|
مدخل التقنيات
بعد كل ما ذكرناه عن الحكمة وطريقها .. حان الوقت لتحديد بعض
تقنيات الممارسة الروحية والتي ننصح بها وقمنا بممارستها وما نزال
.
إن القارئ المتابع لنا حتى هذه المرحلة لابد أنه يعلم إن أسلوبنا
ومنهجنا هو منهج عملي في صميمه .. وهو
يقوم على الاختصار والتركيز والتكثيف والابتعاد عن التفاصيل
والفروع وما ينجم عنهما من إرباك وحجب للجوهر الحقيقي الكامن
وراءهما .
ونحن نلتزم بهذا المنهج أيضاً عند تحديد التقنيات التي سنذكرها ..
لا نريد أن نثقل القارئ بعشرات من التمارين والتقنيات المتنوعة
والمتباينة في مقدار صعوبتها ..
سنعمل على تحديد تقنيات بسيطة وقليلة ومركزة ..
ولكننا لن نكتفي بتوضيح طريقة الممارسة لكل تمرين وحسب ..
بل سنعمل على إعطاء فكرة تساعد على فهم التمرين نفسه .. ولماذا هو
مهم .. وما علاقته بطريق الحكمة .. وكيف يعمل التمرين فيه ..
إن هذا الفهم نراه بالغ الأهمية لأنه يساعد السالك على أن يعلم ما
الذي يفعله بالضبط ..
ويساعد على فهم أسباب ما يعمل .. هذا الفهم بحد ذاته ضروري لإزالة
عوائق الفكر وللحصول على نتيجة أفضل وأسرع من الممارسة .
نوعا التقنيات ..
التقنيات التي ننصح بها تنقسم إلى قسمين ..
نوع مقيّد .. ونوع حر ..
التقنيات المقيّدة هي مجموعة من التمارين تمارس من خلال جلسة
لها وقت ومكان محدد .
التقنيات الحرة هي مجموعة من التقنيات تمارس دون جلسة بل تمارس في
أوقات وأماكن غير محددة .
لا يمكن الاستغناء عن كلا النوعين ..
التقنيات المقيّدة التي
تمارس من خلال جلسة ..
هي تمارين يجب أن يخصص لها السالك وقتاً محدداً في اليوم للقيام
بها .. وهي :
تمرين التركيز .
تمرين تقوية الحواس الخفية والخيال .
تمارين التنفس .
التانترا .
التأمل .
التقنيات الحرة التي لا تتطلب جلسات ..
هذه النوع من التمارين أقرب للسلوكيات منها للتمارين .. وهي تمارس
طوال الوقت وبشكل عفوي دون تحديد جلسة مخصصة لها .
وهي تفوق التمارين
السابقة في الأهمية ..
هي سلوكيات على السالك أن يلتزم بها ويقوم بها ويعمل على تعزيزها
في نفسه في أي وقت من اليوم وهي:
التذكّر .. التذكر الدائم للشبكة وللهدف من اختراقها والسبب للقيام
بذلك .
البحث .. البحث والتعلم في كتب الحكمة .. وفي أشكال المعرفة .
مراقبة وتصفية النفس .
التفكّر .. التفكر المتواصل في الحياة وفي الأسئلة الكبرى .
التفريغ والتنفيس النفسي .
مصاحبة المهتمين بطريق الحكمة والابتعاد عن الجهلاء .. المراجعة والتقييم ..
قبل تعلم هذه التقنيات من الضروري أن نتحدث عن
أهم الأسس التي يجب الالتزام والتقيد بها عند الممارسة لكي يضمن
السالك بالحصول على النتائج المطلوبة من الممارسة ..
ضرورة المداومة
ليس المهم أن يضع السالك أمامه برنامج حافل من التمارين والتقنيات
التي عليه ممارستها في أوقات عديدة من اليوم ..
إن هذا في الأغلب لن يستمر ..
سيصاب السالك بالتعب والملل بعد فترة قصيرة وستبدأ الممارسة
بالتقطّع .. يوم يمارس .. وعدة أيام لا يمارس !
إن هذا هو الخطأ الأكبر ..
وإن القيام به لن يأتي بأي نتائج تذكر ..
لابد من الممارسة المتواصلة دون توقف ..
على السالك أن يلزم نفسه بالقيام بالتمارين التي اختارها وممارستها
بشكل يومي دون انقطاع تحت أي سبب من الأسباب .
السبب في ذلك أن السالك المبتدئ على طريق الحكمة هو ككل البشر
الآخرين .. غارق تماماً في الشبكة .. والتمارين التي سيقوم به هي
ما ستساعده على اختراق هذه الشبكة ..
هذه التمارين تعمل ببطء وهدوء ..
وتتطلب الممارسة الطويلة لكي يبدأ السالك بالشعور بنتائج تذكر ..
يمكن فهم ذلك بأن يتصور السالك أن الشبكة هي أشبه بحائط السجن ..
والتمارين ستقوم بتحطيم هذا الحائط شيئاً فشيئاً .. طوبة بعد طوبة
..
والسالك في حياته اليومية العادية هو على اتصال دائم بالمجتمع وبكل
ما فيه من ضجيج ورسائل تواصل تعزيز بقاءه داخل الشبكة كما ذكرنا ..
الشبكة نفسها تتعزز يومياً من خلال كم هائل من الرسائل التي تصل
إلى وعي السالك ووعيه الباطن تحثه دائماً على التصديق بأنه لا يوجد
إلا الشبكة ..
أي أن حائط السجن يتعزز دوما ويزداد سماكة وارتفاعاً في كل يوم ..
فالتمارين تقوم بإزالة كم ما من هذا الحائط فإذا تم التوقف في
اليوم التالي ستعيد الشبكة هذا الكم الزائل سريعاً !!
لذا فلابد من الممارسة المتواصلة حتى يتمكن السالك من فتح ثغرات في
هذا الحائط العنيد .. ليتمكن من النظر من خلال هذه الفجوات على
لمحات من الواقع القائم خلفها ..
ثم بتوسيع هذه الثغرات تدريجياً .. سيتمكن السالك نفسه من الفرار
من السجن وما فيه .
لذلك فإننا نؤكد على ضرورة الممارسة المتواصلة دون انقطاع .
والطريقة المناسبة لتحقيق ذلك تكون باختيار عدد بسيط ومحدود من
التمارين ثم المداومة عليه .. وهو ما ننصح به ونتوجه إليه ..
الالتزام بالتقنيات كما هي .. التقنيات تعمل دون وعي السالك ..
على السالك أن يفهم بأن التقنيات التي سنبينها هي تقنيات
متناقلة من الحكماء إلى السالكين منذ آلاف السنين ..
جيل بعد جيل تناقل الحكماء والسالكين هذه التقنيات ..
وبعض هذه التقنيات كانت تعتبر من الأسرار التي لا تعطى لكل أحد
وبعضها مازال كذلك ..
لذا فعلى السالك ألا يحاول أن يغيّر ويبدل بها من خلال تعديلات
يتصور في نفسه إنها أنسب عقلاً من التقنيات القديمة !
مارس التقنيات كما هي ولا تحاول التذاكي !
التقنيات هذه هي أشبه بالعلاج الذي يعطيه الطبيب وعلى المريض
الالتزام به دون نقاش ..
فالطبيب يعلم ما يفعل .. وهو أعلم منك في تركيب الجسد ووظائفه وفي
تراكيب الدواء وتأثيراته ..
وكذلك الأمر في هذه التقنيات فهي موضوعه من قبل حكماء تناقلوها عبر
الأجيال وهم يعلمون تمام العلم ما يفعلونه وهم أعلم منا بما يتطلبه
الأمر لكي نتمكن من تجاوز طبقات الوعي التي تحجب عنا الواقع ..
فهم أنفسهم قد تجاوزوا الواقع ويعلمون ماهية هذه الحجب وكيفية
التعامل معها .
كما أن لهذه التقنيات تأثيرات غامضة على جوانب متعددة من كيان
الإنسان ووعيه ونفسه .. ليس بالضرورة أن يتمكن الجميع من فهمها
وخصوصاً المبتدئين منهم .
فقد يميل السالك المبتدأ للتفكر ومحاولة فهم ما هو التأثير الذي
سيفعله هذا التمرين أو ذاك .. وقد يتساءل في داخلة عن أهمية ومعنى
ما يمارسه من تقنيات ..
من المهم أن يفهم السالك إن لهذه التقنيات تأثيرات تتجاوز وعي
السالك .. بل وتتجاوز وعيه الباطن ..
فعليه أن يمارسها كما هي حتى لو لم يفهم ما الذي ستفعله له وما
الذي سيتغير في داخله بفعل هذه التقنيات .. تماماً كما أن المريض
يأخذ العلاج الموصوف له دون أن يفهم بالضرورة ما الذي سيغيره
الدواء في جسده .. ودون أن يعلم كيف سيتفاعل الدواء داخل جسده .
لذا فعلى السالك أن يمارس التقنيات كما هي وهو على ثقة أنها تفعل
في داخله التغيرات التي يحتاجها حتى لو لم يعلم كيف ولا متى .
بعد أن تعرفنا على نوعي التقنيات .. وفهمنا الضرورة اللازمة
للمداومة وممارسة التقنيات كما هي سنتحدث في البداية عن التقنيات
المقيّدة التي تتطلب
الجلسات وكيفية ممارستها ..
|
الرئيسية | المكتبة | اتصل بنا |