" ما أوجد الله
أعظم من الخيال منزلة ولا أعم حُكماً .. يسري حكمه في جميع
الموجودات والمعدومات من مُحال وغيره .. فليس للقدرة الإلهية
فيما أوجدته أعظم وجوداً من الخيال .. ومنه ظهرت القدرة
الإلهية
محي الدين ابن عربي |
التقنيات المقيّدة
تمرين الخيال وتفعيل الحواس الخفية ..
هذا تمرين بالغ الأهمية والغموض ..
وهو التمرين الذي يساهم مساهمة فعالة في توسيع وعي السالك وتمكينه
بعد الممارسة الطويلة من إدراك مدى أوسع من المدى الذي يدركه
للواقع ..
كل إنسان يدرك الواقع المحيط به من خلال الحواس الخمسة .. البصر ..
السمع .. اللمس .. الشم .. والتذوق .
ولكل حاسة من هذه الحواس مدى محدد لا تدرك ما هو أعلى منه ولا ما
هو أدنى منه ..
فمثلاً .. البصر لا يدرك ولا يرى الضوء أو الموجة التي يزيد ترددها
عن اللون البنفسجي أو يقل عن اللون الأحمر ..
البصر أعمى فوق وتحت هذا المدى .. لا يرى شيئاً ..
وكذلك الأمر في الحواس الأخرى جميعها ..
هذا التمرين يهدف إلى توسيع هذا المدى بالتدريج ..
وهو تمرين هام وحساس يتطلب المثابرة والمواصلة الطويلة حتى يأتي
بمفعوله ..
وهو تمرين ممتع ..
يقوم هذا التمرين على تقوية المدى الذي تفعل به الحواس الخمسة
وتوسيع مداه بتمرين خاص لكل حاسة ..
الحواس جميعها مهمة ولكن الأهم بينها هي البصر .. السمع .. اللمس
..
يمكن للسالك أن يختار التركيز على هذه الحواس الثلاث فقط إن شاء ..
ويمكنه أن يواصل التمرين للحواس جميعها .
كيفية التمرين :
يبدأ السالك هذا التمرين بوضعية مريحة له سواء جالساً أو ممدداً ..
يأخذ دقيقة في التنفس بهدوء وإعداد عقله ونفسه لبدء التمرين .. هذا
الإعداد يساعد على تحسين النتائج وبرمجة العقل ..
نبدأ بالبصر ..
البصر :
تمرين البصر هو شبيه بتمرين التركيز ويقوم على وضع صورة بصرية لشيء
ما يختاره ..
الفارق بين هذا التمرين وتمرين التركيز أننا هنا لا يهمنا تثبيت
الفكر على صورة واحدة فقط .. المهم هنا أن تضع أمامك صورة ما معقدة
أو بسيطة ..
مثلاً منظر البحر .. منظر حديقة .. إنسان يمشي .. حيوان واقف .. أو
أي شيء آخر
يفضل اختيار الصور المحببة للنفس لأنها تساعد في الانتباه .
ليأخذ السالك وقته في اختيار الصورة وتفاصيلها .. مثلا يختار صورة
رجل عمره خمسين سنة يلبس قميص لونه كذا وشعره لونه كذا .. الخ
فليحدد تفاصيل الصورة التي يختارها ..
الآن ..
بعد اختيار الصورة المرغوبة على السالك أن يحاول أن ينظر لهذه
الصورة في خياله بكل تفاصيلها ..
عليه أن يحاول أن يجعلها واضحة في ذهنه كل الوضوح وكأنه يراها
بالفعل ..
بطبيعة الحال الصورة المتخيلة لن تكون في ذهن السالك كالصورة
الحقيقية التي يراها بعينيه .. حيث تكون الصورة المتخيلة أكثر
بهوتاً وضبابية من الصورة الحقيقية والتي تكون أكثر وضوحاً وحدة
..
المطلوب هو أن تنظر لهذه الصورة المتخيلة وتجعلها واضحة في خيالك
وكأنك تراها بعينيك .. واضحة وحادة ..
سيندهش السالك عندما يلاحظ إنه بعد الممارسة البسيطة سيجد أن الصور
المتخيلة والتي كانت في البداية تبدو مهزوزة وباهته تصبح أكثر
وضوحاً وحدة ..
نتائج هذا التمرين تظهر بسرعة كبيرة على عكس نتائج تمرين التركيز
الذي يتطلب وقت أطول ..
كلا التمرينين يساعدا ويقويّا بعضهما البعض كما سيلاحظ السالك ..
المهم في هذا التمرين أن يحاول السالك أن يجعل الصورة المتخيلة في
ذهنه واضحة أمامه كل الوضوح وكأنه يراها بعينية ..
عليه أن يقوم بذلك بكل هدوء وباستمتاع ..
عليه أن ينتبه ويدقق حتى في تفاصيل الصورة المتخيلة وليس بشكلها
العام فقط ..
التفاصيل مهمة في هذا التمرين ..
فمثلاً لو كان يتخيل صورة إنسان مثلا ..
عليه أن يدقق في تفاصيل هذا الإنسان .. شكله .. جسمه .. شعره ..
ملابسه .. التجاعيد في وجهه .. حذائه .. الغبار الذي على حذائه
..الخ
وهكذا ينظر للتفاصيل ويجعلها واضحة وكأنها أمام عينيه فعلا ..
ليختار السالك المدة المناسبة لهذا التمرين .. مثلا خمس دقائق أو
أكثر ..
خمس دقائق جيد ..
كلما طالت المدة كلما كان أفضل .. على ألا يرهق السالك نفسه ويحافظ
على الاستمتاع دون شد أو إرغام ..
بعد الانتهاء من حاسة البصر ننتقل للحاسة الأخرى ..
السمع :
الفكرة هي نفسها وهي جعل الواقع المتخيّل بقوة ووضوح الواقع
الحقيقي ..
في حاسة السمع على السالك أن يختار صوت ما بسيط ومألوف .. مثلاً
صوت جرس .. دقات ساعة .. خطوات مشي .. أي شيء من هذا القبيل ..
يجب تجنب الأصوات المعقدة .. كالكلام .. أو الأغاني ..
ليأخذ السالك بعض الوقت في تحديد نوعيه هذا الصوت وتفصيله ..
بعد اختيار الصوت على السالك أن يحاول أن يصيغ السمع لهذا الصوت
المتخيل ..
الصوت المتخيل بطبيعة الحال سيكون خافتاً وباهتاً .. على السالك أن
يحاول أن يقوي الصوت في خيالة حتى يجعله وكأنه يسمعه بالحقيقة ..
المهم هو تقوية السمع المتخيل لدرجة تقارب السمع الحقيقي ..
ليواصل السالك إصاغة السمع لمدة تعادل المدة التي قام بها في تمرين
البصر ..
ننتقل الآن لحاسة أخرى ..
اللمس :
نفس الطريقة التي قمنا بها في التمرينين السابقين ولكن الآن لحاسة
اللمس ..
على السالك أن يختار ملمس لشيء ما ..
أي أنه يختار أن يلمس جسماً ما .. مثلاً ملمس القطن .. الفرو ..
فرو حيوان .. رمل الشاطئ .. ملمس الخشب .. أي شيء آخر من هذا
القبيل ..
ليأخذ بعض الوقت في تحديد الشيء الذي اختاره ..
عليه الآن أن يحاول أن يتخيل أنه يضع يده على هذا الشيء وأنه
يستشعر هذا الملمس ..
من الجيد أن يقوم السالك بتحريك يداه وكأنه فعلا يلمس شيء ما ..
عليه أن يحاول أن يجعل من الملمس المتخيل وكأنه ملمس حقيقي يلمسه
بيده ..
بكل وضوح وحدة .. وبالتركيز على التفاصيل البسيطة جداً ..
ليواصل السالك تلمس هذا الشيء المتخيل لمدة تعادل المدة التي قضاها
في التمرينين السابقين ..
الحواس الثلاث .. البصر والسمع واللمس هي الحواس الأهم عند الإنسان
..
يمكن الاكتفاء بذلك ويمكن الاستمرار في هذا التمرين ليشمل الحاستين
الأخرتين .. الشم والتذوق ..
ننصح بالمواصلة ..
على نفس الطريقة للتمارين السابقة يستمر الأمر ..
الشم :
يقوم السالك الآن باختيار رائحة ما ..
رائحة برتقال .. تفاح .. موز .. منظف ما .. أي رائحة بسيطة ومألوفة
..
ويقوم بنفس العمل وهو محاولة أن يجعل الرائحة المتخيلة وكأنه يشمها
في الحقيقة ..
يمكن للسالك أن يحرك أنفه وكأنه يشتم شيء بالفعل .. هذا التحريك
يساعد .
يواصل بذلك لمدة تعادل ما قام به من قبل .
التذوق :
وكذلك الأمر في حاسة الذوق باختيار نكهة ما .. ملح .. سكر .. شيء
حامض .. حلوى ما .. أو أي نكهة بسيطة ومألوفة ..
يتخيل السالك أنه يضع هذا الشيء في فمه ويحاول أن يتذوق هذا الطعم
المتخيل وكأنه يتذوقه بالفعل ..
يمكن للسالك تحريك فمه ولسانه وكأنة يتذوق شيء بالفعل ..
إن هذا التحريك يساعد .. كما
أنه يساهم في الاستمتاع بهذا الطعم !
يواصل السالك باستطعام هذا الشيء ويدقق تمام التدقيق في كل
التفاصيل ..
المهم في كل هذا التمرين أن يحاول أن يجعل السالك الحاسة المتخيلة
تكون بنفس قوة وحدة الحاسة الحقيقية ..
ينتهي هذا التمرين بذلك ..
البعض يطالب السالك بعد مدة من الممارسة على تمرين الجمع بين
الحواس ..
الجمع بين الحواس :
إذا اختار السالك ذلك ففي هذا التمرين يقوم بجمع بين أكثر من حاسة
معاً ..
مثلاً يختار أن ينظر لشيء ويسمعه ويلمسه في نفس الوقت ..
مثلا أن يختار أن ينظر لقطة صغيرة في خيالة وفي نفس الوقت يسمع صوت
مواءها وحركتها وفي نفس الوقت أيضاً يتلمس فروها وجسدها وحرارتها
..
ويحاول أن يجعل هذه الصورة المتخيلة المركبة وكأنه حقيقية بالفعل
.. بنفس الوضوح والحدة ..
بهذا فالسالك يجمع الحواس الثلاث البصر والسمع واللمس في صورة
واحدة ..
ويمكن أن يختار السالك مثلاً أن يتخيل أمامه تفاحة وانه يلمسها
ويرفعها لأنفه ثم يشتم رائحتها الزكية ثم يأكل منها قضمه ويتذوق
طعمها اللذيذ ..
بنفس الوضوح والحدة وكأنه يفعل ذلك على الحقيقة وسيساعد تحريك اليد
والأنف والفم ..
بهذا فالسالك يجمع بين الحواس الأربع .. البصر واللمس والشم
والتذوق ..
وهكذا ..
يمكن للسالك اختيار أن يجمع بين الحواس كما يشاء ..
المهم هو وضوح الصور والحواس المتخيلة .. والتدقيق في أبسط
التفاصيل لكل حاسة ..
تمرين الجمع هذا له تأثير أقوى على الخيال .. وله تأثير ونتائج
هامة تأتي بالممارسة ..
ننصح أن يكون تمرين الجمع هو تمرين مستقل يأتي بعد تمرين الحواس كل
على حدة ..
بهذا ينتهي هذا التمرين ..
وهو تمرين بالغ الأهمية وله تأثيرات هامة ستظهر لاحقاً على السالك
..
وهو يقوي الخيال بشدة وسيلاحظ السالك كما ذكرنا أن خياله يصبح فعلا
أقوى وأسهل حتى في حياته العادية .
ننتقل الآن لتمارين هي أكثر عمقاً على كيان السالك .
تمارين التنفس .
|
الرئيسية | المكتبة | اتصل بنا |