجعلك تصل معنا حتى هنا هو الذي يطرح أمامك الطريق المناسب لك .

وكما أوضحنا ذلك من قبل فنحن لا نعلم كل شيء ..

وعليك مهمة ..

لابد أن تنجزها وتنجح بها..

أن تتبع ما ننصح به كمجرد طريق للإرشاد ..

وعليك أن تتبع ما تراه مناسباً لك أنت .

كن شجاعاً وتحمل مسؤولية نفسك !

واعلم أن هناك من سيرشدك ويسدد خطاك ..

المصدر الأول .. الموجود الحق .

الذي يعلم كل شيء .. ويحيط بكل شيء .

فيما يلي سنشرح بالتفصيل التقنيات التي يمكن للقارئ المهتم بممارستها ليبدأ رحلته على طريق الحكمة ..

سنتحدث في البدء عن نوعي التقنيات التي ننصح بها وعن أهم النقاط التي يجب أخذها في الاعتبار عند الممارسة .

 

 >>

 

 


مقدمة
                             -  البحر وأعماقه
                             - ضرورة وأسباب التعميم
                             - سالك وليس حكيم
طرق ومدارس الحكمة
                            -  تنوع لا نهاية له
                            -  التشويه بسبب الانحراف
                            -  الصدق والضلال
                            -  التشويه بسبب الجهل
                            -  طريق الاختيار
مدخل التقنيات
                           - نوعا التقنيات
                           - التقنيات المقيّدة
                           - التقنيات الحرة
                           - ضرورة المداومة
التقنيات المقيّدة :
                            - الاستعدادات
                                         توقيت الجلسات
                                         تحديد الوقت
                                         دفتر التسجيل
                                         أجواء مساعدة
                                         وضعيات الجلوس
                             - تمرين التركيز
                             - تمرين الخيال وتفعيل الحواس الخفية                                       
                             - تمارين التنفس
                                          التقنيات الأساسية
                                           تنفس المنخرين التبادلي
                                          تنفس الحجاب الحاجز البطني
                                          التنفس الفقري
                                         
                             - التانترا
                                         طريق التانترا
                                         مدارس التانترا
                                         إيقاظ الكوندليني
                                         مبدأ إيقاظ الطاقة الكامنة
                             - التأمل
                                         الذات
                                         الاستغراق في الشبكة 
التتقنيات الحرة :
                             - مدخل
                                         الحكمة ومحور الحياة
                            - التذكّر الدائم
                                           سيد الواعظين
                                           الصلاة
                                           نظرة إلى السماء
                            - التعلّم الدائم
                            - مراقبة وتصفية النفس
                                          مراقبة النفس
                                          تصفية النفس
                                         المرآه البيضاء والمرآه السوداء
                           -  التفكّر الدائم
                           -   التفريغ النفسي
                           -  مصاحبة السالكين
                    
التقييم والمتابعة     
 العوالم الأخرى وخبرتنا معها
                             - ما نختبره لا ما نؤمن به
                             - الكائنات السفلية
                             - حرّاس الشبكة
                              - الكشف
                              - الخلط بين الواقع والخيال
                              - طريق تجنب الخلط
                              - لا خطر على السالك
 المخاطر الأساسية :
                              - مدخل
                              - الخوف
                              - الانحراف
                                              صعوبة التمييز
                                              طريق التمييز
                                              ضلالات أكثر من واقع
                                              ضرر وخطر وانحراف
                                              المعارف العليا والطريق الصحيح لتحصيلها
                              - الوهم
                                             كيفية استحكام الوهم
                                             أشكال من الأوهام
                                              ليست كلها أوهام
                                             التمييز بين الحقيقي والوهمي وصفات التمييز
                                             انعدام الدليل لانعدام صفات التمييز
                                             بحر الأوهام والماتريكس
                                             أوهام السالك وكيفية مواجهتها
                                             توالي الأوهام
                                            حرق الأوهام وطريق الحكمة
                              - اليأس   
مخاطر وأعراض أخرى :
                             -  مدخل
                             - الارتباك الشديد
                             - التصلب في التعامل
                             - الاشمئزاز من الشبكة ومافيها
                             - الكآبة وفقدان حس السعادة والاستمتاع
 خاتمة
 تنزيل رسالة على الصِراط