|
التقنيات الحرة .
مصاحبة المهتمين بطريق الحكمة والابتعاد عن
الجهلاء .
مهما كان السالك شجاعاً ومقداماً في سيره على طريق الحكمة فهو لا شك جزء من
مجتمع كبير في شبكة هائلة ومعّقدة ومتداخلة ..
وهو كأي فرد في هذه الشبكة الرهيبة على اتصال مباشر ومتواصل مع كل ما فيها
ومن فيها ..
شاء أم أبى .. اعترف أم لم يعترف .. فهو متأثر بمن حوله
.. وبما حوله ..
وكل من حوله وما حوله هم أجزاء من الشبكة ..
والغالبية المطلقة منهم لا يعلمون شيئاً عن الشبكة ولا حقيقتها ..
وحتى إن علموا لم يصدقوا .. وحتى إن صدقوا لم يحملوا كل ما يترتب على ذلك
محمل الجد ..
كل ذلك سببه أعمار الأنفس كما ذكرنا سابقاً .. فطريق الحكمة ليس لذوي الأنفس
الطفولية أو الشابة ..
ولكن الكثير ممن هم في الشبكة هم من ذوي الأنفس الطفولية .. والغالبية
المطلقة منهم من ذوي الأنفس الشابة كما ذكرنا في الرسالة في قسم
أعمار الأنفس ..
وهذا خطر كبير ..
فذوي الأنفس الشابة كالمراهقين تماماً ..
بطبيعتهم مغرورون .. عنيدون .. واثقون من أنفسهم في كل حال .. لا يقبلون
المراجعة .. هجوميون وساخرون ..
لذلك فهم ينظرون لذوي الأنفس الناضجة بالشك والريبة .. والحيرة وعدم الفهم
..
وهذا ما يعزل ذوي الأنفس الناضجة ويسبب لهم كل المعاناة
التي يعانونها وهذا الانطواء الذي يتميزون به .. ويولّد لديهم تلك
النفوس المتعبة والمعقدة والغامضة المشهورون بها ..
وهذا حال ذوي الأنفس الناضجة معهم .. فما
بالك بالسالكين الذين اختاروا طريق الحكمة ؟!
هم يواجهونهم بالاتهامات والسخرية والتهوين .. ويؤكدون لهم ليل نهار على
بطلان توجههم .. وفساد مذهبهم .. وخلل نظرتهم .. وعبث هدفهم ..
وهذا لا شك يؤثر على السالكين شاءوا أم أبوا .. فالكثرة
تغلب الشجاعة !
وهذا التأثير إن لم يُرصد ويعالج في
حينه سيترتب عليه الكثير من المخاطر على السالكين ..
شكوك .. ثم فتور .. ثم تخلي تام عن الطريق الذي اختاروه ..
ليعودوا للغرق معهم في
حبائل الشبكة التي سعوا الخروج منها .
لهذا ..
فالحكماء يحثون السالكين ويشجعونهم على التعارف فيما بينهم .. وعلى تشارك
الهموم والأحلام .. الآمال والمخاوف ..
فتعارف السالكين وتشاركهم الاهتمام والحوار .. والخبرات والمشاهدات ..
يشجعهم على الاستمرار .. ويقوي فيهم الرغبة .. ويحرك فيهم ملكة
التنافس على الهدف الكبير .. ويزيل عنهم الشكوك .. ويخفف بشدة من
تأثير الأغلبية الغالبة ..
في الشبكة المتفاعلة وفي هذا العصر ذوي الأنفس الناضجة هم نسبة قليلة ممن
فيها ..
والسالكون هم نسبة قليلة من الناضجين !
فالسالكون نادرون .. مشتتون في أماكن بعيدة .. لا يعرف بعضهم بعضاً ..
السالكون في هذه الشبكة كالأحجار الكريمة في جبال من
الصخور والطين والرمال ..
والحكماء بين السالكين كالماس بين هذه الأحجار ..
فما أقل عددهم .. وما أندر وجودهم !
لكل هذه الأسباب فنحن نشجع السالك ونحثه بشدة للبحث عمن يشاركونه الاهتمام
بطريق الحكمة ..
ليسعى لهم .. وليتقرب منهم .. وليبذل الجهد لكسب ثقتهم ومحبتهم ..
وليفرح بعثوره إياهم على ندرتهم وقلتهم
وتشتت ديارهم ..
ولينظر لهم كما ينظر للكنز الثمين من الأحجار الكريمة التي لا يفرّط بواحدة
منه .
فإن لهم عظيم الفائدة للسالك ..
فالسالك يقوى بإخوانه .. ويشتد بخلاّنه .. ويزيد بهم استبشاراً .. ويطمئن
بينهم .. ويرتاح لهم ..
يشكي لهم همه .. ويعبر لهم عن مخاوفه .. ويسألهم العون عندما تفتر همته
ويعيل صبره .. فيعينونه ويعذرونه
.. ويشجعونه ويستفزونه .. ويسابقونه على الطريق .. فيزداد بذلك
حماساً وتستعر فيه الرغبة من جديد .
يكون هدف العثور على مهتمين ممن ينتمي إلى مدرسة من مدارس الحكمة سهلاً
نسبياً ..
ولكن هناك من السالكين ممن لا ينتمون لأي مدرسة .. ولا يعرفون أي مدرسة ..
ضائعون .. تائهون ..
هم يسيرون على الدرب وحيدين ..
ومنهم بعض قراءنا الذين كتبنا هذه الرسالة من أجلهم .. هؤلاء سيجدون صعوبة
في العثور على من يشاركهم هذا الاهتمام ..
لحسن الحظ فبوجود الإنترنت – هذا الاكتشاف العظيم – تصبح المهمة سهلة وفي
متناول اليد .. حرفياً !
ففي بضع نقرات يمكن للسالك أن يجد الكثير ممن يهتم بطريق الحكمة .. وممن هم
مهتمين بالتعلم والمعرفة في هذا العلم الواسع إلى ما لا نهاية ..
ويسهل تواصله وتفاعله معهم .. وهذا ما نشجع عليه أشد التشجيع ..
وسيلاحظ الباحث إننا الآن نمر في مرحلة يزداد تدريجياً
فيها الوعي والبحث لشيء جديد بين الناس ..
نحن نمر حالياً بفترة تكثر فيها الحيرة والاضطراب .. وتتشتت فيها الآراء
والاتجاهات من كل صوب واتجاه ..
وسيجد ان هناك الكثير من الناس في العالم الآن يبحثون عن شيء آخر غير ما
يعرفونه واعتادوا سماعه ..
شيء يتوقعون حدوثه ولكنهم لا يعلمون ما هو ..
وكل هذا أمر طبيعي ومتوقع ..
فالبشرية أجمعها تمر الآن بمرحلة بالغة الحساسية ..
كما أوضحنا في رسالة من السماء إلى الأرض هي مرحلة انتقال
من عصر الشباب إلى عصر النضج .. وفي عصر النضج ستكون الأنفس
الناضجة هي الأغلبية الغالبة ممن يعيشون فيه .
هذا التغير الذي يحدث لدى الكثير من الناس هو تغير واضح وملاحظ ..
وهذا مما يسهّل مهمة الباحث في العثور على مهتمين بطريق الحكمة .
في كل الحالات ..
وسواء وجد السالك مجموعه من المهتمين أم لم يجد ..
على السالك أن يعرض عن الجاهلين ..
وعليه ألا يكترث لهم .. وليتجاهلهم ..
وأن لا يسمح لمخلوق كائناً من كان أن يحُبطه أو يثنيه عن
طريق الحكمة ..
فلن ينفعه رضا أحد .. أو إعجاب أحد ..
فالكثير ممن تعرّف على هذا الطريق وفهمه ووقع في قلبه موقعاً حسناً يفرح بما
فهم وتعلم .. يحب أن يشارك الآخرين بما فهم وبما انفتح أمامه ..
ويفرح السالك بالخبرات العجيبة والمذهلة التي يختبرها .. وبالآفاق التي
انكشفت أمامه ..
فيحب أن يشارك غيره فرحته .. ويعبر عما في نفسه من حماس ورغبة .. ويشجعهم
على أن يروا بأنفسهم ما اختبر هو من قبل
..
ولكنهما
يفاجئان منهم بردود باردة .. ويُحبطان
من استحالة إفهامهما إياهم
.. ويُصدمان من عدم اكتراثهم !
وهذا كما ذكرنا أمراً متوقعاً وطبيعياً بحكم طبيعة نفس أغلب من سيحدّثه
المتلقي الجديد والسالك ..
وقد ذكرنا ذلك في الرسالة في قسم أعمار الأنفس ..
لقد علم الحكماء ذلك منذ القدم .. وعلى السالك أن يتبعهم
في ذلك أيضاً ..
عليه ألا يُتعب نفسه في محاولة إفهام من لا يريد أن يفهم
.. ولا يحاول أن يلفت نظر من لا يريد أن ينظر ..
فليحاول مساعدتهم على قدر ما يستطيعون من تلقي .. وليفهم مرحلتهم وليتجاوز
عنهم .. وليعرض عن الجاهلين ..
وليدعهم للشبكة .. فهي تعلم ما ستفعل !
بهذا نكون قد أنهينا الحديث عن التقنيات التي يجب إتباعها .. المقيدة والحرة
..
من السهولة على السالك أن يلاحظ مدى التزامه بالتقنيات التي تتطلب جلسة ..
فهذا أمر بيّن ..
ولكننا نحثه على الاهتمام بنفس القدر لمراقبة التزامه بالتقنيات الحرة التي
لا تتطلب جلسة ..
فمن السهل التخلي عن ممارسة هذه التقنيات كونها حرة ليس لها وقت محدد ..
فيسهل تأجيلها .. والتخفيف منها .. أو تجاوز بعضها .
وهذا لا يجوز ..
فالسالك دون التقنيات الحرة معرّض طوال الوقت لخطر فقدان
الحماس .. والفتور عن الممارسة .. وترك الطريق والعودة للغرق في
حبائل الشبكة ..
ودون تقنية مراقبة النفس وتصفيتها فلا تقدم على الطريق من
الأصل .
التقنيات الحرة هي التي تعمل على الحفاظ على نار الرغبة مشتعلة .. وعلى
تثبيت العزيمة .. وشحذ الإرادة ..
وكما ذكرنا في الرسالة فإن أول شروط الممارسات الروحية
لكل مدارس الحكمة هي الإرادة والعزيمة ..
تظل لدينا ممارسة واحدة أخيرة ..
التقييم والمتابعة ..
|
الرئيسية | المكتبة | اتصل بنا |