مبرهنة عدم الاكتمال
هي مبرهنة للمنطقي كيرت جوديل تم اثباتها في الثلاثينيات من
القرن الماضي ، وهي من أهم اكتشافات المنطق والرياضيات الحديثة
أحدثت أثراً كبيراً في المنطق والرياضيات والفكر والفلسفة .
يمكن تلخيصها بالآتي :
أي نسق منطقي إما أن يكون متناقض وإما أن يكون غير مكتمل .
أي أنه في أي نسق منطقي توجد مبرهنات صحيحة تستنتج من هذا
النسق ولكن لا يمكن إثباتها من داخل النسق المنطقي .
هذه المبرهنة لا تعني وضع حدود للمعرفة المنطقية بل هي تعني
عدم إمكانية حصر المعرفة المنطقية في مسلمات محدودة ، هناك
دائماً حقائق تتجاوز أي مسلمات يمكن حصر المنطق فيها .
ننصح القارئ بمزيد من التعمق في البحث في هذه المبرهنة والتي
جاءت كنتيجة لأبحاث بالغة الأهمية في المنطق والرياضيات سبقتها
، يمكن للقارئ الرجوع للكتب المشار إليها في هذه الصفحة للمزيد
من التعمق في هذا الموضوع بالغ الأهمية . وثائقي يعطي فكرة عامة عن الاكتشافات الحديثة في حدود المعرفة الرياضية والمنطقية |
في نظرية المعرفة - الأساس المعرفي لطريق الحكمة
فكيف يعلم الحكيم الواقع ؟
ولماذا المعرفة التي تأتي عن طريق الحكمة هي المعرفة الصحيحة
المطابقة للواقع؟
لماذا لا يكون علم الحكيم عن الواقع ..عن العالم الخارجي ليس أكثر
من رأي كأي رأي آخر تأتي به فلسفة أو دين ما؟
السبب هو أن الحكيم لا يبدي رأياً أصلاً ..
الحكيم يقول ما يراه فعلاُ في الواقع ..
هو لا يأتي بشيء من عنده.. الحكيم يستند في معرفته على الخبرة
المباشرة.
الحكيم هنا أشبه بالعالِم الذي يعود للواقع الفعلي لحسم قضية من
القضايا.
لذا فالحكمة هي علم وليست فلسفة .
الحكيم يعود للاختبار المباشر ويحدد استناداً لهذه الخبرة فيما إذا
كان رأي فلسفي ما يطابق الواقع أم لا .. فيما إذا كان هذا الرأي
الفلسفي صحيح أم لا . الرأي الذي يطابق الواقع هو رأي صحيح .
الرأي الذي لا يطابق الواقع هو رأي غير صحيح .
الحكيم يعود للاختبار المباشر ويحدد استناداً لهذه الخبرة فيما إذا
كان فهماً دينياً ما مطابقاً للواقع أم لا .
فيما إذا كان هذا الفهم الديني صحيح أم لا .
وكل ذلك بالاستناد للتجربة المباشرة التي يقوم بها الحكيم
لذا فالحكمة هي علم ..
كلاهما يقومان على التجربة والاختبار المباشر.
هناك فارق أساسي بين الحكيم والعالِم كما نعرّفه حالياً :
هو أن علم العالِم ينحصر بما يمكن أن يقع تحت المدركات الخمسة
ونتيجة لذلك ينحصر علم العالم ومعرفته في العالم الفيزيائي القابل
للاختبار والقياس بواسطة الحواس الخمسة.
أما الحكيم فعلمه يتجاوز مدى الحواس الخمسة لأنه يعلم من الخبرة
المباشرة أن هناك ما لا يقع تحت الحواس الخمسة ولكنه قابل
للاختبار .
السبب في هذا الفارق أن العالِم يظن أن هناك واقع خارجي هناك ..
منفصل عنه ولا يتأثر به .
وإن إدراكه للواقع الخارجي يأتي عن طريق المعطيات التي تأتيه عن
طريق حواسه الخمسة ، فكل ما عليه فعله هو أن يجمع هذه المعطيات
الآتية من العالم الخارجي المنفصل عنه ليقوم بجمعها وتنظيمها
واستخراج النتائج منها .
أما الحكيم وبسبب مستوى النضج العالي الذي وصل إليه فإنه يعلم
أمراً آخر..
وهو أنه لا فرق فاصل بين العالم الخارجي وذاته الداخلية .
هو يعلم أن هناك أمر أساسي فيه هو ..
وإنه لا يمكنه أن يعرف عن العالم الخارجي .. عن الواقع الموجود
هناك إلا بعد أن يعرف ما هو موجود في داخل ذاته .. في العالم
الموجود هنا .
الأمر أشبه بإنسان يقف تحت الشمس ..
هذا الإنسان يقف وله ظل ..
هو يرى ظله يتحرك .. يغير من أبعاده .. ولكنه يعتقد أن الظل الذي
يراه هو شيء آخر منفصل عنه .
يحاول أن يدرس هذا الظل ، ويحاول أن يفهم لماذا
يتغير بالشكل الذي يتغير به؟.
عاجلاً أم آجلاً سيدرك أن هناك علاقة ما بين حركته هو وحركة
الظل الذي يراه..
سيدرك أن هذا الظل هو تابع لحركته هو وناتج عن حركته هو .
وهكذا العالِم يظن أن الكون والعالم الخارجي منفصل عنه ومعرفته
تنحصر إذاً بالرابط بينه وبين هذا العالم وهي
مدركاته الحسية.
أما الحكيم فهو يعلم إنه غير منفصل عن العالم فإذا أراد معرفة
العالم الخارجي فعليه أن يعلم ذاته هو ومعرفته لذاته لا تنحصر
بالمدركات الحسية لذا فمعرفته عن العالم الخارجي لا تنحصر
بالمدركات الحسية.
هذا هو المبدأ
المعرفي الذي ينطلق منه الحكماء لمعرفة الواقع.
وهو الالتفات للذات العارفة ..
عندما ينطلق البحث من هنا تظهر مداخل لم يرها أحد من قبل..
وتنفتح أبواب كانت دائماً مغلقة ..
وتبدأ الخبرة المباشرة .
يختبر الحكيم والسالك في طريق الحكمة بأنفسهم جوانب من الواقع
لا يمكن الوصول لها بطرق أخرى.
الخبرة التي يختبرها الحكيم والسالك ليست هي اعتقاداً أو رأياً أو
استنتاجاً من مقدمات ما ..
الخبرة التي يختبرها الحكيم والسالك هي خبرة فعلية وحقيقة لا شك
فيها .
فهل لديك شك بأنك تقرأ هذه السطور الآن؟
التفت حولك ..هل لديك شك إن كل ما تراه حولك الآن حقيقي؟
السطور والأشياء الموجودة حولك هي حقائق فعلية معرفتها قائمة على
الخبرة المباشرة التي تقوم بها الآن .
هي معرفة لا تشك بها .
كذلك الأمر في الخبرة المباشرة التي تحدث للحكماء والسالكين ، هي
خبرات فعلية وحقيقية لا مجال للشك فيها .
المشكلة إن من لم يمر في هذه الخبرات يظن إنها غير حقيقية ..وهمية
وكاذبة .
ولكن عندما تحدث له شخصياً سيعلم إنها خبرة لا تفترق عن الخبرات
التي نمر بها ..
الشك بأحدهما يؤدي للشك بالآخر لأن لهما نفس درجة اليقين
..
فالخبرة المباشرة هذه هي طريق الحكمة في معرفة الواقع .
تأتي هذه الخبرة كنتيجة للالتفات للذات العارفة ..للواعي الذي يعي
العالم. ما الذي يجعل للذات العارفة .. هذه الأهمية في المعرفة؟
لأن أي شيء يمكن أن يعرف لابد أن يقع في وعي ما .. في ذهن ما .
دون وجود نفس مدركة لا يمكن أن توجد أشياء لنسأل فيما إذا كانت
موجودة أم لا .
عندما ينام المرء نوماً عميقاً خالياً من الأحلام .. يزول كل شيء!
لا يعود هناك شيء يمكن الحديث عنه أو التفكير فيه..
عندما يستيقظ المرء.. يعود كل شيء مرة أخرى
هذه حقيقة بديهية يعلمها الجميع ..
والحكماء يعلمونها أيضاً
..
عندما يستيقظ المرء من نوم عميق خال من الأحلام .. يعود العالم
للظهور
تظهر الأشياء التي تعرف عن طريق المدركات الحسية وتظهر الأفكار
التي تربط هذه الأشياء .
ينطلق الأغلبية في البحث عن هذه الأشياء التي ظهرت .
عند البحث عن هذه الأشياء تظهر الصعوبات والحدود التي تحدثنا عنها
في المأزق المعرفي..
يقول الحكماء إنه قبل البحث عن هذه الأشياء
علينا أن نبحث في هذا الشيء الذي بظهوره يظهر كل شيء والذي في
غيابه يغيب كل شيء والذي يكون بذلك أساس وجود كل شيء ..وهو الذات
العارفة.
علينا في البحث عن هذه الذات العارفة ..ما هي؟
علينا بمحاولة البحث عن هذه الذات العارفة لأنها تبدو إنها ليست
فقط أساس لوجود كل شيء آخر بل يبدو أيضاً إنها تعرف كل شيء!
لماذا يبدو إنها تعرف كل شيء؟
لأنها تبدو المعيار الوحيد للمعرفة .. لأنها هي التي تحدد فيما إذا
كانت المعرفة صحيحة أم لا .
لتوضيح ذلك
فإن الأشياء الموجودة حولك الآن وأنت تقرأ هذه السطور ..الجهاز
الذي تقرأ منه .. الغرفة التي تجلس بها وكل شيء آخر هو موجود في
عقلك .. في وعيك .
كلها أشياء تعرفها من خلال المدركات الحسية التي تصلك منها..
فما الذي يجعلك متأكداً أن كل ما حولك موجود ؟
على أي أساس تقول أن الغرفة التي تجلس بها والسطور التي تقرأها
وجسدك الذي تستخدمه هي أشياء موجودة ؟
مهما حاولت ستصل في النهاية إنه لا يوجد أساس إلا إنك تعرف وحسب!
1+1=2
ما الذي يجعلك متأكداً من هذه الحقيقة ؟ ما الذي يجعلك واثقاً إنها
حقيقة صحيحة ؟
لأنها حقيقة منطقية..
وما الذي يجعلك متأكداً بأن الحقيقة المنطقية صحيحة ؟ ما الذي
يجعلك تقبلها وتثق بها ؟
لقد تم البحث العميق في مثل هذا السؤال كما ذكرنا وتم التوصل إنه لا يمكن
القبول بالحقائق الرياضية إلا على أساس مسلمات توضع كحقائق بينّة
بذاتها ..
ولا يمكن القبول بنتائج الاستدلال المنطقي إلا على أساس قواعد استدلال
توضع كحقائق بّينة بذاتها .
حقائق نعتبرها واضحة دون برهان وبالاستناد عليها يمكن البرهان على
الحقائق المنطقية .
فما الذي يجعلك تعتبر هذه الحقائق بيّنة بذاتها ؟
مرة أخرى ..أنت تدرك ذلك بذاتك ..أنت تعلم إنها حقيقة وحسب.
فكما قلنا في الموضوع السابق لا يوجد برهان على أسس البرهان الرياضي
والمنطقي .
لا يوجد من داخل الرياضيات والمنطق ما يبرهن على الرياضيات والمنطق
.. حقائقهما مقبولة لنا لأننا نعرف أنها صحيحة وبيّنة بذاتها .
فمن هذا الذي يعرف؟
أنا..
من أنت؟
لا يمكنك القول إنك هذا الجسد ..لأن جسدك هو شيء من جملة
الأشياء التي تُعرف.
ولا يمكنك القول إنك هذه الأفكار التي تدور في رأسك ..لأن هذه
الأفكار موجودة لأنك تفكر بها .
فما هو هذا الشيء المُفكِر؟
الأشياء الملموسة الخاضعة للحواس والتي مجالها العلم..
والمفاهيم العقلية والتي مجالها المنطق والرياضيات ..
كلها مدركات موجودة في وعي من يفكر بها ..
فهذه الذات العارفة هي أساس وجود كل شيء وأساس معرفة كل شيء آخر ..
هذه حقيقة بديهية ..وعلى الرغم من ذلك تحاول الكثير من الاتجاهات
الفلسفية التهرب منها والبحث عن مصدر آخر تستند إليه المعرفة ..
البعض يحاول أن يجعل
العالم الخارجي هو هذا المصدر..
البعض الآخر يحاول أن يجعل قواعد ما للفكر والمنطق هي هذا المصدر..
ولكن كلاهما في حاجة لذات عارفة!
لذا لا يضيع الحكماء الجهد والوقت في محاولة إثبات أو نفي هذه
الحقيقة البديهية ..
لأنهم يعلمون مُسبقاً إنه لا توجد أي طريقة لنفيها ..
لا
يمكن أن يُعرف شيء إلا بوجود ذات عارفة تدركه وتعرفه ..
هذه حقيقة ، هذا أمر واقع . التهرب من هذه الحقيقة والبحث عن أساس خارج الذات للبرهان هو الذي أدى لمجادلات فارغة تدور وتدور منذ آلاف السنين ومازالت .. وستظل ولن تنته . والحكماء لا يكترثون للمجادلات التي لا تنتهي هم كالعلماء تماماً لا يكترثون إلا للحقائق القابلة للاختبار . لهذا فالحكماء وبكل بساطة ينطلقون من هذه الحقيقة :
"إذا كان لا يمكن معرفة شيء دون ذات عارفة فعلينا إذاً
البحث في هذه الذات العارفة "
هم ينطلقون من هذا المبدأ المعرفي ليتبين لهم إن هذه الذات
التي يحاولون معرفتها هي شيء شديد الغموض و التماهي..
وإن الرحلة في محاولة فهم الذات ستقودهم إلى خبرات غير متوقعة
بالمرّة ..
هذه الخبرات نفسها تصبح تأكيد لهم على سلامة منطلقهم المعرفي الذي
بدءوا منه .
فمعرفة أن الذات العارفة هي أساس المعرفة ليست نهاية الرحلة بل
بدايتها.
الحكماء إذاً ينطلقون لمعرفة هذه الذات التي يستند وجود كل شيء على
وجودها هي .
في الطريق لمعرفة الذات يختبر الحكماء جوانب من الواقع خبرة
مباشرة.
يأتي الحكماء لنا ويقولون لنا ما شاهدوه وما اختبروه .
لا يطلب منا الحكماء أن نصدق ما يقولونه لنا عن الواقع تصديقاً
أعمى بل هم يدعوننا لأن نشاهد بأنفسنا ما شاهدوه هم .. ويبينون لنا
الطريق لفعل ذلك.
ينطلق الساعي للحكمة في هذا الطريق ليشاهد ويختبر بنفسه ما شاهدة
واختبره الحكماء .
هكذا يمكن الإجابة عن أسئلتنا الملحة .
فكما بيّنا فإن الطرق الأخرى لن توصل لشيء.
الذاتي و الموضوعي
إن ما يهمنا أن يفهمه القارئ هنا أن الحكماء عندما ينطلقون من
الذات العارفة كأساس للمعرفة فهم لا يتحدثون هنا عن العلاقة بين
الذات والموضوع ..
هم لا يقولون فيما إذا كان الوجود موضوعي أم ذاتي ..
هم لا يتحدثون عن المثالية و المادية ..
كون الواقع موضوعي أم ذاتي هي مسألة لا يكترث لها الحكماء بعكس ما
يظن من مَن لا يعلم .
الحكماء تماماً كالعلماء لا يكترثون إلا بالوقائع .. إلا بالحقائق
.
وكما أن العلماء لا يكترثون للسؤال فيما إذا كان هناك شيء خارج
المدركات الحسية عند إجراء التجارب والقياسات .. بل هم ينطلقون من
أن المدركات الحسية هي أداتهم الوحيدة التي في متناولهم والتي
يمكنهم استخدامها للمعرفة .
كذلك الأمر عند الحكماء .. هم ينطلقون من الحقيقة البديهية بأنه
دون ذات عارفة لا توجد معرفة وينطلقون من هنا للبحث في هذه الذات
المعرفة لمعرفة الواقع بصرف النظر عن كونه يوجد خارج الذات أم لا .
فهذه مسألة عند الحكماء من ضمن المسائل التي يتم البحث عن إجابة
لها لاحقاً ..
الأساس المعرفي للحكمة هي الذات العارفة
فالبحث عن الذات العارفة ومعرفة ما هي يمكن الإجابة عن أي سؤال عن
الواقع وعن أنفسنا .
وبإدراك الذات يمكن التثبت من هذه الإجابات تثبتاً يقينياً
بالتجربة المباشرة .
وعندما نعلم ما هو الواقع يمكننا تحديد سبب المعاناة و إيجاد
السبيل للخلاص منها .
|
الرئيسية | المكتبة | اتصل بنا |