|
في المعرفة – العالم كما يراه
الحكماء
الاستغراق في العالم – الشبكة
(الماتريكس)
إن الخلط بين الواعي وبين ما يعيه هو السبب
الذي يجعل الإنسان يرى الواقع كما يراه .
هو الذي يجعل مُشاهِد الفيلم يدخل في الفيلم
ويتأثر فيه .
إن هذا ليس مجرد تشبيه ..
بل إن هذا هو ما يحدث فعلياً .
يسمى الحكماء هذه الحالة بالإستغراق .
هي حالة تماماً كحالة الاستغراق في النوم .
عندما يستغرق الإنسان في النوم تبدأ تجربة
الحلم ، ولأن النائم يظن أنه هو ما يشاهده فهو يصبح جزءاً من
الحلم الذي يحلم به .
يتشكل مسرح تحدث داخله أحداث الحلم ..
ويتشكل جسد يختبر الحالِم بواسطته حلمه ..
وتتشكل أحداث تمثل مادة الحلم وقصته .
هذا ما يحدث فعلياً وحرفياً في واقعنا الذي ندركه والذي هو في حقيقته
حلم أو محاكاة .
ظهور الشبكة
كما ذكرنا
فإن الحكماء يؤكدون لنا إن عالمنا الذي ندركه هو في حقيقته
عبارة عن شبكة ذهنية محيطة بنا
هذه الشبكة
تظهر وتتكون من عدة طبقات تمثل الشروط التي تظهر من خلالها :
عندما يخلط الإنسان بين ذاته وبين ما يختبره
.. يتوفر الشرط الأول والأساس للاستغراق في الواقع .
وهي الطبقة الأولى ..
وعندما يستغرق المرء في الواقع فهو سيختبره ..
ولكي يختبر المرء الواقع فلابد أولاً من مسرح
تحدث فيه الأحداث ..
هنا يظهر المكان والزمان ..
عندما يتوفر المسرح يتوفر الشرط الثاني
لاختبار الواقع .. الطبقة الثانية.
المسرح أصبح جاهزاً ..
أنت
الآن في حاجة لجسد تختبر فيه الواقع الذي دخلت واستغرقت فيه .
سيستخدم هذا الجسد كأداة من خلالها ستختبر
الواقع الذي غرقت فيه ..
الجسد الذي ستحصل عليه سيكون من نفس طبيعة
الواقع الذي غرقت فيه وسيكون محكوماً بقوانين هذا الواقع والذي
سيصبح عالمك .
يأتي هذا الجسد الذي
سترتبط به من أب وأم ..
الأب والأم حدث معهما من قبل ما حدث معك
والتقيا بطريقة تحددها أحداث الواقع الذي غرقا هم فيه من قبل ...
سيعطي الأب نصف الشيفرة التي ستحدد خصائص
الجسد الذي سترتبط فيه وستساهم الأم بالنصف الثاني من هذه الشيفرة
..
ستحدد هذه الشيفرة شكل وبنية وخصائص الجسد
الذي ستستخدمه وأيضاً موقعك في العالم الذي غرقت فيه .. الأمة
والثقافة والمكانة الاجتماعية ..الخ.
الجسد الذي حصلت عليه له خمس مُدخلات وخمس
مُخرجات .
المدخلات الخمس ستزودك بمعلومات عن العالم
المحيط بك ..
هذه المُدخلات هي الحواس الخمسة : البصر ،
السمع ، اللمس ، التذوق والشم .
المُخرجات الخمس هي التي ستمكنك من إحداث
أفعال في عالمك..
المُخرجات الخمس هي : الكلام ، المسك ، المشي
و التكاثر والإخراج .
لكل من المدخلات و المخرجات عضو خاص بها ، هذه
الأعضاء هي التي ستمكنك من التفاعل مع العالم الذي غرقت فيه ،
دون هذه الأعضاء ستكون كالجماد في العالم المحيط بك
لن تعلم شيء مما حولك ولن يعلم ما حولك شيء عنك .
الجسد هنا كالصندوق الذي يحيط بالواعي ..
المُدخلات والمخرجات الخمسة هي فتحات الصندوق والتي من خلالها
يتفاعل من فيه مع العالم الخارجي.
الآن أصبح الجسد جاهز لك .. وبذلك يتوفر الشرط
الثالث للاستغراق في العالم .. الطبقة الثالثة .
أنت الآن في حاجة لشخصية !
الشخصية تتكون شيئاً فشيئاً وعلى مدى سنوات
طويلة تلي دخول الجسد في العالم الذي غرق فيه.
الشخصية تتكون من خلال الأب والأم ..العائلة
.. الأمة.. الديانة
والمعتقدات ..العصر .. الثقافة والقيم .. السلوكيات والعادات
والتقاليد للواقع المحيط بالجسد .
الشخصية ستحدد لك من أنت.
ستحدد اسمك .. قوميتك .. ديانتك .. ما تعرفه
.. ما تؤمن به .. ما يجب أن تحبه ومالا يجب أن تحبه .. ما عليك
فعله وما لا يجب عليك فعله .. ما تطمح إليه وما لا يجب أن تطمح
إليه .. ما تأمله .. ما تخافه ..ما تتمناه وما تخشاه .
وهكذا طبقات تعلو طبقات ..
الطبقة الأولى .. الاستغراق
الطبقة الثانية
..المكان والزمان
الطبقة الثالثة
الجسد .. بنيته وخصائصه
..استعداداته وحدوده.
الطبقة الرابعة .. القومية والأمة والديانة
الطبقة الخامسة .. الثقافة والعادات والتقاليد
والقيم
طبقات متعددة ومتداخلة .
ينظر الواعي للواقع من خلال هذه الطبقات ولأنه
مستغرق في العالم يظن أن مجموع كل هذه الطبقات هي ..هو !
يظن إن هذه هي حقيقته وهذا عالمه ..
هذه هي قدراته وهذه هي حدوده ..
وعندما تتحدد الشخصية يصبح الإنسان مُجبراً
على التفاعل مع العالم المحيط به .
عليه الآن أن يتفاعل مع العالم الذي وجد نفسه
فيه .
يوجد في العالم أشخاص آخرون .. أجزاء أخرى من
نفس المصدر .. المصدر الأول.
هذه الأجزاء الأخرى حدث لها تماماً ما حدث لك
..
وهي تتفاعل مع نفس الواقع من خلال طبقات
كثيرة تختلف عن الطبقات التي تكوّنك..كلُ على حسب الموقع الذي
وقع فيه ..والمكان والمكانة الذي وجد نفسه فيه في الواقع .
وعليها أيضاً أن تتفاعل مع بعضها البعض .
يتفاعل البشر مع بعضهم البعض من خلال طبقات
تغلف وعي كل منهم .
هذا التفاعل بينهم هو تفاعل حركي مستمر ..
يؤثر ويتأثر كل جزء بكل الأجزاء الأخرى .
هذا التفاعل يكوَن شبكة من العلاقات المتفاعلة
والمتغيرة كالنهر الجاري .
هكذا تظهر الشبكة..
و لتوضيح هذه النقطة بالغة الأهمية
نقول :
تخيل إنك تقف أمام مرآه .. أنت الآن ترى نفسك
كما هو أنت بالفعل ، فالمرآة تعكس صورتك بأمانة .
تخيل الآن إنك وضعت على عينيك عدستين بلون
أحمر .. سترى صورتك الآن بلون أحمر.
ثم وضعت فوق تلك العدستين عدستين إضافيتين
مُصغّرتين .. سترى الآن في المرآة صورتك بلون أحمر وبحجم صغير .
ثم وضعت فوق كل ذلك المزيد والمزيد من العدسات
كل واحدة لها تأثير ولون مختلف .
سترى الآن في المرآة صوره مختلفة تماماً عن
حقيقتك الفعلية بسبب تأثير هذه العدسات .
فإذا خلطت الآن بين حقيقتك كواعي وبين صورتك
التي تراها من خلال هذه العدسات ستظن أنك أنت ما تراه
يحدث هذا لك وللآخرين .
وهم الآن يتفاعلون فيما بينهم من خلال الصورة
التي يظنون أنها تعكس حقيقتهم
هذه هي الشبكة .. هذه هي الماتريكس
فالشبكة هي الصورة
الوهمية التي ظهرت في المرآة وقد شوهتها طبقات من العدسات المختلفة
التأثير
هذه العدسات هي الطبقات التي ذكرناها .. الجسد
.. الشخصية .. الثقافة الخ
هذه الشبكة هي الواقع الذي تجد كل الأجزاء
التي غرقت فيه إنها أصبحت أسيرة لها ولا تعلم كيفية الخلاص منها .
لكل جزء من أجزاء الشبكة أماني ورغبات ومخاوف
تحددها الطبقات التي تحيط بها في وعيها .
وعندما لا تتحقق هذه الأماني والرغبات تظهر
المعاناة .
يقول الحكماء أن الإنسان يعاني لأنه عالق في
شبكة لا يمكن الخروج منها ..
هذه الشبكة ليست شيئاً ملموساً ..
هي مجموع تفاعل كل جزء من خلال طبقات الوعي
الذي تغلفه مع الأجزاء الأخرى .
تصبح هذه الشبكة هي الواقع .. هي الحياة ..هي
الدنيا التي يعيش فيها البشر.
هي شبكة يخلقها الواعي لنفسه ويعلق بها ولا
يعلم كيفيه الخلاص منها
ولأن الإنسان غارق تماماً في هذه الشبكة
فإنه
يصبح كمَن دخل حرفياً في الشاشة وأصبح جزءاً من الفيلم .
كل شيء سيبدو حقيقياً وملموساً .. صلباً وغير
قابل للاختراق !
يؤكد الحكماء أن هذا ما يحدث فعلياً.
يؤكد الحكماء أن هذا ما يحدث حرفياً .
يقول الحكماء أن اعتقاد الواعي أنه هو ما يعيه
يؤدي للاستغراق في الواقع .. يؤدي إلى الدخول في الشبكة.. ويمنع
الخروج منها
وهذه الشبكة هي نفسها ليست أكثر من الطبقات
التي تغلف الوعي لكل جزء دخل فيها .
تصبح هذه الطبقات كالحجب التي تمنع الرؤية.
أن المرء الذي يقف أمام مرآه وينظر إلى نفسه
من خلال طبقات عديدة من العدسات التي تشوه صورته لا يمكنه
أن يرى صورته الحقيقية والعالم الحقيقي الذي يعيش فيه إلا بأن يزيل
هذه العدسات واحدة وراء الأخرى .. لا يوجد حل آخر .
طريق الحكمة هو الطريق الذي يعلم
السالك كيفية إزالة هذه الطبقات التي تُغلف وعيه وتشوه صورته وصورة
العالم الحقيقي الذي يعيش فيه .
الحكماء هم من تمكنوا من الخروج من هذه الشبكة
وهم يصفوا لنا العالم كما شاهدوه بعد خروجهم من الشبكة ولا يتم ذلك إلا بإزالة هذه الحجب .
عندما تزول هذه الحجب يتمكن المرء من مشاهدة
الواقع كما هو .
يصبح كالرجل الذي أزال الملاءات عن رأسه وأصبح
قادراً على مشاهدة الغرفة التي كان فيها .
الغرفة لم تظهر من عدم .. هي كانت موجودة
دائماً
الواقع كما هو موجود دائماً .. هنا والآن
ولا يمنع من مشاهدته واختباره إلا هذه الطبقات
التي تغلف الوعي .
لهذا فمن الطبيعي إننا لا نرى شيئاً .. هكذا
يقول الحكماء .
|
الرئيسية | المكتبة | اتصل بنا |