|
من الخارطة إلى الرحلة
المعرفة هي المحور الأول الذي تدور حولها الممارسة الروحية .
هي الخارطة التي يسترشد بها السالك في رحلته .
عندما يحصل المرء على خارطة ويعرف الطريق الذي عليه أن يسلكه
للوصول للهدف فهذا لا يعني إنه قد وصل فعلاً لهدفه !
عليه أن يبدأ الرحلة الفعلية ..
كذلك الأمر في الحكمة .
المعرفة هي الخارطة التي يعرف بها السالك الهدف والطريق
الذي عليه أن يسلكه .
ولكن المعرفة وحدها لا تكفي ..
فالقارئ الذي فهم وتقبل كل ما ذكرناه حتى الآن مازال كما هو .. لم
ير شيئاً !
لابد من القيام بالرحلة الفعلية ..
لابد من الخروج من الشبكة ..
الآن وقد عرف السالك وفهم حقيقة ذاته وماهية الواقع ..
الآن وقد عرف السالك إنه عالق في شبكة من صنعه وإن هذا هو سبب
معاناته ..
الآن وقد عرف السبب الذي يدفع للقيام بالرحلة وعرف الهدف الذي
سيتجه له ..
تبدأ الرحلة الفعلية .
ولكن كيف يمكن الخروج من هذه الشبكة والخلاص من المعاناة التي
تُسببها؟
كيف سيتمكن المرء من مشاهدة الواقع في مستوياته العليا ؟
هنا يأتي دور الممارسة ..وهي المحور الثاني لطريق الحكمة .
فما هي الممارسة الروحية ؟
الممارسة الروحية هي مجموعة من التعاليم .. الطرق ..التقنيات التي
على السالك ممارستها حتى يتمكن من اختبار الواقع الفعلي والخروج من
الشبكة للخلاص من المعاناة .
هذه التقنيات والتعاليم نقلها الحكماء لنا على مر العصور وفي مختلف
الثقافات وهي تختلف من مدرسة لأخرى في بعض التفاصيل ولكن في جوهرها
هي تعاليم واحدة لاختبار الواقع الواحد الذي لا يوجد غيره .
الاختلاف بين مدارس وطرق الحكمة هو بسبب الاختلاف بين الناس في
مستوى تطورهم الذهني والنفسي وبسبب اختلاف الثقافات بين الأمم
وبسبب اختلاف الأزمنة وما يطرأ فيها من تغير على فكر الناس وقيمهم
ونظرتهم للحياة .
فما يقال للطفل الصغير يختلف عما يقال للشاب اليافع ويختلف أيضاً
عما يقال للرجل الناضج !
جوهر هذه التقنيات وهذه التعاليم هو واحد .
وهدفها هو واحد ..
وهو اختبار الواقع كما هو والخلاص من المعاناة ..
ولا يكون ذلك بشكل تام ونهائي إلا بالوصول للموجود الحق .. للمصدر
الأول .
بماذا تتمثل هذه التقنيات والتعاليم ؟ ما هي بالضبط ؟
هي مجموعة من التمارين الذهنية والنفسية والسلوكية والجسدية على
السالك على طريق الحكمة الالتزام بها وممارستها والحرص عليها
ليتمكن من رفع مستوى الوعي لديه .
عندما يرتفع مستوى الوعي لدى السالك سيتمكن من إدراك ومشاهدة
الواقع على مختلف مستوياته شيئاً فشيئاً على حسب عزم السالك
وإرادته ومستوى تطوره .
كما ذكرنا فإن طرق الحكمة تختلف في مدارسها وليس هدفنا هنا أن نحدد
للقارئ أي من المدارس والطرق يتبع .
هدفنا فيما يلي هو أن نوضح جوهر هذه التقنيات ودورها في رحلة
السالك للخروج من الشبكة واختبار الواقع كما هو والخلاص من
المعاناة .
|
الرئيسية | المكتبة | اتصل بنا |