العالم  كما يراه  الحكماء النظرة العلمية للعالم من السماء إلى الأرض

  معرفة الواقع كما هو ضرورة حتمية تفرضها المعاناة .

  الحكمة  هي العلم الذي من خلاله تُعرف ماهية الواقع كما هو موجود بالفعل ثم اختباره خبرة مباشرة .

  العالم الذي ندركه هو خيال ووهم  .. وهو يظهر نتيجة الطبقات التي تغلف الوعي .

   عالمنا الذي ندركه لا يمثل سوى شريحة ضيقة بالغة الضيق من الواقع الحقيقى الموجود بالفعل  والموجود هنا والآن .

  عالمنا يحجب الواقع الفعلي ويحبسنا داخل شبكة تفاعلية وهمية  موجودة بالفعل .. ماتريكس .

  نتيجة الجهل وتحت تأثير الشبكة يتقزم الإنسان ويبتعد عن حقيقته الفعلية التي لا حدود لعظمتها .

  يمكن اختراق هذه الشبكة واختبار الواقع الفعلي .. عندما يتحقق ذلك تنتهي المعاناة ويتحرر الإنسان من كل القيود .

  حياة الإنسان هي رحلة  هدفها اختبار الواقع الكلي والعودة للمصدر الأول .. حيث كل شيء .

 

مقدمة ضرورة المعرفة أعمار الأنفس في نظرية  المعرفة طريق الحكمة في المعرفة من الخارطة إلى الرحلة
في  الممارسة وحدة المعرفة والممارسة الحكمة والدين الحكمة والعلم غاية الحكمة ماوراء كل شيء خاتمة
الإرادة والعزيمة القلب السيطرة على الفكر التركيز الهدوء النفسي
مسيرة الحياة السلوك القويم الزُهد القدرات الخارقة تحويل الواقع

في الممارسة – طريق الخبرة المباشرة

الزُهد

يشتهر الحكماء والسالكون على طريق الحكمة بالزُهد .

هذه الشهرة بالذات تصبح سبباً رئيساً يُنفِّر الآخرين ويُبعدهم عن طريق الحكمة

" طريق الحكمة يدعوني للزهد في الحياة .. لا يمكنني أن أبتعد عن متَع الحياة ومباهجها .. لذا لن ألتفت لطريق الحكمة "

هكذا يفكر الآخرون .

وهو ظن خاطئ سببه الخلط بين الزُهد والحرمان .

الحرمان هو أن تمتنع عن شيء وأنت راغب فيه .

الزهد هو أن تمتنع عن شيء لأنك غير راغب فيه أصلاً.

بالتفريق بين الزُهد والحرمان يتبين أن الآخرين هم أيضاً يمارسون الزُهد ..

فكل إنسان لديه أمور لا يسعى لها لأنه لا يكترث لها .

الفارق بين الحكماء والآخرين هو فارق في الدرجة والمستوى .

الحكماء والسالكون هم بشر كبقية البشر .. لديهم رغبات و مطامع و آمال .

وهم يبدؤون حياتهم يرغبون بما يرغب فيه بقية البشر ..

مال .. شهرة .. سلطة .. جاه .. محبة الآخرين واهتمامهم ..الخ

إلى أن تحدث لهم تلك اللحظة الحاسمة !

لمحة عن الواقع في مستوياته العليا ..

يرى الحكماء والسالكون هنا شيئاً آخر لم يروه من قبل ..

شيء لا يمكن وصف جلاله وعظمته وجماله إلا بالمقاربة والمثال ..

وبعضه لا يمكن وصفة حتى بالمقاربة والمثال ..

لا توجد في عالمنا خبرات يمكن مقارنته بها .. ولا توجد كلمات يمكن أن تُعبّر عنه ..

عندما يعود الحكماء والسالكون للواقع الذي نعيش فيه سيرون كل ما فيه صغير .. تافه ..ناقص ومشوه إذا ما قورن بما شاهدوه واختبروه .

الاهتمام والرغبات والآمال التي كانت في البدء منصبة على المال والسلطة تذوى .. تزول .. تفقد قيمتها ومعناها وغايتها .

يصغُر المال .. وتصغُر الشهرة .. وتصغُر السلطة .

يلتفت الحكماء هنا إلى ما شاهدوه واختبروه ..

وتصبح العودة لما اختبروه  هو هدفهم الأول والأخير.

عندما يرغب المرء في أمر ما بشدة فهو يكّرِس حياته ووقته وجهده للوصول لما يرغب فيه .

ولكن إن شاهد ما هو أعظم منه فإنه سيفقد الرغبة والاهتمام بما هو أصغر .. يكرِس حياته ووقته الآن لما هو أعظم .

يزهد بالصغير والتافه ولا يعد مكترثاً به .

هذا هو الزُهد .

الأمر هنا أشبه بمن يعيش في كوخ مهلهل وفقير ولكنه سعيد به لأنه لا يعلم أن هناك ما هو أفضل منه ..

ثم بلحظة ما يشاهد ويختبر بنفسه قصراً فارهاً لا حدود لعظمته وجماله .

عندها سيصغُر كوخه في عينه ويلتفت في فكره ونفسه للقصر الذي شاهدة .

الحكماء والسالكون شاهدوا واختبروا ما هو أعظم من كل ما هو هنا في واقعنا المحدود ..

هم ينظرون إلى هذا الواقع كمّن ينظر إلى سجن ضيق ..

لذا فهم يفقدون رغبتهم واهتمامهم بكل ما في هذا السجن ويكرِسون حياتهم وجهدهم للوصول لما هو أعظم .

الحكماء عمليّون ويطمعون بما هو أعظم دائماً !

لهذا فهم يزهدون بكل ما هو دونه ولا يأخذون ما دونه إلا بالقدر الذي تقتضيه الضرورة العملية .

عندما يفقد الحكماء والسالكون رغبتهم واكتراثهم بالمال والسلطة فهم لا يعانون ولا يحرمون أنفسهم من شيء يريدونه ..

هم لا يريدونه ولا يكترثون له أصلاً !

في الحرمان معاناة لأن من يحُرِم نفسه مما يرغب فيه يعاني .

في الزهد لا معاناة لأن الزاهد لا يرغب في ما يزهد فيه .

يمكن أن يفرِض المرء الحرمان على نفسه بأن يمتنع بإرادته عن ما يرغب فيه ويشتهيه .

أما الزُهد فلا يمكن أن يُفرَض لأنه يأتي من صميم النفس .

وهو لا يأتي إلا عندما يتحول انتباه المرء مما هو أدنى لما هو أعلى .

يقول الحكماء أن فقدان الاهتمام والاكتراث لما يهتم به أغلب الناس في هذا الواقع المحدود هو علامة من علامات النضج لدى السالك .

لأنهما علامة على أن قلب السالك يتحول الآن باتجاه ما هو أعظم من هذا الواقع المحدود الضيق في المكان والزمان .

في بعض طرق الحكمة هناك الكثير من التقنيات والتعاليم التي تفرض الحرمان على السالك فرضاً .

هي تقنيات تقوم على الصيام عن الطعام والشراب والنوم ..

تمارين جسدية ونفسية شاقة ومتعبة ..

انعزال عن الناس وعن المجتمع لفترات تطول وتقصر .

بعض هذه التقنيات تفوق في متطلباتها حدود قدرة البشر !

وهي تُفرض في الأغلب على السالك المبتدئ على طريق الحكمة .. وهي تختلف في صرامتها وشدتها باختلاف مدارس  و طرق الحكمة .

لا يقصد بذلك إيذاء السالك بطبيعة الحال .

يقصد بذلك تقوية الإرادة والعزيمة و السيطرة على الجسد والنفس والفكر لدى السالك .

فالحكماء يعلمون أن أمام السالك رحلة طويلة وخطرة .. ولن يتمكن من الاستمرار على الطريق إلا من هو مُدرّب على السيطرة على نفسه وفكره وجسده .

هو شيء شبيه بواجبات وتدريبات القوات الخاصة !

والتي لكي تقوم بمهامها الخطرة فلابد أن يكوّن أفرادها مدربون تدريباً صارماً وقوياً .

يقوم المرشد أو المعلم بتكليف السالك بهذه التقنيات ويطالبه بمراقبة نفسه وإرادته أثناء القيام بها .. وهو يقوم برفع شدتها وتخفيضه بما يتناسب مع مستوى تطور السالك .

هناك مدارس للحكمة لا تفرض على السالك أي نوع من أنواع التقنيات والتمارين الشاقة فالأمر كما ذكرنا يعتمد على الطريقة والمدرسة التي يتّبعها السالك .

ولكن في كل الحالات فجميع طرق الحكمة حريصة على تقوية عزم وإرادة السالك بشكل أو بآخر .

و السالك الذي يسير وحيداً على الطريق فعليه دائماً تحدي نفسه وتعزيز إرادته وقدرته على ضبط النفس والسيطرة على الفكر والجسد بواجبات يُلزم نفسه بها .

هو يعمل من أجل نفسه فلا معنى هنا للتهرب والمراوغة !

كما قلنا فإن كل هذه الالتزامات والحرمان لا يقصد بها إلا لتعزيز الإرادة وتقوية السيطرة على النفس .

أما الزُهد فهو لا يمكن أن يأتي إلا عندما يتوجه مركز الاهتمام والانتباه ..إلا عندما يتوجه القلب إلى المستويات العليا للواقع .

وهو أمر يأتي بالتدريج وبالمران ..

وأحياناً يأتي بشكل كامل ومفاجئ لدى البعض الذين تفاجئهم خبرات إدراكية جبارة .

عندها يقل اكتراث السالك لهذا الواقع المحدود ولما يوجد فيه .

إن من المهم هنا للقارئ أن يفهم أن هذا لا يعني الفقر وشظف العيش .. ولا يعني الهروب من الحياة وعدم الاكتراث للآخرين .

لا علاقة بين الفقر والزُهد .

قد يُلزم المرء نفسه بالفقر وبشظف العيش ولكنه لا يكون زاهداً .

الفقير أو من يُظهر الفقر وهو راغب في ما لا يستطيع الحصول عليه هو محروم .

أما الزاهد فهو لا يرغب ولا يكترث بما ليس بين يديه .

فالزهد كما ذكرنا هو عدم اكتراث لما يهتم به أغلب الناس .

سبب الزهد بما يهتم به أغلب الناس هو أن الزاهد يكترث ويرغب بشيء آخر أعظم وأشد أهمية .

الأمر هنا أشبه بالطفل الذي يرغب ويفكر ويسعى لاقتناء الألعاب ..

عندما يكبر هذا الطفل ويصبح رجلاً ناضجاً فهو لن يرغب ولن يفكر ولن يسعى للألعاب ..

هو الآن لديه أهداف ومطامح أكبر وأعظم يسعى لها .

يقول الحكماء أن كل ما يسعى له البشر من مال وذهب وسلطة وممتلكات هي أشبه بألعاب الأطفال المثيرة للرثاء إذا ما قورنت بما يسعون هم له !

والزُهد لا يعني أن يهرب الزاهد من مسؤولياته والتزاماته تجاه الآخرين والمجتمع .

لأن الهروب من المسؤولية يخالف السلوك القويم الذي هو شرط أساسي للسلام الداخلي .

ولأن التفاعل مع الآخرين والمجتمع هو الميدان الذي يدرب السالك نفسه فيه ويقيمها ..

هو ميدان التدريب والاختبار والتقييم.

عدم الاكتراث بالصغائر وتوجيه الفكر والنفس للهدف العظيم .. هذا هو الزهُد .

وهو يؤدي حتماً إلى بساطة واعتدال في العيش .

وهو يؤدي إلى نفور من سفاسف الأمور والسعي وراء مقتنيات تافه لا معنى لها.

وهو يؤدي لاشمئزاز من الكثير من الشكليات التي يُلزم الآخرون أنفسهم بها ويعانون بسبب ذلك !

سيؤدي الزهد عندما يتمكن من نفس السالك من تحريره من الكثير من القيود والمفروضات والالتزامات التي لا معنى لها .

وسيتحرر من الاهتمام بها والسعي وراءها والحزن لفقدانها .

ستصبح حياته بفعل هذا التحرر أكثر اعتدالاً وبساطة وخفة .

حد الاعتدال لا يمكن أن يوضع في قوانين وضوابط ما .

فنمط الحياة متغير ومتفاوت على حسب الثقافة والعصر لدرجة لا يمكن حصرها .. وما هو غير ضروري اليوم يصبح ضروري في يوم آخر ..الخ

فلا يمكن حصر  حد الاعتدال في قاعدة أو ضابط محدد ..ولا يمكن وضع قوائم لما يجوز اقتناؤه وما لا يجوز اقتناءه !

حد الاعتدال هو حد يعلمه السالك كما يعلم أي شيء آخر ..

هو يعلمه في نفسه ..

وعندما يعلمه سيكون من الطبيعي والفطري أن يلتزم به دون عناء أو إجبار لأنه سيصبح جزء من طبيعته هو .

وهكذا يتبين لنا المعنى الحقيقي للزُهد والذي سيظهر بشكل طبيعي وتدريجي في نفس السالك كلما تمكن من تعزيز إرادته وتوجيه فكره وقلبه باتجاه الهدف الذي يسعى له وهو اختبار الواقع كما هو والخلاص من المعاناة والعودة للمصدر الأول ..حيث كل شيء .

 >>

مقدمة
ضرورة المعرفة - المعاناة
أعمار الأنفس
في نظرية المعرفة  :
                       مصادر المعرفة - كيف يمكن أن نعرف
                       الأساس المعرفي لطريق الحكمة
                       اليقين

طريق الحكمة

في المعرفة - لعالم كما يصفه الحكماء :
                     العوالم الأخرى
                     مستويات  الوجود
                     الكل وأجزاءه
                     العالم كوحدة واحدة
                     ماوراء المكان والزمان
                     المصدر الأول - الموجود الحق
                     العالم الحُلم -  الواقع التمثيلي
                     حُجب  الوعي
                     العالم كإنعكاس
                    الإستغراق في العالم  - ظهور الشبكة ( الماتريكس)
                     أسباب الخلاف
                    الشبكة المتفاعلة
                    

من الخارطة إلى الرحلة

في الممارسة - طريق الخبرة المباشرة
                 الإرادة والعزيمة
                 القلب - مركز الانتباه
                 السيطرة على الفكر - مراقبة النفس
                 التركيز
                 الهدوء النفسي  - السلام الداخلي
                 مسيرة الحياة - ميدان التدريب والتقييم
                 السلوك القويم - المعرفي و الأخلاقي والعملي
                 الزُهد
                 القدرات الخارقة
                 تحويل الواقع

وحدة المعرفة والممارسة
الحكمة والدين
الحكمة والعلم
غاية الحكمة - السعادة المطلقة
ما وراء كل شيء - هو
خاتمة

تنزيل رسالة الخروج إلى الداخل