العالم  كما يراه  الحكماء النظرة العلمية للعالم من السماء إلى الأرض

  معرفة الواقع كما هو ضرورة حتمية تفرضها المعاناة .

  الحكمة  هي العلم الذي من خلاله تُعرف ماهية الواقع كما هو موجود بالفعل ثم اختباره خبرة مباشرة .

  العالم الذي ندركه هو خيال ووهم  .. وهو يظهر نتيجة الطبقات التي تغلف الوعي .

   عالمنا الذي ندركه لا يمثل سوى شريحة ضيقة بالغة الضيق من الواقع الحقيقى الموجود بالفعل  والموجود هنا والآن .

  عالمنا يحجب الواقع الفعلي ويحبسنا داخل شبكة تفاعلية وهمية  موجودة بالفعل .. ماتريكس .

  نتيجة الجهل وتحت تأثير الشبكة يتقزم الإنسان ويبتعد عن حقيقته الفعلية التي لا حدود لعظمتها .

  يمكن اختراق هذه الشبكة واختبار الواقع الفعلي .. عندما يتحقق ذلك تنتهي المعاناة ويتحرر الإنسان من كل القيود .

  حياة الإنسان هي رحلة  هدفها اختبار الواقع الكلي والعودة للمصدر الأول .. حيث كل شيء .

مقدمة طرق ومدارس الحكمة مدخل التقنيات التقنيات المقيدة التقنيات الحرة التقييم والمتابعة العوالم الأخرى وخبرتنا معها المخاطر الأساسية مخاطر وأعراض أخرى خاتمة
مدخل الخوف الانحراف الوهم اليأس  
           
 

 

المخاطر الأساسية .

الخطر الثالث :

الوهم

 

وهو أكبر الأخطار التي تواجه السالك .. وهو نابع في الأصل من الغرور

وهو أشد الأخطار وأكثرها فتكاً .. وهو السبب في ضياع الكثير من السالكين الصادقين .

الوهم هو الخطر الأكبر ..

الخوف هو أهون الأخطار لأنه ان استحكم في السالك يمنعه من الاستمرار على الطريق .. سيعود السالك للشبكة ويواجه مصيره فيها ..

وهذا أهون من النتائج التي تترتب عن الخطر الثاني ..

ففي الخطر الثاني يتعرض المنحرف لأشكال هائلة من المعاناة بعد أن يغرق تماماً في طريق الانحراف .

ولكن ..

في الانحراف يخرج السالك عن الطريق الصحيح .. وهو يخرج بإرادته وهو يعلم ما يفعل ..

يترتب على ذلك أن يضيع السالك المنحرف بين العالم المدَرك ورغباته وطمعه فيه .. وبين العالم الخفي وقدراته وكائناته ..

ولكن لأن السالك المنحرف يعرف ما يفعل .. ويختار بإرادته طريق الانحراف فإن ذلك سيوفر أمامه الكثير من الفرص التي يكتشف من خلالها الآثار السلبية لاختياره ..

مرة بعد مرة .. فإن هذا السالك المنحرف سيكتشف الضلالات والشرور التي ستتكشف له كلما تعمق أكثر في هذا الاتجاه .

وسيكون لديه الكثير من الفرص لمراجعة نفسه .. والإقرار بالحق .. والعودة عن هذا الطريق المنحرف ..

وهناك فعلاً من اكتشف ذلك وعاد عما فعل .. واعترف بخطأ اختياره .. وخطر اتجاهه ..

فالسالك الذي يعود يكون قد أنقذ نفسه مما سيتعرض له ان استمر أكثر .. حسناً فعل .

أما السالك الذي يكابر ويستمر على انحرافه سيقضي على نفسه كما أوضحنا .

كلما  تعمق السالك أكثر في هذا الاتجاه المنحرف .. كلما أصبح طريق الرجوع أبعد وتطلب الرجوع المزيد من الجهد والتضحيات ..

وهو السبب الذي يؤدي إلى تعاظم الخطر والانغلاق التدريجي لباب الرجعة .

لو تجنب هذا الانحراف منذ البداية لكان أفضل له .. ولوفر على نفسه الكثير من العناء !

الأمر هنا شبيه بالإدمان على المخدرات ..

يبدأ الأمر بإرادة هذا المدمن .. ويكون في بدايته ممتعاً ومثيراً ..

ثم مع استمراره في طريق الإدمان ستظهر تدريجياً الآثار الخطيرة لهذا الاختيار .. شيئاً فشيئاً يفقد المدمن السيطرة على اختياره .

ولكنه يمر بفترات كثيرة للعودة .. ويحظى بالكثير من الفرص للتراجع ..

فإن تراجع يكون قد أنقذ نفسه .. حسناً فعل ..

وإن كابر واستمر في هذا الانحراف .. سيقضي على نفسه ..

كلما  تعمق المدمن أكثر في هذا الاتجاه المنحرف .. كلما أصبح طريق الرجوع أبعد وتطلب المزيد من الجهد والتضحيات ..

وهو نفس السبب الذي يؤدي إلى تعاظم الخطر والانغلاق التدريجي لباب الرجعة .

لو تجنب طريق الإدمان منذ البداية لكان أفضل له .. ولوفر على نفسه الكثير من العناء !

ليس ذلك ما يحدث في الوهم .

في الوهم ينحرف السالك عن الطريق وهو لا يعلم ذلك ..

يدخل في غابة متشابكة من الأوهام والضلالات وهو يظن أنه يسير على الطريق الصحيح ..

يدور في دوائر مغلقة لسنوات وعقود وعند البعض حتى آخر العمر ..

يضل ويضلل الكثير من الناس معه .

ولكن كيف ولماذا يحدث ذلك ؟

 

كيفية استحكام خطر الوهم  في النفس .

 

قلنا أن السالك في طريق خروجه من الشبكة فلابد أن يعود إلى داخل ذاته ..

وعندما يعود لداخل ذاته فهو سيواجه طبقات الوعي التي تغّلفه والتي تحجب عنه الواقع الفعلي .. وسيواجه نقاط الضعف التي فيه والتي لا يعلم عنها شيئاً ..

عليه بكشفها واحدة وراء الأخرى .. وعليه بالتغلب عليها واحدة وراء الأخرى ..

الخبرات الجديدة التي تظهر للسالك الجديد .. تسلب لبّه وتثير حماسه ..

وتتفاعل مع نقاط الضعف التي فيه .. والعُقد التي في نفسه  ..

تصطدم في البدء بالخوف على النفس وبغريزة البقاء ..

والخوف هو أول هذه العُقد وأكثرها وضوحاً وحدة ..

إذا كان الخوف على النفس هي العقدة الأكثر حساسية عند هذا السالك .. فإن السالك سيواجه عائقه الأكبر هنا ..

ومع عبث حراس الشبكة أو بعض الكائنات السفلية التي تعلم ذلك عنه بطريقه ما .. ومن خلال خبرات جديدة ستظهر أنها مخيفه ..

سيستحكم الخوف في نفسه .. وسيمنعه من الاستمرار ..  فيتخلى السالك عن الطريق .

على السالك أن يعود للشبكة .. وعلى الشبكة أن تتكفل بتعليمه ..

وهكذا يعود السالك للأنفس الطفولية والشابة في الشبكة والتي لا تعلم شيء عن هذا الطريق .. ليتفاعل ويتعلم معهم في مدرسة الشبكة ..

في مدرسة الحياة ..

أما إذا تمكن السالك من تخطي هذه العقدة في نفسه .. ستصطدم هذه الخبرات الجديدة ومع تعمقها وتتاليها مع العقدة التالية ..

الطمع .. والرغبات بما في الشبكة من مكتسبات .

هذه العقدة أكثر خفاء و وضوحاً من الخوف ..

وسيصعب على السالك العلم أنه يواجهها .

إذا كان الطمع هو العقدة الأكثر حساسية عند هذا السالك .. فإن السالك سيواجه عائقه الأكبر هنا ..

سيستحكم الطمع في نفسه .. وسيتوغل أكثر في البحث عن هذه القدرات من أي طريق كان ..

ومع عبث الكائنات السفلية وبعض الجن والشياطين الذين يعلمون ذلك عنه .. ومن خلال خبرات جديدة ستظهر أنها مغرية ..

سيدخل السالك في متاهات وضلالات .. وسيتخلى عن الطريق ..

لن يعد سالكاً سيصبح ممارساً لإحدى هذه المعارف .

أما إذا تمكن السالك من تخطي هذه العقدة .. ستصطدم هذه الخبرات الجديدة ومع تعمّقها مع العقدة التالية ..

الغرور .. والتكبر ..

هذه العقدة هي العقدة أكثر خفاء  ووضوحا من الطمع .. وسيصعب على السالك العلم أنه يواجهها ..

وهنا تعبث وتتلاعب الجان والشياطين في عقله مستغلة علمها ذلك عنه ..

سيدخلون له من هذا المدخل .. وسيضللونه بخبث شديد ..

ستتولد عن ذلك الكثير من الأوهام والضلالات التي يضيع فيها السالكون الصادقون .

وكثيرون هم من ضلوا وأضلوا غيرهم ..

وسبب ذلك أن الوهم عندما يستحكم في النفس ويصدقه الممارس وينادي بضلالته يصدقه الناس الآخرين أيضاً لما يجدونه ويستشعرونه من صدق في دعوى هذا المتوهم  ..

الواهم هنا لا يتعمد إضلال غيره .. هو فعلاً وحقاً يصدق ما يدعو به ..

ولأن المتوهم يصدق وهمه فهو لا يطالب الآخرين بالمال أو بالمكاسب .. ولا يسعى لها .. فيزداد تصديق الناس له واعتقادهم به .

وستكون هذه الأوهام واضحة .. ومؤكدة .. ويقينية بالنسبة له ..

وسيرى الكثير مما يعتبره كأدلة وبراهين تؤكد له على صدق دعواه ..

وسيرى رسائل في كل مكان حوله ..

وسيراها لأنه يريد أن يراها .. ولا يريد أن يرى أي شيء يخالفها .

سيفسر عقله له أن كل شيء يراه هو دليل على صدق أوهامه ..

وسيرى عقله الكثير من المصادفات التي سيربطها بوهمه المستحكم ويفسرها له على أنها إثباتات ورسائل ..

ستصله رسائل مما يقرأه ومما يسمعه .. ومن أفكاره وارتباطاتها .. ومن أحلامه وأحداثها .. ومن الأسماء التي تعترض له .. ومن الأحداث التي تقابله .. الخ

ولن تتأخر الكائنات الأخرى عن تزويده بالمزيد !

هذه الكائنات كما ذكرنا لها قدرة كبيرة على التلاعب في العقول .. ولديها علوم تفوق علومنا ..

وفي نفس الوقت لديها القدرة على معرفة شيء مما يدور في ذهن ونفس السالك ..

وستدخل عليه من هذه الأبواب ..

وستقوم بأفعال حقيقية  في عالمنا  يشهد عليها السالك ويشهد عليها غيره تؤكد له أن هناك شيء ما لا يمكن أن يكون صدفة ..

أشياء تتطاير .. أبواب تُفتح من تلقاء ذاتها.. دخان يظهر .. أصوات تُسمع .. روائح تُشم ..  أشياء يتغير مكانها .. كتب تُفتح على صفحات محددة .. أحلام واضحة ومترابطة .. خبرات جديدة تؤكد كل ذلك ..

وقد شهدنا نحن على هذه الأفعال التي تقوم بها الكائنات الأخرى ..

وكثير من هذه الأحداث يشهد عليها الكثير من الناس ممن حول هذا السالك ولا يفهمونها ويخافون منها .

أما السالك المتوهم فيزداد وهمه ترسخاً .. وإيمانه تعمقاً .. ويستحكم فيه هذا الوهم بشده ..

ويستحكم في بعض ممن حوله الذي ينتقل إليهم هذا الوهم فيؤمنوا فيه ويصدقوه ..

وهو في نفس الوقت يتمسك في هذا الوهم بشده لما فيه إشباع لعقدة الغرور فيه !

وتزول بذلك الشكوك التي كانت لديه ..

ويتأكد أن هذا ليس من رأسه .. وأنه لا يمكن أن يكون مصادفة ..

وهي فعلاً ليست مصادفه ..

ولكنها ليست رسائل كما يظن المتوهم .. ولا تأكيد على صدق هذا الوهم كما يتمنى ويريد .

بل هي تلاعب من الكائنات الأخرى التي تهدف إلى إضلاله و إخراجه عن الطريق  وإضلال غيره من الناس ممن ينتقل إليهم هذا الوهم  ..

وبطبيعة الحال هذا السالك المتوهم لا يعلم شيء عن كل ذلك ..

أو بالأحرى لا يريد أن يعلم !

وحتى لو أعلمه وحذره معلمه ومرشده .. أو بعض أهل العلم .. فلن يستمع لهم ..

سيغضب منهم .. وسينفر منهم ..

ولن يعجز عن إيجاد المبررات التي تناقض ما وصله منهم ..

كل ذلك لأن السالك يغذي وهمه بنفسه ..

يتمسك فيه ويتمناه .. ولا يريد التخلي عنه ..

وكل ذلك لأن السالك المتوهم يستلذ بهذا الوهم فهو يشبع العقدة الأكثر حساسية فيه ..

فيعمل عقله و خياله ويضيف الكثير من الأوهام على وهمه ..

وتلتقط الكائنات كل ذلك .. فتتابع معه في تلاعبها في نفس الاتجاه ..

وهكذا دائرة لا تنتهي

هذا ما يحدث مع هؤلاء المتوهمين وهذا السبب وراء كل هذا الصداع !

 

أشكال من الأوهام

 

بعد أن فهمنا كل ذلك فعلينا أن نتعرّف على نماذج من هذه الأوهام التي تتهدد السالك في هذه المرحلة والتي أضاعت الكثير من السالكين الصادقين .. وأضلت الكثير من الناس .

هذه الأوهام تأتي بأشكال لا تعد ولا تحصى وأغلبها جامحة .. غريبة .. ومفرطة في الشطط منها :

وهم أن السالك أمامه مهمة عظيمة سيُكلّف بها من جهة ما ..

وهم أنه سينقذ العالم من خطر عظيم ..

وهم انه مقدم على اكتشاف خارق في العلوم أو الرياضيات لم يتوصل إليه أحد من قبل ..

وهم أنه سيكون ذو شأن عظيم وسيشتهر بين الناس وسيتبعه الملايين في أمر ما ..

وهم أنه سيكتشف كنزاً من الذهب والجواهر الثمينة وأنه في مكان محدد .. أو منطقة معينة ..

وهم أنه سيكتشف ماء .. ثروات .. مخطوطات .. آثار .. لنفسه أو لغيره .. أو للمجتمع بأسره !

وهم أنه يرى ما يوجد في باطن الأرض .. ويشعر بذبذبات تأتي من الفضاء الخارجي .

وهم أنه يعلم متى سينتهي العالم .. ويحدد تواريخ بذلك !

وهم أنه مفكر عظيم .. فنان عظيم .. عالم عظيم .. وأن أعماله ستشتهر وستُبهر الآخرين ..وستساهم في حل مشاكل العالم ..

وهم أنه قائد سياسي وتاريخي لا نظير له .. وستنتقل البشرية على يده لمرحلة جديدة ..

وهم أنه على علم بمؤامرة عظيمة .. وأنه سيكشفها للناس ويريحهم منها ..

وهم أنه على اتصال مع كائنات من الفضاء الخارجي وأنه يزور الكواكب والمجرات البعيدة !

وهم أنه يتلقى رسائل وعلوم خفيه من كائنات فضائية .. أو من الملائكة ..

وهم أن لديه قدرات خارقة .. وأنه يطير من مكان لآخر .. أو يتحكم بعقول الناس .. أو يقرأ أفكار الآخرين ..

وهم أن السالك هو نبي منزّل أو نبي مرسل بدين جديد .. أو أنه يرى الأنبياء والرسل ويتحدث معهم ..

وهم أنه وصل إلى المصدر الأول .. وأن الله يتحدث معه .. يحاوره ويناجيه !

بل ووهم أنه الله نفسه .. وأنه يمشي متخفياً بين الناس !!

والكثير من مثل هذه الأوهام .. وكلها تدور حول محور واحد هو الغرور ..

لذا فكل هذه الأوهام تدور حول شيء ما عظيم وهام يحدث .. أو سيحدث مع هذا المغرور !

وهذه الأوهام ستتولد وستتحدد باختلاف بين شخص وآخر على حسب طبقات الوعي التي تغلف كل واحد على حدة ..

فالمهتم بالثروات المادية في داخل نفسه .. ستدور أوهامه حول اكتشاف كنوز وثروات من نوع ما له أو لغيره .

والمهتم بالعلوم والاستكشاف .. ستدور أوهامه حول اكتشافات علمية ورياضية وحول كائنات فضائية ومجرات بعيدة .

والمهتم بالأديان والمعتقدات .. ستدور أوهامه حول النبوات والمذاهب والأديان .

وهكذا على حسب ميول واهتمامات المتوهم - والذي قد لا يعلم عنها شيئاً في نفسه - ستتولد الأوهام .

 من المهم جداً أن لا يستخف القارئ الراغب في السير على الطريق بهذه النماذج من الأوهام ويظن أنها واضحة في شططها وإنه لا يمكن أن يتوهم بمثل هذه الأوهام ..

ليس الأمر كذلك ..

لقد توهم الكثير من الناس بمثل هذه الأوهام .. والكثير من هؤلاء الناس ليسوا من الحمقى أو السذج بل منهم من هم عباقرة حقيقيون .. أقوياء العقول وواسعوا المعرفة .. ومنهم من هم شديدوا الذكاء .. واسعوا الحيلة وذوي عزائم جبارة ..

إن هذه حقيقة فعليه .. لقد حدث ذلك بالفعل من قبل ومازال يحدث ..

وهذا هو السبب الذي يجعل من الوهم هو الخطر الأكبر ..

فكيفية استحكام الوهم في النفس وتفاعله مع عقدة الغرور أمر بالغ الغموض والشدة ..

وكيفية تلاعب الكائنات الأخرى بعقل المتوهم وكيفية تشكيل الأفكار والأحداث في ذهنه هي كيفية بالغة القوة وعميقة التأثير ..

وقد اختبرنا ذلك بأنفسنا خبرة مباشرة ..

لذا على السالك أن يفهم إنه لا يوجد من هو محصن تماماً من امكانية تعرضه لمثل هذه الأوهام مهما بلغ من الذكاء والمعرفة ..

وهي كلها أوهام تبدو بالغة الشطط .. شديدة الغرابة ..

 

 

ليست كلها أوهام

 

والأمر هنا أيضاً كالموضوع السابق ..

فالقدرات الخارقة .. حقيقة واقعه تتحقق لمن توفرت فيه الشروط .

والأديان والمذاهب الصحيحة هي حقائق فعليه كما يتحدث عنها من دعا بها .. وليست هي أوهام ..

والاكتشافات العلمية والرياضية .. حقائق واقعية تحدث دائماً وتؤثر على العالم وما فيه ..

والتاريخ يثبت أن المكتشفين استشعروا بأنفسهم بأنهم مقدمين على اكتشاف شيء ما هام .. وهذا الشعور هو ما دفعهم لمواصلة البحث ..

والسالك الذي تبدأ الخبرات الجديدة في الظهور عليه .. ويتسّع وعيه يبدأ بإدراك ما لم يكن يُدرك عن كائنات من خارج هذا العالم وعن معرفة مسبقة بأحداث في المستقبل أو الماضي وعن أشياء خفيه .. الخ .

إن كل هذا يحدث .. وهو حقيقة فعليه من حقائق الواقع .

ومن لا يصدق بها فهو لا يصدق لأنه لا يعلم .. وفي الحقيقة نحن لا نكترث له !

هي حقائق فعلية .

المشكلة هي في الخلط وفي الأوهام ..

فليس كل شيء يُشعر به هو حقيقي .. وليس كل شيء يحدث هو وهم ..

كما ذكرنا سابقاً ..

هي منطقة رمادية بين الأبيض والأسود .. ومنطقة مبهمة بين مكانين واضحين .

والفصل بين الحقيقي والوهمي يتطلب قدرة عالية على التمييز ..

هذه القدرة العالية على التمييز تتقوى لدى السالك الملتزم بالطريق الصحيح ..

حيث يصبح عقله أشبه بالسيف الحاد الذي يستطيع وبسهوله أن يميز بين الحقيقي والوهمي .. بين الواقعي والخيالي ..

وهي ملَكة لا تتوفر عند أغلب الناس ..

والوهم والخلط والادعاءات الباطلة تضيف على الأمر برمته قدر أكبر وأعمق من الإرباك ..

وتضيف على نار المجادلات والتشكيك .. التصديق والتكذيب وقوداً إضافياً .

أما بالنسبة للسالك الصادق في سيره على طريق الحكمة فهو يعلم ومن خبرته المباشرة وليس بناءاً على معتقدات أن خوارق العادات هي حقيقة .. وأن الكائنات الأخرى حقيقة ..

كما يعلم في نفس الوقت ومن خبرته المباشرة أيضاً أن هناك أوهام وأباطيل .. وإن ليس كل ما يقال حقيقي وليس كل ما يحدث وهم .

 

بين الحقيقي والوهمي و صفات التمييز

 

التمييز في الرؤى الشخصية ..

إن كل ما ذكرناه عن هذا الخطر القاتل وعن كيفية تولده قد يسبب الحيرة والاضطراب لدى السالك الذي ينوي السير على هذا الطريق ..

بل على السالك الذي بدأت هذه الخبرات في الظهور عليه وهو لا يعلم الآن هل إن ما يراه هو حقيقي أم نابع من الأوهام ؟ ..

هل ما يختبره هو نتيجة لاتساع وعيه ومداركه واطلاعه على لمحات من الواقع الخفي .. أم هو نتيجة لتلاعب كائنات أخرى وأوهام تأتي من رأسه ؟

إن التمييز يبدو صعباً .. والأمر يبدو مربكاً ..

وهو ليس كذلك ..

إن التمييز سهل ومتيسر ..

والتمييز بين الواقع والخيال ممكن بكل سهوله إن توفرت لدى السالك صفات التمييز ..

الصدق .. الشجاعة .. التروي .

هذه الصفات الثلاثة والتمسك الحازم بها كفيله بحماية السالك من كل هذه الأوهام التي ضللت الكثير من السالكين وأضلت الكثير من الناس ..

 

الصدق :

على السالك أن يكون صادقاً في توجهه للهدف من كل هذه الممارسة ..

وأن يتجاوز كل رغباته الدفينة في أهداف أخرى قد يتمناها في أعماق نفسه ولكنه لا يعترف بها .. كالمكاسب .. والقدرات .. والجاه ..الخ

هذه الرغبات هي موجودة لدى كل إنسان ولدى كل سالك ..

إن هذا أمر طبيعي ..

وهو نتيجة لتأثر السالك بالشبكة وما فيها .. و لتجذّر هذا التأثير في نفسه .

كل ما على السالك هو الاعتراف بما موجود فيه .. وبما هو من الطبيعي أن يكون موجود فيه..

 وهذا يتطلب الصدق مع النفس .

عليه دائماً أن يستطلع ذاته ويكتشف رغباته الدفينة .. وأن يراقب ميوله أثناء تفاعله مع الناس والحياة ..

وعندما يكتشف رغبة في نفسه .. يعترف بها .. ويقرّ أنها موجودة في نفسه ..

عندما يكتشفها ويحددها .. سيحاصرها .. ويحيط بها .. ثم سيتجاوزها بكل سهولة ..

وهذه هي أهمية التقنيات الحرة التي تحدثنا عنها وبالذات مراقبة وتصفية النفس .. والتفريغ النفسي .

هذه التقنيات هي التي ستمكّن السالك من كشف كل رغباته ومحاصرتها ثم القضاء عليها بتذكر الهدف وأهميته والدافع له .

وهذا كله يتطلب أقصى درجات الصدق مع النفس .. والاعتراف بنقاط الضعف والعيوب والعقد الموجودة فيه .

المكابرة .. وعدم الاعتراف بالضعف والنقائص هو الذي يسبب ضياع المتوهم في أوهامه ..

فالسالك الذي يكون راغباً بشدة في الشهرة .. والشعور بالتميز .. ولفت الأنظار يدّعي لنفسه عكس ذلك .

هو لا يريد أن يعترف أن هذه الرغبة موجودة فيه ..

ولا يريد الاعتراف أنه متمسك بها ولا يريد التخلي عنها ..

لهذا يصدق الوهم  ..

ويرفض الاستماع لكل من يحاول لفت انتباهه لها ..

يتمسّك بعناده .. ويغذيّ أوهامه ..

ثم يبني على ذلك سلسلة من الأسباب والمسببات .. التي تبرر وتؤكد له صدق مكابرته .

ثم تزيده الكائنات الأخرى والتي تعلم ذلك عنه بالمزيد مما ينتظره هو ويتمناه ..

فيضل ويضلل غيره ..

وتأخذه الأوهام إلى أقوال وأفعال .. وردود أقوال وأفعال ..

ثم متاهات لا تنتهي ..

أو تأخذه الأوهام إلى عزلة واعتزال عن المحيط الذي يكتشف مع الوقت بطلان ادعاءاته ..

ومن العزلة إلى توغل في غياهب الخيال ..

وكلما توغل أكثر كلما أصبح طريق الرجوع أطول وأصعب .. وتطلبت العودة المزيد من الجهد والتضحيات .

لو توفر الصدق لما حدث كل ذلك !

ولو توفر الصدق مع النفس لتمكن السالك من كشف رغباته والاعتراف بنقاط ضعفه أولاً بأول ..

ولتمكن من القضاء على جذور الوهم في نفسه بكل يسر وسهولة ..

عندما يتوفر الصدق .. فالسالك في أمان من الوهم ومن أي شيء آخر .

 

الشجاعة :

السبب الذي يمنع المتوهم من الاعتراف برغباته وأوهامه هو عدم توفر الشجاعة في نفسه لتخطي الدوافع التي تدفعه للتمسك بهذا الوهم ..

والقيام بما عليه القيام به ..

فلماذا يتمسك السالك المتوهم بوهمه ؟

لأنه لا يريد أن يجابه الحياة عندما يكتشف و يعترف أنه واهم ..

الوهم الذي يتمسك فيه يعطيه حماية .. ملاذ .. مهرب من شيء ما فيه يهرب منه ويخشاه .

وهو لا يريد مجابهته وتخطيه .. يخشى ذلك لسبب من الأسباب .

فكما قلنا فإن الأوهام لها أشكال مختلفة .. كل سالك يتوهم شيء ما مختلف  ..

وقلنا أن سبب ذلك أن الأوهام تأتي على حسب ميول وتوجهات كل سالك وهي تختلف من سالك لآخر ..

هذه الأوهام تأتي على حسب تركيبة السالك والطبقات التي تُغلف وعيه ..

تأتي الأوهام متناسبة مع مخاوفه وآماله ..

فالذي يتوهم بأنه سيكتشف كنزاً .. يكون وهمه كذلك لأن لديه مخاوف على معيشته ونمطها .. ورغبات في الثراء ..

وهو يتمسك بوهمه لأن وهمه يعطيه أملاً كاذباً بأنه عما قريب سيكتشف كنزاً  وسيصبح ثرياً ..

وهو يتلذذ بالخيالات التي تترتب على ذلك ولا يريد التخلي عن هذه اللذة !

فماذا سيفعل لو اعترف أن ذلك وهماً ؟

إنها مصيبة !

عليه إذاً الاعتراف أنه لن يكون ثرياً بهذا الطريق السريع ..

وأن عليه الاعتراف بوضعه وتقبله .. وأن عليه السعي في الحياة واكتساب الرزق ..

وهذا ما يخشاه ويفر منه ..

إنه لا يريد الاعتراف بأنه كبقية البشر عليه السعي واكتساب الرزق ..

هو شيء آخر .. شيء عظيم ليس كبقية البشر !

لذا فهو يتمسك بوهمه ويرفض الاستماع ..

إن المتوهم يعلم ذلك في صميم ذاته .. ولكنه يكابر .

ولو توفرت لديه الشجاعة لمجابهة ما يخشاه لما كابر .. ولاعترف بالحقيقة وقام بما عليه القيام به ..

كذلك الأمر الذي في كل أشكال الأوهام الأخرى ..

والتي كلها تدور حول شيء عظيم وهام سيظهر أو سيحدث على يد هذا المتوهم المغرور .

لماذا يتمسك المتوهم بهذا الوهم ؟

لنفس السبب أيضاً ..

إن وهمه يحميه من شيء يخشى الاعتراف به .. ويخشى من القيام بما عليه القيام به ان اعترف .

يخشى من مجابه مخاوفه ..

فكل الأوهام التي تقوم على اكتشاف علمي عظيم .. أو المناداة بدين جديد .. أو الاتصال بكائنات أخرى .. أو التمتع بقدرات خارقة .. الخ

كلها أوهام تغذي عقدة الغرور التي فيه ..

وهي تغذيها كل على حسب ميوله وتوجهاته كما ذكرنا .. على حسب ما يعتقد هو أنه عظيم وهام وكبير .

وهو يتمسك بهذا الوهم بسبب عقدة الغرور التي فيه والتي أصبحت عائقه الأكبر الآن .

عقدة الغرور توحي له أنه شيء عظيم .. إنسان آخر مميز .. من نوع أعلى من البشر .

وبالتالي لا يمكن أن يكون مثلهم .. ولا يمكن أن يفعل ما يفعلونه .. أو يعيش كما يعيشون ..

وتحثه على فعل شيء ما يؤكد ذلك للجميع ليقروا ويعترفوا به !

فيتولد لديه وهمه بالطريقة التي بيّناها ..

فإذا تخلى عن هدفه .. فماذا سيفعل ؟

إنها كارثة !

عليه الاعتراف بأنه بشر كبقية البشر .. وأن عليه القيام بكذا وكذا ..

وهو يخشى ذلك ويفر منه ..

لو توفرت لديه الشجاعة للاعتراف بذلك وللقيام بما عليه القيام به ..

لبذل الجهد وقدم التضحيات التي يجب عليه القيام بها  ..

ولاتخذ القرارات الصعبة والحازمة التي عليه اتخاذها ..

ولعمل ما يلزم لإحداث التغيير المطلوب ..

 ولمواجهة مخاوف تغيير نمط الحياة وطبيعة المعيشة التي هو معتاد عليها ..

ولمجابهة الآخرين ومطالبته بحقوقه التي له ..

ولتغيير المحيط والأشخاص الذين حوله والذي يعلم أنه عليه تغييرهم والابتعاد عنهم ..

لو توفرت لديه الشجاعة للقيام بكل ذلك .. لانحلت العقدة ولزال سبب التمسك ولاضمحل الوهم ..

وعندما تُحل عقدة فإن طبقة كثيفة من طبقات الوعي تزاح عن وعي السالك وتضمحل ..

وعندما يحدث ذلك تنكشف أمور في حياته ونفسه كان غافل عنها  ..

ولانفتحت أبواب كانت موجودة  أمام عينيه ولم يكن يراها بسبب هذا الحجاب الذي جثم على وعيه طويلاً ..

ولانكشفت أمامه طرق كان يخشى أن يسير بها ..

ولاكتشف أن الأمر أسهل بكثير مما كان يظن .. وأن ما كان يخشى منه لم يكن مخيفاً من الأصل ..

وأن النمر الذي طالما أرعبه .. هو نمر من ورق ..

وأن الوحش الذي طالما أخافه وهرب منه .. هو دمية من قش !

ولتغيرت حياته .. وحُلت مشاكله واحدة بعد الأخرى ..

وزادت سعادته .. واطمأنت نفسه ..

ولعاد الآن لممارسته بقلب هادئ مطمئن .. وبعقل صافٍ غير مشوش ..

ولزاد التركيز لديه بسبب ذلك ..

ولتمكن من اختراق المزيد من الحُجب .. ولشاهد المزيد مما وراء الشبكة

هذا ما تفعله الشجاعة على مجابه المخاوف !

وقد ذكرنا في رسالة الخروج إلى الداخل وفي قسم مسيرة الحياة أن الحكماء يطالبون السالكين دائماً على مجابه الحياة بشجاعة وحزم ..

يقول الحكماء لو تمكنتم من ذلك لاكتشفتم أن كل مخاوفكم هي وهم .. وأن كل ما كنتم تهربون منه هو ظل ..

يترتب على ذلك مزيد من الطمأنينة والسلام الداخلي و مزيد من المشاهدات التي تتتالى من وراء الشبكة ..

والتي هي في الأصل وهم .

وقد تحدثنا عن ذلك في مراقبة وتصفية النفس ويتبين معنا هنا كيف أن الامتناع عن مراقبة النفس وتخليصها من عقدها هو سبب كل الضلال والأوهام ..

 

التروي :

الأوهام التي تظهر هي شر لا بد منه !

كل إنسان يتعرض لهذه الأوهام .. لأن لدى كل إنسان طبقات تُغلف وعيه .. عقد ومخاوف ..

الأوهام تظهر بسبب هذه العقد ..

يعيش البشر في بحر من الأوهام دون أن يعلموا أنهم متوهمين ..

وهم لا يعلمون أنهم متوهمين لأنهم لا يجابهون هذه الطبقات .. ولا يعلمون عن وجودها أصلاً ..

ولا يصدقون الحكماء عندما يتحدثون عن ضرورة كشفها ومجابهتها وتجاوزها ..

وذلك كما أوضحنا سببه مستوى تطور ونضج الأنفس .. عمر النفس .

السالك يعلم أكثر من ذلك ..

لأنه وصل لمرحلة أعلى من النضج فهو يعلم أهمية ما يتحدث عنه الحكماء ويصدقهم ..

يبدأ السالك في الممارسة ..

لقد بدأت المعركة الحقيقية الآن !

تبدأ الخبرات الجديدة في الظهور .. ويبدأ تلاعب الكائنات .. وتبدأ المجابهة مع طبقات الوعي ..

ويبدأ معها توّلد الأوهام ..

المشكلة أن السالك يسارع في التمسك في هذه الأوهام بمجرد أن تظهر .. يتمسك بها بشده ..

ثم يغذيها ويعززها في نفسه بالطريقة التي بيّناها وللأسباب التي أوضحناها .

لو أنه لم يتمسك بهذه الأوهام ..

لو أنه التزم الهدوء وتابع هذا الوهم في نفسه وتركه دون أن يبني عليه شيء ودون أن يعيره أهميه  .. لما كانت هناك مشكلة ..

يوجّه الحكماء السالكين بأنهم وعند ممارستهم إذا تولدت في أنفسهم أفكار .. أحاسيس .. توقعات عن شيء ما سيحدث في المستقبل .. رؤى .. أحلام تشير لشيء ما بوضوح .. كشوف .. الخ

عليهم ألا يتمسكوا بها ..

لا يوّلونها أهمية كبيرة في أنفسهم ..

عليهم ألا يشغلوا أنفسهم ويضيعوا وقتهم في محاولة فهمها .. ومعرفة معانيها ..

عليهم ألا يحاولوا أن يبحثوا عن أدلة وبراهين تأكد حقيقتها ..

لأنهم إن فعلوا ذلك ستتولد الأوهام .. ثم ستكبُر ..

يطالب الحكماء السالكين أن يتعاملوا مع كل هذه الأحاسيس الغامضة .. والرؤى المحيرة بتروي وهدوء شديد ..

دعوها تمر بسلام .

إن هذا هو الذي سيؤدي إلى التمييز بين الرؤى الحقيقية والأوهام .. بين الواقعي والوهمي ..

لا يوجد حل آخر !

لأنه وكما ذكرنا فبمجرد التمسك بفكرة ما .. أو معرفة ما .. أو أحساس ما .. بمجرد التمسك بها والاهتمام بها سيتولد الوهم وسينمو .

وهنا تأتي أهمية السيطرة على النفس والفكر ..

كل ما على السالك فعله في حالة ظهور مثل هذه الأفكار والأحاسيس في نفسه هو ألا ينشغل بها ..

يصرف ذهنه عنها بأي طريقة يجدها مناسبة ..

بهدوء وتروي..

وليترك الأمر للزمن .. وللواقع ..

إن كانت هذه الأفكار والأحاسيس هي حقيقية تأتي من الواقع الفعلي .. سيأتي ما يثبت ذلك عاجلاً أم آجلاً ..

إن كانت هذه الرؤى حقيقية .. فكما أتت هذه الرؤى من مصدر ما فسيأتي ما يؤكد عليها في الواقع الفعلي من نفس المصدر !

المصدر الذي ألقاها في وعي السالك .. هو نفسه الذي سيظهر ما يترتب عليها ..

هذا إن كانت حقيقية ..

أما إن كانت وهمية .. من عقل السالك ومن طبقات وعيه .. فلن يحدث شيء !

لن يظهر أي شيء بعد ذلك .. مجرد فكرة لا حقيقة لها في الواقع ..

إذا لم يتمسك بها السالك وتعامل معها بهدوء .. ستتبدد بعد بضعة دقائق ..

كسحابة خفيفة تتشكل ثم تضمحل ..

ستختفي في الخيال كما ظهرت من الخيال !

إن الأمر في غاية البساطة ..

التمييز بين الرؤى الحقيقية والرؤى الوهمية سهل و يسير إن توفر التروي وعدم الاكتراث وترك الأمور لتجري كما هي ..

وترك الأمور للواقع الذي سيكشف عن مدى صحتها ..

إن كانت واقعية .. سيظهرها الواقع ..

إن كانت خيالية .. سيخفيها الخيال ..

هكذا وبكل بساطة !

وفي الحقيقة إن كلام الحكماء هو أمر يؤكده الواقع الذي يختبره كل إنسان ..

فكل إنسان يعلم ويختبر في نفسه عشرات بل آلاف الأفكار والخيالات و التوقعات التي تأتي وتذهب في كل يوم ..

أفكار وتوقعات وخيالات تظهر وتختفي في كل ساعة .. بل وفي كل ثانية ..

يحدث هذا لجميع الناس ..

هذه الخيالات تختفي كما أتت لأن الإنسان لا يعيرها اهتماماً ..

فمثلاً عند ورود اتصال هاتفي بالقرب من إنسان .. تتولد في ذهنه عشرات الخيالات التي تأتي وتذهب ..

لعله فلان .. لعلها فلانة .. لعل هذا الأمر حدث .. لعل ذاك الأمر لم يحدث .. الخ

تظهر كل هذه الخيالات في ثانية واحدة !

فماذا كان الحال إن توقف هذا الإنسان عند كل خيال من هذه الخيالات وأعاره انتباهاً ؟!

ستمضي ساعات وساعات وهذه الخيالات تجره من مكان لآخر !

هذا الأمر لا يحدث في الواقع ..

يتجاهل الإنسان كل ذلك ويمد يده للرد على الاتصال !

عند الرد سيتبين له أن واحد فقط من هذه الخيالات التي ظهرت هي الحقيقية .. والبقية كلها كانت وهمية .

وهذا نفس ما ينصح به الحكماء السالكين ..

الأفكار والخيالات ستظهر لا محالة ..

إن هذه هي طبيعة العقل نفسه .. لا يمكن منع ذلك ..

والخبرات الجديدة التي تأتي ستكون كهذا الاتصال الهاتفي .. ستظهر معها الكثير من الخيالات والأوهام ..

على السالك تجاهلها تماماً .. والتعامل معها بهدوء ..

سيظهر أيها هو الحقيقي وأيها هو الوهمي ..

مشكلة الوهم تظهر عندما يتمسك السالك بأحد هذه الخيالات التي تظهر ..

وهو يتمسك بها لأنها تروق له !

تعطيه ملاذاً .. ومهرباً .. من عقدة ما في نفسه ..

يتمسك بها .. ويبني عليها .. و يتولد منها ضلالات لها أول وليس لها آخر كما ذكرنا ..

عندما يفهم السالك ذلك تمام الفهم فهو لن يخش من عدم القدرة على التمييز .. ومن وقوعه في الأوهام ..

عندما يكابر ويرفض الاستماع لمن هم اعلم منه ..

سيقع في المحظور .

 

تمييز الحقيقي والوهمي في رؤى الآخرين

 

الصدق .. والشجاعة .. و التروي ..

هي الصفات التي يحتاج السالك أن يتمسك بها بحزم وأن يعززها في نفسه لكي يتمكن من تمييز الحقيقي من الوهمي فيما يراه ويختبره ..

لكي يتمكن من التيقن فيما إذا كان ما يراه يأتي من وراء الشبكة .. أم إنه يأتي من رأسه ونفسه !

هذه الصفات نفسها هي التي ستساعد السالك للتمييز ومعرفة حقيقة ما يدّعيه الآخرون عن رؤاهم هم ..

سيتمكن من معرفة فيما إذا كان هذا المدعي هو صادق أو مجرد واهم ..

وكلما تمكن من تعزيز هذه الصفات في نفسه أكثر كلما كان أقدر على كشف الحقائق التي تعترضه في العالم والتي تأتيه من الآخرين ..

فكما أن ذو المعرفة بعلم ما .. يستطيع أن يعرف و أن يكشف بسرعة فيما إذا كان مخاطبه هو من العالمين أم من المدعين ..

وذو الخبرة في مجال ما .. سيكشف بسرعة من لا يمتلك هذه الخبرة أو من يدّعيها ..

كذلك الأمر ..

فالصادق الذي استطاع تجاوز أكاذيب نفسه .. هو الذي سيكشف أكاذيب الآخرين .

والشجاع الذي واجه مخاوف نفسه .. هو الذي سيكشف فيما إذا كان مخاطبه يهرب من مخاوفه ..

والذي تمكن من ضبط نفسه وفكره ولم يركض وراء أوهامه  .. هو الذي سيكشف إن كان مخاطبة يركض وراء أوهامه .

وسيعلم عندها إن كان صادقاً أم واهماً .

يؤكد الحكماء أن تعزيز الصفات التي تمكّن من التمييز  بين الحقيقي والوهمي داخل النفس .. هي نفسها التي ستميز بين الحقيقي والوهمي خارج النفس .

فالخارج والداخل هما شيء واحد وليسا شيئين متقابلين ..

وهي حقيقة ستنكشف للسالك تدريجياً وبعد قطعه شوطاً طويلاً في الممارسة وفي تصفية النفس من شوائبها ومخاوفها وعقدها ..

 

انعدام الدليل لانعدام صفات التمييز

 

ولهذا السبب بالذات لا تأتي الأديان في الأساس بأدلة وبراهين على صدقها ..

لا يوجد دليل .. لأن الدليل هو النفس نفسها ..

وقد تحدثنا عن ذلك في رسالة الخروج إلى الداخل في قسم المصدر الأول ..

وقلنا هناك إنه لا يمكن الإتيان بدليل على حقيقة المصدر الأول ..

لأن المصدر الأول يعرف ذاته بذاته .. والنفس هي جزء من المصدر الأول ..

فالنفس هي التي ستدرك حقيقة المصدر الأول في ذاتها .. هي تعرف وحسب !

فهل يسأل أحد عن الدليل على وجوده هو ؟.. إنه يعرف ذلك في نفسه !

إن نفسه تعرف ذلك في ذاتها ..

ولأنها تعرف فإنها لا تسأل عن الدليل على الوجود .. تماماً كمن يرى شجرة فهو لا يسأل عن الدليل على وجودها ..

رؤيتها هو الدليل على وجودها .

وإن سألت النفس عن الدليل فهذا لأنها لا ترى .. وهي لا ترى لأن هناك ما يعيق النظر ..

تماماً كما أن من يسأل عن الدليل على الشجرة فهو يسأل لأنه لا يراها .. لأن هناك ما يعيق النظر ..

لو كان يراها فلن يسأل !

وعندما تعلم النفس المصدر الأول فهي ستعلم فيما إذا كان من يتحدث عنه يرى نفس الشيء .. وبالتالي ستعلم إن كان صادقاً أم واهماً ..

 

ولتوضيح هذه النقطة الهامة أكثر :

 

لو أن إنسان ينظر إلى شجرة أمامه فهو لن يسأل عن الدليل على وجودها .. لأن رؤيتها هو الدليل على وجودها .

فإن ادعى شخص آخر أنه هو أيضاً يرى نفس الشجرة ووصفها لهذا الإنسان ..فإن هذا الإنسان سيعلم فيما كان هذا الشخص يرى بالفعل أم لا يرى ..

إن تطابق ما يريانه معاً في وصفه فمعنى ذلك أنهما يريان نفس الشيء فعلاً ..

وإن لم يتطابق فمعنى ذلك أن من يدّعي الرؤية هو كاذب أو واهم ..

لهذا فإن الذي لا يصدق الأنبياء والمنادين الصادقين بالأديان الصحيحة .. هو لا يصدقهم لأنه لا يرى الحقيقة ..

وهو لا يراها لأن في نفسه وفي وعيه ما يمنعه من رؤية الحقيقة  .. هذه الموانع هي هذه الحُجب والعُقد التي تُغلف وعيه ..

فإن توفرت لديه صفات التمييز من صدق وشجاعة وهدوء .. سيتمكن من إزالة الحُجب ومن رؤية الحقيقة ..

وإن لم تكن لديه هذه الصفات ..

فلن يرى مهما أوتي له من براهين ومعجزات .. سيظل يعتقد أنها أوهام وأكاذيب ..

وسيظل أعمى يسأل عن الدليل ..

 

وكما تبين لنا فإن الوهم هو خطر سيضطر السالك أن يواجهه ..

وهو عائق كبير ..

وهو أخطر عوائق الممارسة ..

بل هو من أخطر عوائق معرفة الحقيقة في طريق الحكمة وفي الحياة العادية بعيداً عن طريق الحكمة ..

 

بحر الأوهام  والماتريكس .

 

الوهم هو الوهم ..

وأسبابه دائماً واحدة وهي عدم التحلي بصفات التمييز ..

الوهم لا يحدث فقط لدى السالكين الذين تعرضوا لخبرات جديدة قد تدفعهم لاعتقادات وظنون غريبة كما ذكرناها ..

الوهم يحدث دائماً ومع كل البشر ..

وهو الذي يخلق هذه الشبكة .. الماتريكس ..

كل المآسي وكل الصراعات وكل المعاناة التي يعانيها البشر هي نتيجة للأوهام الموجودة في عقولهم ..

وكل الأمراض العقلية والنفسية .. الجنون ..الكآبة .. اليأس .. القلق .. هي نتيجة لهذه الأوهام .

ولاشك أن القارئ يعلم الآن ان أشكالاً لا تنتهي من الأوهام موجودة ومستشرية لدى كل البشر ..

الفارق بين أوهام الناس وبين أشكال الأوهام التي ذكرناها هو أن أوهام الناس هي أقل حدة وأكثر خفاءاً ..

وأكثر ميلاً لأن تظهر طبيعية ومعقولة ..

فأغلب الناس لا يعتقدون في أنفسهم أنهم من الأنبياء .. أو أنهم على تواصل مع كائنات فضائية .. الخ

لا تصل أوهامهم لهذه الدرجة من التطرف !        

ولكن لدى كل البشر أشكال لا تنتهي من الأوهام ..

الأنبياء والحكماء هم فقط من لا يوجد لديهم أوهام .. لهذا فهم يختبرون الواقع الفعلي .

كل الناس لديهم أوهام أنهم أفضل من غيرهم .. أجمل .. أذكى .. أعلم .. أقوى .. أنبل .. أصدق .. الخ

وهذه الأوهام تتباين في شدتها بين الناس .. وتختلف في أشكالها وتوجهاتها على حسب الميول وطبقات الوعي ..

هذه الأوهام هي التي تسبب التصادم .. والتقاتل .. وهي التي تؤدي للبعض لانتزاع حقوق غيرهم .. وللبعض للطمع بما في يد الآخرين .. وحسرة البعض الآخر على انعدام حصولهم على ما يتوهمون أنه حقهم ..

كل هذه الأوهام تولد أفكار تقابل بأفكار مضادة .. وأقوال تقابل بأقوال مضادة  .. ثم أفعال تواجه بردود أفعال ..

وهكذا سلسلة لا تنتهي ..

الماتريكس .. الشبكة المتفاعلة .. هي مجموع كل هذه الأوهام المتفاعلة..

لهذا هي وهم ..

والسبب في ترسّخ هذه الأوهام وتواصل تفاعلها هو عدم تحلي الناس وتمسكهم بصفات التمييز ..

وبالتالي في التسرّع  بالتمسك في هذه الأوهام والانجرار معها إلى متاهات ..

وهذا هو الذي ولّد هذه المتاهة الكبرى التي نعيش فيها .. والتي تضيق علينا يوماً بعد يوم  ..

والتي نسميها الحياة ..

والتي هي الماتريكس .. الشبكة المتفاعلة ..

هي بحر من الأوهام .. بحر هائج ومتلاطم الأمواج ..

يغرق الناس في بحر الأوهام هذا ويسعون للنجاة .. ويعانون بسبب ذلك ..

لو تمسّك كل إنسان بصفات التمييز .. ووجهها بحزم للتمييز بين الوهمي والحقيقي فيما يدور في ذهنه ..

لو فعل ذلك كل إنسان ..

لأصبح الجميع من الحكماء الذين يرون الحقيقة كما هي .. والواقع كما هو موجود بالفعل  ..دون أوهام وظنون وضلالات ..

ولاختفت الشبكة على الفور.. ولظهر الواقع الفعلي على الفور !

ولكن الناس يتمسكون بأوهامهم ويتشبثون بها .. ولا يكترثون لكلام الحكماء عندما يطالبونهم بالتحلي بصفات التمييز ..

ولهذا يختبرون الشبكة .. ويعانون منها ..

ويصيحون ويبكون !

ولكن السالك مختلف ..

السالك هو إنسان من ضمن هؤلاء الناس .. ولديه أوهامه التي يعاني بسببها ..

ولكن السالك يسعى لأن يتخلص من هذه الأوهام .. ويسعى لمعرفة الحقيقة الفعلية ..

والنجاة من الغرق في هذا البحر الرهيب ..

لهذا فهو يتمسك بصفات التمييز ويعززها في نفسه .. ثم يستخدمها ليُخرج نفسه شيئاً فشيئاً من هذه الأوهام ومن مجموع تفاعلها ..

من الماتريكس ..

 

أوهام السالك الخاصة وكيفية مواجهتها ..

 

عندما يبدأ السالك في الممارسة سعياً وراء معرفة الحقيقة والواقع الفعلي .. وعندما يلتزم بحزم في ممارسة التقنيات ..

تبدأ الخبرات الجديدة في الظهور ..

يكتشف السالك الآن ومن خبرته المباشرة أن هناك واقع آخر .. وهناك كائنات أخرى .. وهناك قدرات خارقة بالفعل ..

وهو الأمر الذي لم يكن يعتقد به من قبل .. كما أن أغلب الناس لا يعتقدون به ..

وهذا يسبب تولّد الأوهام الغريبة والجامحة لدى السالكين ..

وهي أنواع الأوهام التي ذكرناها من قبل ..

أغلب الناس لا يتوهمون بمثل هذه الأوهام لأنهم لا يعتقدون أن وراءها حقائق فعليه .. فتكون أوهامهم أقرب لأن تظهر طبيعية ومعقولة بالنسبة لهم ولغيرهم ..

أما السالك ولأنه اختبر بنفسه وعلم أن هناك كائنات أخرى .. وعوالم أخرى .. وقدرات .. وخوارق .. وهي موجودة بالفعل .

فينطلق الخيال لديه لأقصى مداه !

وتتولد لديه هذه الأوهام الجامحة ..

هذا هو السبب الذي يجعل من أوهام الناس أقل جموحاً وشططاً من أوهام السالكين .. وكلها أوهام !

المشكلة أن السالك يعلم أن ليس كل شيء من الأوهام ..

حتى الجامحة منها قد لا تكون وهماً ..

هناك قدرات خارقة يقوم بها الحكماء بالفعل .. ويقوم بها بعض المنحرفين الذين يمتلكون قدرات فعلية ..

وهناك أديان حقيقية .. واكتشافات عظيمة .. الخ

فلماذا لا تكون الأفكار التي في عقله هي حقائق وليست أوهام ؟ كيف يعرف ؟ وكيف يميّز ؟

 

طريق التمييز :

كما ذكرنا بالتمسك بصفات التمييز ..

ينصح السالكون ذوي الخبرة إخوانهم السالكين المبتدئين.. بالآتي :

عندما تتولد في ذهنك فكرة ما جامحة واعتقاد ما غريب .. أو شعور ما غامض .. محير .. ولا تعلم أهو حقيقي أو وهمي .

فافترض على الفور أنه وهم ..

وغالباً هو وهم ..

أول شيء على السالك القيام به هو افتراض أن هذا الاعتقاد هو وهم يأتي من رأسه ..

بعد ذلك يبدأ التحري ..

وذلك باستخدام صفات التمييز ..

لابد هنا على السالك المبتدئ أن يطبق صفات التمييز بحزم وصرامة شديدين ..

أشد من السابق بكثير ..

ويفترض أن ما يدور في ذهنه أنه وهم ..

ثم يعود لنفسه ويرى ما هي الرغبات التي في نفسه والخافية عنه التي تكشفها هذه الفكرة ؟

عليه باستخدام صفة الصدق .. بكل حزم .

ثم يفكر في نفسه ؟ ماذا لو كانت هذه الفكرة الغريبة وهماً ؟

ما الذي علي مواجهته في حياتي حتى لا أكترث لهذه الفكرة ولا أتمسك فيها ؟

ما الذي علي القيام به في حياتي حتى لا أتمسك بهذه الفكرة الغريبة ؟

ما هو الشيء الذي أهرب منه .. وأخشى مواجهته ويحقق لي هذا الوهم ملاذاً ومهرباً منه ؟

عليه باستخدام صفة الشجاعة الآن .. بكل حزم .

عليه بكشف ما هي هذه المخاوف .. واحداً واحداً .. بكل صدق وحزم وشجاعة ..

ثم سيتبين له عند كشفها ما عليه القيام به للتخلص منها ..

عندما يكتشف أن عليه أن يقوم بعمل ما .. فعليه بفعله على الفور ..

وعندما يكتشف أن عليه اتخاذ قرار صعب .. فعليه اتخاذه على الفور..

السالك يعمل كل هذا من أجل نفسه .. ومن أجل صالحه ..

عليه أن يقوم بكل ذلك بصدق وبأقصى جهد ..

فلا معنى للكذب على النفس والمراوغة هنا !

فهذه هي مراقبة وتصفية النفس عندما توجه للتعامل مع الأوهام .

بعد أن يقوم بكل ما عليه القيام به .. عليه أن يستطلع داخله .. ويسأل ..

هل ما زالت هذه الفكرة الغريبة موجودة وبنفس الشدة ؟

إذا كانت قد زالت .. أو خف بريقها .. فهذا يعني أن هذه الفكرة التي ظهرت في ذهن السالك هي مجرد وهم ..

وقد زال .. وبذلك يكون قد نجح في التمييز بين الحقيقي والوهمي ..

من حق السالك هنا أن يفخر بنفسه ..

أما إن ظلت هذه الفكرة موجودة كما هي على الرغم من كل جهود السالك الصادقة والحازمة .. فهذا قد يعني إنها قد تكون حقيقة فعلية وليست وهماً ..

هنا ..

على السالك استخدام الصفة الثالثة من صفات التمييز ..

التروي .. عليه الالتزام بها بكل حزم ..

هذه الفكرة الغريبة التي لم تزل بعد كل ما قام به السالك .. فليدعها موجودة ..

لا يكترث لها .. لا يتمسك بها ..

عليه ألا يحاول بذل كل شيء بمبالغة وحرص من أجل تحقيقها أو اكتشاف حقيقتها ..

عليه أن يضبط نفسه وفكره ضبطاً شديداً لكي لا يجعل من هذه الفكرة هوس ينشغل به .. ولا يفكر إلا به .. ولا يعمل إلا من أجله ..

فليتعامل معها كأي شيء يمكن أن يتحقق أو لا يتحقق .. ولينشغل بما عليه القيام به ..

وليترك الأمر للزمان وللواقع ..

حيث سيتبين له الحقيقة ..

باختصار بعد أن تم استخدام صفتي الصدق والشجاعة وتبين إن هذه الفكرة قد يكون وراءها ما هو حقيقي .. عندئذ فليدع السالك هذه الفكرة بهدوء ..

لا تذهب إليها دعها هي تأتي إليك .. إن كانت حقيقية فمما لا شك فيه إنها ستأتي وستتحقق دون أي جهد يذكر منك ..

 

النجاح والفشل في التمييز والمعيار العام للاستناد إليه ..

قد يبذل السالك جهداً صادقاً للتحري عن حقيقة هذه الفكرة من خلال صفات التمييز كما ذكرنا .. ويتحرى ذاته ويكتشف إن الفكرة هذه تبدو حقيقية ومازالت مشتعلة في نفسه ..

قد يبذل السالك جهداً صادقاً بذلك .. ولكنه مع ذلك قد يفشل في التمييز بين أوهامه وبين الحقيقة ..

بمعنى أنه الفكرة التي طرأت هي في حقيقتها وهم من رأس السالك ..ولكنه لم يتمكن من كشف ذلك على الرغم من جهده ..

يحدث هذا كثيراً مع السالكين المبتدئين الذين لم يتمكنوا بعد من مراقبة وتصفية أنفسهم .. والذين لم يقطعوا شوطاً طويلاً فيها ..

فمراقبة النفس وتصفيتها .. واستخدام صفات التمييز للفصل بين الحقيقي والوهمي هي مهارات ذهنية ونفسية بالغة العمق ويتطلب التمكّن الجزئي منها ممارسة ومران طويلين ..

ولأن السالك المبتدئ هو الأكثر عرضة للأوهام لضعف خبرته في التحري عن دواخل النفس .. ولانبهاره وتأثره الشديدين في الأفعال التي تقوم بها الكائنات الأخرى للتلاعب بعقله ..

لهذا نعطي السالك المبتدئ هنا معياراً عاماً للاستناد إليه ليكشف السالك فيما إذا نجح فعلاً في التمييز أم لم ينجح ..

المعيار العام .

إذا وجد السالك إنه منشغل تمام الانشغال في هذه الفكرة التي ظهرت له .. ووجد أنه مهووس بها ولاحظ ذلك في نفسه .. وإذا وجد أنه بدأ بالبحث والسعي العملي .. والسؤال هنا وهناك .. وطلب المساعدة من فلان وفلان من أجل تحقيقها والتثبت منها ..

إذا وجد ذلك في نفسه ..

فهي علامة شبه مؤكدة إن هذه الفكرة هي وهم وإنه لم يتمكن من كشفها حتى بعد تحريه ..

فكل ما عليه هنا أن يلجأ للتروي ويدع هذه الفكرة ويتجاهلها .. ولا ينشغل بها حتى يأتيه اليقين .

 

من خلال ما ذكرنا عن طريقة كشف السالك المبتدئ للأفكار الغريبة التي تظهر في ذهنه يتبين معنا إن التعامل معها هو كشف وتحري ..

هو الأسلوب الصحيح للتعامل مع أي فكرة كانت ..

هو الأسلوب العلمي الدقيق .. الموضوعي الذي يتجنب رغبات النفس وميولها ..

هو الأسلوب الوحيد الصحيح الذي يمكن بواسطته معرفة ما هو موجود بالفعل .. بصرف النظر عن الرغبات والميول ..

وقد ذكرنا كل ذلك بشيء من التفصيل والتدقيق لأننا نعلم أن السالك والمبتدئ بالذات ستتولد لديه أوهام وأفكار جامحة من نوع ما .. وستبدو واضحة في ذهنه .. وسيتأثر بها بشدة ..

وهي أمر طبيعي يحدث مع كل السالكين ..

وأغلب هذا النوع من الأفكار تكون في حقيقتها مجرد أوهام ..

ولكننا لا نستطيع أن نقول أن جميع هذه الأفكار هي أوهام ..

لا نستطيع أن نُطلق هذا الحكم ..

لأنه غير صحيح ..

هناك بعض من هذه الأفكار هي حقيقية كما ذكرنا ..

لذا يكون على السالك مهمة التمييز بين الحقيقي والفعلي ..

 

توالي الأوهام

عندما يلتزم السالك بالتحري عن الأفكار الغريبة التي تظهر في ذهنه مستخدماً صفات التمييز كما ذكرنا ..

وعندما يكتشف أن بعض هذه الأفكار هي بالفعل وهم ..

وقد قام بما عليه فعله ..

يكون بذلك قد خطى خطوة هامة على طريق الحكمة ..

ويكون قد تخطى حاجز كبير في نفسه .. وأزال طبقة من طبقات الوعي الجاثمة على وعيه ..

ويعلم بذلك إنه يسير على الطريق الصحيح ..

ولكن هذا ليس كل شيء !

ستظهر أوهام جديدة ..

ولكنها هذه المرة ستكون أقل جموحاً وغرابة من الفكرة السابقة ..

لأن السالك الآن أصبح مدرباً على التعامل مع الأفكار الغريبة والجامحة ..

الأوهام الجديدة ستظهر ولها بريق أقل من السابقة .. وأقل إثارة .. وأقرب لأن تبدو طبيعية ومعقولة ..

وهذا يجعلها أقرب لأن تكون حقيقية .. وأسهل في القبول ..

وهذا ما يجعلها أخطر .. وأخبث !

على السالك ألا يتهاون بشيء من ذلك ..

فهذه الأوهام المتوالية .. تحدث للجميع .. السالكين وغير السالكين ..

هي تحدث وتتولّد طوال الوقت مع كل الناس كما ذكرنا ..

والناس يتأثرون بها ويتحركون بفعل تسلطها عليهم  طوال الوقت دون أن يعلموا ذلك ..

كالرجل الذي تحركه الرياح من الخلف دون أن يدري ..

وكالعبد الذي توجهه السياط كما تشتهي !

ليس السالك ..

السالك الآن يسعى لرصدها .. وكشف حقيقتها ..

فالسالك لا يسعى إلا للحقيقة .. ولا يسعى إلا لحرق الأوهام وتبديدها ..

السالك هنا كالعالِم الباحث تماماً .. لا يسعى إلا لمعرفة الحقيقي والتخلص من الوهمي ..

لذا هو يلتزم بنفس ما ذكرنا مع هذا الوهم الجديد ..

وهو الآن أقدر وأكثر مهارة بفعل عمله السابق .. وخبرته التي نمت بتعامله مع الوهم السابق  ..

فينتهي من هذا الوهم .. ليظهر وهم آخر .. وآخر ..

وهكذا يفعل بكل هدوء وبساطة .. واستمتاع ..

يكشف الأوهام واحداً .. واحداً ..

يكشفها ويجلد بها الأرض !

 

حرق الأوهام وطريق الحكمة ..

إن حرق الأوهام التي تظهر وتتوالى على ذهن السالك هو نفسه طريق الحكمة ..

طريق الحكمة ليس أكثر من كشف الواقع كما هو بالفعل ..

ولكي يُكشف الواقع الفعلي لابد من حرق وتبديد كل الأوهام التي تغلّفه ..

وهو يحدث من خلال الممارسة للتقنيات المقيدة .. والتقنيات الحرة والتي تتبين أهميتها الكبرى هنا  ..

إن الشبكة المتفاعلة .. الماتريكس .. هي كلها مجموعة من الغيوم الكثيفة من الأوهام والتي تحجب نور الواقع الفعلي ..

تماماً كما تحجب الغيوم الكثيفة نور الشمس ..

والتمييز بين الحقيقي والوهمي هو صميم رحلة السالك ..

بالانتقال من وهم لآخر .. وباستخدام تقنيات الممارسة المقيّدة والحرة ..

وباستخدام صفات التمييز كأدوات لفصل الحقيقي عن الفعلي ..

يظهر الحقيقي ويتبدد الوهمي ..

طريق الحكمة .. والممارسة الروحية هما عملية تمييز متواصلة .. بحث وتحري مستمرين ..  وتبديد للأوهام لا يتوقف ..

هذا التمييز نفسه .. هذا التحري وهذا البحث .. وهذا الاستخدام الحازم لصفات التمييز هو الذي يؤدي إلى تطور السالك ..

هو الذي يوسّع الوعي .. ويقوي المدارك .. ويرفع الذكاء .. وينمّي المعرفة ..

وهو الذي يدرب السالك على تحري نفسه .. واكتشاف مكنون ذاته .. وكشف رغباته ونقاط ضعفه ..

فيتعمق بهذا التحري فهمه لنفسه وللعالم ..

وتترابط لديه ظواهر كانت تبدو متباعدة .. وسيفهم ما لم يكن يفهم ..

وسيحظى بالكثير من لحظات الفهم المفاجئ ..

وسينال الكثير من حالات الكشف العظيم لحقائق ستبهره إبهاراً .. وتهزه هزاً ..

سيفرح بها أشد الفرح..

وسيفخر بنفسه لاكتسابها بفعل جهده وعمله الصادق ..

وسيقترب السالك خطوة واسعة من الحكمة والحكماء .. ومن معرفة واختبار الواقع الحقيقي كما هو ..

كل ذلك بطبيعة الحال يفترض الصدق الكامل والالتزام الصادق من السالك ..

وأخذ البحث عن الحقيقة وفصل الوهمي من الواقعي في ذهنه على أقصى درجات الجدية ..

أما من يخدع نفسه .. ويركض وراء أوهامه .. لن ينال إلا الفشل ..

ولن يحصد إلا الخيبة والمعاناة ..

سيتمسك بأوهامه بشدة .. وسيضيع في متاهات الشبكة .. وسيضحك عليه الناس .

 

الأوهام والتمسك بها هي عوائق أمام الإنسان .. والسالكين ..

وقد بيّنا أن التمسك الحازم بصفات التمييز هو الذي سيسحق هذا العوائق .. وسيحيلها إلى غبار ..

وسيجعل من تخطيها أمراً سهلاً وميسوراً وآمناً ..

وكما ذكرنا من قبل فإن كاتب هذا السطور تعرض بنفسه لهذا الخطر .. وتوّلد لديه وهم  ..

أضافت له الكائنات الأخرى الكثير من الفاعلية !

وقد تمكن من تخطي هذه العقبة وتجاوز هذا الوهم بعد معاناة وبعد الدخول في متاهات ..

والصراع مستمر مع هذه الأوهام !

ولهذا نحن نكتب هذه الرسالة وهذا القسم الخاص عن الأخطار والمحاذير حتى يكون السالك على بيّنه مسبقة من كل ذلك فيسهل عليه كشف ذلك وتجاوزه بسرعة وسهوله ..

بعد أن يتعلم السالك كيفية التعامل مع خطر الوهم طوال الوقت .. هذا الخطر الأكبر في رحلته على درب الحكمة ..

قد يواجه خطر آخر ..

 >>

 

 


مقدمة
                             -  البحر وأعماقه
                             - ضرورة وأسباب التعميم
                             - سالك وليس حكيم
طرق ومدارس الحكمة
                            -  تنوع لا نهاية له
                            -  التشويه بسبب الانحراف
                            -  الصدق والضلال
                            -  التشويه بسبب الجهل
                            -  طريق الاختيار
مدخل التقنيات
                           - نوعا التقنيات
                           - التقنيات المقيّدة
                           - التقنيات الحرة
                           - ضرورة المداومة
التقنيات المقيّدة :
                            - الاستعدادات
                                         توقيت الجلسات
                                         تحديد الوقت
                                         دفتر التسجيل
                                         أجواء مساعدة
                                         وضعيات الجلوس
                             - تمرين التركيز
                             - تمرين الخيال وتفعيل الحواس الخفية                                       
                             - تمارين التنفس
                                          التقنيات الأساسية
                                           تنفس المنخرين التبادلي
                                          تنفس الحجاب الحاجز البطني
                                          التنفس الفقري
                                         
                             - التانترا
                                         طريق التانترا
                                         مدارس التانترا
                                         إيقاظ الكوندليني
                                         مبدأ إيقاظ الطاقة الكامنة
                             - التأمل
                                         الذات
                                         الاستغراق في الشبكة 
التتقنيات الحرة :
                             - مدخل
                                         الحكمة ومحور الحياة
                            - التذكّر الدائم
                                           سيد الواعظين
                                           الصلاة
                                           نظرة إلى السماء
                            - التعلّم الدائم
                            - مراقبة وتصفية النفس
                                          مراقبة النفس
                                          تصفية النفس
                                         المرآه البيضاء والمرآه السوداء
                           -  التفكّر الدائم
                           -   التفريغ النفسي
                           -  مصاحبة السالكين
                    
التقييم والمتابعة     
 العوالم الأخرى وخبرتنا معها
                             - ما نختبره لا ما نؤمن به
                             - الكائنات السفلية
                             - حرّاس الشبكة
                              - الكشف
                              - الخلط بين الواقع والخيال
                              - طريق تجنب الخلط
                              - لا خطر على السالك
 المخاطر الأساسية :
                              - مدخل
                              - الخوف
                              - الانحراف
                                              صعوبة التمييز
                                              طريق التمييز
                                              ضلالات أكثر من واقع
                                              ضرر وخطر وانحراف
                                              المعارف العليا والطريق الصحيح لتحصيلها
                              - الوهم
                                             كيفية استحكام الوهم
                                             أشكال من الأوهام
                                              ليست كلها أوهام
                                             التمييز بين الحقيقي والوهمي وصفات التمييز
                                             انعدام الدليل لانعدام صفات التمييز
                                             بحر الأوهام والماتريكس
                                             أوهام السالك وكيفية مواجهتها
                                             توالي الأوهام
                                            حرق الأوهام وطريق الحكمة
                              - اليأس   
مخاطر وأعراض أخرى :
                             -  مدخل
                             - الارتباك الشديد
                             - التصلب في التعامل
                             - الاشمئزاز من الشبكة ومافيها
                             - الكآبة وفقدان حس السعادة والاستمتاع
 خاتمة
 تنزيل رسالة على الصِراط