العالم  كما يراه  الحكماء النظرة العلمية للعالم من السماء إلى الأرض

  معرفة الواقع كما هو ضرورة حتمية تفرضها المعاناة .

  الحكمة  هي العلم الذي من خلاله تُعرف ماهية الواقع كما هو موجود بالفعل ثم اختباره خبرة مباشرة .

  العالم الذي ندركه هو خيال ووهم  .. وهو يظهر نتيجة الطبقات التي تغلف الوعي .

   عالمنا الذي ندركه لا يمثل سوى شريحة ضيقة بالغة الضيق من الواقع الحقيقى الموجود بالفعل  والموجود هنا والآن .

  عالمنا يحجب الواقع الفعلي ويحبسنا داخل شبكة تفاعلية وهمية  موجودة بالفعل .. ماتريكس .

  نتيجة الجهل وتحت تأثير الشبكة يتقزم الإنسان ويبتعد عن حقيقته الفعلية التي لا حدود لعظمتها .

  يمكن اختراق هذه الشبكة واختبار الواقع الفعلي .. عندما يتحقق ذلك تنتهي المعاناة ويتحرر الإنسان من كل القيود .

  حياة الإنسان هي رحلة  هدفها اختبار الواقع الكلي والعودة للمصدر الأول .. حيث كل شيء .

 

مقدمة ضرورة المعرفة أعمار الأنفس في نظرية  المعرفة طريق الحكمة في المعرفة من الخارطة إلى الرحلة
في  الممارسة وحدة المعرفة والممارسة الحكمة والدين الحكمة والعلم غاية الحكمة ماوراء كل شيء خاتمة

الحكمة والدين

 

الأشياء التي توجد في عالمنا تبدو كثيرة ومتباينة ولا يمكن حصرها .

بالنظر لهذه الأشياء بعمق أكبر يمكن حصر هذه الكثرة إلى عدد محدود من المكوّنات ..

جميع الأشياء التي نراها تتكون في النهاية من عدد محدود من العناصر..هيدروجين ..أكسجين ..كربون ..الخ

بنظرة أكثر عمقاً لهذه العناصر يمكن حصر مكوناتها إلى عدد أقل ..الكترونات .. بروتونات .. نيوترونات .

وبنظرة أكثر عمقاً وفي حدود معرفتنا الحالية فهذه المكونات نفسها تعود لتصبح تشكيلات من شيء واحد .. الوتر الفائق ..

جميع الأشياء التي بدت لنا من النظرة الأولى متنوعة كثيرة ولا يمكن حصرها أصبحت عبارة عن تنوعات وتشكيلات لشيء واحد فقط .

فإذا كانت الأشياء على اختلافها هي في جوهرها شيء واحد فلماذا تبدو لنا كثيرة؟

السبب في ذلك مستوى الوعي الذي ننظر من خلاله لهذه الأشياء .

كلما نظرنا للأشياء بمستوى وعي أعمق كلما تمكننا من حصر الكثرة وردها لعدد أقل من المكوّنات .

لماذا؟

لأن الواقع في أعمق أعماقه كما ذكرنا كثيراً هو ماهية واحدة ..شيء واحد.

هكذا هو الأمر في الواقع وكل ما فيه .

وكذلك الأمر فيما يتعلق بالعلاقة بين الحكمة والدين .

بعلم الحكمة يمكن معرفة جوهر كل الأديان .

يُفترض في الدين أن يعطي إجابات عن أسئلتنا الكبرى .. ما هو الواقع؟ ما هو الوجود؟ ما مصدره؟ ما دور الإنسان فيه؟ ما مصيره؟.. الخ

ولكن يبدو من النظرة الأولى للأديان إنها تختلف في إجاباتها اختلافاً شاسعاً.

هكذا يبدو الأمر..

من خلال المعرفة العميقة التي تُكتسب من علم الحكمة عن الواقع والمدعّمة بالخبرة المباشرة يمكن حصر الإجابات التي بدت لنا شديدة التباين في إجابات مشتركة ومتشابهة .

ما بدا من النظرة الأولى أنه شديد التباين ، متعذر على الحصر أصبح بفضل علم الحكمة متشابهاً لدرجة التطابق الكامل .

فلماذا تختلف الأديان إذاً طالما أنها في أعمق إجاباتها تبدو متقاربة؟

لنفس السبب الذي تبدو الأشياء كثيرة مختلفة على الرغم من أنها في الأصل مكوّنة من شيء واحد .

السبب هو أننا ننظر للأديان كما ننظر لكل شيء آخر من خلال الحُجب التي تُغلف الوعي .

طبقات فوقها طبقات ..

اللغة .. الثقافة .. البيئة .. العصر .. القيم ..

عندما نتمكن من إزالة الحُجب التي تغلف الوعي .. سنتمكن من إدراك الواقع بمستوى أعمق .

عندما نتمكن من إدراك الواقع بعمق أكبر .. سيتعمّق فهمنا للدين الذي نؤمن به .

عندما يتعمّق فهمنا للدين الذي نؤمن فيه .. سنكتشف تقارب أكبر في الإجابات التي تعطيها الأديان الأخرى مع إجابات ديننا الذي نؤمن به .

وعندما نصل لمستوى أكثر عمقاً سنكتشف إن الأديان على اختلافها تعطي إجابات متطابقة لا اختلاف فيها .

التطابق في الإجابات يكون هنا في جوهر الأديان لا في تفاصيلها .

التباين بين الأديان هو نتيجة لتباين طبقات الوعي .

عندما تزال طبقات الوعي .. يزول التباين .

عندها نعلم أن مصدر جميع الأديان هو مصدر كل شيء آخر .. الموجود الحق ، المصدر الأول.

لا يمكن لإجابات الأديان إلا أن تكون واحدة ..

لأنه لا يوجد إلا واقع واحد .

وكما ذكرنا عند الحديث عن نظرية المعرفة فإن أتباع كل دين يؤكدون على أن دينهم هو الدين الحق .

كلٌ له أدلته ..

والجدال بينهم يدور منذ آلاف السنين دون نهاية ..

لم ينتهي ولن ينتهي !

السبب في ذلك إنه لا توجد طريقة لحسم الخلاف .

الحكمة هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تحسم الخلاف لأنها تستند إلى الخبرة المباشرة .

طريق الحكمة كما ذكرنا هو رحلة لمعرفة الذات والواقع الذي يعكس هذه الذات .

والدين جزء من هذا الواقع والسير على طريق الحكمة هو السبيل لفهم هذا الجزء من الواقع .

لن يعود الإيمان قائماً على مجرد التصديق.

فلماذا يعتبر إنسان نفسه إنه مسلماً أو مسيحياً أو بودياً أو من أي ديانة أخرى؟

هل قام هذا الإنسان بالبحث في كل الأديان الموجودة والأديان التي وجدت وبادت؟

هل بحث بها جميعها بأقصى درجات العمق ثم وصل للاعتقاد بدينه ؟

لا يحدث ذلك فعلياً .. ولا يمكن أن يحدث .

لن يتمكن الإنسان في كامل عمره من البحث في دينه هو ناهيك عن الأديان الأخرى!

لا يوجد حتى حد  لدرجات العمق في البحث .. سيستمر البحث إلى ما لا نهاية .

إذاً لماذا يعتقد هذا الإنسان بدينه ؟

لماذا يقول هذا هو ديني وهذا ما أنا مُتمسك به؟

هو يعتقد بذلك لأنه يصدّق والديه والمجتمع الذي وجد نفسه فيه .

فالاعتقاد في دينه قائم هنا على طبقات الشخصية التي تكوّنه والتي تغلف وعيه .

والتمسُك قائم على التمسُك بهذه الطبقات..

على التمسُك بما يعتقد أنه هو ..

من يظن غير ذلك يخدع نفسه ..

ومن يخدع نفسه فهو يخدع نفسه بسبب هذه الطبقات!

والإنسان الساعي للخلاص من المعاناة لا يمكن أن يقبل بأن يخدع نفسه .. لأنه إن خدع نفسه سيظل في المعاناة وسيضر نفسه .. فلا معنى لخداع النفس هنا !

فعندما يدرك المرء أن طبقات الوعي تحجبه عن المعرفة الصحيحة و عندما يتخلص المرء من هذه الطبقات التي تغلف وعيه ويصل لاختبار الواقع بشكل مباشر وشخصي ويجد أن ما وجده بخبرته المباشرة مطابق تماماً لما هو في جوهر دينه هو فلن يعد التمسك بدينه قائم على التصديق الأعمى .

بل قائم على خبرته المباشرة .

يصبح الإيمان هنا نابعاً من صميم الذات ..

وسيفهم دينه كما لم يفهمه من قبل ..

وسيعلم إنه لم يكن يعلم شيء من قبل ..

وسيقرأ النصوص المقدسة وسيفهم الرسائل الخفية الموجودة فيها ..

وسيفهم أن المشكلة لم تكن في الدين بل بما فهمه هو عن دينه .

وبما حاول ويحاول الآخرون أن يفهموه عن دينه .

"هذا هو الدين" ..

"هكذا يجب أن تفهم دينك" ..

"إذا اعتقدت بشيء آخر فقد خرجت عن الدين ..ستذهب للجحيم" !

هكذا يتحدث الجاهل الذي لا يعلم عما يتحدث..

وهكذا يتحدث من له غاية ويريد أن يستغل الدين لهذه الغاية.

حدث ذلك كثيراً على مر التاريخ .

يقول الحكماء "لماذا تدع غيرك يُفهِمك دينك وأنت قادر على معرفة كل شيء بنفسك" ؟

"ما هذا الضعف"؟!

كل هذه الأفكار التي يحاولون أن يحددوا الدين بها هي طبقات وحجُب تمنع من رؤية الحقيقة كما هي .

تخلص من هذه الحُجب سترى الحقيقة بنفسك ..

لن تعد في حاجة لأحد .. ولن تسمح لأحد باستغلالك .

جوهر كل الأديان واحد لأن الواقع واحد .. ولا يمكن إلا أن يكون ذلك .

لتوضيح ذلك :

فإن هناك شمساً واحدة تشرق في السماء ..

كل أمه تطلق على هذه الشمس اسماً مختلفاً ..

وعندما تصف كل أمه الشمس قد تختلف كل منها في الجانب الذي تصف فيه الشمس .

البعض يلتفت أكثر لوصف الحرارة والدفء الصادرة عن الشمس .

البعض يركّز في وصفه على النور والضياء الذي ينبع منها .

البعض يركّز في وصفه على تأثير الشمس في الحياة والمعاش .

والبعض قد يلتفت أكثر لجمال الشمس وبهاءها .

كلها جوانب وتجليات لنفس الشمس .. تهتم كل أمه في التركيز على جانب من هذه التجليات .. باستخدام مسميات متباينة .

  كذلك الأمر في الأديان

 فإن الأديان في جوهرها تصف نفس الواقع .. لأنه لا يوجد إلا واقع واحد .

الحكماء والسالكون لا يتوقفون عند مجرد الوصف لهذا الواقع بل يختبرون هذا الواقع خبرة مباشرة .. يشاهدونه بأنفسهم .

عندها يعلم الحكماء والسالكون أن الأديان في جوهرها تصف نفس الواقع الذي شاهدوه .. كل دين يستخدم مسميات مختلفة وكل دين قد يركز على سمات ما من هذا الواقع .

الجوهر واحد .. وزوايا النظر تختلف ..

ثم يضاف بعد ذلك الكثير من التفاصيل التي تجعلها تبدو شديدة التباين.

ما أضيف على هذا الجوهر لدى كل دين سببه طبقات الحجُب التي تغلف الوعي .

وهي تختلف من أمه لأخرى ومن ثقافة لأخرى ومن عصر لآخر..

يختلف ويتجادل البشر فيما بينهم لأنهم يختلفون بطبقات الحجُب التي تغلف وعيهم ولا يمكن أن ينتهي الجدل إلا برفع الحجُب .

لا يوجد طريقة أخرى للحسم ومعرفة الحقيقة كما هي .

عدم وجود طريقة لحسم الخلاف بين أتباع الأديان والفظائع التي ارتكبت على مر التاريخ بسبب هذا الخلاف أدى لأن ينبذ البعض الأديان جملة وتفصيلاً .

"إن الأديان لا يمكن أن تعطينا الحقيقة عن ماهية الواقع كما هو والدليل على ذلك أن الأديان تختلف في هذه الحقيقة خلافاً لا حاسم له بل إن الفظائع ترتكب بسبب هذا الجدال فلا حل إلا بنبذ الأديان جميعاً" ..

هكذا يفكر هؤلاء .

ولا يعود هناك إلا العلم كأداة لمعرفة الواقع .

ولأن منهج العلم كما نفهمه الآن لا يمكن له البت فيما يتجاوز المدركات الحسية فإذًا يستنتج هؤلاء أنه لا يوجد شيء خارج العالم الفيزيائي القابل للاختبار بالمدركات الحسية .

لهذا الاعتقاد مبرراته الصحيحة والصادقة على الرغم من قصوره .

وسنتحدث عن ذلك في الموضوع التالي..

إن ما يهمنا أن يفهمه القارئ هنا هو الآتي:

الحكمة ليست دين .

الحكمة ليست اعتقاد.

الحكمة هي علم معرفة الواقع كما هو بالخبرة المباشرة .

الحكمة هي طريقة تمكننا من معرفة الواقع كما هو ومن اختباره خبرة المباشرة .

طريق الحكمة يتطلب من السالك على دربه المسؤولية والشجاعة .

يتطلب أن يتوقف الإنسان عن الاعتماد على الآخرين فيما يعتقد ..

عليه أن يتحمل مسؤولية المعرفة بنفسه ولنفسه .

ويتطلب أن يتحلى الإنسان بالشجاعة للسير وحيداً على طريق لم يسلكه من قبل ..

عندها يفوز السالك بكل شيء ..

عندما يختبر السالك على طريق الحكمة لمحات عن الواقع كما هو اختباراً مباشراً وشخصياً فلن يتمكن أحد من أن يُملي عليه ما يعتقد .

ولن يتمكن أحد من أن يجعله مطيّة لمطامحه ومطامعه .

أما من ينتظر من الآخرين الأحكام والآراء .. فهو يختار التبعية لنفسه بنفسه ..

الأمر أشبه بإنسان بصير يغلق عينيه بيديه ثم يسأل الآخرين عما يشاهدوه .. ويتسوّلهم ليعينوه على المسير!

من يفعل ذلك فهو يستحق ما يترتب وينتج عن فعله من تبعية و استعباد وضلال .

اختبر الواقع .. شاهد بنفسك .. ثم اعتقد بعدها بما تشاء .

هكذا يتكلم الحكماء

>>


   
مقدمة
ضرورة المعرفة - المعاناة
أعمار الأنفس
في نظرية المعرفة  :
                       مصادر المعرفة - كيف يمكن أن نعرف
                       الأساس المعرفي لطريق الحكمة
                       اليقين

طريق الحكمة

في المعرفة - لعالم كما يصفه الحكماء :
                     العوالم الأخرى
                     مستويات  الوجود
                     الكل وأجزاءه
                     العالم كوحدة واحدة
                     ماوراء المكان والزمان
                     المصدر الأول - الموجود الحق
                     العالم الحُلم -  الواقع التمثيلي
                     حُجب  الوعي
                     العالم كإنعكاس
                    الإستغراق في العالم  - ظهور الشبكة ( الماتريكس)
                     أسباب الخلاف
                    الشبكة المتفاعلة
                    

من الخارطة إلى الرحلة

في الممارسة - طريق الخبرة المباشرة
                 الإرادة والعزيمة
                 القلب - مركز الانتباه
                 السيطرة على الفكر - مراقبة النفس
                 التركيز
                 الهدوء النفسي  - السلام الداخلي
                 مسيرة الحياة - ميدان التدريب والتقييم
                 السلوك القويم - المعرفي و الأخلاقي والعملي
                 الزُهد
                 القدرات الخارقة
                 تحويل الواقع

وحدة المعرفة والممارسة
الحكمة والدين
الحكمة والعلم
غاية الحكمة - السعادة المطلقة
ما وراء كل شيء - هو
خاتمة

تنزيل رسالة الخروج إلى الداخل