" تقوم الأنا على مماثلة جوهر المدرِك بعملية الإدراك
الجهل هو سبب
هذا التماثل
عند غياب
الجهل يزول التماثل
عندئذ يحصل
التجنب وانعتاق المدرِك "
اليوغا سوترا
|
في المعرفة – العالم كما يراه
الحكماء
الوعي – العالم كانعكاس
قلنا أن الإنسان هو جزء من المصدر الأول .
وأن المصدر الأول هو فوق مستويات الوجود .
ومستويات الوجود طبقات بعضها فوق بعض .
وإن عالمنا الذي ندركه هو في مستوى متدني في
أسفل هذه الطبقات .
وإن الإنسان يوجد في عالمنا الذي ندركه .
فكيف يحدث أن الإنسان لا يدرك إلا هذا الواقع
المحدود في عالمنا؟
كيف لا يتمكن الإنسان من إدراك المستويات
العليا على الرغم من إنها توجد معاً هنا والآن ؟
السبب
في ذلك هو مستوى الوعي المتدني ..
الوعي هو كالمرآة.
والإنسان الواعي .. الذات العارفة .. هو
كالشخص الذي يقف أمام المرآة.
والواقع الذي يقع في وعي الواعي .. الواقع
الذي يدركه الإنسان هو كالصورة التي تظهر في المرآة .
وكما أن الصورة هي انعكاس للشخص الذي يقف
أمامها .. كذلك فإن الواقع هو انعكاس لوعي الواعي .
عندما يكون الإنسان في مستوى وعي متدني فهو
يميل للنظر إلى الأشياء منفصلة عن بعضها البعض .. لذلك فهو يرى
الواقع كأشياء منفصلة عن بعضها البعض ..
كل ما يفعله الوعي إنه يعكس بأمانة مستوى وعي
هذا الإنسان .
عندما يكون الإنسان في مستوى وعي عالي فهو
ينظر إلى الأشياء في وحدتها وفي ترابطها ..
يعكس الوعي ذلك فيرى هذا الإنسان صورة أكبر ..
صورة أكثر توحداً للواقع ..
الصورة التي تظهر للواقع هي صورة حقيقية في
كلا الحالتين لأن الواقع هو ليس أكثر من انعكاس للوعي
كل شيء تدركه .. كل شيء تعرفه .. الأشجار
والجبال .. المجرات والنجوم .. جسدك والأشخاص الآخرين .. أفكارك
ومشاعرك ..
كل شيء تدركه لابد أن يقع في وعيك .
الوعي كما قلنا كالمرآة .. كل ما تدركه لابد
أن يقع في هذه المرآة .
أنت هو من يشاهد هذه المرآة .. الذات العارفة
هي من يرصد ما يقع في المرآة .
يقول الحكماء أن المشكلة هي في الخلط بين
الواعي وبين ما يقع في الوعي .
عندما يظن الإنسان أنه هو الصورة التي يشاهدها
في المرآة تبدأ المشكلة !
ولتوضيح ذلك
تخيل أنك تشاهد فيلم وقد اندمجت فيه بشدة
للدرجة التي أصبحت تظن وتصدَق تماماً أنك أنت من يمثل في هذا
الفيلم فما الذي سيحدث عندها؟
ستتأثر بكل ما يحدث من أحداث .. ستتألم وستخاف
..وستشعر بالقلق والحزن والكآبة ..
ستعاني تماماً كما تعاني شخصيات الفيلم .
السبب في هذه المعاناة هو الخلط بينك وبين ما
تشاهد .
هذا الخلط سببه الجهل والفهم الخاطئ أن
المُشاهد هو ما يشاهده .. أن الواعي هو ما يعيه .
لو عدت لعقلك وتذكرت أنك مجرد مشاهد للفيلم
..فلن تتأثر بما يحدث فيه ..ستزول المعاناة.
يقول الحكماء أن هذا ما يحدث فعلياُ في الواقع
.
الإنسان عندما يرى الواقع من مستوى متدني فهو
يراه كأشياء منفصلة .. يرى جبال وأشجار وأشخاص آخرين ..
يرتبط هو بأحد هؤلاء الأشخاص ويظن إنه هو هذا
الشخص ..فيصبح كالمشاهد الذي ظن أنه هو بطل الفيلم !
سيكون كأنه دخل في الشاشة وأصبح داخل أحداث
الفيلم ..
إن ما يحدث للإنسان عندما يخلط بين ذاته
الحقيقية وبين ما يرصده هو أنه يدخل فعلياً وحرفياً فيصبح جزء
من الواقع الذي كان يرصده .
ولأنه يرصد الواقع من خلال مستوى وعي متدني
فإن الوعي سيعكس له واقع هذا المستوى فيرى واقعاً محدوداً ومنفصلاً
ومجزءاً.
كل ذلك بسبب الخلط بين الواعي وما يعيه .. بين
الراصد والمرصود .
طرق الحكمة هي التقنيات التي تهدف إلى فصل
الواعي عما يعيه ..هي من سيعمل على إخراج الراصد من الشاشة التي
دخل فيها ولا يعلم كيف يخرج منها.
عملية الخروج هي عملية فعلية حقيقية .
وعملية الخروج تتم تدريجياً ..
كلما ارتفع مستوى وعي الإنسان أكثر كلما تغير
الواقع الذي يراه ويختبره .
عندها تحدث المشاهدات التي يتحدث عنها الحكماء
.. عندها تحدث اليقظة .. ثم درجة أخرى أعلى من اليقظة وهكذا حتى
الوصول لليقظة الكبرى .
ومن هنا يتبين لنا أن الوعي هو لغز في غاية
الغرابة .
الوعي هو مرآه ولكنه ليس كأي مرآه أخرى..
الوعي هو مرآه يمكن الدخول فيها والخروج منها
!
ومن المهم أن يتذكر القارئ أن هذه حقيقة فعليه
من حقائق الوجود وليست مجرد طريقة في التعبير .
عندما يخلط الواعي بين ذاته وبين ما يعيه ..
عندما يظن المشاهِد إنه هو ما يشاهده يدخل الواعي حرفياً في المرآة
.
وعندما يدخل في المرآة تظهر الشبكة .. شبكة
الواقع .
وعندما تظهر الشبكة يصبح الخروج منها مستحيلاً
. |
الرئيسية | المكتبة | اتصل بنا |