" هي قدرات للضالين .. وعوائق أمام السمادهي " يوغا سوترا * تتحدث اليوغا سوترا هنا عن القدرات الخارقة * السمادهي هو انكشاف الواقع الكلي
" وإنه كان رجال ٌمن الإنس يعوذون
برجال من الجن فزادوهم رهقا
قرآن كريم |
المخاطر الأساسية .
الخطر الثاني :
الانحراف .
وهو أحد الأخطار التي تواجه الممارسين ..
وهو نابع في الأساس من الطمع .
في الخوف يهاب السالك المبتدئ الخبرات الجديدة التي يختبرها في
جسده ونفسه وإدراكه .. يؤدي ذلك إلى توقفه عن الممارسة .
في الانحراف يحدث العكس تماماً ..
يُؤخذ السالك بهذه الخبرات فيكرس جهده ووقته في السعي لتطوير
هذه القدرات واستغلالها للاكتساب منها ..
يمكن التكسب من هذه الخبرات عندما تتطور للحصول على المال ..
المكانة .. الشهرة .. السلطة ..
عندما تحدث هذه الخبرات ويعي الممارس أنها حقيقة فعلية يختبرها
بنفسه يكرس كل الجهد الآن لتطوير هذه القدرات ولتقوية الاتصال مع
الكائنات الأخرى للسيطرة عليها كما يظن ولاستخدامها في
التكسب .
وبذلك يكون كمّن توقف عن الرحلة ..وخرج عن المسار.. ونسي الهدف .
لهذا فإن الممارس ينتقل اهتمامه من الحكمة إلى معارف أخرى تتداخل
وتتشابه في ممارساتها مع تقنيات الحكمة ..
من هذه المعارف .. التنجيم .. السحر .. السيمياء .. علم الأعداد ..
الكشف عن الكنوز .. العلاج الروحاني .. تحضير الأرواح .. تسخير
الجان .. الاتصال مع روحانيات الكواكب .. الخ
هذه المعارف والممارسات المرتبطة بها هي التي تسبب هذا الخلط
بين الحكمة وبين الممارسات الغريبة والمريبة ..
وهي التي تشوه صورة الحكمة في أذهان الآخرين ..
وقد تحدثنا عن ذلك من قبل وقلنا أن هذا التشويه وهذه الأفكار
الشائعة وإن كانت خاطئة إلا إن لها ما يبررها ..
فالكثير من الممارسين لهذه المعارف يواصلون إدعائهم بأنهم من
النساك والسالكين الذين يسعون وراء الحكمة .. والتصوف .. والعرفان
.. والزهد في الحياة .. والاتجاه نحو المصدر الأول .. نحو الخالق
والموجود الحق .. الخ
وهم في الحقيقة ليسوا من النساك وليسوا من السالكين ..
هم ممارسين لهذه المعارف .
صعوبة التمييز
كما قلنا فإن الكثير من القدرات الخارقة تحدث مع السالكين الصادقين
.. والحكماء ..
وهو الأمر الذي يجعل التمييز بين السالكين الصادقين وبين هؤلاء
الممارسين يكاد يكون مستحيلاً ..
فهناك بعض السالكين الصادقين ممن يستخدمون بعض هذه القدرات
لمساعدة بعض الأشخاص في بعض الحالات
مثل العلاج الروحاني ..
ومنهم من قد يتفوه بما قد يحدث من أحداث في المستقبل أو الماضي ..
ومنهم من تصله بعض الأخبار من العوالم الأخرى فينقلها صادقاً للناس
..
ومنهم من يرى بعض الكنوز في بعض الأراضي فينقل لأصاحبها هذا الخبر
..
ومنهم من قد تبدر منه أفعال خارقة يشهد عليها الناس ..
لا نستطيع أن نقول أن كل ذلك هو من الممارسات الخاطئة وأن كل من
يبدر منه مثل هذه القدرات ويراه الآخرون هو من المنحرفين ..
لا نستطيع أن نقول ذلك ..
لأنه غير صحيح ..
لا يهمنا أن نطلق الأحكام على أحد ... نحن يهمنا أن نعرف ما يقع في
الواقع بالفعل ..
والذي يقع في الواقع الفعلي هو أن هناك من الممارسين للممارسات
المنحرفة تبدر منهم هذه القدرات .. وهناك أيضاً من الصادقين من
تبدر منهم هذه القدرات ويشهد عليها الآخرون .
خصوصاً أن الممارسين هم أيضاً يدّعون الصلاح وإتباع طرق الحكمة ..
ومنهم من يظهر عليه ذلك في سلوكه الظاهر وما يشتهر عنه .
وهو الأمر الذي يجعل التمييز بينهما يكاد يكون مستحيلاً حتى
بالنسبة للكثير من السالكين ذوي الخبرة .. فما بالك في الناس
العاديين ؟!
وهو الأمر الذي يجعل الخلط بين طريق الحكمة وبين الممارسات المريبة
هو خلطاً مفهوماً ومبرراً ..
هي منطقة رمادية بين الأبيض والأسود ..وهي منطقة مبهمة بين مكانين
واضحين !
طريق التمييز
إن ما يميز السالكين الصادقين الذين تبدر منهم هذه القدرات وبين
الممارسين المنحرفين الذين تبدر منهم أيضاً هذه القدرات هو
القصد .. هو الهدف .
الممارسون المنحرفون هدفهم هو هذه القدرات .
السالكون هدفهم هو المصدر الأول وراء .. وأعلى .. وأقوى من كل ذلك
.
ولكن المشكلة في ما يقع في الظاهر .. فيما يراه الناس .
فالسالكون الصادقون والممارسون المنحرفون يدّعون في الظاهر نفس
الادعاءات .. وتبدر منهم قدرات متشابهه .. وسلوكياتهم ومظهرهم يبدو
متشابه على الأغلب ..
فكيف يمكن التمييز بينهما ؟
كما ذكرنا فإن التمييز من المظهر الخارجي يكاد يكون مستحيلاً ..
فلا يستطيع أحد أن يدرك بواطن النفوس .
وهو ما يسبب كل هذا الخلط .. وكل هذا التشويه .. وكل هذه الأفكار
المتضاربة .
ولكن هناك ما يساعد على التمييز بينهما ..
يمكن أن نحصره بالآتي :
الإشهار .. والتكسب ..
الإشهار
السالكون يحرصون على إخفاء هذه القدرات عن الآخرين .. المنحرفون
يحرصون على إظهارها ..
عندما يكتسب السالك بعض من هذه القدرات فهو يحرص على إخفاءها عن
الناس .. لا يتحدث عنها .. لا يتبجح بها .. لا يعلنها .. يسترها .
وقد لا يعرف عنه هذه القدرات إلا قلة قليلة من المقربين منه .
والسبب في ذلك واضح ..
وهو أن السالك لا يكترث بصدق لهذه القدرات .. ولا يريد أن يغير
وجهة انتباهه والتفات قلبه نحو هذه القدرات لأنه يعلم أن ذلك
سيؤدي إلى حرفه عن هدفه الذي يسعى له وبصدق ..
ويعلم أنه عاجلاً أم آجلاً سيفقد هذه القدرات إن حدث ذلك .
أما الممارسون المنحرفون فهم على العكس من ذلك ..
فهم حريصون كل الحرص على الإعلان عن هذه القدرات .. ونشرها بين
الناس .. والتبجح بها وبتأثيرها .. والحديث عن القدرات التي لديهم
.. وعن الأعمال التي قاموا بها للآخرين .
بيوتهم في الأغلب مليئة بالناس .. ويحيط بهم الكثير من المقربين ..
ولهم شهرة ومعرفة .. يظهرون في الصحف وبرامج التلفاز .. ولديهم
شبكة علاقات اجتماعية واسعة .. وبعضهم يُظهر الأبهة والثراء
الخ
هذه إحدى السمات التي تساعد على التمييز .
التكسب
التكسب بطبيعة الحال ليس شرطاً أن يكون بالمال ..
بل قد يكون التكسب بالسمعة .. بالشهرة .. بالعلاقات الاجتماعية ..
الخ
السالكون الصادقين لا يسعون بأي شكل من الأشكال للتكسب من هذه
القدرات .. فلا القدرات ولا التكسب هدفهم .
وهم إن قاموا باستخدام هذه القدرات لنفع الآخرين وفي حالات محدودة
.. فهم يقومون بذلك على استحياء .. وتواضع .. ولا يطلبون مالاً ..
ويحرصون على التنبيه على الآخرين بكتمان الأمر وإخفاءه قدر
الاستطاعة ..
وواضح طبعاً أن العكس تماماً ينطبق على الممارسين المنحرفين !
فهم يحرصون كل الحرص على التكسب من القدرات التي لديهم ..
يحصلون على المال من
الناس بأسباب وحجج كثيرة .. لشراء
مواد ضرورية .. للتصدق بها .. أو كنتيجة لمبيعات الكتب والمواد
الأخرى .. الخ
ويحصلون على المكاسب الأخرى بطرق عدة .. بالحرص على الشهرة ..
بالتقرب من ذوي السلطة .. بنشر الشائعات والأخبار .. الخ
فالتكسب هو أيضاً من السمات التي تساعد كثيراً في التمييز بين
الصادقين والمنحرفين .
ولكن ..
لابد من الإشارة هنا أيضاً إن بعض الصادقين قد يشتهر عنهم بفعل
المقربين منهم الكثير من قدراتهم .. وبعضهم قد يبدو من مظهرهم
الخارجي شيء من الوجاهة ..
وقد يكون بعضهم من ميسوري الحال لأسباب خاصة بهم ..
فكما قلنا هي منطقة رمادية ومبهمة !
كان لابد من الإشارة لذلك حتى نكون صادقين في توضيح ما يقع في
الواقع الفعلي دون
أحكام ..
ولكن على العموم .. وبنسبة كبيرة فإن سمتي الإشهار والإعلان
قادرتان على منحنا قدرة هامه جداً للتمييز .
ضلالات أكثر من واقع
نريد للقارئ أن يفهم إننا عندما نتحدث عن القدرات الخارقة وعن
ظهورها بالفعل على السالكين الصادقين وعلى الممارسين المنحرفين فلا
يعني أن هذه القدرات سهلة المنال .. وأن الكثير من الناس يمتلكونها
بالفعل ..
ولا إن العالم يبدو لنا كسيرك مسليّ !
بالطبع لا ..
فلكل واقع قوانينه .. هذه القوانين لا تخرق بسهولة ..
والقوانين التي تحكم واقعنا المدرَك .. الشبكة التي نعيش فيها هي
القوانين الفيزيائية والرياضية ..
وهي لا تخرق إلا بقوانين واقع أعلى منها ..
فالقدرات الخارقة التي تحدث بالفعل هي نادرة .. وفي كلتا الحالتين
!
فالسالكون الذين قطعوا شوطاً كبيراً في الممارسة هم من قد تظهر
عليهم بعض القدرات ..
وهؤلاء نسبة قليلة بين السالكين .. والسالكون أجمعهم هم نسبة قليلة
جداً من الناس .
وكذلك الأمر بالنسبة للطرف الآخر .
فالممارسون المنحرفون ممن لديهم قدرات فعليه من السحرة والمنجمين
والمتصلين مع الكائنات الأخرى هم أيضاً نادرون .
الأغلبية الغالبة ممن يّدعي كل ذلك هم من الأفّاقين .. والنصابين
.. والكاذبين .. والمحتالين .. وبعضهم بلهاء !
وبعض ممن يدّعي ذلك هم من المتوهّمين
.. وهو ما سنتحدث عنه لاحقاً .
وكذلك الأمر في الكتب التي تتحدث عن كل ذلك ..
فكثير منها مليء بالجهالات .. والسخافات .. والترهات ..
يكتب مثل هذه الكتب نفس هؤلاء المدعون والمتوهمون .. وهي مليئة
بالهراء .
فحتى في الكتب والمراجع والمؤلفات في كل هذه المعارف والعلوم هناك
منطقة رمادية ومبهمة !
ولكل هذا فالأمر برمته يبدو مليئاً بالأقاويل المتضاربة ..
والأفكار الشائعة .. والأوهام .. والتصديق .. والتكذيب .
فمن السهل أن نقول أن الأمر كله هو كذب وخرافات ..
ومن السهل أيضاً أن نقول أن الأمر كله هو حقيقي وواقعي ..
الصعب هو التمييز بين هذا وذاك في مثل هذا الأمر الذي لا يوجد مثيل
له في اختلاط الحقيقي بالوهمي .. والعلمي بالجهلي .. والواقعي
بالخيالي .
إن الفصل بين كل ذلك يتطلب قدرة عالية على التمييز .
ونحن في موقع نور الشمس لا يهمنا إلا الوقائع .. ما يحدث في الواقع
.
فلهذا فنحن نقول إن أمر القدرات الخارقة هو حقيقة فعلية
وهو نتيجة لوجود واقع موضوعي فعلي خارج العالم المدرَك .
وفي نفس الوقت إن
القدرات الخارقة
الحقيقية هو من الأمور القليلة والنادرة
وأن الأغلبية الغالبة من الادعاءات هي ترهات وأوهام .
ضرر و خطر وانحراف
كل الأنبياء .. والحكماء .. وممن لديهم خبرة طويلة من السالكين
يحذّرون أشد التحذير من الانحراف عن طريق الحكمة الصحيح .
وليس هذا نابع من تحكم .. أو قطع للمعارف الهامة ..
بل لأسباب واقعية يفرضها واقع الحال .
وكثير من مدراس الحكمة تمنع منعاً باتاً التابعين لها من الانخراط
في مثل هذه المعارف الأخرى التي تخرج عن الطريق .. وتقوّم سلوك من
يجدون أنه يميل لهذه الانحرافات ..
ومن لا يلتزم يطرد ..
بكل بساطة لأنه لم يعد من السالكين .. لقد أصبح ممارساً لهذه
المعارف .
الممارس لقدرات التأثير على الأحداث ليس سالكاً .. هو ساحر .
والممارس لقدرات معرفة المستقبل أو الماضي ليس سالكاً .. هو منجم .
وهكذا للبقية .
وطبعاً نحن هنا نقصد ذوي القدرات الحقيقية وليس الأفاقين .
ولاشك أن من الطبيعي على السالك الذي بدأ بالتعرف على خبرات جديدة
أن يثار لديه الكثير من الحماس .. ويشتعل فيه الفضول ..
فالسالكون هم من ذوي الأنفس الناضجة ..
وذوي الأنفس الناضجة بطبيعتهم يسعون للمعرفة ولديهم فضول شديد لفهم
العالم الذي يعيشون فيه والبحث عن الواقع الذي يشعرون بضرورة وجوده
.
إن كل هذا الفضول طبيعي ومتوقع .
ولكن ..
إن منع السالك من الانخراط في كل هذه المعارف هو لحمايته من خطر
مؤكد .. لا مجال لتجنبه .
السبب في ذلك هو السالك نفسه .
السالك نفسه مازال غير مستعد بعد .
فالسالك أمامه رحلة طويلة لكشف طبقات وعيه .. وتجاوز حدود ذاته ..
وتصفيه نفسه من العُقد والشوائب ..
فإن انخرط في هذه المعارف قبل أن يقطع شوطاً كبيراً فيه فهذه
الطبقات نفسها التي لم يكشفها .. وهذه الحدود التي لم يتجاوزها
.. وهذه الشوائب التي لم يصفّي نفسه منها هي نفسها التي ستؤدي إلى
الإضرار به عندما يعبث بما لا يعلم .
الأمر أشبه بمنع المراهق من حمل السلاح .. وتحذيره من ذلك أشد
التحذير .
فالسلاح لديه قوة هائلة على التدمير ..
والمراهق لديه الكثير من الضعف في ضبط النفس والضعف في التمييز ..
هذا الضعف هو الذي سيتسبب بالقضاء عليه عندما يستخدم السلاح وهو
غير جاهز له .
سيستخدم السلاح في الوقت الخطأ .. في المكان الخطأ .. مع
الإنسان الخطأ ..
وهذا أمر مؤكد بحكم كونه مراهقاً .. أي بحكم التعريف !
بسبب قوة السلاح وضعف المراهق .. فالسلاح هو الذي سيستخدم المراهق
وليس العكس .
قوة السلاح ستقضي عليه و على مستقبله .
أما الرجل الناضج الذي من خلال الخبرات الكثيرة التي مر بها تمكن
من السيطرة على نفسه .. وتوصل لقدر عالي من التمييز فلا يُخشى عليه
من حمل السلاح .
سيعلم متى يستخدمه ومتى لا يستخدمه .
كذلك الأمر بالنسبة للسالك تماماً ..
فهو وبسبب أن هناك الكثير من الحجب التي تُغلف وعيه .. وبسبب أنه
لم يتمكن بعد من تخطي حدود ذاته ..
فإن قوة هذه القدرات والكائنات ستقضي عليه وعلى مستقبله .. نفس
الشيء تماماً !
إن الكائنات التي يمكن التواصل معها لديها قدرات هائلة على التضليل
والتلاعب في العقول .
فمن هذه الكائنات ما يفوقنا خبرات وعلوم بقدر هائل ..
وهناك أنواع من الجن لديهم متوسط أعمار يفوق بما لا يقاس متوسط
أعمار البشر..
يصل بعض هذا المتوسط لمئات بل للآلاف السنين !
وبعض الشياطين من لديه متوسط أطول من ذلك بكثير !!
ونحن نؤكد على أن هذه حقيقة فعليه ..
إن ظاهرة الزمان تمر على هذه الكائنات بطريقة تختلف عما نختبره نحن
.
فحتى كبار السن منا هم بالنسبة لهم ليسوا أكثر من أطفال رضّع !
لذا فهذه الكائنات التي تتواصل مع البشر لديها خبرة كبيرة في
التعامل مع البشر ..
كما إننا ذكرنا أنه ومن خلال خبرتنا المباشرة نعلم أن هذه الكائنات
لديها قدرة ما على معرفة ما يدور في ذهن الإنسان وبما يعتمل في
نفسه من رغبات ..
حتى التي تكون خفيّة على الإنسان نفسه ..!
لا تعرف كل شيء .. ولكن قدر منه ..
وهو قدر كافي لاستخدامه في التلاعب ..
الكائنات السفلية تستطيع ذلك ..
الجن يستطيعون ذلك بقدر أكبر..
الشياطين يستطيعون ذلك بقدر أكبر من هؤلاء ..
إنهم يروننا بطريقة تختلف عما نظن .. والشيء الذي يبدو خفياً
بالنسبة لنا هو ظاهر بالنسبة لهم بقدر ما ..
فكيف يمكن للسالك والذي يمارس التقنيات الروحية لبضعة سنين ولديه
الكثير لمعرفته وتخطيه يمكنه التعامل مع هؤلاء ؟!
كائنات تفوقنا عمراً .. وخبرة .. وعلماً .. بقدر كبير وهي بالإضافة
لكل ذلك تعرف الكثير من أسرارنا التي تخفى عنا ..
كل هذا ونحن لا نراها ولا نعلم إنها تتلاعب بنا ..
إن فرصنا معدومة تماماً أمامهم .. لابد من الاعتراف بذلك
!!
والذي لا يعترف على الرغم من كل هذه الحقائق الواضحة أو لا يريد أن
يعترف هو مغرور .. ومتعجرف وهذه من سمات النفس الشابة .
وهذا الطريق ليس لذوي الأنفس الشابة ... سيقضون على أنفسهم كما
سيقضي المراهق حامل السلاح على نفسه .
ولهذا السبب بالذات فإن كل الأديان تحرّم على تابعيها السلوك في
مثل هذه الطرق .. هو تحريم قاطع لأن الخطر كبير ..
وتحذّر منه أشد التحذير ..
وهو تحريم مشهور عن الأديان جميعاً .. وهو أحد الأسباب التي تسبب
هذه السمعة غير الصحيحة عن طريق الحكمة .
ولكن الذي يصل لمرحلة النضج يعلم تمام العلم أنه تحريم مقيّد ..
وله أسبابه المفهومة .
والذي يتجاوز مرحلة الشباب ولكنه لا يصل بعد لمرحلة النضج .. يكون
في مرحلة بين المرحلتين ..
فلا يستمع لتحذير الأنبياء والحكماء ومن يفوقونه معرفة ..
وهؤلاء هم الذين ينخرطون في هذه المعارف ..
فتكون النتيجة أنهم
يتعاملون مع كائنات على قدر كبير من المعرفة والخبرة والخطر ..
فتستغلهم هذه الكائنات وهم يظنون أنهم يستغلونها ..
وتضللهم هذه الكائنات وهم يظنون أنهم ينتفعون منها ..
كل ذلك بسبب حماقة هؤلاء وعبثهم بما هم غير قادرين ولا عالمين به
..
فلا يجوز لمن لا يمتلك المعرفة والخبرة أن يتعامل مع المواد الخطرة
.. الجرثومية والنووية ..
سيضر بنفسه من حيث لا يعلم .. وسيظن أن لا خطر هناك والدمار ينتشر
في جسده وهو غافل عنه .
ولا يجوز أن يُسمح بترك الطفل الصغير الساذج على انفراد
مع رجل بالغ مشهور بسوء الخلق .. ماذا نتوقع أن يحدث ؟
إننا نقول ذلك لأنها الحقيقة التي نعلمها والتي اختبرناها بأنفسنا
..
فنحن أيضاً تعرضنا لأنواع من التضليل كانت بسبب هذه الكائنات دون
أن نعلم أننا نتعرض للتضليل ..
ولقد اختبرنا وشهدنا بأنفسنا على قدرة التضليل الهائلة التي لدى
هذه الكائنات ..
لا تحاول التذاكي !
ستصدق ثم ستصدق .. وستُضلل ثم ستُضلل .. كائناً من كنت !
لديهم قدرة على التلاعب في الأفكار .. وفي الأحلام ..
ولديهم قدرة على أن
يجعلوك ترى أشياء غير موجودة .. كشاشة تّفتح أمامك ومثل هذه القدرة
تسمى عند البعض بسحر التخييل ..
ولا ننسى أن الواقع كله هو عبارة عن ماتريكس وشبكة ذهنية وهمية ..
هم لديهم القدرة على العبث بها بشكل أو بآخر .
وهم وفي بداية تواصلهم مع الممارس المبتدئ يُظهرون له جانب التعاطف
.. وأنهم محبين له .. أو عاشقات له .. وأنهم صالحون يودون المساعدة
.. وبعضهم يدّعي أنه من الملائكة !
والممارس المبتدئ الساذج يصدقهم ويميل إليهم ..
وبسبب نقص الخبرة والمعرفة ..
وبسبب طبقات الوعي والرغبات التي توّلدها ..
وبسبب نقاط الضعف فيه والتي لم يتمكن الممارس من كشفها فضلاً عن
تجاوزها ..
يتمكنون من تضليل الممارس الذي يتعامل معهم .
ويجرّونه شيئاً فشيئا .. وبهدوء وخبث شديدين حتى يتمكنوا منه
تماماً ..
ويسيطروا عليه بالكامل ..
ثم بعد ذلك يبدأ الدمار .. بعد أن يغلقوا عليه طريق الرجوع .
وإن هذا الأمر واقع يحدث حتى عند التعامل مع خبثاء البشر .. فما
بالك بهؤلاء ؟!
لهذا ولنفس السبب .. ومن منطلق الخبرة المباشرة نحذر
السالك الذي يود أن يمارس هذه التقنيات أن يلتزم بما يقوله الحكماء
وأهل العلم .
طالما أن السالك يمارس وهدفه هو المصدر الأول .. فهو في أمان تام
..
إذا انحرف السالك عن هذا الهدف .. فلا نعلم ما سيحدث .. ولا نتحمل
أي مسؤولية .
هذا فيما يتعلق في الكائنات الأخرى والتعامل معها ..
ولكن ليس كل القدرات هي من هذا النوع هناك قدرات أخرى لا تتطلب
اتصال مع أحد من الكائنات بل فقط توسّع الوعي و تقوية الإدراك من
مثل معرفة المستقبل والماضي .. الطيران .. الاختفاء .. الخ
فلماذا لا يجوز أن نهتم بالانخراط في التعمق فيها ؟
لنفس السبب السابق
السالك مازال غير مستعد .
صحيح أن السالك لا يتواصل بشكل مباشر مع كائنات أخرى ..
ولكن الكائنات الأخرى لن تدعه وشانه هنا أيضاً .. ستتلاعب به دون
أن يدري !
ولكن قبل الحديث عن ذلك علينا أن نلقي مزيد من الضوء عن
السبب الحقيقي لتحذير الأنبياء والحكماء من الانحراف ..
المعارف العليا والطريق الصحيح لتحصيلها ..
بمجرد أن يقطع السالك شوطاً في الممارسة الروحية فإن عالم
آخر سينفتح أمامه .. بل عوالم أخرى !
كائنات أخرى .. واقع مختلف .. مستويات أعلى في الزمان والمكان .. علاقات
عددية وصوتية مرتبطة بعالمنا .. تجاوز لقوانين عالمنا الفيزيائية
.. الخ
معارف وعلوم غاية في الغرابة والعمق تنفتح أمام السالك ..
إن أغلب الناس لا يصدقون بكل ذلك ..
هذا أمر مفيد وهام لهم ولغيرهم !
ولكن السالك الذي بدأ مدى أوسع من الواقع ينفتح أمامه سيعلم وبخبرته
المباشرة إن كل ذلك هو حقيقة .. وإنه جزء من الواقع الفعلي للوجود
..
وهنا تأتي المشكلة .. هنا يتمثل الخطر ..
فالاطلاع على لمحات من هذه المعارف
سيحفّز السالك ويثير فضوله
بدرجة شديدة .. تدفعه للرغبة الشديدة لمحاولة فهم وتعلم المزيد ..
فالسالك والممارس للتقنيات الروحية هو في النهاية باحث عن
الحقيقة .. وهو لم يلتزم بالممارسة إلا لأنه يريد أن يعرف حقيقة
هذا الوجود ويتخطى الحجب التي تحجب الحقيقة عنه ..
فكيف يمكن أن يُطلب من السالك تجاهل كل هذه المعارف
العظيمة ورميها وراء ظهره ؟ وكيف يمكن لباحث عن الحقيقة أن يتجاهل
معارف عظيمة واسعة انفتحت أبوابها أمامه ؟
السبب في ذلك إن تحصيل هذه المعارف له طريق صحيح لابد من
الالتزام به .. نعم إن كل هذه المعارف هي معارف عظيمة لا شك ..
ولأنها كذلك فلابد أن يسير السالك في الطريق الصحيح
لتحصيلها ..
والطريق الصحيح هو الطريق الذي يحث عليه الحكماء ..
يقول العلماء إن هذه المعارف الجديدة التي تفتح أبوابها هي معارف وعلوم
بالغة الأهمية والعمق ..
وتحصيلها هو أمر ضروري وهو أمر حتمي في نفس الوقت ..
ولكن ..
لأنها علوم عميقة فهي علوم خطيرة ..
ولكي يتم تحصيلها فلابد للسالك أن يلتزم بالأسلوب الصحيح
الذي سيؤدي لذلك ..
محاولة الوصول لها بعجلة وتهور وبدافع الطمع دون
إعداد وتهيئة سيؤدي إلى ضرر ماحق يقع على السالك وعلى غيره ..
إن هذا الإعداد والتهيئة يتم من خلال التقنيات المقيّدة
والحرة .. ولا يتم إلا بعد قطع شوطاً كبيراً في مراقبة وتصفية
النفس ..
إن تصفية النفس ليست ترفاً في طريق الحكمة .. هي ضرورة
عملية !
السالك الذي يقطع شوطاً كبيراً في تقنيات الحكمة ..
والسالك الذي تخلص من كم كبير من العوائق والحُجب التي تغلّف وعيه .. والتي
تجثُم على ذهنه ونفسه ..
والسالك الذي تمكّن تماماً من كشف دواخل نفسه وعقله ..
هو إنسان متطور .. متقدم .. هو إنسان عالي في مستواه
الوجودي ..
وهو الإنسان الذي يسمى في علوم الحكمة بالإنسان الكامل ..
أو الإنسان الحقيقي ..
الإنسان الكامل .. أو الذي يسعى حثيثاً وبصدق ليكون
إنساناً كاملاً هو الإنسان المؤهل
للاطلاع على هذه العلوم والتعمق بها ..
لأن الإنسان الذي يسعى لأن يكون إنساناً كاملاً
لا يمكن أن ينصاع للطمع الذي تولّده طبقات
الوعي لديه وبالتالي لا يمكن أن يكون عرضة لخطر تحصيل هذه المعارف
عليه وعلى غيره ..
بل إن هذه العلوم والمعارف ستتحصل له كنتيجة طبيعية
لكماله وتطوره ..
ولهذا السبب بالذات تظهر القدرات الخارقة على الحكماء
والسالكين المتقدمين ..
وذلك لأنهم وصلوا في تطوير ذواتهم لمرحلة أصبحوا يعملون بها من خلال قوانين
لمستويات أعلى من مستوانا الوجودي ..
الخطر يحدث عندما يطّلع السالك البعيد كل البعد عن هذا
المستوى على هذه المعارف .. ثم بسبب انبهاره بها وبسبب الطمع يسعى
للتعمق في هذه المعارف بعجلة دون أن يكمل ما عليه فعله من تطوير
ذاته ..
هذا السالك هو منحرف عن الطريق ..
يسعى لأن يتحصل على هذه المعارف وعلى القدرات التي تتأتى
منها بعجلة .. وبطرق يظن إنها أسرع ..
فالبعض يتصل بكائنات أخرى على علم بقدر من هذه المعارف طامعاً بأن يصل لما
يريد من خلالها ..
والبعض الآخر يلجأ لطرق أخرى في تعلم هذه المعارف والحصول على هذه القدرات
بسرعة وبتهور ..
تكون النتيجة ولسبب أن هذا السالك غير مؤهل سيدمر نفسه لا
محالة ..
إما بسيطرة هذه الكائنات التام عليه كما ذكرنا..
أو لتعرضه لأوهام هائلة
تهيمن عليه تماماً .. أو لأسباب أخرى تؤدي به إلى الضياع .. الجنون
.. أو الموت ..
إن هذه نتيجة مؤكدة لمن لا يلتزم المنهج الصحيح في
المعرفة ..
والمنهج الصحيح يقوم أولاً على ضرورة التمكن من تصفية
النفس والسيطرة على الفكر .. دون ذلك فالدمار مؤكد ..
يمكن فهم ذلك بالعلوم النووية ..
العلوم النووية هي لاشك علوم بالغة العمق .. ولأنها كذلك
هي بالغة الخطورة ..
التعامل مع الطاقات النووية .. والأدوات التي تدخل بها .. والمواد الخطيرة
التي تدخل في تخليقها .. كل ذلك يتطلب معرفة وتمكّن في الكثير من
المعارف الفيزيائية والرياضية والهندسية ..
وهو أمر يتطلب سنوات طويلة من البحث والدراسة تحت إشراف ومتابعة ..
بعد التمكن من هذه العلوم بقدر واسع
يستطيع الإنسان التعامل مع هذه الطاقة الخطيرة بأمان..
أما من يسعى لتخليق هذه الطاقة دون أن يتمكن من هذه العلوم وباستخدام طرق
وإرشادات سريعة طمعاً بقدرتها .. فهو بلا شك سيدمر نفسه وغيره ..
للمعارف العليا والعميقة منهج صحيح ومُنظم ..
وطريق الحكمة هو هذا المنهج .. أي طريق آخر سيؤدي إلى
الدمار ..
يقول الحكماء إن هذه المعارف والعلوم التي تتفتح أمام
السالكين الجدد والذين ينبهرون بها هي في الحقيقة لاشيء إذا
ما قورنت بعلوم ومعارف أخرى أعلى منها كثيراً ..
هذه المعارف ستتكشف للسالك الملتزم والمنضبط .. والحريص على التمكّن من
الإبحار والغوص في أعماق نفسه ..
سينتقل من مستوى إلى مستوى أعلى .. ومن معارف عالية إلى
معارف أعلى .. ومن قدرات إلى قدرات أعلى ..
وهكذا حتى يصل للمصدر الأول نفسه .. وهنا تنتهي الرحلة ..
لا يوجد أعلى من المصدر الأول .. ولا أعلم .. ولا أعظم ..
عند الوصول للمصدر الأول .. يصبح كل شيء .. لا شيء .
من هذا يتبين لنا أن السالكين الملتزمين بطريق الحكمة هم أكثر الناس طموحاً
ورغبة في المعرفة .. وهم يسعون للوصول لها بالطريق الصحيح ..
الطريق الصحيح هو الذي سيمكنهم من السيطرة على هذه
المعارف .. لا العكس .
أما الآخرون الذين انحرفوا عن الطريق .. فمصيرهم الدمار .
كما ذكرنا فإن سيطرة الكائنات الأخرى على السالك المنحرف ستكون مؤكدة وستؤدي
إلى دماره ..
ولكن بعض السالكين الآخرين يتجنبون ذلك بسبب قدرتهم على تجاوز عائق الطمع ..
هنا فإن السالك المبتدئ معرض لخطر آخر أعظم من خطر الانحراف ..
وهذا ما يوصلنا إلى الخطر الأكبر ..
|
الرئيسية | المكتبة | اتصل بنا |