|
في الممارسة – طريق الخبرة المباشرة
التركيز
لا يمكن اختبار الواقع كما هو إلا بالسيطرة
على الفكر .
ولا يمكن السيطرة على الفكر إلا بالتركيز .
التركيز هو تثبيت الفكر باتجاه واحد فقط
والحفاظ عليه في هذا الاتجاه .
لماذا يقطع السيف الأشياء ؟
لأن كل القوة التي يتحرك بها السيف تكون
مركّزة في حافة حادة جداً.
تسعى طرق الحكمة على تدريب السالك لكي يحوّل
فكره لما يشبه السيف الحاد .
الطبقات التي تغلف الفكر هي حجب تمنع الرؤية..
ولا يمكن اختراق هذه الطبقات إلا بقطعها ..
ولا يمكن قطع هذه الطبقات إلا بجعل الفكر
كالسيف ..
هذا هو التركيز !
هناك الكثير من التقنيات الذهنية التي تهدف
لتقوية التركيز .
هي تمارين ذهنية على السالك أن يقوم بها وبشكل
متواصل حتى يدرب ذهنه على التركيز .
يقول الحكماء أن العائق الأكبر الذي يمنع
مشاهدة الواقع الحقيقي هو ضعف التركيز الذهني .
فعندما يوجه السالك فكره وقلبه لما هو أعلى من
الشبكة .. تبدأ الشبكة في المقاومة.
الأفكار التي تغلف الوعي تهاجم فكر السالك
وتمنعه من تركيز فكره .
هي كموجات النهر الهادر التي تمر بسرعة وقوة
وتمنع المرء من العبور للضفة الأخرى .
لابد أن يتعلم السالك أن يسيطر على هذه
الأفكار ..
لابد أن يتعلم السالك أن ينظر بعقله لفكرة
واحدة
ثم يحافظ عليها
ويمنع أي فكرة أخرى من الدخول لعقله .
ولكي يقوم بذلك فلابد أن يكون عقل السالك
مُدرّب على التركيز .
وهو أمر بالغ الصعوبة.
يمكن للقارئ أن يتأكد من ذلك بنفسه وذلك بأن
يحاول أن يضع صورة ما في ذهنه ويمنع أي شيء آخر من المرور في ذهنه
..
لن يتمكن من الحفاظ على هذه الصورة لأكثر من
بضع ثواني !
لهذا فإن طرق الحكمة تسعى لتدريب السالك على
القيام بذلك من خلال الكثير من التقنيات المختلفة .
ولكن ..
لماذا التركيز؟
لماذا هو ضروري؟
ما دور التركيز في الخروج من الشبكة؟
السبب في ذلك هو الاستغراق .
ذكرنا من قبل إن الواعي عندما يظن أنه هو ما
يراه فإنه يستغرق في الواقع الذي يشاهده ..
هو يدخل في الشاشة بسبب هذا الاستغراق ..
والاستغراق هو هذا التركيز.
إن أول شرط يحدث لمن يظن أنه هو جزء من الفيلم
الذي يشاهده هو التركيز ..
هو ينظر للفيلم الذي يشاهده بتركيز شديد
بحيث إنه لا يعود يرى أو يسمع أو يشعر بما حوله ..
ولأن الوعي هو مرآه ليست كأي مرآه أخرى ..
هي مرآه يمكن الدخول فيها والخروج منها .. هذا
الدخول والخروج هما حقيقيان وفعليان كما ذكرنا .
لذا فالواعي الذي ينظر بتركيز شديد لما يراه
.. لا يعد يرى ولا يسمع ولا يشعر إلا بما يراه ..
عندها يدخل الشاشة .. عندها يدخل الشبكة
..ويصبح جزءاً من الواقع المحدود الذي يدركه .
للخروج من الشبكة لابد من تركيز معاكس .
عند النظر لخارج الشبكة
بتركيز شديد دون انقطاع .. يخرج السالك من الشبكة .
يقول الحكماء أن سبب الوقوع في الشبكة هو
النظر لها بتركيز شديد غير منقطع ..
ولا يمكن الخروج منها إلا بتركيز شديد غير
منقطع لما هو خارج الشبكة .. لا يوجد حل آخر.
بطبيعة الحال فإن الإنسان الذي يجد نفسه في
هذا العالم لا يذكر إنه نظر من قبل إلى شيء بتركيز شديد..هو وجد
نفسه في هذا العالم وحسب !
يقول علم الحكمة إن الإنسان لا يذكر ذلك بسبب
استغراقه في هذا العالم ..
تماماً كما أن النائم لا يذكر أثناء خبرة
الحلم إنه ذهب إلى فراشه وأطفأ الضوء ثم نام !
لن يذكر ذلك إلا عندما يستيقظ .
كذلك فإن الإنسان المستغرق في هذا العالم لا
يذكر متى ولماذا وكيف وجد نفسه في هذا العالم .
لن يذكر ذلك إلا عندما يستيقظ .
ولا يمكنه أن يستيقظ إلا بالخروج من الاستغراق
في الواقع المحدود الذي يدركه ..
إلا بالخروج من الشبكة .
ولا يتم ذلك إلا بتركيز شديد لا ينقطع خارج
الشبكة .
هذا هو دور التركيز وأهميته في طرق الحكمة .
يبدأ السالك بتطبيق ما تعلمه من الحكماء
والمعلمين لتدريب الذهن على التركيز .
عند الالتزام بذلك بإصرار وعزيمة
لفترة من الوقت يتمكن من الخروج من الشبكة ..
عندها تحدث له الخبرات الإدراكية التي تحدثنا
عنها .
ولكنه سرعان ما يعود للشبكة مرة أخرى !
تأتي الخبرات الإدراكية هنا كلمحات تأتي وتذهب
بسرعة .
هو لا يتثبّت في هذه الخبرات .. هو لا يبقى
فيها طويلاً.
لا يتمكن إلا من مشاهدة لمحة سريعة سرعان ما
تذهب .
هي لمحات سريعة لشيء عظيم الجمال والجلال
والمهابة .. وهي لا تقدر بثمن .
لا يوجد شيء في عالمنا هذا يمكن أن يقارَن بما
يشاهده السالك في تلك اللمحات ..
وبسبب قوة هذه الخبرات وعظمتها تزيد عزيمة
السالك على تثبيت تركيزه بشكل أكبر حتى يتمكن من اختبار الواقع
الحقيقي لفترة أطول .
هو يجاهد كثيراً وبكل إصرار ..
ولكن الشبكة تقاوم بشدة .. وتجذب بقوة..
على الرغم من كل جهاد السالك فإنه لا يتمكن من
الحفاظ على تركيزه بالقدر الذي يسمح له بمشاهدة الواقع كما يريد ..
يكون ذلك سبباً للكثير من الشقاء والإحباط
للسالك ..
بعد الكثير من التجارب والمحاولة يكتشف السالك
أنه لكي يتمكن من تثبيت التركيز لديه فهو في حاجة لشيء آخر لابد
منه ..
الهدوء النفسي . |
الرئيسية | المكتبة | اتصل بنا |